أزواج الإمام الحسين عليه السلام وبناته اللاتي خرجْنَ معه إلى العراق

بقلم: السيد نبيل الحسني

بعد أن تبين من خلال مقالة سلبقة أن عدد بنات أمير المؤمنين عليه السلام اللاتي خرجن مع أخيهن الإمام الحسين عليه السلام كُنَّ عشر أخوات، فلنأتِ الآن إلى معرفة أزواج الإمام الحسين وبناته وأولاده الذين خرجوا معه إلى كربلاء.

عدد أزواجه عليه السلام، ومن خرجت منهنّ معه عليه السلام


1 ــ ليلى بنت أبي مرة



وهي ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، وتكنى (أم شيبة)[1]. وقد ولدت للإمام الحسين عليه السلام ولده علياً الأكبر الشهيد في كربلاء عليه السلام[2].

وقد اختلف المؤرخون فيما بينه وبين الإمام علي زين العابدين عليه السلام أيهما الأكبر، فذهب قوم إلى أنه أصغر من أخيه الإمام زين العابدين عليه السلام[3]، الذي منعه المرض من الجهاد بين يدي أبيه يوم عاشوراء وكان معه أيضا ولده الإمام محمد الباقر وكان له من العمر سنتان[4].

في حين ذهب أبناء العامة: إلى أن المقتول في كربلاء هو أكبر ولد الإمام الحسين عليه السلام وإن علياً زين العابدين أصغر منه[5].

ألف: اختلاف النصوص في أيهما كان بكر الإمام الحسين عليه السلام



إن الاختلاف بين المؤرخين في تحديد أي العليين أكبر يعود إلى اختلاف النصوص الواردة في ذلك، فقد ورد عن الإمام زين العابدين ما يشير إلى أنه كان أصغر من أخيه الشهيد في كربلاء حينما (سأله عبيد الله بن زياد (لعنه الله): ما اسمك؟ قال: «علي بن الحسين». قال: ألم يقتل الله علياً؟ قال:«كان لي أخ يقال له علي، أكبر مني قتله الناس»)[6].

في حين أخرج الشيخ الطوسي في غيبته عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: «لما توجه الحسين عليه السلام إلى العراق دفع إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوصية والكتب وغير ذلك، وقال لها: إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما قد دفعت إليك، فلما قتل الحسين عليه السلام أتى علي بن الحسين عليه السلام أم سلمة فدفعت إليه كل شيء أعطاها الحسين عليه السلام»[7].

وهذه الرواية تنفي أن يكون علي الأكبر الشهيد في كربلاء أكبر من الإمام زين العابدين عليه السلام.

وعليه: يبقى الخلاف قائماً بين الباحثين في إثبات أيهما الأكبر على الرغم من أن ذلك لا يقدم في شأنية كل منهما سوى كون أحدهما بكر سيد الشهداء عليه السلام.

باء: الإختلاف في وجود ليلى بنت مرة في كربلاء



لقد ذهب بعض المتأخرين كالمحدث الشيخ عباس القمي (طيب الله ثراه) إلى خلاف ما عليه السيرة الحسينية في مختلف البلاد الإسلامية التي تقام فيها ذكرى عاشوراء والتي تتناول وجود أم علي الأكبر عليه السلام في كربلاء ودعاءها لولدها حينما خرج إليه بكر بن غانم ليقاتله فدخلت حينها ودعت له فرد الله لها علياً الأكبر في هذه الجولة من القتال[8].

ولقد بيّن الشيخ عباس القمي السبب في هذا الرأي فقال: (لم أظفر بشيء يدل على مجيء ليلى إلى كربلاء)[9].

أقول: إن عدم الظفر بشيء يدل على وجودها في كربلاء لا يدفع بالباحث إلى القطع بعدم وجودها أصلاً بل لا يرقى ذلك حتى إلى الاحتمال مع وجود مجموعة من القرائن التي تدل على وجودها.

