بقلم: الشيخ علي الفتلاوي
الشكر: هو عرفان النعمة وإظهارها والثناء بها[1]، لقد حكم العقل بوجوب شكر المنعم كما حث القرآن الكريم على ذلك تأييداً لحكم العقل الذي لا يتقاطع مع الشرع المقدس، وكذلك حثت الأحاديث الشريفة على هذا الفعل الحسن الذي يثمر الزيادة في النعمة.
قبل الخوض في هذا الموضوع لابد لنا من الوقوف على حقيقة الشكر الذي ينبغي التعبد به:
فأقول: الشكر هو أن يعرف العبد النعمة والمنعم لكي يعطيها حقها من الشكر وهذا ما أشار إليه الإمام العسكري عليه السلام بقوله: «لاَ يَعْرِفُ النِّعْمَةَ إلاّ الشاكِرُ، وَلاَ يَشْكُرُ النِّعْمَةَ إلاّ العارِفُ»[2].
وهذه المعرفة تتم من خلال الإقرار بأن النعمة من الله تعالى وحده لا شريك له، وهو ما صرح به الإمام الصادق عليه السلام: «أوْحَى اللهُ تَعالى إلى موسى عَلَيْهِ السّلام يا موسى، اشْكُرْني حَقَّ شُكْرِي، فَقالَ: يا رَبِّ كَيْفَ أشْكُرُكَ حَقَّ شُكْرِكَ، وَلَيْسَ مِنْ شُكْرٍ أشْكُرُكَ بِهِ إلاّ وَأنْتَ أنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ؟! فَقالَ: يا موسى شَكَرْتَني حَقَّ شُكْرِي حينَ عَلِمْتَ أنَّ ذلِكَ مِنّي»[3].
فإذا غفل العباد عن النعم التي أنعم الله تعالى بها عليهم وقعوا في الجحود وكفران النعمة، فلذا لابد من معرفة النعم لكي يتسنى للعباد شكر المنعم الذي أنعم بها عليهم، وإلا لخرجوا من عنوان الإنسانية إلى عنوان الحيوانية كما أشار الإمام زين العابدين عليه السلام إلى ذلك بقوله: «الحَمْدُ للهِ الذي لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلى ما أبْلاهُمْ مِنْ مِنَنِهِ المُتَتابِعَةِ، وأسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ المُتَظاهِرَةِ، لَتَصَرَّفُوا في مِنَنِهِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَتَوَسَّعُوا في رِزْقِهِ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ، وَلَوْ كانوا كَذلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدودِ الإنْسانيّةِ إلى حَدِّ البَهِيمِيَّةِ، فَكانوا كَما وَصَفَ في مُحْكَمِ كِتابِهِ: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)[4]»[5].
ــ أسئلة حول الشكر
السؤال: أواجب شكر المنعم أم مستحب؟
الجواب: إن شكر المنعم واجب لاتفاق العقلاء على ذلك، إذ إن العقلاء اتفقوا على مدح الشاكر وذم التارك لذلك، وما يؤيد هذا القول أمير المؤمنين عليه السلام: «لَوْ لَمْ يَتَواعَدِ اللهُ عِبادَهُ عَلى مَعْصِيَتِهِ، لَكانَ الواجِبَ ألاّ يُعْصى شُكراً لِنِعَمِهِ»[6].
السؤال: كيف يتم شكر المنعم؟
الجواب: 1ــ يجب شكر المنعم بما يناسب حاله لا بما يراه الشاكر، فيلزم من هذا وجوب معرفة المنعم أولاً، ومعرفة نوع الشكر الذي يريده فنأتي به كما يريد، فإن كان طاعة فطاعة وإن كان تركاً لمعصية فترك المعصية، وهذا ما أشار إليه الإمام علي عليه السلام بقوله: «شُكْرُ المُؤْمِنِ يَظْهَرُ في عَمَلِهِ، وشُكْرُ المُنافِقِ لاَ يَتَجاوَزُ لِسانَهُ»[7].
وقوله عليه السلام: «شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ الوَرَعُ عَنْ مَحارِمِ اللهِ»[8].
2ــ تقدم الكلام بوجوب معرفة النعمة أنها من الله تعالى فقط كما جاء ذلك في قول الإمام الصادق عليه السلام لَمّا سُئِلَ عَن شُمولِ قَولِهِ تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ...)[9].
