يــوم ذكـراك يعطر جبين السماء

بقلم: يوسف رجيب / صاحب جريدة النجف

أيها الحسين السبط الشهيد عليك سلام الله وسلام انبيائه ورسله، ولك دموع المسلمين وعليك حزنهم الى مصرعك المفجع ترنو عيون اهل القرآن والتوراة والزبور لتذرف على جدثك الطاهر دموع وجدها في يوم مصابك الأعظم.

سلام عليك وأنت على صعيد كربلا جثة بلا رأس وسلام على قبرك المقدس وهو يضم خلاصة اباء العرب وناموس الدين ودستور الحق وسلام على العاشر من محرم الحرام إذ هو يعيد لنا ذكراك هذه  ليعيد النفوس الى منهج الرحمن وسنة المصطفى ودين السماء نفياً للجور واستجابة لدعوة الله على هذه الأرض ليعم الرشاد ولينقطع دابر المفسدين.

وفي هذا المحرم الكئيب تزحف قلوب المؤمنين وتربو عيون ابناء هذه الدنيا من شتى اقطارها الى ضريحك المقدس تطوف به باكية وترفرف عليه نادبة مقروحة، وليس لقبر أولياء الله الصالحين البررة غير قبر الحسين بن علي هو قبله الدنيا وكعبة بني الأرض لأن الله شرفه بجهاده اعداء جده الذين اعتزموا طمس الدين الحنيف وانتهاك الشريعة واتخاذ الخلافة الدينية امرة زمنية استباحوا بها حمى كل محرم يتلذذون بما حرم الله وحرمته كتبه المنـزلة حتى اصبحت ايامهم جاهلية جذعة تدرج في ضلالها ومجونها وإستهتارها خبط الناقة العشواء في الليلة الليلاء تلك طغمة الشر وحاشية الشيطان واعوان الكيد للإسلام الذين تمنوا ((أشياخهم)) وارواح طواغيتهم من قتلى ((بدر)) ليشمتوا بمصرع الحسين.

وليس للحسين بن علي وهو يسمع نغمة الجور تغطي صوت الحق ويرى دبيب افاعي الإجرام تلاحق المسلمين ويجد ولاة السوء تتخذ الناس خولاً وانعاماً لتهب من حلال ومن حرام العيش ما يستحله طائر حومان من غير ماء سعى اليه من يهماء ملتهبة القيعان.

ليس اذن للحسين وهو ربيب بيت النبوة وسليل الرسالة وأبواه محمد خاتم الرسل وعلي سيد الأوصياء إلاّ أن يجردها حرباً ويثيرها ملحمة تدك عروش البغي وتزلزل أركان امارات جعلت من منابر الوعظ وداراة ذكر الله وتلاوة القرآن ملكاً عضوضاً لا يعرف من الخلافة إلاّ كونها وسيلة لجر المغانم واشباع الشهوات البهيمية فلا وازع ولا رادع عما كانت تسعى اليه طغمة الشر في تلك الأيام السود.

 ولئن كان للباطل جولة وللشيطان ان ينشط في مضمار غيه فان الحق يتعقب الباطل فيرديه ثم يجهز على شيطانه الدال على الطغيان والاثام فإذا الباطل وصاحبه لقى لليدين وللفم.

ذاك هو مصير الحكم الطائش وتلك هي دولة الجرائر والفساد وهذا يوم الحسين ومصرع الحسين وذكرى الحسين.

ذكرى تعطر جبين السماء ونخوة هي عنوان الإباء على ناصية العيون، وأباء هو اباء أبي الضيم:

جلا لها ابن جلا عضب الشبا ذكرا   ****  لا يعرف الصفح اما سله الغضب

وأي غضبة علوية كانت غضبة الحسين على خيول الشرك وحزب المارقين في يوم عاشوراء.

ولم ير  يوم الطـف اصبر منهم   ****   غداة بها للموت طافت جحافل
رمى العز في الخضراء بين نجومها   ****  وكن ثاقبـاً فيها وهـن أوافـل

وليس من كريم مات شريفاً عصياً على الضيم في دنيا الأباء والشرف إلاّ وكان الحسين بن علي رائده وزعيمه وسيده في وثبته على الظالمين.

واضرمها لعنـان السـماء   ****    حمراء  تلفـح اعنانهـا
ركين وللأرض تحت الكماة    ****    رجيف يزلزل ثهـلانها
ولمـا قضى للعلـى حقهـا  ****      وشيد بالسيـف بنيانها
ترجـل للموت عن سابـق     ****   له أخلت الخيل ميدانها
كأن المنيـة كانـت لديـه   ****     فتاة تواصـل خلصانها

أجل، يا أبا عبد الله فان دولة العلا ومجد الإسلام مدينان لحسامك ولجهادك وان شجرة هذا الدين الحنيف لتحنو عليك اليوم تحيي ذكراك المباركة وتمجد لك دماء آل الرسول الزكية سقيت بها اصلها الثابت فاذا هي فارعة في السماء تطبق الخافقين واذا كلمة شهادة التوحيد لها من الظهور والإشراق ما للشمس المنيرة في رأد الضحى..

وإذا بشانئيك وما شادوا للدنيا والفساد يتلقون اللعن الى يوم الدين وذلك جزاء الكافرين.

وحدة الأمة - وذكرى واقعة الطف

بقلم: نور الدين داود / صاحب جريدة الرائد

كلما آن لنا ان نستعيد ذكرى استشهاد الحسين (عليه السلام) لابد لنا من استذكار الظلمة ووحشية الانسان من جهة وان نستذكر الايمان بالعدالة ومن الدفاع عن الحق والتضحية في سبيله من جهة اخرى.

وقد أجمع المؤرخون - الا من شذ منهم والشاذ لا يكون قياساً - ان سيدنا الحسين (عليه السلام) كان حريصاً على العدل واستقامة شؤون الدين واحقاق الحق والرأفة بالرعية وتحمل مسؤولية ادارتها وفق قواعد الشريعة السمحاء .

ولكن عندما قبض معاوية على ازمة الحكم في الشام فشق المسلمين على انفسهم وقف علي بن ابي طالب (عليه السلام) يريد وحدتهم ولم يكن غيره يؤيد وحدتهم ولم يكن غيره لهذه الوحدة وهو ابن عم الرسول وصهره وخليفته فلما مضى ذلك الدور وجاء دور الابناء كان يزيد بن معاوية اكثر استهتاراً بشؤون المسلمين وحقوقهم وكان الحسين بن علي (عليه السلام) قطب الوحدة ليس لها غيره ابى ان يقر يزيد وظلمه غير انه كان في حاجة الى عون المسلمين وقوتهم فلما دعي (عليه السلام) الى العراق جاء ملبياً واجباً دينياً ودنيوياً جاء لينقذ رسالة جده وابيه من عبث الطغاة وحينما بلغ تخوم الكوفة وعلم بما مكر الطغاة مع انصاره واعوانه وما اعدوا من قوات سدت عليه السبل لم تستهوه (عليه السلام) الحياة الدنيا فصمد لها والايمان بملأ قلبه العظيم بحق المسلمين. صمد ببسالة فصبر وتجلد الى ان دقت ساعة التضحية فتقبلها راضياً مرضياً. فكانت مأساة تركت في تاريخ العروبة والاسلام صحيفة سوداء لا تمحوها الايام اذ بدت وحشية الطغاة ازاء احفاد الرسول بافظع ما عرفته الانسانية في تاريخها ولم يرتدع اولئك الطغاة بحكم الشريعة التي نشر الويتها جد الحسين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا بما نقضي به الضمائر. اذ تناسى اولئك الطغاة بان آل الرسول جزء من الدين سيبقون كذلك ما دامت العصور ودام الاسلام وهو دائم ان شاء الله.

