بحث مفصل عن نسب الدعيّ (عبيد الله بن زياد)

بقلم: الشيخ علي الفتلاوي

قال الإمام الحسين عليه السلام: (ألا وإنَّ الدَّعيَّ ابنَ الدَّعيْ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيَنِ: بَيْنَ السَلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَهَيْهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ[1]، يأبَى اللهُ ذلِكَ ورَسُولُهُ والمؤمِنوُنَ وحُجُورٌ طابَتْ وَأنُوفٌ حَميَّةٌ ونُفُوسٌ أبيَّةٌ، أنْ نُؤْثِرَ طاعَةَ اللِّئامِ عَلى مَصارِعِ الكِرامِ).


تنفطر القلوب وتقترح العيون وتتصدع الأصلاب عندما يضطر الكريم إلى مخاطبة اللئام، وتخرج الزفرات حسرة عندما يخاطب العالم جاهلاً لبيان قيمة العلم والعلماء، وتكاد السموات أن تقع على الأرض عندما ينزل العالي بالحق لبيان حقه عند الداني المتسافل، أليس من الظلم أن يحكم ابن العاهرة على ابن سيدة نساء العالمين؟ أليس من الجريمة أن يخيّر ابن القذارة ابن الطهارة بين الاستسلام أو القتل؟ أليس من العار على الأمة أن يكون الدعيّ وابن الدعيّ إماماً لها وتترك ابن الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة؟ أليس من السوء أن تلتف الشجرة الخبيثة على الشجرة الطيبة؟ ألم يقل المفسرون أن الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو أمية؟ فكيف هي منزلة اللصيق بهذه الشجرة؟ ولكي نوقف القارئ الكريم على حقيقة قول الإمام الحسين عليه السلام في بيان نسب ابن زياد لابد من معرفة ما ذكره التاريخ وسطره أصحاب التراجم.

ــ صورة عن أبيه زياد


عند الوقوف على جانب من جوانب حياة زياد تجد مسخاً قذراً لا يهمه إلا الدنيا والحكم فيها والتسلط والظهور بمظهر أهل الشرف والرفعة، وما ذلك إلاّ لنقص في شخصه وخسة في باطنه وذلّ يعيشه في نفسه لمعرفته بنفسه الوضيعة التي ولدت من صلب قذر ورحم نجس، ولكي يتضح للقارئ الكريم ما قلناه فليتأمل ما جاء في التاريخ، كتب الرجال، وخير ما يدل على ذلك ما ورد في نهج البلاغة من كتب وجهها أمير المؤمنين عليه السلام إلى زياد يظهر منها قباحة زياد وخروجه على تعليمات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهي كما يلي:

نهج البلاغة ــ خطب الإمام علي عليه السلام ــ ج3 ــ ص19 إلى 20


(ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبيه) وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة وعبد الله عامل أمير المؤمنين يومئذ عليها وعلى كور الأهواز وفارس وكرمان: (وإني أقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من في المسلمين شيئا صغيراً أو كبيراً لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر ثقيل الظهر ضئيل الأمر).

(ومن كتاب له عليه السلام إليه أيضا) (فدع الإسراف مقتصدا، واذكر في اليوم غدا، وأمسك من المال بقدر ضرورتك، وقدم الفضل ليوم حاجتك أترجو أن يعطيك الله أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبرين، وتطمع وأنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة أن يوجب لك ثواب المتصدقين، وإنما المرء مجزي بما أسلف، وقادم على ما قدم، والسلام).

مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ــ الميرجهاني ــ ج4 ــ ص111 إلى 112


قال في المعادن أيضا ص197 فلما بلغ أمير المؤمنين عليه السلام ما عرج (أي زياد بن أبيه) عليه من القسوة والجفوة أخرج إليه سعدا مولاه يحثه على حمل مال البصرة إلى الكوفة فكانت بينه وبين سعد منازعة في ذلك فرجع سعد وشكاه من شنيع ما أتى به هنالك فكتب أمير المؤمنين صلوات الله عليه في ما كتب إليه يلومه على ما جرى لعله يذكر أو يخشى أما بعد فإن سعدا ذكر أنك شتمته ظلما وتهددته (هددته) وجبهته تجبرا وتكبرا فما دعاك إلى التكبر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكبر رداء الله فمن نازع الله رداءه قصمه وقد أخبرني أنك تكثر من الألوان المختلفة في الطعام في اليوم الواحد وتدهن كل يوم فما عليك لو صمت لله أياما وتصدقت ببعض ما عندك محتسبا وأكلت طعامك مرارا قفارا، فإن ذلك شعار الصالحين أتطمع وأنت متمرغ في النعيم تستأثر به على الجار والمسكين والضعيف والفقير والأرملة واليتيم أن يحسب لك أجر المتصدقين؟! وأخبرني أنك تتكلم بكلام الأبرار وتعمل عمل الخاطئين، فإن كنت تفعل ذلك فنفسك ظلمت وعملك أحبطت فتب إلى ربك يصلح لك عملك واقتصد في أمرك وقدم الفضل ليوم حاجتك وأدهن غبا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أدهنوا غبا ولا تدهنوا دفقا.

الغارات ــ إبراهيم بن محمد الثقفي ــ ج2 ــ ص925 إلى 933


قصة استلحاق معاوية زيادا قال الرضي ــ رضوان الله عليه ــ في نهج البلاغة في باب المختار من كتبه عليه السلام ما نصه: (ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبيه وقد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه: (وقد عرفت أن معاوية كتب إليك يستزل بك، ويستفل غربك، فاحذره فإنما هو الشيطان يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ليقتحم غفلته ويستلب غرته، وقد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة من حديث النفس، ونزعة من نزعات الشيطان لا يثبت بها نسب، ولا يستحق بها إرث والمتعلق بها كالواغل المدفع والنوط المذبذب).

فلما قرأ زياد الكتاب قال: شهد بها ورب الكعبة، ولم تزل في نفسه حتى ادعاه معاوية).

وقال ابن أبي الحديد في شرحه بعد تفسير جملاته ما لفظه: (فأما زياد فهو زياد بن عبيد فمن الناس من يقول عبيد بن فلان وينسبه إلى ثقيف، والأكثرون يقولون: إن عبيدا كان عبدا وإنه بقي إلى أيام زياد فابتاعه وأعتقه، وسنذكر ما ورد في ذلك، ونسبة زياد لغير أبيه لخمول أبيه والدعوة التي استلحق بها، فقيل تارة: زياد بن سمية وهي أمه، وكانت أمة للحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج الثقفي طبيب العرب وكانت تحت عبيد، وقيل تارة، زياد بن أبيه، وقيل تارة: زياد بن أمه، ولما استلحق قال له أكثر الناس: زياد بن أبي سفيان، لأن الناس مع الملوك الذين هم مظنة الرهبة والرغبة، وليس أتباع الدين بالنسبة إلى أتباع الملوك إلا كالقطرة في البحر المحيط، فأما ما كان يدعى به قبل الاستلحاق فزياد بن عبيد ولا يشك في ذلك أحد.

وروى أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس: أن عمر بعث زياداً في إصلاح فساد واقع باليمن فلما رجع من وجهه خطب عند عمر خطبة لم يسمع مثلها وأبو سفيان حاضر وعلي عليه السلام وعمرو بن العاص، فقال عمرو بن العاص: لله أبو هذا الغلام لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفيان: إنه لقرشي وإني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه.

فقال علي عليه السلام: «ومن هو»؟

قال: أنا.

فقال عليه السلام: «مهلا يا أبا سفيان».

فقال أبو سفيان:

أما والله لولا خوف شخص*** يراني يا علي من الأعادي
لأظهر أمره صخر بن حرب*** ولم يخف المقالة في زياد
وقد طالت مجاملتي ثقيفا*** وتركي فيهم ثمر الفؤاد

عنى بقوله: (لولا خوف شخص) عمر بن الخطاب.