«لِلشُّكْرِ عَلى النِّعْمَةِ الظاهِرَةِ: نَعَمْ، مَنْ حَمِدَ اللهَ عَلى نِعَمِهِ وَشَكَرَهُ، وَعَلِمَ أنَّ ذلِكَ مِنْهُ لاَ مِنْ غَيْرِهِ (زادَ اللهُ نِعَمَهُ)»[10].
وقوله عليه السلام: «مَنْ أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةٍ فَعَرَفَها بِقَلْبِهِ، فَقَد أدّى شُكْرَها»[11].
وعنه عليه السلام قال: «ما مِنْ عَبْدٍ أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَعَرَفَ أنَّها مِنْ عِنْدِ اللهِ، إلاّ غَفَرَ اللهُ لَهُ قَبْلَ أنْ يَحْمَدَهُ»[12].
3ــ ينبغي أن يشكر العبد نعمة الله تعالى قلبا ولساناً، وهذا ما يؤكده قول أمير المؤمنين عليه السلام: «ما أنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَشَكَرَها بِقَلْبِهِ، إلاّ اسْتَوْجَبَ المَزِيدَ فيها قَبْلَ أنْ يُظْهِرَ شُكْرَها عَلى لِسانِهِ»[13].
وعنه عليه السلام قال: «مَنْ شَكَرَ النِّعَمَ بِجَنانِهِ اسْتَحَقَّ المَزيدَ قَبْلَ أنْ يَظْهَرَ عَلَى لِسانِهِ»[14].
4ــ التحلي ببعض الصفات تعد شكراً لله تعالى على نعمه، وكما يلي:
ألف: العفو والمسامحة وترك الانتقام كما في قول الإمام علي عليه السلام: «إذا قَدَرْتَ عَلى عَدُوِّكَ فَاجْعَلْ العَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلقُدْرَةِ عَلَيْهِ»[15].
باء: النظر إلى من هو أدنى منك كما في قول أمير المؤمنين عليه السلام مِنْ كتابٍ لَهُ إلى الحارث الهمداني: «وَأكْثِرْ أنْ تَنْظُرَ إلى مَنْ فضِّلْتَ عَلَيْهِ؛ فَإنَّ ذلِكَ مِنْ أبْوابِ الشُّكْرِ»[16].
جيم: التحلي بالقناعة والرضا بعطاء الله تعالى والتخلي عن الطمع والحرص، كما أكد ذلك أمير المؤمنين عليه السلام: «أشْكَرُ النّاسِ أقْنَعُهُمْ، وأكْفَرُهُمْ لِلنِّعَمِ أجْشَعُهُمْ»[17].
دال: شكر المخلوقين من أبواب شكر الله تعالى، هذا ما صرح به الإمام زين العابدين عليه السلام بقوله: «أشْكَرُكُمْ للهِ أشْكَرُكُمْ لِلنّاسِ»[18].
وقوله عليه السلام: «يَقولُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى لِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ يَوْمَ القِيامَةِ: أشَكَرْتَ فُلاناً؟ فَيَقُولُ: بَلْ شَكَرْتُكَ يا رَبِّ، فَيَقُولُ: لَمْ تَشْكُرْني إذْ لَمْ تَشْكُرْهُ»[19].
هاء: الاعتقاد بالله تعالى والموالاة لأهل البيت عليهم السلام وإعانة المؤمنين هو باب من أبواب الشكر، كما جاء ذلك في قول الإمام الرضا عليه السلام: اعْلَمُوا أنَّكُمْ لاَ تَشْكُرونَ اللهَ تَعالى بِشَيْءٍ ــ بَعْدَ الإيمانِ بِاللهِ، وَبَعْدَ الاعتِرافِ بِحُقُوقِ أوْلِياءِ اللهِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أحَبَّ إلَيْهِ مِنْ مُعاوَنَتِكُمْ لإِخْوانِكُمُ المُؤْمِنينَ عَلى دُنْياهُمْ»[20].
