عدد بنات الإمام الحسين عليه السلام اللاتي خرجْنَ معه إلى العراق

بقلم: السيد نبيل الحسني

لم تتفق المصادر التاريخية على رأي واحد في تحديد العدد الذي ينص على بنات الإمام الحسين عليه السلام اللاتي أخرجهن معه إلى العراق، ولذا: فنحن نستتبع كل إشارة تشير إلى واحدة منهن وأنها فجعت بأبيها وأخوتها يوم الطف.

1 ــ السيدة سكينة بنت الإمام الحسين عليه السلام


تناول كثير من المصادر التاريخية والحديثية السيدة سكينة بنت الإمام الحسين عليه السلام فبين كونها ممن حضر وبين كونها قد روت عن أبيها وجدها بعض الأحاديث الشريفة.

إلا أننا هنا بصدد وجودها في كربلاء؛ والذي يبدو أن السبب في التركيز عليها دون أخواتها هو لعلاقتها المتميزة بأبيها لاسيما وأنه عليه السلام قد أشار إلى ذلك الحب الأبوي في شعره الذي خصها وأمها الرباب فيه.

فضلاً عن ذلك: فقد ذكرت المصادر ما دار بينها وبين أبيها الإمام الحسين عليه السلام في الوداع الأخير له صلوات الله وسلامه عليه قبل خروجه للقتال والاستشهاد. فقد روى ابن شهر آشوب والقندوزي: (ثم ودع النساء وكانت سكينة تصيح فضمها إلى صدره وقال:

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي *** منك البكاء إذا الحمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة *** ما دام مني الروح في جثماني
وإذا قتلت فأنت أولى بالذي *** تأتينه يا خيرة النسوان[1]

2 ــ فاطمة الكبرى بنت الحسين عليه السلام


فاطمة الكبرى وهي غير فاطمة العليلة التي أودعها الإمام الحسين عند أم سلمة حينما خرج إلى العراق. إذ أشارت بعض المصادر إلى وجودها في كربلاء، وهي كالآتي:

1 ــ روى السيد ابن طاووس في نزول الإمام الحسين أرض كربلاء، فجلس يصلح سيفه ويقول:

يا دهر أف لك من خليل *** كم لك بالإشراق والأصيل
من طالب وصاحب قتيل *** والدهر لا يقنع بالبديل
وكل حي سالك سبيل *** ما أقرب الوعد من الرحيل
وإنما الأمر إلى الجليل

قال الراوي: فسمعت زينب بنت فاطمة عليها السلام ذلك، فقالت:«يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل». فقال: «نعم يا أختاه». فقالت زينب: «وا ثكلاه ينعى الحسين إليَّ نفسه». قال: وبكى النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب، وجعلت أم كلثوم تنادي: وا محمداه، وا علياه، وا أماه، وا أخاه، واحسيناه، وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله.  قيل فعزاها الحسين وقال لها: «يا أختاه تعزي بعزاء الله فإن سكان السماوات يفنون وأهل الأرض كلهم يموتون وجميع البرية يهلكون».

ثم قال: «يا أختاه يا أم كلثوم، وأنت يا زينب، وأنت يا فاطمة، وأنت يا رباب، أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن عليّّ جيبا ولا تخمشن عليّ وجها، ولا تقلن هجرا»)[2].  وهنا تنص الرواية على ذكرها فيما بين الأسماء التي توجه إليها الإمام عليه السلام بوصيته.

2 ــ أخرج الصفار عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن حسينا عليه السلام لما حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة ووصية باطنة وكان علي بن الحسين مبطونا لا يرون إلا أنه لما به فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين ثم صار ذلك إلينا فقلت فما في ذلك فقال فيه والله جميع ما يحتاج إليه ولد آدم إلى أن تفنى الدنيا»[3].