وروى أحمد بن يحيى البلاذري قال: تكلم زياد وهو غلام حدث بحضرة عمر كلاما أعجب الحاضرين فقال عمرو بن العاص: لله أبوه لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفيان: أما والله إنه لقرشي ولو عرفته لعرفت أنه خير من أهلك، فقال: ومن أبوه؟، قال: أنا والله وضعته في رحم أمه، فقال: فهلا تستلحقه؟ قال: أخاف هذا العير الجالس أن يخرق علي إهابي.

وروى محمد بن عمر الواقدي قال: قال أبو سفيان وهو جالس عند عمر وعلي هناك وقد تكلم زياد فأحسن: أبت المناقب إلا أن تظهر في شمائل زياد فقال علي عليه السلام: من أي بني عبد مناف هو؟ قال: ابني.

قال: كيف؟ قال: أتيت أمه في الجاهلية سفاحا، فقال علي عليه السلام: «مه يا أبا سفيان فإن عمر إلى المساءة سريع».

قال: فعرف زياد ما دار بينهما فكانت في نفسه.

وروى علي بن محمد المدائني قال: لما كان زمن علي عليه السلام ولى زيادا فارس أو بعض أعمال فارس فضبطها ضبطا صالحا، وجبا خراجها وحماها، وعرف ذلك معاوية فكتب إليه: أما بعد فإنه غرتك قلاع تأوي إليها ليلا كما تأوي الطير إلى وكرها، وأيم الله لولا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان لك مني ما قال العبد الصالح: فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم (الآية) وكتب في أسفل الكتاب شعراً من جملته:

تنسى أباك وقد شالت نعامته*** إذ يخطب الناس والوالي لهم عمر

فلما ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس وقال: العجب من ابن آكلة ــ الأكباد ورأس النفاق يهددني وبيني وبينه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وزوج سيدة نساء العالمين، وأبو السبطين، وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء في مائة ألف من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان.

أما والله لو تخطى هؤلاء أجمعين إلي لوجدني أحمر محبا ضرابا بالسيف، ثم كتب إلى علي عليه السلام، وبعث بكتاب ــ معاوية في كتابه، فكتب إليه علي عليه السلام وبعث بكتابه: (أما بعد، فإني قد وليتك ما وليتك وأنا أراك لذلك أهلا، وإنه كانت من أبي سفيان فلتة في أيام عمر من أماني التيه وكذب النفس لم تستوجب بها ميراثا ولم تستحق بها نسبا، وإن معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فاحذره، ثم احذره، ثم احذره والسلام).

وروى أبو جعفر محمد بن حبيب قال: كان علي عليه السلام قد ولى زيادا قطعة من أعمال فارس واصطنعه لنفسه، فلما قتل علي عليه السلام بقي زياد في عمله، وخاف معاوية جانبه وعلم صعوبة ناحيته وأشفق من ممالاته الحسن بن علي عليه السلام، فكتب إليه: من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد أما بعد فإنك عبد قد كفرت النعمة واستدعيت النقمة، ولقد كان الشكر أولى بك من الكفر، وإن الشجرة لتضرب بعرقها وتتفرع من أصلها، إنك لا أم لك بل لا أب لك قد هلكت وأهلكت، وظننت أنك تخرج من قبضتي، ولا ينالك سلطاني؟ هيهات ما كل ذي لب يصيب رأيه، ولا كل ذي رأي ينصح في مشورته، أمس عبد واليوم أمير؟..! خطة ما ارتقاها مثلك يا ابن سمية، وإذا أتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة وأسرع الإجابة فإنك إن تفعل فدمك حقنت ونفسك تداركت، وإلا اختطفتك بأضعف ريش، ونلتك بأهون سعي، وأقسم قسما مبرورا أن لا أوتي بك إلا في زمارة، تمشي حافيا من أرض فارس إلى الشام حتى أقيمك في السوق وأبيعك عبدا وأردك إلى حيث كنت فيه وخرجت منه، والسلام.

فلما ورد الكتاب على زياد غضب غضبا شديدا، وجمع الناس وصعد المنبر فحمد الله ثم قال: ابن آكلة الأكباد، وقاتلة أسد الله، ومظهر الخلاف، ومسر النفاق، ورئيس ــ الأحزاب، ومن أنفق ماله في إطفاء نور الله كتب إلي يرعد ويبرق عن سحابة جفل لا ماء فيها، وعما قليل تصيرها الرياح قزعا، والذي يدلني على ضعفه تهدده قبل القدرة أفمن إشفاق علي تنذر وتعذر كلا ولكن ذهب إلى غير مذهب، وقعقع لمن روى بين صواعق تهامة، كيف أرهبه؟ وبيني وبينه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن ابن عمه في مائة ألف من المهاجرين والأنصار، والله لو أذن لي فيه أو ندبني إليه لأرينه الكواكب نهارا ولأسعطنه ماء الخردل دونه، الكلام اليوم والجمع إذا، والمشورة بعد ذلك إن شاء الله.

ثم نزل، وكتب إلى معاوية: أما بعد فقد وصل إلي كتابك يا معاوية وفهمت ما فيه فوجدتك كالغريق يغطيه الموج فيتشبث بالطحلب، ويتعلق بأرجل الضفادع طمعا في الحياة، إنما يكفر النعم ويستدعي النقم من حاد الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا، فأما سبك لي فلولا حلم ينهاني عنك وخوفي أن أدعى سفيها لاثرت لك مخازي لا يغسلها الماء، وأما تعبيرك لي بسمية فإن كنت ابن سمية فأنت ابن جماعة، وأما زعمك أنك تختطفني بأضعف ريش وتتناولني بأهون سعي فهل رأيت بازيا يفزعه صغير القنابر؟! أم هل سمعت بذئب أكله خروف؟! فامض الآن لطيتك واجتهد جهدك فلست أنزل إلا بحيث تكره، ولا أجتهد إلا فيما يسوءك، وستعلم أينا الخاضع لصاحبه: الطالع إليه، والسلام.

فلما ورد كتاب زياد على معاوية غمه وأحزنه، وبعث إلى المغيرة بن شعبة فخلا به وقال: يا مغيرة إني أريد مشاورتك في أمر أهمني فانصحني فيه وأشر علي برأي المجتهد، وكن لي أكن لك، فقد خصصتك بسري وآثرتك على ولدي، قال المغيرة: فما ذاك؟ والله لتجدني في طاعتك أمضى من الماء في الحدود من ذي الرونق في كف البطل الشجاع.

قال: يا مغيرة إن زيادا قد أقام بفارس يكش لنا كشيش الأفاعي، وهو رجل ثاقب الرأي ماضي العزيمة جوال الفكر مصيب إذا رمى، وقد خفت منه الآن ما كنت آمنه إذ كان صاحبه حيا، وأخشى ممالاته حسنا فكيف السبيل إليه؟ وما الحيلة في إصلاح رأيه؟ ــ قال المغيرة: أنا له إن لم أمت، إن زيادا رجل يحب الشرف والذكر وصعود المنابر فلو لاطفته المسألة وألنت له الكتاب لكان لك أميل وبك أوثق، فاكتب إليه وأنا الرسول.

فكتب معاوية إليه: من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان: أما بعد فإن المرء ربما طرحه الهوى في مطارح العطب وإنك للمرء المضروب به المثل قاطع الرحم وواصل العدو، وحملك سوء ظنك بي وبغضك لي على أن عققت قرابتي وقطعت رحمي وبتت نسبي وحرمتي حتى كأنك لست أخي وليس صخر بن حرب أباك وأبي، وشتان ما بيني وبينك أطلب بدم ابن أبي العاص وأنت تقاتلني، ولكن أدركك عرق الرخاوة من قبل النساء.

فكنت كتاركة بيضها بالعراء*** وملحفة بيض أخرى جناحا

وقد رأيت أن أعطف عليك ولا أؤاخذك بسوء سعيك وأن أصل رحمك، وأبتغي الثواب من أمرك.