واو: المواظبة على شكر النعم من خلال سجدة الشكر ووضع الخد على التراب لتتعظ النفس وهي مستحبة عند حدوث كل نعمة أو تجددها أو عند ذكرها وقد فات شكرها وهذا ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة:
«إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كانَ في سَفَرٍ يَسِيرُ عَلى ناقَةٍ لَهُ، إذْ نَزَلَ فَسَجَدَ خَمْسَ سَجَداتٍ، فَلَّمّا أنْ رَكِبَ قالوا: يا رَسُولَ اللهِ، إنّا رَأيْناكَ صَنَعْتَ شَيْئاً لَمْ تَصْنَعْهُ! فَقالَ: نَعَمْ، اسْتَقْبَلَني جَبْرَئيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَبَشَّرَني بِبِشاراتٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَجَدْتُ للهِ شُكْراً لِكُلِّ بُشْرى سَجْدَةً»[21].
وجاء في الكافي عن هشام بن أحمر:
(كُنْتُ أسيرُ مَعَ أبي الحَسَنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ في بَعْضِ أطْرافِ المَدينَةِ إذْ ثَنى رِجْلَهُ عَنْ دابَّتِهِ فَخَرَّ ساجِداً، فَأطالَ وَأطالَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَرَكِبَ دابَّتَهُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِداكَ، قَدْ أطَلْتَ السُّجودَ؟! فَقالَ: «إنَّني ذَكَرْتُ نِعْمَةً أنْعَمَ اللهُ بِها عَلَيَّ فَأحْبَبْتُ أنْ أشْكُرَ رَبّي»)[22].
وقال الإمام الصادق عليه السلام: «إذا ذَكَرَ أحَدُكُمْ نِعْمَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَضَعْ خَدَّهُ عَلى التُّرابِ شُكْراً للهِ، فَإنْ كانَ راكِباً فَلْيَنْزِلْ فَلْيَضَعْ خَدَّهُ عَلَى التُّرابِ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلى النُّزولِ للشُّهْرَةِ فَلْيَضَعْ خَدَّهُ عَلَى قَرَبُوسِهِ، وَإنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَضَعْ خَدَّهُ عَلى كَفِّهِ، ثُمَّ لِيَحْمَدِ اللهَ عَلى ما أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ»[23].
زاي: إن ترد على من أنعم عليك بأكثر مما أنعم عليك وليس بمقدار ما أنعم عليك، وهذا ما صرح به الإمام الباقر عليه السلام بقوله: «مَنْ صَنَعَ مِثْلَ ما صُنْعَ إلَيْهِ فَإنّما كافَأ، وَمَنْ أضْعَفَ كانَ شاكِراً»[24].
حاء: الثناء على الله تعالى المنعم باللسان وهذا ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: «ما أنْعَمَ اللهُ عَلى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ صَغُرَتْ أوْ كَبُرَتْ فَقالَ: الحَمْدُ للهِ، إلاّ أدّى شُكْرَها»[25].
طاء: يجب شكر الله تعالى باللسان والقلب معاً في السراء والضراء وهذا ما ذكره الإمام الصادق عليه السلام بقوله: «كانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إذا وَرَدَ عَلَيْهِ أمْرٌ يَسُرُّهُ قالَ: الحَمْدُ للهِ عَلى هذِهِ النِّعْمَةِ، وَإذا وَرَدَ عَلََيْهِ أمْرٌ يَغْتَمُّ بِهِ قالَ: الحَمْدُ للهِ عَلى كُلِّ حالٍ»[26].
ياء: ورد في مفاتيح الجنان مناجاة الشاكرين للإمام زين العابدين عليه السلام يستحب قراءتها من باب شكر المنعم كما يستحب؟
وورد أيضا في نفس الكتاب أن من قال: (الحمد لله على كل نعمة كانت أو هي كائنة) سبع مرات يكون ممن أدى شكر ما مضى من النعم وما هو حاضر وما هو آت.
كاف: إخراج الحقوق من المال هو شكر على نعمة المال وأجاب الإمام الصادق عليه السلام (لمّا سأله أبو بصير: هَل لِلشُّكْرِ حَدٌّ إذا فَعَلَهُ العَبْدُ كانَ شاكِراً؟ فقال: «نعم».
قُلْتُ: ما هُوَ؟ قالَ ــ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ــ: «يَحْمَدُ اللهَ عَلى كُلِّ نِعْمَةٍ عَلَيْهِ في أهْلٍ وَمالٍ، وَإنْ كانَ فيما أنْعَمَ عَلَيْهِ في مالِهِ حَقٌّ أدّاهُ، وَمِنْهُ قَولُهُ جَلَّ وَعَزَّ: (سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)[27]»)[28].