ولكن من المؤسف ان تمضي على المسلمين حقب لا يتعظون خلالها بهذه الذكرى المؤلمة في تاريخهم وان لا يتخذوا منها عبرة تجمع كلمتهم وتوحد صفوفهم ازاء الظلم والطغيان بل على عكس ذلك رأينا المسلمين يختلفون بعد حقب من هذه المأساة ويفرقون شيعاً وطوائف بحجة ما كان من امر هذه المأساة وان تدوم هذه الفرقة الى يومنا هذا دون ان ينتبه لا الحكام ولا رجال الدين ولا السياسيين ولا المثقفين الى اخطار هذه الفرقة او منافاتها لمبدأ تضحية الحسين (عليه السلام).

قلت ان المسلمين على اختلاف مذاهبهم يعتبرون آل البيت جزءاً من الدين بعكس غيرهم ممن حكموا المسلمين بعناوين مختلفة وفي ازمان وظروف وهل يحتاج هذا الامر الى دليل وكل مسلم كلما صلى قال ((اللهم صل على محمد وآل محمد)).

اما اختلاف الاجتهاد في التفرعات حسب ظروف المجتهد وزمانه ومكانه فليست مما تضير المسلمين وتؤثر على وحدتهم الاصلية التي قضت بها العقيدة الاسلامية وتناسق اصولها.

ولكن من المؤسف ان تدوم الفرقة بين المسلمين وان تستمد هذه الفرقة قوتها من وقايع تاريخية مؤلمة لا يسئل عنها الجيل الحاضر ولسنا نشك في ان مسببات هذه الفرقة في العصر الحاضر لا تعزى الا الى  عناصر ضئيلة تربط منافعها الخاصة بعوامل موهومة تذكى بها نيران الفرقة خلاف ما يقضي به صالح المسلمين واوطانهم.

فكلما اتت ذكرى واقعة الطف اشعر بالم الفرقة واندفع بدافع هذا الشعور الى المناداة بالوحدة التي امرنا بها الله في قوله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} فبحق دم الحسين الزكي ودماء الابرار الاطهار من آل البيت استحلف كل من يغار على الشريعة السمحاء وصالح العرب والمسلمين ان يحارب كل ((مفرق)) وان يعتبره دجالاً خارجاً على الدين مارقاً عاقاً لا يستحق من الامة الا الاحتقار والازدراء.

من العار علينا ان نقر في القرن العشرين ما افسد شؤوننا في العصور الماضية فترك لنا تاريخاً مملوءاً بالمساوئ والمآسي.

من العار علينا ان نتخاذل لمصلحة افراد وان نرضى بما ينشأ عن تخاذلنا من ضعف وما يؤدي اليه هذا الضعف من تأخر وتدخل في شؤوننا العامة.

لقد شكونا ولا نزال نشكو التأخر ولكننا لم نفكر الى الان تفكيراً صحيحاً بمسببات التأخر. ان ((الفرقة)) السائدة فيما بيننا وعدم ثقتنا ببعضنا وتحكيمنا العواطف والمصالح الشخصية في شؤوننا العامة والانانية المستقرة في نفوسنا كلها عوامل اساسية في تاخرنا، فسبيل التقدم هو ((الوحدة)) و((انكار الذات)) وايثار الصالح العام والتضحية وبتأثير هذه العوامل ناضل الحسين (عليه السلام) وتقبل التضحية الكبرى وما علينا الا ان نقتفي اثره عليه السلام فهل نحن فاعلون.

الحُسَيــن هو الحُسَيــن

بقلم: مشكور الاسدي

سادتي: ماذا تروني قائلاً في هذه الذكرى ؟ ذكرى ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) .. وهي لا تذهب عن الخاطر، ولا تند عن الفكر … كنا في العراق او خارجه، فشعاع النهضة الحسينية المثالية قد أنار ارواحنا، وزكى دماءنا منذ ان فتحنا اعيننا على هذه الدنيا.

وما زالت السيرة الرائقة تأخذ اللب، وتطفى على القلب حتى أحالت منا طيفاً يذهب حسرة عند التذكر، وخاطراً لا يرى في الوجود وما يداني تلك النهضة مجالاً وكمالاً … فلا جرم ان تهوىعند هذا كل دموع الحياة، وتتهافت كل (اهتمامات) ابن آدم، وتتفتح عوالم خيرة فريدة ذات الق ..! تسير في ركاب صاحبها حيثما يولي وجهه.

ماذا اقول ايها السادة - والحالة هذه ؟ ، ماذا اقول والذكرى لا تحول، بل ماذا اقول والى خطوات مني ما يقرب لي الذكرى جداً، على قربها، ويلف بها وجودي، ويذهب بي في طرفة عين الى كربلاء على بعد المزار، فيعقل الشوق لساني. هنا مسجد حسيني فاطمي قاهري بديع الجمال، عظيم الجلال، طالما تلألأت نفوسنا في رحابه يضم-في رأي بعض المؤرخين- رأس الحسين الشريف. فترى الناس في البكور والعشي تترى الى زيارته والتبرك به والنذر له والرجاء عنده بقلب خاشع وطرف دامع.

وان صاحب الذكرى لا يرضى لمريديه هنا وهناك الا ان يذكروه الذكر الجميل النافع –كما تفعلون الآن في احتفالكم المهيب الذي دعت اليه لجنة الشباب النجفي الكريم –الذي يهدف بهم الى الخير والحق وترك القشور. والتمسك بالفضائل ويحملهم على العبرة بسيرته المثالية الغراء والتقرب منها ويدلهم على درب الكرامة والحرية والرحمة في الحياة. وينير لهم طريق السعادة في الدارين.

سادتي: ان القول في الحسين – كالبحر - لا ينضب والعافية لا تتعب. ولكنني كلما ادرت خاطري على هذه الذكرى اريد ان اقول شيئاً … شط وانقطع؟

وحسبي فخراً انني عاجز عن القول. فالذكرى قد استوفت كل جوانب تفكيري وسدت علي الطريق ولم تدع لي منفذاً الج منه الى ما اريد … وكم انا بهذا سعيد.

النهضة الحسينية عـبـر التـاريـــخ

بقلم: محمد علي الشيرازي

مع الدهور والأجيال، بات هناك عنصران متناقضان تقارعا بالحجة والبرهان، بين خضم المعترك الإنساني، تجسم الخير كله بأولهما، وتسربل الشر برمته بثانيهما، وأستمر هذا الصراع بأنفعال عنيف على مسارح الحياة وتلوين الظروف ، ومنذ الوجود حتى يشاء الله في إدماغ عنصر الشر وانتصار الحق بقدوم المنتظر  عليه السلام.

من خلال هذا المعترك المتقد تظهر الحقيقة بوضوح من أعماق المجتمع الإنساني المطل بكله الى فضاء مشحون ببريق الشر والفساد، لعله يحول هذه الشظايا المحرقة الى أضواء هادئة ليمشي الفرد المعثر على هديه، وبعد أن أكدت التجارب الهائلة فشل محاولات هذا المخلوق الناقص لإستصلاح الوضع، فبقي هو ينتظر بعين ملية استقامة الأمور- بعد أن عهدها الى الزمان- على طبيعتها وسجيتها.

من عوامل فشل المجهود البشري في هذا الصدد هو تصلف عناصر الباطل ووقوفها حجراً للحيلولة دون انسياب آمال البشر نحو ذلك الرحاب المنير الذي يحلم به كل انسان عساه يتقي من لفحة الشر وسطوة الغرور.