فاعلم أبا المغيرة أنك لو خضت البحر في طاعة القوم فتضرب بالسيف حتى ينقطع متنه لما ازددت منهم إلا بعدا فإن بني عبد شمس أبغض إلى بني هاشم من الشفرة إلى الثور الصريع وقد أوثق للذبح، فأرجع رحمك الله إلى أصلك واتصل بقومك ولا تكن كالموصول يطير بريش غيره، فقد أصبحت ضال النسب، ولعمري ما فعل بك ذلك إلا اللجاج، فدعه عنك فقد أصبحت على بينة من أمرك ووضوح من حجتك، فإن أحببت جانبي ووثقت بي فإمرة بإمرة، وإن كرهت جانبي ولم تثق بقولي ففعل جميل لا علي ولا لي والسلام.

فرحل المغيرة بالكتاب حتى قدم فارس فلما رآه زياد قربه وأدناه ولطف به فدفع إليه الكتاب فجعل يتأمله ويضحك، فلما فرغ من قراءته وضعه تحت قدمه، ثم قال: حسبك يا مغيرة فإني أطلع على ما في ضميرك وقد قدمت من سفرة بعيدة فقم وأرح ركابك، قال: أجل فدع عنك اللجاج يرحمك الله وارجع إلى قومك وصلْ أخاك وانظر لنفسك ولا تقطع رحمك، قال زياد: إني رجل صاحب أناة ولي في أمري روية فلا تعجل علي ولا تبدأني بشيء حتى أبدأك، ثم جمع الناس بعد يومين أو ثلاثة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم، وارغبوا إلى الله في دوام العافية لكم فقد نظرت في أمور الناس منذ قتل عثمان وفكرت فيهم فوجدتهم كالأضاحي في كل عيد يذبحون، ولقد أفنى هذان اليومان يوم الجمل وصفين ما ينيف على مائة ألف كلهم يزعم أنه طالب حق وتابع إمام وعلى بصيرة من أمره، فإن كان الأمر هكذا فالقاتل والمقتول في الجنة، كلا ليس كذلك ولكن أشكل الأمر والتبس على القوم، وإني لخائف أن يرجع الأمر كما بدأ فكيف لا مرئ بسلامة دينه...! وقد نظرت في أمر الناس فوجدت أحمد العاقبتين العافية، وسأعمل في أموركم ما تحمدون عاقبته ومغبته، فقد حمدت طاعتكم إن شاء الله ثم نزل.

وكتب جواب الكتاب: أما بعد فقد وصل كتابك يا معاوية مع المغيرة بن شعبة وفهمت ما فيه، فالحمد لله الذي عرفك الحق وردك إلى الصلة، ولست ممن يجهل معروفا ولا يغفل حسبا، ولو أردت أن أجيبك بما أوجبته الحجة واحتمله الجواب لطال الكتاب وكثر الخطاب ولكنك إن كتبت كتابك هذا عن عقد صحيح ونية حسنة وأردت بذلك برا فستزرع في قلبي مودة وقبولا، وإن كنت إنما أردت مكيدة ومكرا وفساد نية فإن النفس تأبى ما فيه العطب، ولقد قمت يوم قرأت كتابك مقاما يعبأ به الخطيب المدره، فتركت من حضر لا أهل ورد ولا صدر كالمتحيرين بمهمه ضل بهم الدليل وأنا على أمثال ذلك قدير، وكتب في أسفل الكتاب:

إذا معشري لم ينصفوني وجدتني*** أدافع عني الضيم ما دمت باقيا
وكم معشر أعيت قناتي عليهم*** فلاموا وألفوني لدى العزم ماضيا
وهمّ به ضاقت صدور فرجته*** وكنت بطبي للرجال مداويا
أدافع بالحلم الجهول مكيدة*** وأخفي له تحت العضاه الدواهيا
فإن تدن مني أدن منك وإن تبن*** تجدني إذا لم تدن مني نائيا

فأعطاه معاوية جميع ما سأله وكتب إليه بخط يده ما وثق به فدخل إليه الشام فقربه وأدناه، وأقره على ولايته ثم استعمله على العراق.

وروى علي بن محمد المدائني قال: لما أراد معاوية استلحاق زياد وقد قدم عليه الشام جمع الناس وصعد المنبر وأصعد زيادا معه فأجلسه بين يديه على المرقاة التي تحت مرقاته وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني قد عرفت نسبنا أهل البيت في زياد فمن كان عنده شهادة فليقم بها، فقام ناس فشهدوا أنه ابن أبي سفيان وأنهم سمعوا ما أقرّبه قبل موته، فقام أبو مريم السلولي فكان خمارا في الجاهلية فقال: أشهد يا أمير المؤمنين أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف فأتاني فاشتريت له لحما وخمرا وطعاما، فلما أكل قال: يا أبا مريم أصب لي بغيا فخرجت فأتيت بسمية فقلت لها: إن أبا سفيان ممن قد عرفت شرفه وجوده وقد أمرني أن أصيب له بغيا فهل لك؟ فقالت: نعم يجيء الآن عبيد بغنمه وكان راعيا فإذا تعشى ووضع رأسه أتيته، فرجعت إلى أبي سفيان فأعلمته فلم تلبث أن جاءت تجر ذيلها فدخلت معه فلم تزل عنده حتى أصبحت فقلت له لما انصرفت: كيف رأيت صاحبتك؟ قال: خير صاحبة لولا ذفر في إبطيها، فقال زياد من فوق المنبر: يا أبا مريم لا تشتم أمهات الرجال، فتشتم أمك، فلما انقضى كلام معاوية ومناشدته قام زياد وأنصت الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن معاوية والشهود قد قالوا ما سمعتم، ولست أدري حق هذا من باطله وهو والشهود أعلم بما قالوا وإنما عبيد أب مبرور ووال مشكور، ثم نزل.

وروى شيخنا أبو عثمان: أن زيادا مر وهو والي البصرة بأبي العريان العدوي وكان شيخا مكفوفا ذا لسن وعارضة شديدة، فقال أبو العريان: ما هذه الجلبة؟ قالوا: زياد بن أبي سفيان، قال: والله ما ترك أبو سفيان إلا يزيد ومعاوية وعتبة وعنبسة وحنظلة ومحمدا فمن أين جاء زياد؟! فبلغ الكلام زيادا وقال له قائل: لو سددت عنك فهم هذا الكلب، فأرسل إليه بمائتي دينار، فقال له رسول زياد: إن ابن ــ عمك زيادا الأمير قد أرسل إليك مائتي دينار لتنفقها، فقال: وصلته رحم إي والله ابن عمي حقا، ثم مر به زياد من الغد في موكبه فوقف عليه فسلم وبكى أبو العريان فقيل له: ما يبكيك؟ قال: عرفت صوت أبي سفيان في صوت زياد فبلغ ذلك معاوية فكتب إلى أبي العريان:

ما البثتك الدنانير التي بعثت*** أن لونتك أبا العريان ألوانا
أمسى إليك زياد في أرومته*** نكرا فأصبح ما أنكرت عرفانا
لله در زياد لو تعجلها*** كانت له دون ما يخشاه قربانا

فلما قرأ كتاب معاوية على أبي العريان قال: اكتب جوابه يا غلام:

أحدث لنا صلة تحيا النفوس بها*** قد كدت يا ابن أبي سفيان تنسانا
أما زياد فقد صحت مناسبه*** عندي فلا أبتغي في الحق بهتانا
من يسد خيرا يصبه حين يفعله*** أو يسد شرا يصبه حيثما كانا

وروى أبو عثمان أيضا قال: كتب زياد إلى معاوية ليستأذنه في الحج فكتب إليه أني قد أذنت لك واستعملتك على الموسم وأجزتك بألف ألف درهم، فبينا هو يتجهز إذ بلغ ذلك أبا بكرة أخاه وكان مصارما له منذ لجلج في الشهادة على المغيرة بن شعبة أيام عمر لا يكلمه، قد لزمته أيمان عظيمة أن لا يكمله أبدا، فأقبل أبو بكرة يدخل القصر يريد زيادا فبصر به الحاجب فأسرع إلى زياد قائلا:

أيها الأمير هذا أخوك أبو بكرة قد دخل القصر قال: ويحك أنت رأيته؟ ــ قال: ها هوذا قد طلع وفي حجر زياد بني يلاعبه وجاء أبو بكرة حتى وقف عليه فقال للغلام: كيف أنت يا غلام؟ إن أباك ركب في الإسلام عظيما زنى أمه وانتفى من أبيه ولا والله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط، ثم أبوك يريد أن يركب ما هو أعظم من ذلك يوافي الموسم غدا ويوافي أم حبيبة بنت أبي سفيان وهي من أمهات المؤمنين فإن جاء أن يستأذن عليها فأذنت له فأعظم بها فرية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومصيبة، وإن هي منعته فأعظم بها على أبيك فضيحة، ثم انصرف.