السؤال: ما هي فوائد الشكر؟
الجواب: لا يختلف العقلاء ولا يشكّون في وجود فوائد للشكر إلاّ أننا نريد أن نجيب عن هذا السؤال من خلال ما ورد من آيات كريمة وأحاديث شريفة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام:
1ــ إن شكر النعم هو امتثال لأمر الله تعالى وكسبا لرضاه، وهذا ما دل عليه قوله تعالى:
(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)[29].
وقوله تعالى: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[30].
2ــ إن الشكر يعود نفعه للشاكر في الدنيا والآخرة، وهو ما صرحت به الآيات الكريمة كما في قوله تعالى: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)[31].
وقوله تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)[32].
3ــ الشكر ينجي من الحيرة أو الابتلاء وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام: «الشُّكْرُ عِصْمَةٌ مِنْ الفِتْنَةِ»[33].
4ــ الشكر يدفع الضرر والأذى وهو ما صرح به أمير المؤمنين عليه السلام: «شُكْرُ النِّعْمَةِ أمانٌ مِنْ حُلُولِ النِّقْمَةِ»[34].
5ــ الشكر يوجب الزيادة في النعمة التي شكرتها، وهذا ذكر في قوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[35].
وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما فَتَحَ اللهُ عَلى عَبْدٍ بابَ شُكْرٍ فَخَزَنَ عَنْهُ بابَ الزِّيادَةِ»[36].
وقول أمير المؤمنين عليه السلام: «ما أنْعَمَ اللهُ عَلى عَبْدٍ نِعْمةً فَشَكَرَها بِقَلْبِهِ، إلاّ اسْتَوْجَبَ المَزيدَ فيها قَبْلَ أنْ يُظْهِرَ شُكْرَها عَلى لِسانِهِ»[37].
وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام (لمّا سُئلَ عَنْ شُمولِ قَوْلِهِ تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ...).
للشكر على النّعمة الظاهرة، قال: «نَعَمْ، مَنْ حَمِدَ اللهَ عَلى نِعَمِهِ وَشَكَرَهُ، وَعَلِمَ أنَّ ذلِكَ مِنْهُ لاَ مِنْ غَيْرِهِ (زادَ اللهُ نِعَمَهُ)»)[38].
6ــ الشكر يوجب السمعة الحسنة بين الناس كما دل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام: «أحْسَنُ السُّمْعَةِ شُكْرٌ يُنْشَرُ»[39].
وهناك تفسير آخر لهذه العبارة وهو انتشار الشكر الذي يأتيك من الناس، أي انتشار المدح والثناء لك بين الناس.
السؤال: ما هو ضرر ترك الشكر؟
الجواب: 1ــ اتفق العقلاء على ذم تارك الشكر وأيدهم في ذلك الشارع المقدس كما في قوله تعالى:
(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)[40].
وقوله تعالى: (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ)[41].
وقوله تعالى: (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[42].
2ــ عدم الشكر يوجب الحرمان من الزيادة، وهذا ما صرح به الإمام الباقر عليه السلام بقوله: «لاَ يَنْقَطِعُ المَزيدُ مِنَ اللهِ حَتّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ العِبادِ»[43].
3ــ عدم الشكر يوجب انقلاب النعمة إلى نقمة وبلاء كما في قول الصادق عليه السلام: «إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أنْعَمَ عَلى قَوْمٍ بِالمَواهِبِ فَلَمْ يَشْكُرُوا فَصارَتْ عَلَيْهِمْ وَبالاً، وابْتَلى قَوْماً بِالمَصائِبِ فَصَبَرُوا فَصارَتْ عَلَيْهِمْ نِعْمَةً»[44].
4ــ أنزل الإمام الجواد عليه السلام عدم شكر النعمة منزلة السيئة كما في قوله عليه السلام: «نِعْمَةٌ لاَ تُشْكَرُ كَسَيِّئَةٍ لاَ تُغْفَرُ»[45].
5ــ تارك الشكر يتلبس بصفة رذيلة وهي صفة اللؤم وهذا ما أورده الإمام الحسن عليه السلام: «اللّؤْمُ أنْ لاَ تشْكُرَ النعْمَة»[46].