منذ عصور نائية كافح المربون وجاهد المصلحون لخلق آفاق خيرية، وسعادة أبدية، لينعم المخلوق بحقوقه الطبيعية التي منحها الخالق وأقرها حقاً له في ظل المبادئ المقدسة والرسل المرشدين وخلفائهم من بعدهم.

ومن خلال انطواء صفحات التأريخ تعرض هذه الصفحات لنا واقع هذا الصراع البين، الذي شهده الزمان في الفترة الأموية السوداء، لقد خيمت شبحاً على قسم غير قصير من العصور الإسلامية، فعانى هذا القسم من الإهمال والهبوط لأداء واجب الرسالة الحقة، الى حد أخذت الأمة الإسلامية بالقهقري الى ما قبل شروق انوار الرسالة وأنذر المغول الأموي بهلاك الأمة وتحطيم وحدتها.

لذا كان حكمهم مفعم بالتنازع والإضطراب وخطر غار الى جذور الإسلام وأصوله، وكاد أن يقلع الفكرة الإلهية والشريعة السمحاء من أذهان المسلمين.

تمخض من هذا الوضع المتأزم، مبادئ ثلاثة متضاربة: مبدأ أموي جائر أثبت حكمه بالصوت والسوط وكانت هذه السياسة اساس حكمهم الأول، ثم العصبية وحصر الخلافة في البيت الأموي بالوراثة، وهذا اساس حكمهم الثاني الذي أرسوا عليه عماد نظامهم الباطلي، وقد انتابت الأمة الإسلامية وصفوفهم المتراصة من علل وأعباء أوشكت أن تصل الى الدمار والتخريب، في جو حكمهم الملبد بالظلم والفساد.

ثم مبدأ قبلي يروم اختيار أقدر افراد القبيلة.

ومبدء إسلامي يرمي الى أصلح أفراد الأمة للقيام بمهام مسؤولية الحكم.

جاءت النهضة الحسينية تعبيراً عن هذا المبدأ السماوي عندما أدرك رائدها أن كيان الإسلام قد اعتراه الأفول بمحاولات أموية لشل حركة دعاة الحق وخنق صدى دعوتهم وعقيدتهم، لبعث الحمأة الجاهلية من جديد.

همَّ الإمام الحسين  عليه السلام) للقيام بالمسؤولية الخطيرة بصفته امام ليتحمل على كاهله اعباء الدعوة، ويلوح بمشعل الثورة الوقاد بكلتا يديه، لموكب المد البناء، واحياء التصور الإسلامي ، ونظامه السماوي الخالد، لإنقاذ الناس من الشقوة الجاهلية المبعوثة.

من هذه النقطة انطلق امام الأحرار بصوت الحق الهادر لدك سلطان الجبروت والطغيان، وتفتيت الحكم الأموي الجائر، إكمالاً بعمل الرسالة التي بدأ بها جده سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

تنفيذاً لهذا العمل المشرف ضحى  عليه السلام) بكل شيء لديه قرباناً على مذبح الإنسانية والشرف، حتى نحره الطاهر ليروي بدمه السمح رمال الطف الضامئة ورمضاء كربلاء الجدب، لتستقي هذه البقعة منه وتأتي أكلها حين الأوان ثم تقطف ثمارها الأجيال تلو الأجيال ويتظلل بفيء أيكتها البشرية، ويعم خيرها العالم كله حتى قيام الساعة.

الامام الحسين عليه السلام حديث الدهر الخالد

بقلم: محمد علي البلاغي / رئيس تحرير مجلة الإعتدال

أيها السادة: سيبقى يوم الأمام الحسين - سلام الله عليه - حديث الدهر الخالد، مهما رافقه من ألم محض، يحز في نفوسنا، ولوعة محرقة تدمي قلوب المسلمين قبل عيونهم، وذلك لما أطيحت فيه من دماء زكية، ولما ضحى فيه من نفوس أبية كريمة لصفوة مختارة استهدفت لسهام الموت ذوداً عن عقيدة ثابتة، ودفاعاً عن إيمان راسخ، صفوة عزيزة على الله وعلى نبيه، وسيبقى يوم عاشوراء جديداً لما حدث فيه من خروج على مبادئ الدين الحنيف ، وإنتهاك لحرمة سيد المرسلين، وهدم لقواعد العدل والإيمان، وعدوان صارخ على آل البيت الأطهار، وستبقى ذكراه الدامية الحزينة أنشودة الأحرار والأباة في كل زمان، وعنوان البطولة والفضيلة والشمم والأريحية في كل عصر، ورمز الأيمان والفتوة لذوي النفوس الشريفة والأنوف الحمية التي لا تقبل الضيم ولا ترضى بالباطل ولا ترضخ لجور جائر ولا تستقر وتستكين على ظلم وفساد.

 كما وستبقى اللعنة أبدية ترافق الطغمة الجائرة الوضيعة التي سيطر عليها الشيطان فحلى لها الحكم الطارئ وأغواها الطمع والسيطرة المؤقتة فدفع بها إلى المهاوي السحيقة تلك الطغمة المشركة التي عدت على الحق بإعتدائها على الإمام الحسين عليه السلام وصحبه الغر الميامين وتجاوزت على حرمات الإسلام، وحاولت دك دعائم الدين، ومحو شريعة الرسول الأعظم متدفقة وراء شهواتها الجامحة متراكضة ، يلفها العمى، نحو حب الدنيا الفانية والجاه المزيف والسلطة الزائلة متناسية مقام شبل حيدرة الكـرارعليه السلام والـحبيب الـرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وفلذة كبده فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام فجنت بعمل الأثم اللعنة والخزي والعار في الدنيا والآخرة والعذاب المهين وبئس للظالمين بدلا.

ففي هذا اليوم الذي أطل على الدنيا بروعة أدمت القلوب وهزت المشاعر وإستثارت كوامن النفوس، اليوم الذي ملأ الدنيا دوياً واستحال فيه النور إلى ظلمة إذ طغى فيه سلطان الباطل بانتصار مؤقت زائل وبغى فيه الشرك بعدوانه الأثيم وغدره اللئيم. في هذا اليوم الأغر سن لنا ريحانة الرسول سنة الآباء ، ورسم لنا دستور الحق وأوضح لنا النهج اللاحب الذي ينير لنا الطريق، ويفتح أمامنا السبل، ويوجهنا وجه الحق والعدل التي أرادها لنا الإمام  عليه السلام) تركيزاً لمبادئ الإسلام وإحياء لشريعة النبي الأعظم لنكون أحرارً نهدف إلى الحق، نعمل للخير وأن لا نكون عبيداً أذلاء.

لنأخذ ( أيها السادة) من درس الحسين عليه السلام الخالد العبرة ولنستوحي من وحيه الأوحد الرفعة والعزة ولنهتدي بسني تعاليمه الرفيعة لننقذ أنفسنا من المهاوي والمهالك.

ولنحصل على كل ما ترومه الأمة الكريمة من حياة رغيدة، وهناء شامل، وأخوة صادقة تجمعنا في صعيد واحد لنعمل الخير ونقول الحق، ونسخط على الباطل وندعوا إلى توحيد الصفوف لتكون أمتنا مرهوبة الجانب يرتبط حاضرها بماضيها الزاهر، ولنواكب ركب الأمم الراكضة نحو سعادتها وإعلاء شأنها.

ولتغمرنا الغبطة إن تحدثنا عن الإمام الحسين عليه السلام وإن عطرنا أفواهنا بإسمه وبذكراه ولتغمر قلوبنا بالإيمان إن استعرضنا أيّة صفحة غراء من صفحات سيرته الوضاءة العطرة التي هي كتاب الدهر الأسمى، وسفر المجد الأسنى الذي لا يزول ما دامت الدنيا.

