بحث حول أفضلية أصحاب الإمام الحسين عليه السلام على أصحاب النبي صلى الله عليه واله

بقلم: الشيخ علي الفتلاوي

شهادة لا تُرد


(أمّا بَعْدُ، فَإنّي لا أعْلَمُ أصْحاباً أوْفَى وَلا خَيْراً مِنْ أصْحابي، وَلا أهْلَ بَيْتٍ أبَرَّ ولا أوْصَلَ مِنْ أهْلِ بَيْتِي، فَجَزاكُمْ اللهُ عَنِّي خَيْراً، ألا وَإنِّي لأظُنُّ أنَّهُ آخِرُ يَوْمٍ لَنا مِنْ هَؤُلاءِ، ألا وَإنِّي قَدْ أذِنْتُ لَكُمْ، فَانْطَلِقُوا جَميعاً في حِلٍّ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنِّي ذمامٌ، هذا الليل قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوه جَمَلاً).

عندما يشهد المؤمن الصالح الثقة شهادة حق تكون شهادته حجة على من يسمعها، ويكون لها الأثر الكبير في إحقاق الحق ودحض الباطل، وهذا ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة:
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إعْلَمْ أنَّ المُسْلِمينَ عُدولٌ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ، إلاّ مَجْلوداً في حَدٍّ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ، أوْ مَعْروفاً بِشَهادَةِ الزُّورِ، أوْ ظَنِيناً»[1].

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «مَنْ صَلّى خَمْسَ صَلَواتٍ في اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ في جَماعَةٍ فَظُنُّوا بِهِ خَيْراً وَأجِيزُوا شَهادَتَه»[2].

وجاء عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام:«كُلُّ مَنْ وُلِدَ عَلى الفِطْرَةِ وَعُرِفَ بِصَلاحٍ في نَفْسِهِ جازَتْ شَهادَتُهُ»[3].

وبناء على ما تقدم لو شهد رجل مؤمن صالح ثقة بأن أصحابه أوفى وأفضل من أصحاب غيره لأجزنا شهادته وقبلناها قبولاً حسناً، فكيف إذا كان هذا الشاهد هو حجة الله تعالى في زمانه وسيد شباب أهل الجنة وإماماً معصوماً وبضعة من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؟

ولكي نعلم أن شهادة الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه شهادة حق لا شك فيها لابد من الوقوف عند الآتي:

1ــ شهد القرآن الكريم بعصمة الإمام الحسين عليه السلام كما في آية التطهير:

(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[4].

وهذا يدل على صدق قول الإمام عليه السلام، ودقته كما يدل على أن شهادته شهادة حق لا زور فيها.

2ــ أمر الله تعالى الأمة بمودة الإمام الحسين عليه السلام كما في آية المودة: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[5].

دون أن يقيد ذلك بزمان أو مكان، وهذا يدل على أن الإمام الحسين عليه السلام لا يخرج عن مرضاة الله تعالى بقول أو فعل حتى يلقى الله تعالى وهو عنه راضٍ، وإلاّ يلزم أن يتعبد الله تعالى الأمة بمودة رجل لا صدق ولا دقة في قوله وهذا محال.

3ــ شهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لولده الإمام الحسين عليه السلام بصدق القول ودقته وصحة الفعل وعصمته من حديث السيادة في الجنة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»[6].

وحديث المحبة، قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «أللهم إني أحبهما فأحبهما»، «أللهم إني أحبه فأحب من يحبه»[7].

وفي حديث آخر يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «من أحبهما فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضهما فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله».

وحديث الإمامة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الحسن والحسين إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا»[8].

وحديث حسين مني، قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»[9].

وإلاّ لو لم يكن كذلك لانخدشت هذه الأحاديث وللزم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمدح باطلاً حاشاه عن ذلك أو يتكلم عن الهوى والعاطفة وهذا مخالف لصريح القرآن الكريم: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى)[10].