6ــ تارك الشكر يكون ممن تسبب بقطع المعروف فاستحق بذلك لعنة الله تعالى، كما صرح بذلك الإمام الصادق عليه السلام: «لَعَنَ اللهُ قاطِعِي سَبيلِ المَعْرُوفِ، وَهُوَ الرَّجُلُ يُصْنَعُ إلَيْهِ المَعْروفُ فَيَكْفُرُهُ، فَيَمْنَعُ صاحِبَهُ مِنْ أنْ يَصْنَعَ ذلِكَ إلى غَيْرِهِ»[47].
السؤال: ما هي منزلة الشاكرين؟
الجواب: اختلف الناس في مراتبهم ومنازلهم عند الله تعالى تبعا لعلاقتهم به وطاعتهم له، وممن خصوا بمنزلة عالية هم الشاكرون، إذ جعلهم الله تعالى من الصفوة القلة كما صرح بذلك أمير المؤمنين بقوله: «أوصِيكُمْ بِتَقْوى اللهِ... فَما أقَلَّ مَنْ قَبِلَها، وَحَمَلَها حَقَّ حَمْلِها! أولئِكَ الأقَلُّونَ عَدَداً، وَهُمْ أهْلُ صِفَةِ اللهِ سُبْحانَهُ إذْ يَقولُ: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[48]»[49].
الشاكر ممن نال خير الدنيا والآخرة وهذا ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أوتيَ قَلْباً شاكِراً، ولِساناً ذاكِراً وَزَوجَة مُؤْمِنَة تُعينُهُ عَلى أمرِ دُنْياهُ وَأُخْراه، فَقَدْ أوتيَ في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَوُقيَ عَذابَ النّارِ»[50].
ــ نصيحة
إذا أردت أن تشكر من أنعم عليك سرا وعلانية فعليك أن تشير إلى صانع المعروف وتذكر معروفه عليك بين الناس وتتحدث عنه بما هو حسن من الحديث، وتحبه لذلك وهذا ما ورد على لسان أمير المؤمنين عليه السلام وولده الإمام زين العابدين عليهما السلام بقولهما: «حَقٌّ عَلى مَنْ أنْعِمَ عَلَيْهِ أنْ يُحْسِنَ مُكافَأةَ المُنْعِمِ، فَإنْ قَصُرَ عَنْ ذلِكَ وُسْعُهُ فَعَلَيْهِ أنْ يُحْسِنَ الثَّناءَ، فَإنْ كَلَّ لِسانُهُ فَعَلَيْهِ بِمَعْرِفَةِ النِّعْمَةِ وَمَحَبَّةِ المُنْعِمِ بِها، فَإنْ قَصُرَ عَنْ ذلِكَ فَلَيْسَ للنِّعْمَةِ بِأهْلٍ»[51].
وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: «أمّا حَقُّ ذِي المَعْروفِ عَلَيْكَ فَأنْ تَشْكُرَهُ وَتَذْكُرَ مَعْروفَهُ، وَتُكْسِبَهُ المَقالَةَ الحَسَنَةَ، وَتُخْلِصَ لَهُ الدُّعاءَ فيما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإذا فَعَلْتَ ذلِكَ كُنْتَ قَدْ شَكَرْتَهُ سِرّاً وَعَلانِيَةً، ثُمَّ إنْ قَدَرْتَ عَلى مُكافَأتِهِ يَوْماً كافَيْتَهُ»[52].
ــــــــــــــ
[1] المعجم الوسيط: ص490.
[2] أعلام الدين: ص313. ميزان الحكمة: ج5، ص1970، ح9586.
[3] قصص الأنبياء للراونديّ: ص161، ح178. ميزان الحكمة: ج5، ص1973، ح9603.
[4] سورة الفرقان، الآية: 44.
[5] الصحيفة السجادية: ص20، الدعاء1. ميزان الحكمة: ج5، ص1968، ح9571.
[6] بحار الأنوار: ج78، ص69، ح21. ومن هنا أخذ القائل ــ وقيل إنّها لأمير المؤمنين عليه السلام ــ:
هَبِ البعثَ لَمْ تأتِنا رُسْلُهُ*** وجاحِمَةَ النّارِ لم تُضْرَمِ
ألَيْسَ مِنْ الواجِبِ المُسْتَحِقِّ*** حَياءُ العِبادِ مِنْ المُنْعِمِ؟!
ميزان الحكمة: ج5، ص1968، ح9576.
[7] غرر الحكم: 5661، 5662. ميزان الحكمة: ج5، ص1974، ح9605.