إن علينا أن نتـدارس نهضته الرفيعة القصد، ونستجلي مثل الإمام الأعلى وهدفه الأسمى، وغايته النبيلة، في مواقفه البكر التي قضى فيها على دولة البغي، وعصابة الشرك وطغمة العتاة الذين أصبحوا سبة الدهر على كل لسان، وأمثولة للعار والشنار، وحثالة لا تلتقي بذمهم الشفتان.

أيها السادة: يعز على الحسين عليه السلام، وقد أعاد للإسلام موقفه الرائع سيادته، ويعز على أبيه الذي قوم الدين بماضي حسامه الذي لعب في رقاب الخارجين على الدين، والعابثين بقدسيته، ويعز على جده الذي بعث لهداية الإنسانية، وإنقاذ البشرية من الضلالة فهدم الأصنام وأقام دعائم الإسلام ، يعز عليهم جميعاً أن لا ننتفع من هذه الذكرى وأن لانستفيد من هذه السيرة الزاخرة، وأن لا نتخذ منها تعاليم مدرسة يتخرج عليها كل من آمن بالحسين عليه السلام كي لا نبتعد في جميع أعمالنا عما قصده وهدف إليه، وأن لاندع لأنفسنا أن تسيطر عليها الأطماع فتندفع إلى هوة الشهوات السحيقة. فنمشي إلى الباطل قاصدين وننحرف عن الحق عامدين، وأن يكون لنا من ديننا الوازع، ومن ضميرنا ووجداننا الرادع لنقي لأنفسنا مما نحن فيه من هوان لايطاق. وذل لا يحتمل.

إن علينا أن نتمسك بتعاليم الحسين عليه السلام وبتعاليم جده ليحق لنا الإعتزاز بديننا والإعتزاز بإمتنا، ولينطبق علينا قوله عز من قال (كنتم خير أمة أخرجت للناس) والسلام عليكم.

ذكرى الامام الحسين بطولة وارادة

بقلم: محمد احمد خلف الله / المدرس بكلية الآداب/جامعة فؤاد-مصر

أيها السادة: يسعدني واني بعيد الدار ان اشاطركم في هذه الذكرى العزيزة ذكرى الحسين بن علي (عليهما السلام).

ويسعدني وانا ابن العروبة ان اجد المثل الحي في شخصية الحسين بن علي (عليهما السلام) وان نجعل منه الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة.

ايها السادة: جرت عادة اولئك الذين يؤرخون للبطولة والابطال ان يقصروا الحديث على نفر بصفاتهم هم اولئك الذين ينهضون بأممهم بعد كبوتها ويأخذون بيدها لتصعد في سلم الرقي والنهوض درجات، ويهملون صنفاً آخر لا يقل عن هؤلاء مكانة حين نتحدث عن البطولة او نؤرخ للابطال. يهملون اولئك الذين يشعرون بالكارثة قبل ان تلم وبالمصيبة قبل ان تنـزل او تحيط فيصفون الداء ويباعدون بين الامة وبين ان تنحط وتنهار، يهملون اولئك ومواقفهم قد تكون ابرز واشد ضياء او شخصياتهم قد تكون اشد بأساً واكبر قوة بل قد يكونون المثل الحي والشخصية النادرة التي نتطلع الى امثالها في هذا الزمان.

ايها السادة: يحدثنا التاريخ ان عيون بني امية كانت على نفر من ابناء الصحابة تخافهم وتخشى بأسهم حين همت باخذ البيعة ليزيد. ونحس نحن من هذه الخشية او من ذلك الخوف ان هؤلاء من الابطال.

ويحدثنا التاريخ ايضاً ان هؤلاء النفر كانوا عبد الله بن عمر وابن الزبير والحسين بن علي (عليهما السلام) ونلمس قوة شخصياتهم من ذلك الخطاب الذي بعث به يزيد الى الوليد بن عتبة بن ابي سفيان والي المدينة والذي يقول فيه: ((اما بعد فخد حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير أخذا ليس فيه رخصة حتى يبايعوا)).

تلمس هذه القوة من هذه الكلمات لكن الاحداث وحدها هي التي تختبر الشخصيات فيما يقال.

فلقد مضى الزمن باحداثه ولقد سجل التاريخ مواقف هؤلاء ونعود فنلمس شيئاً آخر لعله اعنف واقوى مما تسطره هذه الكلمات عن بعض هؤلاء الابطال.

ومضى الزمن فتخلف عن البطولة عبد الله بن عمر حين قال ((اذا بايع الناس بايعت)).

ومضى الزمن ففر ابن الزبير بدينه ولاذ بالبيت الحرام.

ومضى الزمن والحسين بن علي هو الذي يقف وحده في الميدان حتى ضحى بنفسه واستشهد في سبيل الله.

ايها السادة: قد يلوم الناس الحسين (عليه السلام) لأنه لم يتداول الامور ولم يتدبر العواقب فضحى بنفسه ولكنهم في كل هذا مخطئون.

ان البطولة لا تقاس بمقدار ما يحققه الفرد من غاية او يصل اليه من نتيجة فذلك مقياس السياسيين التجار. وان البطل لا يسأل نفسه حين يقف الموقف الذي اختاره عن الغاية والوسيلة وانما يسألها فقط عما فيها من قوة ارادة وصدق عزيمة فان اومأت  بالايجاب ضرب ضربته ولو عادى الاهل والعشيرة ولو خالف في ذلك جميع العالمين.

ولقد سأل الحسين (عليه السلام) نفسه فاجابت واستشارها فاشارت فوقف موقفه الذي ضحى فيه بنفسه من اجل المبدأ والعقيدة.

ايها الاخوان: لقد ضحى الحسين (عليه السلام) بنفسه دفاعاً عن مبدئه وايماناً بعقيدته وانه لدرس ينفعنا في هاتيك الايام الحوالك التي نتلفت فيها حوالينا فلا نجد بطلاً نلتف حوله ولا اماماً مصلحاً نقتدي به ونهتدي بهديه فليكن لنا من القدوة الحسنة وليكن لنا من تضحيته العبرة والذكرى ولننشد في الاحتفال به قول القرآن الكريم: {كتب الله لأغلبن انا ورسلي ان الله لقوي عزيز}. صدق الله العلي العظيم.

الامام الحسين ــ عليه السلام ــ الثائر في سبيل الإسلام

بقلم: لجنة نشرة الذكرى الدينية الثقافية

عندما يرتفع الشعور بمسؤولية المجتمع تظهر الطاقات على قدر المسؤولية، ولسمو الغاية وحاجتها الى مقومات تكون التضحية بأقصى حدودها، فإذا أعوز الأمر قدمت النفوس والدماء، لتعادل التضحية مستوى الغاية وما يتطلب وليكون الإقدام دليلاً هادياً للآخرين.

والإمام الحسين (عليه السلام) حدد نهضته في سبيل الإسلام وتطبيق نظام الإسلام، ولم يكف الإسلام لمصلحة فرد. إنما هو نظام الحياة وتطبيق أحكامه لمصلحة مجموع البشرية وقد نهض الإمام (عليه السلام) حيث رأى حاجة المجتمع إلى الإسلام، وأن العدول عن تطبيق الكثير من أحكامه أدى بالمجتمع الى تحلل وغفلة وتسيب، لها آثارها الإستمرارية إن لم يتدارك بتقويم.. فكانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) نذيراً لما بلغت إليه التحريفة، وتنبيهاً إلى ضرورة العمل لأصلاح الوضع إذ ذاك والرجوع به إلى طابع الإسلام الأصيل.. ومذ أن أريق الدم الزكي على أديم كربلاء.. استيقظ الناس من غفلتهم ودب الوعي وأرتفع لواء الإسلام خفاقاً يدعوا الأقرار من كل صوب للعمل من أجل الصالح العام والعودة بالنظام إلى الإسلام.