فقال: جزاك الله يا أخي عن النصيحة خيرا ساخطا كنت أو راضيا، ثم كتب إلى معاوية: إني قد اعتللت عن الموسم فليوجه إليه أمير المؤمنين من أحب، فوجه عتبة بن أبي سفيان، وأما أبو عمر بن عبد البر فإنه قال في كتاب الاستيعاب: لما أدعي معاوية زيادا في سنة أربع وأربعين وألحقه به أخا زوج ابنته من ابنه محمد بن زياد ليؤكد بذلك صحة الاستلحاق، وكان أبو بكرة أخا زياد لأمه، أمهما جميعا سمية فحلف أن لا يكلم زيادا أبدا، وقال: هذا زنى أمه وانتفى من أبيه ولا والله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط، ويله ما يصنع بأم حبيبة أيريد أن يراها؟ فإن حجبته فضحته، وإن رآها فيا لها مصيبة تهتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمة عظيمة.

وحج زياد مع معاوية ودخل المدينة فأراد الدخول على أم حبيبة ثم ذكر قول أبي بكرة فانصرف عن ذلك، وقيل: إن أم حبيبة حجبته ولم تأذن له في الدخول عليها، وقيل: إنه حج ولم يرد المدينة من أجل قول أبي بكرة، وأنه قال: جزى الله أبا بكرة خيرا فما يدع النصيحة في حال علي).

الأمالي ــ الشيخ الطوسي ــ ص620 إلى 621


أبو المنذر، قال: حدثني يحيى بن ثعلبة أبو المقوم الأنصاري، عن أمه عائشة بنت عبد الرحمن بن السائب، عن أبيها، قال: جمع زياد بن أبيه شيوخ أهل الكوفة وأشرافهم في مسجد الرحبة ليحملهم على سب أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه، وكنت فيهم، فكان الناس من ذلك في أمر عظيم، فغلبتني عيناي فنمت، فرأيت في النوم شيئا طويلا، طويل العنق، أهدل، أهدب فقلت: من أنت؟ فقال: أنا النقاد ذو الرقبة، قلت: وما النقاد؟ قال: طاعون بعثت إلى صاحب هذا القصر لاجتثه من جديد الأرض، كما عتا وحاول ما ليس له بحق.


قال: فانتبهت فزعا، وأنا في جماعة من قومي، فقلت: هل رأيتم ما رأيت؟ فقال رجلان منهم، رأينا كيت وكيت بالصفة، وقال الباقون: ما رأينا شيئا، فما كان بأسرع من أن خرج خارج من دار زياد، فقال: يا هؤلاء انصرفوا، فإن الأمير عنكم مشغول، فسألناه عن خبره، فخبرنا أنه طعن في ذلك الوقت، فما تفرقنا حتى سمعنا الواعية عليه، فأنشأت أقول في ذلك:

قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم*** بحملهم حين ناداهم إلى الرحبة
يدعو على ناصر الاسلام حين يرى*** له على المشركين الطول والغلبة
ما كان منتهيا عما أراد بنا*** حتى تناوله النقاد ذو الرقبة
فأسقط الشق منه ضربة عجبا*** كماتناول ظلما صاحب الرحبة

مناقب آل أبي طالب ــ ابن شهر آشوب ــ ج3 ــ ص174


استغاث الناس من زياد إلى الحسن بن علي عليهما السلام فرفع يده وقال:

«أللهم خذ لنا ولشيعتنا من زياد بن أبيه وأرنا فيه نكالا عاجلا إنك على كل شيء قدير».
قال: فخرج خراج في إبهام يمينه، يقال لها السلعة، وورم إلى عنقه فمات.

كتاب المحبر ــ محمد بن حبيب البغدادي ــ ص479


وصلب زياد بن أبيه (مسلم) بن زيمر، و(عبد الله) بن نجى الحضرميين على أبوابهما أياما بالكوفة وكانا شيعيين وذلك بأمر معاوية وقد عدهما الحسين بن علي رضي الله عنهما على معاوية في كتابه إليه، ألست صاحب حجر والحضرميين اللذين كتب إليك ابن سمية أنهما على دين علي ورأيه فكتبت إليه من كان على دين علي ورأيه فاقتله ومثّل به فقتلهما ومثل بأمرك بهما؟ ودين علي وابن عم علي الذي كان يضرب عليه أباك ــ يضربه عليه أبوك ــ أجلسك مجلسك الذي أنت فيه ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرحلتين اللتين بنا من الله عليك بوضعهما عنكم...، في كتاب طويل يوبخه فيه وبادعائه زيادا وتوليته إياه العراقين.

السرائر ــ ابن إدريس الحلي ــ ج3 ــ ص435


كان أبو بكرة رجلا صالحا من خيار الصحابة، ويعد في موالي رسول الله عليه السلام واسمه نفيع، وأخوه نافع بن الحرث بن كلدة الثقفي، طبيب العرب، وأخوهما زياد، كلهم من سمية، وكل منهم ينسب إلى رجل.

وقال يزيد بن مفرغ الحميري، جد السيد الحميري يهجو زيادا:

إن زيادا ونافعا وأبا*** بكرة عندي من أعجب العجب

إن رجالا ثلاثة خلقوا*** في رحم أنثى وكلهم لأب
ذا قرشي كما يقول وذا*** مولى وهذا بزعمه عربي


إذا شهد أربعة رجال على رجل بالزنى، فردت شهادة واحد منهم، فإن ردت بأمر ظاهر لا يخفى على أحد، فإنه يجب على الأربعة حد القذف، وإن ردت بأمر خفي لا يقف عليه إلا الآحاد، فإنه يقام على المردود الشهادة الحد، والثلاثة لا يقام عليهم الحد، لأن الأصل براءة الذمة، وأيضا فإنهم غير مفرطين في إقامتها، فإن أحدا لا يقف على بواطن النّاس، فكان عذرا في إقامتها فلهذا لا حد، ويفارق إذا كان الرد بأمر الظاهر، لأن التفريط كان منهم، فلهذا حدوا.

الإيضاح ــ الفضل بن شاذان الأزدي ــ ص549 إلى 552


كان سعيد بن سرح مولى كريز بن حبيب بن عبد شمس من شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما قدم زياد بن أبيه الكوفة واليا عليها أضافه وطلبه فأتى المدينة فنزل على الحسن بن علي رضي الله عنه فقال له الحسن: ما السبب الذي أشخصك وأزعجك؟ فذكر له قصته وصنيع زياد به فكتب إليه الحسن:

(أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم فهدمت عليه داره وأخذت ماله وعياله فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره واردد عليه ماله وعياله فإني قد أجرته فشفعني فيه).

فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة، أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه باسمك قبل اسمي وأنت طالب للحاجة وأنا سلطان وأنت سوقة وكتابك إلي في فاسق لا يأويه إلا فاسق مثله وشر من ذلك توليه أباك وقد آويته إقامة منك على سوء الرأي ورضى بذلك وأيم الله لا يسبقني إليه ولو كان بين جلدك ولحمك فإن أحب لحم إلي أن آكله للحم أنت منه فأسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك وإن قتلته لم أقتله إلا بحبه أباك، فلما قرأ الحسن رضي الله عنه الكتاب كتب إلى معاوية يذكر له حال ابن سرح وكتابه إلى زياد فيه وإجابة زياد إياه ولف كتابه في كتابه وبعث به إليه وكتب الحسن إلى زياد: من الحسن بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم إلى زياد بن سمية عبد بني ثقيف الولد للفراش وللعاهر الحجر، فلما قرأ معاوية كتاب الحسن رضي الله عنه ضاقت به الشام وكتب إلى زياد:

أما بعد فإن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما بعث إلي بكتابك جواب كتابه إليك في ابن سرح فأكثرت التعجب منه وعلمت أن لك رأيين أحدهما من أبي سفيان وآخر من سمية، فأما الذي من أبي سفيان فحلم وحزم، وأما الذي من سمية فكما يكون رأي مثلها ومن ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمري لأنت أولى بالفسق من الحسن ولأبوك إذ كنت تنسب إلى عبيد أولى بالفسق من أبيه، فإن كان الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عنك فإن ذلك لم يضعك وأما تشفيعه فيما شفع إليك فيه فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك، فإذا قدم عليك كتابي هذا فخل ما في يدك لسعيد بن سرح وابن له داره ولا تغدر به وأردد عليه ماله فقد كتبت إلى الحسن أن يخبر صاحبه بذلك فإن شاء أقام عنده وإن شاء رجع إلى بلده، فليس لك عليه سلطان بيد ولا لسان، وأما كتابك إلى الحسن باسمه واسم أمه ولا تنسبه إلى أبيه فإن الحسين ويلك ممن لا يرمى به الرجوان أفاستصغرت أباه وهو علي بن أبي طالب أم إلى أمه وكلته لا أم لك فهي فاطمة بنت رسول الله ــ صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فتلك أفخر له إن كنت تعقل والسلام.

وقال قتادة: قال زياد لبنيه وقد احتضر ليت أباكم كان راعيا في أدناها وأقصاها ولم يقع بالذي وقع فيه، قلت: فبهذا الطريق كان ينظم ابن مفرغ هذه الأشعار في زياد وبنيه ويقول: إنهم أدعياء حتى قال في زياد وأبي بكرة ونافع أولاد سمية:

إن زيادا ونافعا وأبا*** بكرة عندي من أعجب العجب

إن رجالا ثلاثة خلقوا*** في رحم أنثى وكلهم لأب
ذا قرشي كما يقول وذا*** مولى وهذا بزعمه عربي


وهذه الأبيات تحتاج إلى زيادة إيضاح فأقول: قال أهل العلم بالأخبار: إن الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن قسي وهو ثقيف هكذا ساق النسب ابن الكلبي في كتاب الجمهرة وهو طبيب العرب المشهور ومات في أول الإسلام وليس يصح إسلامه.

وروى أن رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم أمر سعد بن أبي وقاص أن يأتي الحارث بن كلدة يستوصفه في مرض نزل به فدل ذلك على أنه جائز أن يشاور أهل الكفر في الطب إذا كانوا من أهله وكان ولده الحارث بن الحارث من المؤلفة قلوبهم وهو معدود في جملة الصحابة رضي الله تعالى عنهم ويقال: إن الحارث بن كلدة كان رجلا عقيما لا يولد له وإنه مات في خلافة عمر ولما حاصر رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم الطائف قال:

أيما عبد تدلى إلي فهو حر فنزل أبو بكرة عنه من الحصن في بكرة (قلت: وهي فتح الباء الموحدة وسكون الكاف وبعدها راء ثم هاء وهي التي تكون على البئر وفيها الحبل يستقى به والناس يسمونها بكرة بفتح الكاف وهو غلط إلا أن صاحب كتاب العين حكاها بالفتح أيضا وهي لغة ضعيفة لم يحكها غيره) قال: فكناه رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم أبا بكرة لذلك وكان يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وأراد أخوه نافع أن يدلي نفسه في البكرة أيضا فقال له الحارث بن كلدة: أنت ابني فأقم، فأقام ونسب إلى الحارث، وكان أبو بكرة قبل أن يحسن إسلامه ينسب إلى الحارث أيضا فلما حسن إسلامه ترك الانتساب إليه ولما هلك الحارث بن كلدة لم يقبض أبو بكرة من ميراثه شيئا تورعا، هذا عند من يقول:

إن الحارث أسلم وإلا فهو محروم من الميراث لاختلاف الدين فلهذا قال ابن مفرغ الأبيات الثلاثة البائية لأن زيادا ادعى أنه قرشي باستلحاق معاوية له، وأبو بكرة اعترف بولاء رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، ونافع كان يقول: إنه ابن الحارث بن كلدة الثقفي وأمهم واحدة وهي سمية المذكورة وهذا سبب نظم البيتين في آل أبي بكرة كما تقدم ذكره، وعلاج جد الحارث بن كلدة كما ذكرته، هذه قصة زياد وأولاده ذكرته مختصرة.

قلت: إلا أن قول ابن مفرغ في البيت الثاني وكلهم لأب ليس بجيد فإن زيادا ما نسبه أحدا إلى الحارث بن كلدة بل هو ولد عبيد لأنه ولد على فراشه، أما أبو بكرة ونافع فقد نسبا إلى الحارث فكيف يقول: وكلهم لأب فتأمله، وذكر ابن النديم في كتابه الذي سماه الفهرست: إن أول من ألّف كتابا في المثالب زياد بن أبيه فإنه لما طعن عليه وعلى نسبه عمل ذلك لولده وقال لهم: استظهروا به على العرب فإنه يكفون عنكم.

شرح نهج البلاغة ــ ابن أبي الحديد ــ ج16 ــ ص189 إلى 193


دخل بنو أمية وفيهم عبد الرحمن بن الحكم على معاوية أيام ما استلحق زيادا، فقال له عبد الرحمن: يا معاوية لو لم تجد إلا الزنج لاستكثرت بهم علينا قلة وذلة يعني ــ على بني أبي العاص، فأقبل معاوية على مروان وقال: أخرج عنا هذا الخليع فقال مروان: أي والله إنه لخليع ما يطاق: فقال معاوية والله لولا حلمي وتجاوزي لعلمت أنه يطاق، ألم يبلغني شعره في وفى زياد!

ثم قال مروان: أسمعنيه، فأنشد:

ألا أبلغ معاوية بن حرب*** لقد ضاقت بما يأتي اليدان

أتغضب أن يقال أبوك عف*** وترضى أن يقال أبوك زان!
فأشهد أن رحمك من زياد*** كرحم الفيل من ولد الأتان
وأشهد أنها حملت زيادا*** وصخر من سمية غير دان


ثم قال: والله لا أرضى عنه حتى يأتي زيادا فيترضاه ويعتذر إليه، فجاء عبد الرحمن إلى زياد معتذرا يستأذن عليه، فلم يأذن له فأقبلت قريش إلى زياد تكلمه في أمر عبد الرحمن، فلما دخل سلم، فتشاوس له زياد بعينه ــ وكان يكسر عينه ــ فقال له زياد: أنت القائل ما قلت؟ قال عبد الرحمن: ما الذي قلت؟ قال: قلت ما لا يقال قال، أصلح الله الأمير! إنه لا ذنب لمن أعتب، وإنما الصفح عمن أذنب فاسمع مني ما أقول، قال: هات، فأنشده:

إليك أبا المغيرة تبت مما*** جرى بالشام من خطل اللسان
وأغضبت الخليفة فيك حتى*** دعاه فرط غيظ أن هجاني
وقلت لمن لحاني في اعتذاري*** إليك اذهب فشأنك غير شاني
عرفت الحق بعد ضلال رأيي*** وبعد الغي من زيغ الجنان
زياد من أبي سفيان غصن*** تهادى ناضرا بين الجنان
أراك أخا وعما وابن عم*** فما أدري بعيب ما تراني
وإن زيادة في آل حرب*** أحب إليّ من وسطى بناني
ألا أبلغ معاوية بن حرب*** فقد ظفرت بما تأتي اليدان

فقال زياد: أراك أحمق صرفا شاعرا صنع اللسان، يسوغ لك ريقك ساخطا ومسخوطا، ولكنا قد سمعنا شعرك، وقبلنا عذرك، فهات حاجتك؟ قال: تكتب إلى أمير المؤمنين بالرضا عني، قال: نعم، ثم دعا كاتبه فكتب له بالرضا عنه، فأخذ كتابه ومضى حتى دخل على معاوية، فلما قرأه قال:

لحا الله زيادا لم يتنبه لقوله*** وإن زيادة في آل حرب

ثم رضى عن عبد الرحمن ورده إلى حالته، وأما أشعار يزيد بن مفرغ الحميري وهجاؤه عبيد الله وعبادا، ابني زياد بالدعوة فكثيرة مشهورة، نحو قوله:

أعباد ما للؤم عنك تحول*** ولا لك أم من قريش ولا أبُ
وقل لعبيد الله ما لك والد*** بحق ولا يدري امرؤ كيف تنسبُ

ونحو قوله:

شهدت بأن أمك لم تباشر*** أبا سفيان واضعة القناع
ولكن كان أمر فيه لبس*** على حذر شديد وارتياع
إذا أودى معاوية بن حرب*** فبشر شعب قعبك بانصداع

ونحو قوله:

إن زيادا ونافعا وأبا بكرة*** عندي من أعجب العجب
هم رجال ثلاثة خلقوا*** في رحم أنثى وكلهم لأب
ذا قرشي كما تقول وذا*** مولى وهذا بزعمه عربي

كان عبيد الله بن زياد يقول:

بما شجيت بشيء أشد علي من قول ابن مفرغ:

فكر ففي ذاك إن فكرت معتبر*** هل نلت مكرمة إلا بتأمير!
عاشت سمية ما عاشت وما علمتْ*** أن ابنها من قريش في الجماهير

ويقال: إن الأبيات النونية المنسوبة إلى عبد الرحمن بن أم الحكم ليزيد بن مفرغ وأن أولها:

ألا أبلغ معاوية بن حرب*** مغلغلة من الرجل اليماني

ونحو قوله: وقد باع برد غلامه لما حبسه عباد بن زياد بسجستان:

يا برد ما مسنا دهر أضرّ بنا*** من قبل هذا ولا بعنا له ولدا
لامتني النفس في برد فقلت لها*** لا تهلكي إثر برد هكذا كمدا
لولا الدعي ولولا ما تعرض بي*** من الحوادث ما فارقته أبدا

ونحو قوله:

أبلغ لديك بني قحطان مالكة*** عضت بأير أبيها سادة اليمن
أضحى دعي زياد فقع قرقرة*** يا للعجائب يلهو بابن ذي يزن!

وروى ابن الكلبي أن عبادا استلحقه زياد كما استلحق معاوية زيادا، كلاهما لدعوة، قال: لما أذن لزياد في الحج تجهز، فبينا هو يتجهز وأصحاب القرب يعرضون عليه قربهم، إذ تقدم عباد ــ وكان خرازا ــ فصار يعرض عليه ويحاوره ويجيبه، فقال زياد: ويحك، من أنت؟ قال: أنا ابنك، قال: ويحك: وأي بني؟ قال: قد وقعت على أمي فلانة، وكانت من بني كذا، فولدتني، وكنت في بني قيس بن ثعلبة وأنا مملوك لهم، فقال: صدقت والله، إني لأعرف ما تقول، فبعث فاشتراه، وادعاه وألحقه، وكان يتعهد بني قيس بن ثعلبة بسببه ويصلهم وعظم أمر عباد حتى ولاه معاوية سجستان بعد موت زياد، وولى أخاه عبيد الله البصرة، فتزوج عباد الستيرة ابنه أنيف بن زياد الكلبي، فقال الشاعر يخاطب أنيفا ــ وكان سيد كلب في زمانه:

أبلغ لديك أباتر كان مألكة*** أنائما كنت أم بالسمع من صمم!
أنكحت عبد بني قيس مهذبة*** آباؤها من عليم معدن الكرم
أكنت تجهل عبادا ومحتده*** لا در درك أم أنكحت من عدم
أبعد آل أبي سفيان تجعله*** صهرا وبعد بني مروان والحكم!
أعظم عليك بذا عارا ومنقصة*** ما دمت حيا وبعد الموت في الرحم

الغارات ــ إبراهيم بن محمد الثقفي ــ ج2 ــ ص809 إلى 810


لما قدم زياد بن أبي سفيان واليا على الكوفة دعا بحجر بن عدي فقال: تعلم أني أعرفك، وقد كنت أنا وإياك على ما قد علمت، يعني من حب علي بن أبي طالب، وأنه قد جاء غير ذلك وأني أنشدك الله أن تقطر لي من دمك قطرة فأستفرغه كله أملك عليك لسانك وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك وحوائجك مقضية لدي فاكفني نفسك فإني أعرف عجلتك فأنشدك الله يا أبا عبد الرحمن في نفسك، وإياك وهذه السفلة هؤلاء أن يستزلوك عن رأيك فإنك لو هنت علي أو استخففت بحقك لم أخصك بهذا من نفسي.

فقال حجر: قد فهمت ثم انصرف إلى منزله فأتاه إخوانه من الشيعة فقالوا: ما قال لك الأمير؟ قال: قال لي: كذا وكذا، قالوا: ما نصح لك، فأقام وفيه بعض الاعتراض، وكانت الشيعة يختلفون إليه ويقولون: إنك شيخنا وأحق الناس بإنكار هذا الأمر، وكان إذا جاء إلى المسجد مشوا معه، فأرسل إليه عمرو بن حريث وهو يومئذ خليفة زياد على الكوفة وزياد بالبصرة: أبا عبد الرحمن ما هذه الجماعة وقد أعطيت الأمير من نفسك ما قد علمت؟ فقال للرسول: تنكرون ما أنتم فيه؟! إليك، وراءك أوسع لك، فكتب عمرو بن حريث بذلك إلى زياد وكتب إليه: إن كانت لك حاجة بالكوفة فالعجل، فأغذ زياد السير حتى قدم الكوفة، فأرسل إلى عدي بن حاتم وجرير بن عبد الله البجلي، وخالد بن عرفطة العذري حليف بني زهرة، وإلى عدة من أشراف أهل الكوفة فأرسلهم إلى حجر بن عدي ليعذر إليه وينهاه عن هذه الجماعة وأن يكف لسانه عما يتكلم به، فأتوه فلم يجبهم إلى شيء ولم يكلم أحداً منهم.

وجعل يقول: يا غلام أعلف البكر، قال وبكر في ناحية الدار فقال له عدي بن حاتم: أمجنون أنت؟ أكلمك بما أكلمك به وأنت تقول: يا غلام اعلف البكر؟، فقال عدي لأصحابه: ما كنت أظن هذا البائس بلغ به الضعف كل ما أرى، فنهض القوم عنه وأتوا زيادا فأخبروه ببعض وخزنوا بعضا وحسنوا أمره، وسألوا زيادا الرفق به، فقال: لست إذا لأبي سفيان، فأرسل إليه الشرط والبخارية فقاتلهم بمن معه ثم انفضوا عنه وأتي به زياد وبأصحابه فقال له: ويلك مالك؟ فقال: إني على بيعتي لمعاوية لا أقيلها ولا أستقيلها، فجمع زياد سبعين من وجوه أهل الكوفة فقال: اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه، ففعلوا، ثم وفدهم على معاوية وبعث بحجر وأصحابه إليه، وبلغ عائشة الخبر فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم، فقال عبد الرحمن بن عثمان الثقفي: يا أمير المؤمنين جدادها ألا تعن بعد العام أبرا. فقال معاوية: لا أحب أن أراهم ولكن أعرضوا علي كتاب زياد فقرئ عليه الكتاب وجاء الشهود فشهدوا، فقال معاوية بن أبي سفيان: أخرجوهم إلى عذرى فاقتلوهم هنالك.