3 ــ فاطمة الصغرى بنت الحسين عليه السلام


أخرج لها الطبري في الاحتجاج خطبة في الكوفة وأوردها باسم (فاطمة الصغرى) ولعلها غير فاطمة بنت الحسين عليه السلام التي تزوجت الحسن المثنى ابن الحسن السبط المجتبى عليه السلام، ولعل فاطمة الصغرى هي نفسها السيدة رقية وإن رقية هو لقبها من الرقة كما هو حال أختها سكينة فقد ورد أن اسمها أميمة أو أمينة وإن سكينة لقبها[4].

أما خطبتها لأهل الكوفة فقد أخرجها الطبرسي عن زيد بن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام، قال: خطبت (فاطمة الصغرى عليها السلام) بعد أن ردت من كربلاء فقالت: الحمد لله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد: أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن أولاده ذبحوا بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات، اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، وأن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيه علي ابن أبي طالب عليه السلام، المسلوب حقه، المقتول من غير ذنب، كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله، وبها معشر مسلمة بألسنتهم، تعسا لرؤوسهم!

ما دفعت عنه ضيما في حياته ولا عند مماته، حتى قبضته إليك محمود النقيبة، طيب الضريبة، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم تأخذه فيك لومة لائم، ولا عذل عاذل، هديته يا رب للإسلام صغيرا، وحمدت مناقبه كبيرا، ولم يزل ناصحا لك ولرسولك صلى الله عليه وآله صلواتك عليه وآله حتى قبضته إليك، زاهدا في الدنيا غير حريص عليها، راغبا في الآخرة مجاهدا لك في سبيلك، رضيته فاخترته، وهديته إلى طريق مستقيم.

أما بعد يا أهل الكوفة! يا أهل المكر والغدر والخيلاء، إنا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسنا، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجته في الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضلنا بنبيه صلى الله عليه وآله على كثير من خلقه تفضيلا، فكذبتمونا، وكفرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالا، وأموالنا نهبا، كأنا أولاد الترك أو كابل، كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم، قرت بذلك عيونكم، وفرحت به قلوبكم، اجتراءً منكم على الله، ومكرا مكرتم والله خير الماكرين، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور.

تبا لكم! فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأن قد حل بكم، وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم ويذيق بعضكم بأس بعض، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين، ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم، أو أية نفس نزعت إلى قتالنا، أم بأية رجل مشيتم إلينا، تبغون محاربتنا؟ قست قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطبع على أفئدتكم، وختم على سمعكم وبصركم، وسول لكم الشيطان وأملى لكم وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

تبا لكم يا أهل الكوفة! كم تراث لرسول الله صلى الله عليه وآله قبلكم، وذحوله لديكم، ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي، وبنيه عترة النبي الطيبين الأخيار.
وافتخر بذلك مفتخر فقال: ( نحن قتلنا عليا وبني علي بسيوف هندية ورماح، وسبينا نساءهم سبي ترك ونطحناهم فأي نطاح).

فقالت: بفيك أيها القائل الكثكث، ولك الأثلب، افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهرهم، وأذهب عنهم الرجس، فاكظم واقعَ كما أقعى أبوك، وإنما لكل امرئ ما قدمت يداه، حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا الله.

فما ذنبنا إنْ جاش دهر بحورنا *** وبحرك ساج لا يواري الدعامصا

((ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ))[5]. ((وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ))[6].

قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء وقالوا: حسبك يا بنت الطيبين! فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا. فسكتت عليها وعلى أبيها وجدها السلام)[7].

ونجد هنا أن زيد بن موسى بن جعفر قد نص على كونها (الصغرى) مما يدل على وجود أخت لها سميت بـ(فاطمة الكبرى) تفريقا بينهما كما هو حال عمتها زينب فلوجود غيرها من أخواتها من قد تسمت بهذا الإسلام فقد سميت غيرها بزينب الصغرى أو كحال أخويها علي الأكبر وعلي زين العابدين عليه السلام.