دعا الإمام الحسين (عليه السلام) الناس الى الالتحاق به نصرة للإسلام والحق والعدالة. وقد أعلن نهضته لإلقاء الحجة وإيقاظ الأمة.

1- بإيفاد مسلم بن عقيل الى الكوفة.

2- برسله وكتبه الى الأطراف.

3- بإستصحابه عياله وأطفاله وذويه.

4- بخروجه من مكة المشرفة أيام الحج بين تلك الجموع الغفيرة بعد أن خطبهم وعرفهم الحال وقرر مصيره.

5- بالمحاججات في كربلاء.

وقد زاد اعلان النهضة الحسينية ما ارتكبه اعداء الحسين (عليه السلام) في كربلاء من أفعال قاسية مثيرة.. من تمثيل بالشهداء (( الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه)) وسلبهم وذبح الاطفال حتى الرضيع وحرق الخيام على العيال وأسرها وسبيها ونقلها بصورة شجية قصد الشماتة من بلد الى بلد ورؤوس الشهداء امامها على الرماح.

فكأن الظالمين أرادوا بذلك إعلان المأساة على رؤوس الأشهاد حيث يكثر السؤال والبحث عن القتلى والأسارى وأسباب الحادثة المفجعة لينتهي الناس الى فهم الحال والمآل.

حدد الإمام الحسين (عليه السلام) غايته ونهضته في سبيل الإسلام في مواضع. عديدة منها وصيته لأخيه محمد بن الحنفية ((إني لم أخرج أشراً ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق وهو خير الحاكمين)).

ومنها عندما ضايقه الحر وأصحابه - مقدمة عُبيد الله بن زياد - ومنعوه من المسير قبل وصوله كربلاء. قام الإمام (عليه السلام) خطيباً في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ثم قال (( أنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وأن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها وأستمرت، حذاء ولم تبق منها إلاَّ صبابة كصبابة الأناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون الى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً، فأني لا أرى الموت إلاَّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاَّ برماً)).

وقول الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء محتجاً على الظالمين بعد أن أدلى بالبينات ((فسحقاً لكم يا شذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم وعصبة الآثام ونفثة الشيطان ومطفئ السنن أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون)).

كما وضحت الغاية والهدف من النهضة الحسينية لأصحاب الإمام (عليه السلام) لذا كانوا يتسابقون الى الفداء والتضحية. فمن جواب مسلم بن عقيل لإبن زياد في الكوفة ((ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتآمرتم على الناس بغير رضا منهم وحملتموهم على غير ما أمركم الله به فأتيناهم لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وندعوهم الى حكم الكتاب والسنة وكنا أهل ذلك)).
وقد اجتمع اصحاب الحسين (عليه السلام) في ليلة العاشر من المحرم في خيامهم ووقف العباس بن علي (عليه السلام) خطيباً في بني هاشم يستحثهم على القتال وهو يقول (( إذا بدت شمس الغد من حجابها ورفرفها واندلع لسان الحرب أينا يتقدم في حومة الميدان ويصون الدين من براثن الغدر وانصار الشيطان…الخ)).

وفي الوقت نفسه اجتمع الأنصار في خيامهم وتكلم فيهم حبيب بن مظاهر الأسدي، وكلهم مؤمنون بنصر هدفهم، قائلاً ((إننا أمسينا هذه الليلة ولعلها آخر عهد بالحياة، وتركنا أهلنا وبطانتنا، وجلنا من سفوح مكة وربوع العراق، لم نتخذ من وراء ذلك اخداناً نرجوا عطفهم سوى نصرة الحسين والذود عن حمى الدين الحنيف. ألا وإن جيوش الضلال قد تجمهرت وأوشكت أن تغزونا، ونحن لا نريد أن نتخاذل فإنا معشر قد علمتنا الحروب كيف نخوض غمارها، وأضاء لنا الإيمان المتأجج في نفوسنا طريق الهداية والإصلاح، فلا نبالي إن قتلنا أو أكلتنا السباع الضارية في هذه الفلوات النائية ما دمنا على حق. ألا إنني أحيطكم علماً إذا أشرقت شمس العاشر من المحرم وبلغت الروح التراق وشبت لظى الحرب وأندلع نارها.. هل تدعون أحداً ليتقدم عليكم والله إن تقدم الهاشميون ورضيتم بالأمر لتقول الناس صحبوهم بالجهاد وافقوهم ولم يقدموا على أسيادهم… وأي عار أعظم من هذا. فكونوا قرباناً للدين حتى يكتب الله الشهادة والفوز)).

وما انتهى حبيب من كلامه حتى دوى الأنصار بالتكبير وبقوا ينتظرون يوم الاسلام الأغر يوم الجهاد.

لقد مضى الإمام (عليه السلام) في سوح الشهادة ولسان حاله:

إن كان دين محمد لم يستقم     ****      إلاّ بقتلي يا سيوف خذيني

وإننا في إحياء ذكرى شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) نتصور الغاية الكبيرة التي استهدفها (عليه السلام) تلك مصلحة المجتمع البشري ونشر العدالة بتطبيق الأحكام الإسلامية فننحو نحوها ونسير على هداه ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون.

مأساة الحسين بن علي درس بليغ في العبرة والقدوة

بقلم المحامي: فايق توفيق / صاحب جريدة الجهاد

ليس من السهل على الكاتب مهما أوتي من مقدرة في البيان وسعة في التفكير وانطلاق واسع المدى في التحرير مما يدين به من آراء وأفكار. إن يكتب كلمة عجلى سائرة في سيرة عظيم من عظماء التاريخ شأنه في ذلك شأن الجواد الأصيل لا يسلم من كبوة اذا كان الطريق وعر المسالك صعب المرتقى وسيكون الموقف أشد صعوبة إذا كان ذلك العظيم ممن أقدموا على تضحية يندر أن يكون شبيهاً لها في حياة العظماء وهذا ما يصح أن تكون له مأساة الحسين بن علي ابرز مثال، لأنك مهما قلت عنه ومهما كتبت فإنك قصير الباع لا محالة، هو سبط الرسول الأعظم وأبن علي بن أبي طالب زوج البتول، وهو رأس شامخ من روؤس العرب من قريش وهامة من هامات بني هاشم العظيمة وهو يجمع الى ذلك من عظيم المروءة وعلو الهمة وأباء النفس ما يقصر دونه الرجال، وهو سيد آل أبي طالب على عهده وعلم من أعلام العلم والفضل ومع كل ذلك تأبى نفسه الكريمة أن يطأطأ الرأس الى من يراهم هم أقل منه منـزلة ونسباً ومقدرة وعلماً وجاهاً وورعاً وتقوى.

ثم يرى من واجباته الرئيسية أن يكون بجانب المسلمين ممن دعوه الى أن يتولى أمرهم، فأقدم على العمل الخطير مضحياً بالنفس والنفيس كما يقال، إذ ترك موطنه ومسقط رأسه وأماكن صباه وساحات ذكرياته بل ذكريات جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكريات أبيه (عليه السلام) فضحى حتى بأولاده وأفراد بيته، وتأبى نفسه الأبية الكريمة أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد فيختار طريق البطولة والتضحية والشهادة العليا في سبيل الله وإعلاء كلمة الدين فيقدم على الحرب، من غير أن يكون له حليف أو نصير فيخذله أولئك الذين زينوا له موقفاً لابد وأن ينتهي الى مثل هذه النتيجة، ثم تخلوا عنه في لحظة الجهاد، فكان اعتماده على قوة ايمانه واباء نفسه وسيفه وآل بيته فجاهد جهاد الأبطال بل وأكثر من ذلك حتى قتل هو وآل بيته الأمجاد درساً بليغاً في العبرة والقدوة لمن يؤمن بالله وتعاليم دينه القويم ويدين بمبدأ سيد الشهداء العظيم وعلينا نحن المسلمين أن إردنا نجاحاً في الدنيا والآخرة أن نجعله سلام الله عليه القدوة الصالحة والعبرة البليغة في الجهاد والجلاد {قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا}.