1ــ إن إهمال التاريخ لذكرها في كربلاء لا يعني عدم وجودها، فقد أهمل التاريخ جوانب مهمة من حياة سيد المرسلين بلغت ثلاث عشرة سنة وهي من سنة مبعثه إلى هجرته، فقد اختصر لنا الرواة هذه السنين بصفحات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، التي ملأوها بسيرة بعض المسلمين وكيف أسلموا وتغافلوا عن جهاد رسول الله وبني هاشم ومن آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من العبيد والمستضعفين وجهاد أم المؤمنين خديجة عليها السلام في شعب أبي طالب وغيره، في حين نجد المؤرخين قد أجادوا في ذكر مجالس قريش وأنديتها ومآثر رجالاتها فضلاً عن شغفهم بأشعارها.

2ــ ليس التاريخ ـ وعلى فرضية أنه منصف ـ بتلك الدقة بحيث يسجل كل شاردة وواردة في حياة ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي المقابل كان على رأس الحكم معاوية بن أبي سفيان وإعلامه المعادي وحصاره المضروب على أبناء علي عليه السلام.

3ــ لا يوجد مانع من إخراجها إلى العراق وكما يقال: إرتفاع المانع ووجود المقتضي، أي: إن مقتضيات خروجها متحققة وليس الموانع، فمن هذه المقتضيات:

ألف: خروج زوجها والمرأة تتبع زوجها في انتقاله لاسيما قد أخرج غيرها من أزواجه كالرباب.

باء: خروج ولدها علي الأكبر مما يزيد في تعلقها في الخروج، فلا زوجها بقي ولا ولدها، ومن ثم: لا يطيب لها مقام بغيرهما.

جيم: كونها متزوجة من إمام مفترض الطاعة تسقط ولايتها على نفسها فضلاً عن الولاية الزوجية.

4ــ قد أخرج الإمام الحسين عليه السلام من هي أعظم حرمة وأكبر شأنا وهي العقيلة زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولذا: لا يوجد مانع من خروجها بل المانع في بقائها مع هذه المقتضيات في الخروج.

2 ــ الرباب بنت امرئ القيس بن عدي من أهل الشام


روى ابن حجر إنّ امرئ القيس بن عدي كان رجلاً نصرانياً قدم  المدينة في خلافة عمر بن الخطاب فلما دخل عليه (حياه بتحية الخلافة، فقال من أنت؟ قال: امرئ نصراني وأنا امرؤ القيس بن عدي الكلبي، فلم يعرفه عمر. فقال له رجل: هذا صاحب بكر بن وائل الذي أغار عليهم في الجاهلية، قال: فما تريد؟ قال: أريد الإسلام، فعرضه عليه فقبله، ودعا له برمح فعقد له على من أسلم من قضاعة، فأدبر الشيخ واللواء يهتز على رأسه. قال عوف ما رأيت رجلاً لم يصلِّ صلاة أمر على جماعة من المسلمين قبله، قال: ونهض علي وإبناه حتى أدركه فقال له: «أنا علي بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذان ابناي من ابنته، وقد رغبنا في صهرك فأنكحنا». قال: قد أنكحتك يا علي الحياة ابنة امرئ القيس؛ وأنكحتك يا حسن سلمى بنت امرئ القيس، وأنكحتك يا حسين الرباب بنت امرئ القيس)[10].

وقد ولدت الرباب للإمام الحسين عليه السلام سكينة، وعبد الله الرضيع، الذي استشهد في يوم الطف[11]، وكان اسم سكينة أميمة[12]، وسكينة لقب؛ وفي الرباب وسكينة يقول الإمام الحسين عليه السلام:

لعمرك إنني لأحب داراً *** تحل بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جل مالي *** وليس لعاتب عندي عتاب[13]
ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً *** حياتي أو يغيبني التراب([14])

ولقد عُرفت الرباب بنت امرئ القيس بوفائها للإمام الحسين عليه السلام وعظم صبرها على فقده وفقد ولدها الرضيع الذي ذبح من الوريد إلى الوريد؛ حتى سجل موقفها وصبرها أعظم الصور الإنسانية التي لم تزل تلهم الشعراء والكتاب والأحرار دروساً في التضحية والثبات من أجل المبدأ.