فضلاً عن رواية أبي الجارود التي تدل بوضوح على أن أكبر بناته عليه السلام كانت فاطمة ولعل كونها أكبرهن لقبت بالكبرى تفريقا بينها وبين فاطمة الصغرى التي خطبت بأهل الكوفة.

4 ــ رقية بنت الحسين عليه السلام


وهي صاحبة المصيبة العظيمة التي تلازمت مع مصائب الرأس الشريف، فماتت عنده، لما ألمَّ بها من المصاب في خربة الشام حيث ضريحها الآن شامخٌ يحاكي أفئدة الأحرار ويخاطب عقول المفكرين أن ههنا تكمن الحياة حينما يكون الدفاع عن المقدسات بأنامل لا تجد غير اللعب لها مؤنساً.

والسيدة رقية عليها السلام على اشتهار مصابها بين المسلمين وشموخ ضريحها الذي يؤرخ لفاجعة أهل البيت في الشام إلا أن البعض لم يزل يبحث عن مصدر من مصادر المسلمين يلتمس فيه ما يدفع الشك عنه بأنّها بنت للإمام الحسين عليه السلام.

وكأن بني أمية حريصون على إثبات ذلك في تواريخ المسلمين كي يجد الباحث عن مصيبة رقية موضعاً يرتشف منه تلك المأساة العظيمة. ألا يكفي لبعض الباحثين ثبوت خروج الإمام الحسين عليه السلام بعياله من المدينة إلى مكة ثم العراق؟!!

أوَلا يكفيهم ما جرى يوم الطف من المصائب، والخطوب، والمذابح، والقهر، والإرهاب، كي يلتمس ما يثبت نسبة هذه المظلومية إلى سجل إرهاب بني أمية؟!!

أما بخصوص ورود اسمها في المصادر الإسلامية: فقد روى القندوزي، والإسفراييني، والحائري والسيد المرعشي وغيرهم واللفظ للقندوزي: («ثم نادى: يا أم كلثوم، ويا سكينة، ويا رقية، ويا عاتكة، ويا زينب، يا أهل بيتي عليكن مني السلام...»)[8].

فهذا النص الذي رواه جملة من العلماء يدل بوضوح على وجودها في كربلاء ولعله، أي هذا النص، يجد طريقه إلى ذوي الشكوك فيدفع عنهم شكهم ويريحهم من هذا الهم، الذي لم يبدده كل حجر وركن في ضريحها الصارخ بالمأساة في خربة الشام. نعم في خربة الشام وليس في الصين أو المكسيك!!

5 ــ عاتكة بنت الحسين عليه السلام


وقد نص على ذكرها القندوزي في الرواية السابقة التي أوردناها آنفا وبذلك يكون عدد بنات الإمام الحسين عليه السلام اللاتي أخرجهن معه إلى كربلاء (خمس بنات).

ــــــــــــــ
[1] مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج3، ص257؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج3، ص80؛ شرح إحقاق الحق: ج11، ص634.
[2] اللهوف في قتلى الطفوف: ص50؛ لواعج الأشجان للسيد محسن الأمين: ص103.
[3] بصائر الدرجات للصفار: ص183؛ الإمامة والتبصرة لابن بابويه: ص64.
[4] مقاتل الطالبيين: ص59؛ تاريخ ابن عساكر: ج69، ص205.
[5] سورة الجمعة، الآية: 4.
[6] سورة النور، الآية: 40.
[7] الاحتجاج للطبرسي: ج2، ص27 ــ 29؛ اللهوف للسيد ابن طاووس: ص89؛ البحار للمجلسي: ج45، ص110.
[8] ينابيع المودة للقندوزي: ج3، ص80؛ معالي السبطين للحائري: ج2، ص22؛ نور العين في مشهد الحسين: ص58؛ أدب الحسين وحماسته: ص45؛ إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج11، ص633؛ أدب الحسين عليه السلام: ص45؛ موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام: ص590.

إرسال تعليق