كربلاء أنشودة الأجيال ورمز العدل وشعار الأحرار

بقلم: الشيخ محمد باقر الناصري / 

بسم الله الرحمن الرحيم

لابد لكل انسان في هذه الحياة من هدف يعمل من أجله وإن اختلفت الأهداف والغايات رفعة وضعة باختلاف الأذواق والمدارك وبقدر تفهم الإنسان لأسرار الحياة.

ونظرة الناس للحياة ترتبط تمام الارتباط بقضية الإيمان والدين والأخلاق. فمثلاً من لم يؤمن بالله ولا يعيش نظام الإسلام العتيد ينظر للحياة بأنها متعة فقط.

فمن أوتي حظاً منها فهو السعيد وعليه أن يعمل جاهداً للإستزادة من ملاذها ، ثراء، جاه، سلطان صحة. وهي ما يحق أن تسمى بـ (النظرة البهيمية) وجوهرها الزهد بجميع ما عدى ملاذ الحياة ومتعها.

أما من آمن بالله واليوم الآخر ودان بالإسلام قولاً وعملاً فتختلف نظرته عن تلك كل الإختلاف.

فالمسلم المؤمن هدفه أسمى من اللذة الزائفة والمتعة الزائلة فهو بقدر ما يرى للحياة من سمو ويستحري جوانبها الناصعة المحللة يصوب بنظره الى الحياة الآخرة ونعيمها وترتسم أمام المؤمن صور لعدالة الله في الموازين يوم القيامة وللسعادة المرجوة في نظام الله الأكمل بهذه الحياة.

ويندفع المسلم المؤمن جاهداً لتحصيل السعادتين ونيل الحسنيين وعندها يكون اندفاعه لغاية سامية وأهداف عالية لتحمل التبعات. كنفس الحسين بن علي (عليه السلام) والنفر الغر الأباة من أهل بيته وأصحابه فكانوا يتسابقون الى الجهاد في سبيل الله.

داعين باللسان فأن أبى الظالمون فطعناً بالسنان ومضى الحسين (عليه السلام) ومن معه شهداء الفضيلة.

وظن الجاهلون يومها أن الباطل قد إنتصر على الحق وأن الظلم صرع العدل والكفر هزم الإيمان.

ولكنها ضنون باطلة وأحكام فاشلة.

سرعان ما إنجلت الغبرة عن انتصار الحق والفضيلة وخلود أبطالها وإندحار الباطل والرذيلة.

وأصبح الحسين (عليه السلام) ويومه في كربلاء أنشودة الأجيال ورمز العدل وشعار الأحرار الثوار بوجه الظلم والظالمين أما بنو أمية أما الكفر والزيغ والظلم والفساد.

فقد هزمها الحسين (عليه السلام) بنهضته وجدد ما أوشك أن يندثر من معالم الإسلام كما يقول الشاعر:

بعث الدين من صعيدك بعثاً    ****    ثانوياً من بعد نشر وطي

وها هو الحسين (عليه السلام) بكل معنى الحياة.

وها هي مواكب الأمة تسير لتعبر عن تقديرها للحسين (عليه السلام) وموقفه في عاشوراء وولائها لمبادئه وتمسكها بشعار الحسين ((لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما)).

وقد تكون حلقة الصلاح والإصلاح في أمة الإسلام هو ما تفقده الأمة الإسلامية. ويعوزها تجديده وتجسيده في كل جوانب حياتها وخاصة منها الشعائر الدينية وما يكرس منها لتأبين الحسين (عليه السلام) في شهر محرم وصفر.

لأن الكثير منها لا ينسجم ونهج الحسين (عليه السلام) وأسس نهضته وهو ما نأمل أن تعيه الأمة وتعمل على إصلاحه.

الامام الحسين شـهيـد الفضيلة الخالد

بقلم: الشيخ باقر شريف القرشي

لا أرى الموت إلاّ سعادة   ****   والحياة مع الظالمين إلاّ برما

وهكذا يأبى التفكير الصحيح من الخضوع لمسالمة من أراد بالأمة سوء وتحكم فيها مستبداً دون أن تثيره النخوة فلا يفتأ أن يصرخ في وجوه المستبدين فيبني كيان أمته بكل ما يستطيعه وإن وجوده في الأمة لنادر بل لا يدركه الشعور والحسين أبو الشهداء، لأنه المثل الأعلى للمجاهدين حيث ضرب المثل العليا لجميع الشهداء.

وواقعة الطف متى ذكرت تذكر مقرونة بالتعظيم والتبجيل ذلك لأنها اشتملت على مفاخر وعبر ما لم تحويه أيَّ مأساة جرت في الوجود فحلت في قلب كل إنسان خضع لصاحب الرسالة أو لم يخضع. وحتى أخذت اثرها في قلب كل رجل كان الناس لا يظنون به إلاّ سوء فأسمعه يرثيه بما يتم عن أثرها العميق في نفسه فيقول:

وعلى الأرض من دماء الشهيدين  ****   علي ونجـلـه شـاهـدان
فهـما في أواخـر الليل  فجران   ****  وفي أوليـائـه قـمــران

فما سبب هذا التأثير الذي يجده كل من قدس الفضيلة وما سبب خلود هذه التضحية إلاّ لأنها قاومت الباطل بكل ما استطاعت من رفع الظلم عن الأمة وإزالة حلم الإستبداد الجائر عنها. يقول علي لأبيه ألسنا على الحق، فيقول له ابوه بلى والذي إليه يرجع أمر العباد، وهكذا كانت نية أصحابه وأهل بيته إيماناً بالحق وتفانياً أزاء المبدأ القويم. خرج من مكة عالماً بمصرعه متيقناً أن تضحيته هذه ستعود بالخير الكثير على أمة جده سار في طريقه وهو يرتل.

سأمضي وما بالموت عار على الفتى  ****   إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلـما

نعم هان الموت عنده وعند اصحابه الأشاوس وعظم عليهم الخضوع لذلك الفاسق المستهتر لقد خاب ظن أبن هند فيما فكَّر فيه من تنصيب يزيد خليفة على المسلمين وتمكينه من رقابهم ولسنا ببعيدين عن الحقيقة إذا قلنا أن إذهاب الإسلام  وفل شعاعه كان أمنية في نفس معاوية فلم يستطعها في حياته فخلف ابنه من بعده واسر اليه بها فما تربع يزيد دست الخلافة إلاّ أخذ يجاهر بقوله لاخبر جاء ولا وحي نزل وبأعماله التي ينفر القلم من ذكرها فهل يا ترى يخضع الحسين لهذا الفاجر وهو سبط صاحب الرسالة والمثل الأعلى لجده القائل فيه (( حسين مني وأنا من حسين)) فصرخ في وجوه المعادين لدين الله فعاد بأجمل الذكر وفل عروش الدولة الجائرة وأوضح ما إنطوت عليه نفوس أمية فحصل كما قيل:

من رام تفسير الحياة لقومه   ****    قدم الشهيد يبين عن معناها
لولا الدماء تراق لم تك أمة  ****    بلغت من المجد العريق مناها
تسمو الحياة بكل حر ماجد  ****   وجبت عليه حقوقها فقضاها

فسلام عليك يا ضحية الفضيلة وعلى أصحابك تحيات من الله.