وقد روى التاريخ عن حالها بعد رجوعها إلى المدينة من مأساة الطف، إنها لم تستظل بظل بل بعثت خلف البنّاء وطلبت منه أن يقلع سقف الدار وجلست لا تستظل بظل، لا في صيف أو شتاء حتى ماتت بعد سنة من استشهاد حجة الله الإمام الحسين عليه السلام[15].

ولقد حاول كثير من الرجال خطبتها فقابلتهم بالرفض فلما ألحوا عليها قالت: (ما كنت لأتخذ حموا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)[16].

وكانت ترثي الحسين عليه السلام فتقول:

إن الذي كان نورا يستضاء به *** بكربلاء قتيل غير مدفون
سبط النبي جزاك الله صالحة *** عنا وجنبت خسران الموازين
قد كنت لي جبلا صعبا ألوذ به *** وكنت تصحبنا بالرحم والدين
من لليتامى ومن للسائلين ومن *** يغني ويأوي إليه كل مسكين[17]
والله لا أبتغي صهراً بصهركم *** حتى أغيب بين الرحل والطين[18]

وهذا كله يدل بشكل قطعي على وجودها في كربلاء يوم عاشوراء فتكون بذلك ثاني زوجة لسيد الشهداء عليه السلام فيمن أخرجهن معه إلى العراق.

3 ــ أم إسحاق بنت طلحة



كانت أم إسحاق قبل أن يتزوجها الإمام الحسين عند أخيه الإمام الحسن عليه السلام فلما حضرته الوفاة أوصى أخاه الإمام الحسين أن يتزوجها، وقد ولدت له فاطمة وعبد الله[19].

إذن: يكون عدد أزواجه ثلاثاً وهن: ليلى الثقفية، والرباب بنت امرئ القيس، وأم إسحاق. أما شاه زنان فهي أم الإمام زين العابدين عليه السلام وهي فارسية وتكون بنت شرويه بن كسرى ملك الفرس إلا أنها لم تكن حاضرة في يوم عاشوراء، وذلك لأنها توفيت في أثناء ولادتها للإمام زين العابدين عليه السلام.

أما كيف تزوج بها الإمام الحسين عليه السلام فقد قيل: إن حريث بن جابر الحنفي حينما ولاه الإمام علي عليه السلام خراسان بعث إليه ببنتي يزدجر، فنحل ابنه الحسين عليه السلام شاه زنان فأولدها زين العابدين عليه السلام، ونحل الثانية محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمد بن أبي بكر فهما إبنا خالة[20].

وقيل: (لما ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بن الخطاب بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيدا، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أكرموا كريم كل قوم». فقال عمر: قد سمعته يقول: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم، فقال له أمير المؤمنين: «هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلام ورغبوا في الإسلام ولا بد أن يكون لهم فيهم ذرية وأنا أشهد الله وأشهدكم أني قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله تعالى».

فقال جميع بني هاشم: قد وهبنا حقنا أيضا لك، فقال: «اللهم اشهد أني قد أعتقت ما وهبوا لي لوجه الله». قال المهاجرون والأنصار: وقد وهبنا حقنا لك يا أخا رسول الله، فقال: «اللهم اشهد أنهم قد وهبوا لي حقهم وقبلته، وأشهدك أني قد أعتقتهم لوجهك». فقال عمر: لم نقضت علي عزمي في الأعاجم وما الذي رغبك عن رأيي فيهم؟ فأعاد عليه ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في إكرام الكرماء، فقال عمر: قد وهبت لله ولك يا أبا الحسن ما يخصني وسائر ما لم يوهب لك، فقال أمير المؤمنين: «اللهم اشهد على ما قالوه وعلى عتقي إياهم».

فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء فقال أمير المؤمنين: «هن لا يكرهن على ذلك ولكن يخيرن، ما اخترنه عمل به». فأشار جماعة إلى شهربانويه بنت كسرى فخيرت وخوطبت من وراء الحجاب والجمع حضور فقيل لها: من تختارين من خطابك؟ وهل أنت ممن تريدين بعلا؟ فسكتت، فقال أمير المؤمنين: «قد أرادت وبقي الاختيار».

فقال عمر: وما علمك بإرادتها البعل؟ فقال أمير المؤمنين: «إن رسول الله كان إذا أتته كريمة قوم لا ولي لها وقد خطبت يأمر أن يقال لها: أنت راضية بالبعل؟ فإن استحيت وسكتت جعلت أذنها صماتها وأمر بتزويجها، وإن قالت: لا، لم يكره على ما تختاره، وإن شهربانويه أريت الخطاب فأومأت بيدها واختارت الحسين بن علي عليهما السلام».

فأعيد القول عليها في التخيير فأشارت بيدها وقالت: هذا، إن كنت مخيرة، وجعلت أمير المؤمنين وليها وتكلم حذيفة بالخطبة، فقال أمير المؤمنين: «ما اسمك؟». فقالت: شاه زنان بنت كسرى، قال أمير المؤمنين: «أنت شهربانويه وأختك مرواريد بنت كسرى؟». قالت: آريه)[21].


ـــــــــــــــــــــ
[1] مقاتل الطالبيين للأصفهاني: ص52.
[2] مقاتل الطالبيين للأصفهاني: ص52.
[3] دلائل الإمامة للطبري (الشيعي): ص181؛ المناقب لابن شهر: ج3، ص309؛ الاستغاثة للكوفي: ج1، ص7، ترجمة المؤلف.
[4] شرح الأخبار للقاضي المغربي: ج3، ص153.
[5] الإصابة لابن حجر: ج3، ص412؛ البداية والنهاية: ج9، ص103؛ الأخبار الطوال للدينوري: ص254؛ لوائح الأنوار للشعراني: ج1، ص23؛ المعارف لابن قتيبة: ص93؛ الكامل لابن الأثير: ج4، ص30؛ الروض الأنف للسهيلي: ج2، ص326؛ تاريخ الطبري: ج6، ص260.
[6] التمهيد لابن عبد البر: ج9، ص156؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج5، ص212؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج41، ص367؛ المنتخب من ذيل المذيل للطبري: ص119؛ شرح إحقاق الحق للمرعشي: ج28، ص190.
[7] إكسير العبادات للدربندي: ج2، ص641.
[8] إكسير العبادات للدربندي: ج2، ص641.
[9] نفس المهموم للشيخ عباس القمي: ص167؛ إكسير العبادات للدربندي: ج2، ص641، (الهامش).
[10] الإصابة لابن حجر: ج1، ص355، برقم (487)؛ الغارات للثقفي: ج2، ص817؛ تاريخ مدينة دمشق: ج69، ص120.
[11] المنتخب من ذيل المذيل للطبري: ص225؛ مستدركات علم رجال الحديث: ج8، ص574؛ قاموس الرجال للتستري: ج12، ص255.
[12] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج69، ص120.
[13] الإصابة لابن جر: ج1، ص355؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج69، ص120.
[14] المنتخب من ذيل المذيل للطبري: ص25.

[15] تاريخ دمشق لابن عساكر: ج69، ص397؛ الكامل في التاريخ: ج4، ص88؛ الأعلام للزركلي: ج3، ص14.
[16] كتاب المحبر لابن حبيب البغدادي: ص397؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج69، ص120؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج4، ص88.
[17] الوافي للوفيات للصفدي: ج14، ص53.
[18] شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج27، ص5؛ أعيان الشيعة للأمين: ج6، ص449.
[19] المنتخب من ذيل المذيل للطبري: ص24؛ ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد: ص17.

[20] الإرشاد للمفيد رحمه الله: ج2، ص137.
[21] الغارات للثقفي: ج2، ص826؛ دلائل الإمامة للطبري (الشيعي) ص196.

إرسال تعليق