مستدركات علم رجال الحديث ــ الشيخ علي النمازي الشاهرودي ــ ج3 ــ ص447 إلى 448


قال العلامة المامقاني: زياد بن أبي سفيان هو زياد بن أبيه، ويقال له: زياد بن سمية، وزياد بن عبيد الثقفي وكل ذلك قبل الاستلحاق بأبي سفيان، ولإلحاق نسبه بأبي سفيان حكاية مشهورة، ولد بالطائف عام الفتح، وقيل عام الهجرة وقيل يوم بدر كنيته أبو المغيرة وليس له صحبة ولا رؤية، كان مع أمير المؤمنين عليه السلام في جميع مشاهده ومع الحسن عليه السلام إلى زمان صلحه مع معاوية، ولحق معاوية، ومثالبه أشهر من أن يذكر، وقد هلك بالكوفة في شهر رمضان سنة 53، وهو ابن ست وخمسين، وقيل غير ذلك.

الكنى والألقاب ــ الشيخ عباس القمي ــ ج1 ــ ص304


قال ابن شحنة الحنفي في الروضة: في سنة 44 استلحق معاوية زيادا وأثبت نسبه من أبي سفيان بشهادة أبي مريم الحمار إنه زنى بسمية البغي وحملت منه وكان زياد ثابت النسب من عبيد الرومي وشق ذلك على بني أمية، ثم ولاه معاوية البصرة والكوفة وخراسان وسمنان والهند والبحرين وعمان، وظلم وفجر وقويت به شوكة معاوية وكان معاوية وعماله يسبون عليا عليه السلام على المنابر، وكان من عادة حجر بن عدي إذا سبوا عليا عارضهم وأثنى عليه ففعل كذلك في إمرة زياد بالكوفة فأمسكه وأرسل به مع جماعة من أصحابه إلى معاوية فأمر بقتله وثمانية من جماعته فقتلوا بقرية عذراء وعظم ذلك على المسلمين انتهى.

الكنى والألقاب ــ الشيخ عباس القمي ــ ج1 ــ ص419


وله (ابن مفرغ) أيضا في هجاء زياد:

فاشهد أن أمك لم تباشر*** أبا سفيان واضعة القناع
ولكن كان أمر فيه لبس*** على وجل شديد وامتناع

وله في هجاء عبيد الله بن زياد:

وق لعبيد الله ما لك والد*** بحق ولا يدري امرؤ كيف ينسب

إلزام النواصب ــ مفلح بن راشد ــ ص170 إلى 171


فقد قتل الدعي وعبد كلب*** بأرض الطف أولاد النبي

أراد بـ: الدعي: عبيد الله بن زياد، فإن أباه زياد بن سمية، كانت أمه سمية مشهورة بالزنى، وولد على فراش أبي عبيد عبد بني علاج من ثقيف، فادعى معاوية أن أبا سفيان زنى بأم زياد فأولدها زيادا، وأنه أخوه، فصار اسمه: الدعي، فكانت عائشة تسميه: زياد بن أبيه، أو ابن أمهِ، لأنه ليس له أب معروف.

عبيد الله

التقية ــ الشيخ الأنصاري ــ ص69


قال علي بن أبي طالب عليه السلام: «يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد إلى البراءة مني؟».

فقلت: يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك، قال عليه السلام: «إذا والله يقتلك ويصلبك».

العقد المنير ــ السيد موسى الحسيني المازندراني ــ ص66


ويقال إن أول من غش الدراهم وضربها زيوفا عبيد الله بن زياد حين فر من البصرة في سنة 64 من الهجرة.

واقع التقية عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية ــ ثامر هاشم حبيب العميدي ــ ص127


عندما أدخل هانئ بن عروة رحمه الله على عبيد الله بن زياد والي الكوفة سنة 60هـ طالبه بمسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام، وكان في داره ثم انتهى الأمر إلى أن هشم ابن زياد وجه هانئ رحمه الله بعمود من حديد وأودعه السجن.

سبل السلام ــ محمد بن إسماعيل الكحلاني ــ ج4 ــ ص190


إن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه، وكان عبيد الله عاملا على البصرة في إمارة معاوية وولده يزيد أخرجه الطبراني في الكبير من وجه آخر عن الحسن قال: قدم إلينا عبيد الله بن زياد أميرا أمره علينا معاوية غلاما سفيها يسفك الدماء سفكا شديدا وفيها معقل المزني فدخل عليه ذات يوم فقال له: انته عما أراك تصنع، فقال له: وما أنت وذاك ثم خرج إلى المسجد فقال له: ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس؟ فقال:

إنّه كان عندي علم فأحببت أن لا أموت حتى أقول به على رؤوس الناس، ثم مرض فدخل عليه عبيد الله يعوده فقال له معقل بن يسار: إني أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحظها بنصيحة لم يرح رائحة الجنة ولفظ رواية المصنف وأخرج مسلم ما من أمير يلي أمر المسلمين لا يجتهد معهم ولا ينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة ورواه الطبراني وزاد: كنصحه لنفسه.

نيل الأوطار ــ الشوكاني ــ ج8 ــ ص47


إنّ عبيد الله بن زياد لما أفرط في سفك الدماء وكان معقل بن يسار حينئذ مريضا مرضه الذي مات فيه، فأتى عبيد الله يعوده فقال له معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكره.

وفي مسلم أنه لما حدثه بذلك قال: ألا كنت حدثتني قبل هذا اليوم؟ قال: لم أكن لأحدثك قبل سبب ذلك، والمراد بهذا السبب هو ما كان يقع منه من سفك الدماء، ووقع في رواية الاسماعيلي من الوجه الذي أخرجه مسلم: لولا أني ميت ما حدثتك، فكأنه كان يخشى بطشه، فلما نزل به الموت أراد أن يكف بعض شره عن المسلمين.

مستدركات علم رجال الحديث ــ الشيخ علي النمازي الشاهرودي ــ ج8 ــ ص581


سمية: أم زياد بن أبيه، هي أول بغية، وحفيدها عبيد الله بن زياد.

تاريخ ابن معين، الدوري ــ يحيى بن معين ــ ج2 ــ ص369


يقول ابن مرجانة هو عبيد الله بن زياد.

سير أعلام النبلاء ــ الذهبي ــ ج3 ــ ص543 إلى 549


روى السري بن يحيى عن الحسن قال: قدم علينا عبيد الله، أمره معاوية، غلاما سفيها، سفك الدماء سفكا شديدا، فدخل عليه عبد الله بن مغفل فقال: انته (عما أراك تصنع) فإن شر الرعاء الحطمة.

قال: ما أنت وذاك؟ إنما أنت من حثالة أصحاب محمد صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، قال: وهل كان فيهم حثالة لا أم لك، قال: فمرض ابن مغفل، فجاءه الأمير عبيد الله عائدا فقال: أتعهد إلينا شيئا؟ قال: لا تصل عليّ، ولا تقم على قبري.

قال الحسن: وكان عبيد الله جبانا، فرأى الناس في السكك، فقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: مات عبد الله بن مغفل، وقيل: الذي خاطبه هو عائذ بن عمرو المزني كما في صحيح مسلم، فلعلّها واقعتان، وقد جرت لعبيد الله خطوب، وأبغضه المسلمون لما فعل بالحسين رضي الله عنه، فلما جاء نعي يزيد، هرب بعد أن كاد يؤسر، واخترق البرية إلى الشام، وانضم إلى مروان، ثم سار في جيش كثيف، وعمل المصاف برأس عين.

قال أبو اليقظان: قتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء سنة سبع وستين، قال يزيد بن أبي زياد: عن أبي الطفيل، قال: عزلنا سبعة أرؤس، وغطينا منها رأس حصين بن نمير، وعبيد الله بن زياد، فجئت، فكشفتها فإذا حية في رأس عبيد الله تأكل، وصح من حديث عمارة بن عمير، قال: جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه، فأتيناهم وهم يقولون: قد جاءت قد جاءت، فإذا حية تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخر عبيد الله، فمكثت هنية ثم خرجت، وغابت، ثم قالوا: قد جاءت، قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا، قلت: الشيعي لا يطيب عيشه حتى بلعن هذا ودونه، ونحن نبغضهم في الله، ونبرأ منهم ولا نلعنهم، وأمرهم إلى الله.