[8] مشكاة الأنوار: ص35. ميزان الحكمة: ج5، ص1974، ح9608.
[9] سورة إبراهيم، الآية: 7.
[10] تفسير العياشي: ج2، ص222، ح5. ميزان الحكمة: ج5، ص1972، ح9590.
[11] الكافي: ج2، ص96، ح15. ميزان الحكمة: ج5، ص1975، ح9613.
[12] الكافي: ج2، ص427، ح8. ميزان الحكمة: ج5، ص1975، ح9614.
[13] أمالي الطوسي: ص580، ص1197. ميزان الحكمة: ج5، ص1972، ح9592.
[14] غرر الحكم: 9102. ميزان الحكمة: ج5، ص1972، ح9597.
[15] نهج البلاغة: الحكمة 11. ميزان الحكمة: ج5، ص1974، ح9612.
[16] نهج البلاغة: الكتاب 69. ميزان الحكمة: ج5، ص1974، ح9611.
[17] الإرشاد: ج1، ص304. ميزان الحكمة: ج5، ص1975، ح9619.
[18] الكافي: ج2، ص99، ح30. ميزان الحكمة: ج5، ص1976، ح9620.
[19] الكافي: ج2، ص99، ح30. ميزان الحكمة: ج5، ص1979، ح9637.
[20] عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2، ص169. ميزان الحكمة: ج5، ص1976، ح9621.
[21] الكافي: ج2، ص98، ح24. ميزان الحكمة: ج5، ص1976، ح9622.
[22] الكافي: ج2، ص98، ح26. ميزان الحكمة: ج5، ص1976، ح9623.
[23] الكافي: ج2، ص98، ح25. ميزان الحكمة: ج5، ص1976، ح9624.
[24] معاني الأخبار: ص141، ح1. ميزان الحكمة: ج5، ص1979، ح9636.
[25] الكافي: ج2، ص96، ح14. ميزان الحكمة: ج5، ص1975، ح9616.
[26] الكافي: ج2، ص97، ح19. ميزان الحكمة: ج5، ص1975، ح9617.
[27] سورة الزخرف، الآية: 13.
[28] الكافي: ج2، ص96، ح12. ميزان الحكمة: ج5، ص1975، ح9615.
[29] سورة البقرة، الآية: 152.
[30] سورة الأعراف، الآية: 144.
[31] سورة النمل، الآية: 40.
[32] سورة لقمان، الآية: 12.
[33] بحار الأنوار: ج78، ص53، ح86. ميزان الحكمة: ج5، ص1968، ح9573.
[34] غرر الحكم: 5666. ميزان الحكمة: ج5، ص1968، ح9574.
[35] سورة إبراهيم، الآية: 7.
[36] الكافي: ج2، ص94، ح2. ميزان الحكمة: ج5، ص1972، ح9593.
[37] أمالي الطوسي: ص580، ح1197. ميزان الحكمة: ج5، ص1972، ح9592.
[38] تفسير العياشي: ج2، ص222، ح5. ميزان الحكمة: ج5، ص1972، ح9590.
[39] غرر الحكم: 3013. ميزان الحكمة: ج5، ص1978، ح9627.
[40] سورة غافر، الآية: 61.
[41] سورة يونس، الآية: 60.
[42] سورة الأعراف، الآية: 17.
[43] بحار الأنوار: ج71، ص56، ح86. ميزان الحكمة: ج5، ص1972، ح9595.
[44] أمالي الصدوق: ص249، ح4. ميزان الحكمة: ج5، ص1972، ح9599.
[45] أعلام الدين: ص309. ميزان الحكمة: ج5، ص1973، ح9600.
[46] تحف العقول: ص233. ميزان الحكمة: ج5، ص1978، ح9630.
[47] الاختصاص: ص241. ميزان الحكمة: ج5، ص1980، ح9645.
[48] سورة سبأ، الآية: 13.
[49] نهج البلاغة: الخطبة 191. ميزان الحكمة: ج5، ص1971، ح9589.
[50] مئة موضوع أخلاقي، آية الله العظمى مكارم الشيرازي: ص369. تفسير مجمع البيان: ج1، ص298.
[51] أمالي الطوسي: ص501، ح1097. ميزان الحكمة: ج5، ص1978 ــ 1979، ح9634.
[52] الخصال: ص568، ح1. ميزان الحكمة: ج5، ص1978، ح9633.
إرسال تعليق