ثورة الامام الحسين اسبابها ونتائجها

بقلم: الشيخ موسى اليعقوبي / صاحب مجلة الايمان

ان ثورة الحسين (عليه السلام) مثل ثورة الحق على الباطل بأجلى مظاهرها واوضح صورها، وانتفاضة العدل على الظلم والطغيان.

فقد راى الحسين (عليه السلام) ، المسلمين يخبطون في بيداء ظلماء، وقد تسلط عليهم حكام ظالمون دائرون، تمردوا على النظم الاجتماعية، تمرسوا على الفسق والظلم والجور والفجور يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف وتنكروا لكل القيم والمثل وعطلوا حدود الاسلام وعبثوا في حرمات المسلمين فدب الفساد في ارجاء البلاد وصار كل فرد غير آمن على عرضه وماله ودمه وتفرق الناس شيعاً واحزاباً وفي نية كل حزب إعلان الثورة وشق عصا الطاعة.
ورأى الحسين (عليه السلام) ان الحق لا يعمل به، وان الباطل لا يتناهى عنه، وان السنة قد اميتت والبدعة قد احييت، وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وادبر معروفها ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الأناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل)) فاثر الواجب على البقاء، ورضى الله على الامراء، والآخرة على الدنيا ومشى الى الموت مشية الواثق من الحق الثائر من اجل الحق الساخط الى ازهاق الحق.

مشى ومشت معه قلوب المؤمنين عبر الاجيال والتاريخ ليعلن كلمته بصراحة ووضوح. وقد اعلنها فكانت كلمته هي العليا وكلمة اعدائه السفلى، واعلنها داوية مجلجلة في صحراء كربلاء فرددتها الاصداء على الاسماع لتكون دستور الثائرين على الانحراف والفساد والطغيان، وسيفاً مصلتاً فوق رؤوس المستبدين الظالمين. وقاتل قتال الابطال رغم قلة الانصار وكثرة الاعداء لا من أجل ملك او مال وانما قاتل ليكون الدين كله لله، لا ليزيد واعوانه الفاسقين.

ابى الحسين (عليه السلام) وهو ابو الاباء ان يصبر على الذل والهوان ويستكين الى الراحة والخضوع وهو الذي ((لا يرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً)) وهو القائل ((هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله، وحجور طابت وبطون طهرت، وانوف حمية ونفوس أبية)).

فابى ان يعيـش الا عزيـزاً  ****  أو تجـل الكفاح وهو صريـع
زوج السيف بالنفوس ولكن  ****  مهرها الموت والخضاب النجيع

وقد جاء في خطبته في مكة ((وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأن بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا … ألا من كان باذلاً فينا مهجته موطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا)).

كان الحسين (عليه السلام) دائم الدعوة الى كتاب الله وسنة نبيه وكان يقول: (فأن تسمعوا قولي أهدكم سبيل الرشاد) وهو القائل في وصيته (واني لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) وابي علي بن ابي طالب (عليه السلام) فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد على هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين).

ان الحسين (عليه السلام) في ثورته قد كشف الحكام الامويين وأظهرهم على حقيقتهم وعرآهم من اثوابهم، فاذا هم جراثيم فساد وعناصر إفساد، لا زالوا جاهليين، يظهرون الاسلام ويبطنون الكفر، لا همّ لهم إلاّ اشباع شهواتهم والتسلط على رقاب الناس والهيمنة على الحكم مهما كان الثمن.

ففي الحسين (عليه السلام) تلتقي روح جده النبي بنور القرآن الكريم وانسانية أبيه علي بفطرة الاسلام الحنيف فتعطيه كل المعاني والصفات وتنعكس عنه باسطع الانوار واجمع الاسرار فكانت حياته عظة العظات، وليس لمعانيها حدود من زمان او مكان، وكانت شخصيته المثل الاسمى للانسان الكامل تبرز فيها صورة المسلم القرآني تلك الصورة التي أرادها الله ورسوله وقد تجمعت فيها شتى الالوان بتناسق ونظام تنعكس من كل لون اقباس واطياف وفي كل قبس او طيف اعجاز يعجز عن بيان البيان.

وفي الحسين (عليه السلام) يلتقي الصراع العنيف الذي كان مستحكماً بين هاشم وأميه قبل الاسلام، وبين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي سفيان عند ظهور الاسلام وبين علي() ومعاوية بعد وفاة النبي ولله در القائل:

عبد شمس قد أضرمت لبني هـا ****  شم حرباً يشيب منها الوليد
فابن حرب للمصطفى وابن هند **** لعلـي وللحسيـن يزيـد

لم تكن ثورة الحسين (عليه السلام) وليدة مطمع شخصي او حباً في سلطان دنيوي ولم يبتغ من ثورته ملكاً او عرشاً، وانما كان يريد ان تكون الاوضاع كما اراد الله ورسوله وكان يريد احياء السنة واماتة البدعة.

فما هي الاسباب التي ادت بالمجتمع الاسلامي الى هذا الحال من التردي والانحطاط ومازال المسلمون قريـبي عهد بالنبي؟ وما هي الاسباب التي تظافرت وانتهت بمصرع الحسين (عليه السلام)؟

كان اختلاف المسلمين على البيعة بعد وفاة النبي اول هذه الاسباب وكان ظهور الروح الانتهازية ومهزلة السقيفة واختيار الخليفة كافياً لأشعال الفتنة واذكاء نار الحرب بين المسلمين، وتلا ذلك أخذ آل البيت النبوي الطاهر بالشدة واغتصاب حق فاطمة (عليها السلام) ، بدافع من الاحقاد الدفينة في النفوس.

لقد كانت الفترة التي تلت وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أدق الفترات التي مرت بالاسلام والمسلمين وكان عمر على صواب حين قال (كانت خلافة ابي بكر فلته وقى الله المسلمين شرها).

فتكدست الثروة لدى الأفراد وظهرت طبقة جديدة منعمة مترفة غنية لا عمل لها ولا شاغل الا الأحاديث والخوض في كل شيء. فنجم عن ذلك انعزال الحكومة عن الشعب وانعدام التفاهم بينهما والمسلمون ما زالوا يذكرون عهد النبي ويدركون الفرق بين العهدين فقد كات الحكومة بعيدة عن الدعوة الدينية تلك الدعوة التي كانت على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لازمة لاملاء نفوس المسلمين بالعقيدة والمبدأ. وكانت الحكومة تفتقر الى نظام دولي صحيح رغم احتكاكها بدول عريقة في الحكم وكان التقليد البدوي قد تسلط على الحكم وفيه من تشجيع للفتن واستشراء للنـزاع وبعث للخلاف.

ان اصوات المصلحين كانت تتعالى امام التيار الطاغي داعية الى مبادئ الاسلام والعمل بسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان ابو ذر الغفاري (رضي الله عنه) على رأس هؤلاء الدعاة.

وكانت خلافة ابي بكر نقطة الانطلاق للخلافات في الإسلام وكانت سابقة سهلت لكل اصحاب المطامع سبيل المزاحمة والمواثبة والمعالنة.

وقد وجد ابو سفيان والحزب الاموي في خلافة عثمان فتحاً جديداً ومنفذاً يتسللون منه الى الحكم سبباً لاعادة مقاليد الامور الى ايديهم، وقد أعلن ذلك بصراحة زعيم العصبة الاموية ابو سفيان حين تولى عثمان (يا بني امية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به ابو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرن الى صبيانكم وراثة).