شيخ المضيرة أبو هريرة ــ محمود أبو رية ــ ص179


وقال الدكتور طه حسين بعد تفصيل رائع مؤثر لما حدث: والرواة يزعمون أن يزيد تبرأ من قتل الحسين على هذا النحو! وألقى عبء هذا الاثم على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد، ولكنا لا نراه لام ابن زياد، ولا عاقبه، ولا عزله عن عمله كله أو بعضه ــ ومن قبله قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه ثم ألقى عبء قتلهم على زياد وقال: حملني ابن سمية فاحتملت...، وفي مقاتل الطالبيين للأصفهاني: وحمل خولي بن يزيد رأسه إلى عبيد الله بن زياد، وأمر ابن زياد أن يوطأ صدر الحسين وظهره وجنبه ووجهه فأجريت الخيل عليه، وبقتل هؤلاء الاقطاب الثلاثة الكبار، خلا الجو لبني أمية وامتد سلطانهم على البلاد الإسلامية كلها يستمتعون بحكمها، ويتوارثون هذا الحكم فيما بينهم، بلا منازع ولا معارض، يحكمون حكما استبداديا أمويا قبليا، أساسه الرهبة والضغط والقهر، مستبدلين إياه بحكم الشورى الإسلامي العادل متبعين في ذلك سنن من كان قبلهم من الأكاسرة والقياصرة.

المعارف ــ ابن قتيبة ــ ص347 إلى 348


فأما عبيد الله بن زياد فكان يكنى أبا حفص وكان أرقط وكان زياد زوج أمه مرجانة من شيرويه الأسواري ودفع إليها عبيد الله فنشأ بالأساورة فكانت فيه لكنة فولي لمعاوية خراسان ثم ولي العراقَين بعد أبيه ثماني سنين خمسا منها على البصرة وحدها وثلاثا على العراقَين فلما مات يزيد خرج عليه أهل البصرة فأخرجوه عن داره فاستجار بمسعود بن عمرو الأزدي فلما قتل مسعود سار إلى الشام فكان مع مروان بن الحكم وكان يوم المرج على إحدى مجنبتيه فلما ظفر مروان رده على العراق فلما قرب من الكوفة وجه إليه المختار إبراهيم بن الأشتر النخعي فالتقوا بقرب الزاب فقتل عبيد الله ولا عقب له وكان قتله يوم عاشوراء سنة سبع وستين.

معجم البلدان ــ الحمودي ــ ج1 ــ ص530


إنه لما بنى البيضاء أمر أصحابه أن يستمعوا ما يقول الناس، فجاؤوه برجل فقيل له إن هذا قرأ وهو ينظر إليها: أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون؟ فقال له: ما دعاك إلى هذا؟ فقال: آية من كتاب الله عرضت لي، فقال: والله لأعملن بك بالآية الثالثة: وإذا بطشتم بطشتم جبارين، ثم أمر فبني عليه ركن من أركان القصر.

بلاغات النساء ــ ابن طيفور ــ ص140


قال المدائني: أتى عبيد الله بن زياد بامرأة من الخوارج فقطع رجلها وقال لها كيف ترين فقالت إن في الفكر في هول المطلع لشغلا عن حديدتكم هذه ثم قطع رجلها الأخرى وجذبها فوضعت يدها على فرجها فقال لتسترينه فقالت لكن سمية أمك لم تكن تستره.

تاريخ الكوفة ــ السيد البراقي ــ ص73 إلى 74


فمن الجبابرة الذين ابتلاهم الله بشاغل فيها زياد، وقد جمع الناس في المسجد ليلعن عليا صلوات الله عليه فخرج الحاجب وقال: انصرفوا فإن الأمير مشغول، وقد أصابه الفالج في هذه الساعة، وابنه عبيد الله بن زياد وقد أصابه الجذام، والحجاج بن يوسف وقد تولدت الحيات في بطنه حتى هلك، وعمر بن هبيرة وابنه يوسف وقد أصابهما البرص.

مستدركات أعيان الشيعة ــ حسن الأمين ــ ج1 ــ ص286


عرفوه عليهم واليا مستبدا طاغيا ظالما يقيم الحكم فيهم بالارهاب والسعاية والوشاية وبالسجن والقتل والتعذيب، ذلك هو عبيد الله بن زياد، كان ذلك ولآل زياد في الأمصار كلها، صيت يثير في نفوس الجماهير صورا شتى يقترن بكل واحدة منها معنى أقل شأنه إنه يبعث السخر والابتسام، أو يبعث الحقد والسخط، أو يبعث الذعر والهلع، وكان آل زياد يعرفون هذا كله في الجماهير، فيخشون نقمتها أو انفجار نقمتها، إذ يكبتونها بالارهاب من كل نوع وكل أسلوب، وكان أخشى ما يخشونه، ألسنة الشعراء، ولاسيما الهجائين منهم وذوي الخلاعة والمجانة، فان مثل هؤلاء يكشفون للناس من العيوب والمساوئ ما كان آل زياد يتحامون أن ينكشف، أو أن تتحدث به الجماهير في حين يعلمون أن عند هذه الجماهير أنباء يتناقلونها عن آل زياد، سواء أصدقت هذه الأنباء أم كانت من الأكاذيب والأراجيف.

أعيان الشيعة ــ السيد محسن الأمين ــ ج1 ــ ص585


ومع التفاوت الذي بلغ أقصى ما يتصور بين فئته القليلة وجيش ابن زياد في العدد والمدد قد كان ثباته ورباطة جأشه وشجاعته تحير الألباب ولا عهد للبشر بمثلها كما كانت دناءة أخصامه لا شبيه لها، وما سمع منذ خلق العالم ولن يسمع حتى يفنى أفظع من ضرب ابن مرجانة من ابن سمية بقضيب ثغر ابن بنت رسول الله ورأسه بين يديه بعد أن كان سيد الخلق عليه السلام يلثمه، ومن آثار العدل الإلهي قتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء كما قتل الحسين يوم عاشوراء وأن يبعث برأسه إلى علي بن الحسين كما بعث برأس الحسين إلى ابن زياد.

الكنى والألقاب ــ الشيخ عباس القمي ــ ج1 ــ ص301 إلى 303


ابن زياد: هو عبيد الله بن مرجانة الزانية التي أشار إليها أمير المؤمنين عليه السلام بقوله لميثم التمار: ليأخذنك العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زياد، وأبوه زياد يقال له زياد بن أمة وتارة زياد بن سمية ومرة زياد بن أبيه ولما استلحقه معاوية يقال له زياد بن أبي سفيان.

الغارات ــ إبراهيم بن محمد الثقفي ــ ج2 ــ ص558 إلى 561


قال أبو غسان: بنى عبيد الله بن زياد ــ لعنه الله ــ مساجد بالبصرة تقوم على بغض علي عليه السلام والوقيعة فيه، مسجد بني عدي، ومسجد بني مجاشع، ومسجد كان في العلافين على فرضة البصرة، ومسجد في الأزد.

قال: وكان بالكوفة من فقهائها أهل  عداوة له وبغض قد خذلوا عنه وخرجوا من طاعته مع غلبة التشيع على الكوفة فمنهم مرة الهمداني، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وشريح بن الحارث القاضي، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، واسمه عامر بن عبد الله بن قيس، وعبد الله بن قيس قد هرب إلى مكة يخذل الناس عنه، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعبد الله بن عكيم، وقيس بن أبي حازم وسهم بن طريف، والزهري والشعبي بعد هؤلاء.

ولكي يتضح للقارئ الكريم مدى بغض عبيد الله بن زياد لأمير المؤمنين ومقدار جرأته على الصحابة نورد قوله الآتي:

عن فطر بن خليفة قال: سمعت مرة يقول: لأن يكون علي جملا يستقي عليه أهله خير له مما كان عليه.

وكان مرة يقول: أما علي فسبقنا بحسناته، وابتلينا نحن بسيئاته.

ــــــــــــــ
[1] السَّلَّةُ: المرّة من السَّلِّ، يقال: أتيناهم عند السَّلَّة: أي عند استلال السيوف، والمراد الحرب. والذّلّةُ: الانقياد والخضوع، والمراد البيعة ليزيد.

إرسال تعليق