وقد ظل الحزب الاموي يعمل في الخفاء ويحيك في الظلماء وليس لأفراده سابقة في الاسلام اللهم ما ظاهر به الله ورسوله بالعداء.

كان الحزب الاموي دائم الكيد للنبي ولدعوته وكان ظهور الاسلام في نظرهم فوزاً للهاشمين، فعملوا في ظل الدين على الاستئثار بالسلطة، وقد وجدوا في ولاية يزيد وولاية معاوية على الشام خطوة اولى يستطيعوا ان يثبتوا اقدامهم من بعدها، ولقد احكموا الخطط واهتبلوا الفرص فعملوا على اغتيال عمر بن الخطاب بيد فارسي هو غلام المغيرة بن شعبة المعروف بحبه للبيت الاموي، فلم يكن قتل عمر وليد فكرة فارسية وانما كان وليد فكرة اموية خالصة.

وقد اشتهر عثمان بصفتي الضعف واللين ولكنهما لم تكونا من صميم صفاته واصيل جبلته وانما كانت مع فئة بعينها وطائفة خاصة، فكان ميله وضعفه بسبب حزبي ليس غير.

الا ان حزب عثمان قد استحوذ على عثمان نفسه واستغله استغلالاً خطيراً، رغم ان المنصب والظرف كانا يمليان عليه ان يكون فوق الاحزاب، فأبدى حزبية متطرفة وزاد في المعالنة بها وازداد اعضاء الحزب اضطهاداً لخصومهم فاثاروا الحفائظ ونشروا الفتن وكثرت الاحزاب في عهد عثمان كثرة كان يخشى منها على الاسلام والدولة وجعل كل حزب ينشط للدعوة ضد عثمان حامي الحزب الاموي والمنافح عنه والمدافع دون جماعته.

فهناك حزب عثمان ويضم الامويين ومن كان على هواهم، وحزب طلحة والزبير وفيه عائشة زوج النبي، وحزب علي (عليه السلام) وفيه كبار الصحابة وارباب السابقات الجليلة في الاسلام، وكان الامام علي (عليه السلام) يقوم بالنصح والارشاد والتوسط لحل المشاكل والمحافظة على ترسم النهج النبوي.

كان علي (عليه السلام) لا يعرف الختل والمغابنة وقد بذل جهده في انقاذ عثمان ونصحه. وذكر اليعقوبي ان مروان دعا عائشة حين اشتد الامر على عثمان لتصلح شأنه مع الناس، فقد قالت (لعلك ترى اني في شك من صاحبك، اما والله لوددت انه مقطع في غرارة من غرائري واني اطيق حمله فاطرحه في البحر).

تلك هي حال المجتمع الاسلامي حين آلت الخلافة الى علي (عليه السلام)، فما كان من الاحزاب المتطاحنة إلاّ ان تقف ضده، لانها رأت الغالبية العظمى من الناس مع علي (عليه السلام) وهم ينظرون اليه والى البيت النبوي نظرة اجلال وتقدير وتقديس، ورأوا أن الخلافة قد رجعت الى صاحبها الشرعي وانها لن تخرج عنه ابداً، فكانت معركة الجمل التي اججها طلحة والزبير اللذان طالما كادا لعثمان وحرضا عليه، وعائشة التي بالامس كانت تقول (يا معشر المسلمين هذا جلباب رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان سنته) وتقول (اقتلوا نعثلاً قتله الله).

وكانت معركة صفين التي اشعلها معاوية حين ايقن انه معزول لا رجاء فيه ولا بقاء فهب يطلب بدم عثمان بأشارة عمرو بن العاص واجتهد بالحصول على قميصه مخضباً بدمائه.

لقد كانت الاصبع الاموية تدير كل الفتن والثورات وتعبث من وراء الستار وكان الحزب الاموي يعمل جاهداً على جمع مقدرات الحكم في ايدي الامويين وقد ذكر المؤرخون ان ابا سفيان وقف على قبر حمزة (رضي الله عنه) فقال: (رحمك الله أبا عمارة لقد قاتلتنا على امر صار الينا).

واخيراً فاز الامويون بالحكم ووقعوا الصلح مع الحسن (عليه السلام) فسعى معاوية لتقوية ملكه وخضد شوكة بني هاشم بعد ان صفا له الجو، فاستكثر الاعوان واستحوذ على الناس بالمال والدهاء وجد اطناب حزبه ورواق مأربه، واخذ البيعة لابنه يزيد في حياته خوفاً على هذا الملك أن يخرج من بيته ويفلت من عقبه، وتنكر لآل البيت النبوي الطاهر وعمل على تشويه سمعتهم بالدعايات السيئة والأحاديث المختلفة واستمال الناس بالأموال تارة وبالقوة تارة. وكان قد تمخض من أمر اخذ البيعة ليزيد الفجور والخمور، تلك البيعة التي كانت مهزلة من مهازل التاريخ وسخرية من سخريات القدر.

وكان يزيد فاسقاً فاجراً وليس ادل على فسقه وفجوره من قول عبد الله بن حنظلة حين بايع اهل المدينة على الموت ليالي الحرة (يا قوم اتقوا الله وحده لا شريك له، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجارة من السماء، ان رجلاً ينكح الامهات والبنات والاخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي احد من الناس لأبلين لله فيه بلاء حسنا).

وقد انكر الحسين (عليه السلام) ان يكون يزيد ولياً للمؤمنين وأمير المسلمين، ويزيد الذي اعتبر عامة المسلمين ولايته أمرا لايصح لمسلم السكوت عنه ابداً.

وقد اعلن الحسين (عليه السلام) في يزيد رأيه عندما طلب الوليد منه البيعة فقال: (ان يزيد فاسق مجاهر لله بالفسوق).
واخذ الناس يتطلعون الى من ينقذهم من براثنه وبراثن حكامه الجائرين ويرفع عنهم الاحكام التعسفية اللاقانونية والارهاب المخيف والفوضى التي عمت البلاد، فاتجهت انظارهم صوب الحسين (عليه السلام) وهو سبط النبي وابن البتول ونجل علي وسيد شباب اهل الجنة فكاتبوه وراسلوه وبايعوه واعطوه العهود والمواثيق. وكان ما كان من قيامه بالثورة الكبرى تلك الثورة التي هزت العرش الاموي من اساسه وحطمت سياسة الغش والمكر والخداع وجعلت نصر الامويين جفاء او ريحهم هباءاً.

لقد باعد الزمن بيننا وبين ثورة الحسين (عليه السلام) الا ان ذكرها تستجد بتجدد الايام والسنين فتدمى القلوب وتبكي العيون.

ان ذكرى ثورة الحسين (عليه السلام) معطيات سامية، ولعل من اهمها انها تنبه الاذهان وتوحي للرأي العام استنكار الاستبداد والظلم والجور وتشجيع الناس على الوقوف امام المستبدين بصلابة وعنف حتى يظهر الحق ويسود العدل ويعم الرخاء، وقد قال تعالى ((فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله))، وفي هذا تفنيد القاعدة الخرقاء التي مؤداها (قبلوا يداً تعجزون عن قطعها).

ومن معطياتها انها اعطت لرجال الدين مثلاً حياً في التنكر للسلطة المستبدة بالشعب المتنكرة لحقوقه الخارجة على النظم الاسلامية وقد ضرب لهم الحسين (عليه السلام) مثلاً رائعاً في ذلك فعليهم ان يقتدوا به وان لا يتساهلوا حتى لو كلفهم ذلك دماءهم فان في دمائهم حياة الامة وعز الوطن.