4ــ لاشك أن الإمام الحسين عليه السلام محيط بمنزلة أصحاب جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه المرتضى وأخيه المجتبى عليهما السلام، ومع ذلك صرح بهذا التصريح في حق أصحابه، وشهد لهم هذه الشهادة التي هي فخر وزينة لهم في الدنيا والآخرة.

فيتضح مما تقدم أن صفة الشهادة تجعل أصحاب الحسين عليه السلام أفضل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والحسن عليهما السلام وهي شهادة لا ترد.

ــ أصحاب الإمام الحسين عليه السلام


لقد ثبت في محله أن الإمام الحسين عليه السلام جزء لا يتجزأ من جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فهو بضعة منه، دمه دمه ولحمه لحمه وحربه حربه وسلمه سلمه بل هما نور واحد وفكر واحد ونهج واحد، وهذا ما يؤكده قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ولا عن العاطفة والميل المتعارف؛ بل أن كلامه وحي بوحي كما في قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى).

فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حق ولده الإمام الحسين عليه السلام: «حسين مني وأنا من حسين»[11].

وورد في مسند احمد بن حنبل (عن قابوس بن المخارق عن أم الفضل قالت: رأيت كأن في بيتي عضواً من أعضاء رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم قالت: فخرجت من ذلك فأتيت رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فذكرت ذلك له فقال: «خيراً رأيت، تلد فاطمة غلاماً فتكفلينه بلبن ابنك قثم».

قال: فولدت حسناً فأعطيته فأرضعته (الحديث))[12].

وروى الحاكم في المستدرك بسنده (عن أم الفضل بنت الحارث إنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلماً منكراً الليلة قال: «وما هو؟».

قالت: إنه شديد، قال: «وما هو؟».

قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: «رأيت خيرا تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون في حجرك».

فولدت فاطمة عليها السلام الحسين عليه السلام فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم (الحديث))[13].

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «علي بن أبي طالب قائد البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، الشاك في علي هو الشاك في الإسلام، وخير من أخلف بعدي وخير أصحابي علي، لحمه لحمي ودمه دمي وأبو سبطي، ومن صلب الحسين يخرج الأئمة التسعة، ومنهم مهدي هذه الأمة».

وهذه الأقوال والشهادات التي صدرت عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تدل على أن الإمام الحسين عليه السلام له ما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا النبوّة، فله من الطهارة والعصمة ما لجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وله من الصدق في القول والفعل ما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك له من الفضائل الأخرى ما لخاتم الرسل صلى الله عليه وآله وسلم ويظهر من هذه الأحاديث وغيرها الذي لا نحتاج إلى ذكرها أن الإمام الحسين عليه السلام صادق القول والفعل ولا يتحدث عن هوى أو مزاج أو عاطفة أو انفعال وتأثر، ولا يمكن أن يلقي الكلام جزافاً دون حكمة أو دراية، فإذن لابد من التسليم له والتصديق بقوله عليه السلام.

فإذا عرفت ذلك فنقول: إن الإمام الحسين عليه السلام قال بعصمته وطهارته وسيادته على شباب الجنة قولاً في أصحابه وهو: (أمّا بَعْدُ، فَإنّي لا أعْلَمُ أصْحاباً أوْفَى وَلا خَيْراً مِنْ أصْحابي، وَلا أهْلَ بَيْتٍ أبَرَّ ولا أوْصَلَ مِنْ أهْلِ بَيْتِي، فَجَزاكُمْ اللهُ عَنِّي خَيْراً، ألا وَإنِّي لأظُنُّ أنَّهُ آخِرُ يَوْمٍ لَنا مِنْ هَؤُلاءِ، ألا وَإنِّي قَدْ أذِنْتُ لَكُمْ، فَانْطَلِقُوا جَميعاً في حِلٍّ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنِّي ذمامٌ، هذا الليل قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوه جَمَلاً).

فيا لها من شهادة صادرة من إمام معصوم مطهر لا ريب فيها ولا خلل.

وقبل الخوض في إثبات أن أصحاب الإمام الحسين عليه السلام خير من غيرهم لابد من التعرض لبعض النقاط التي تنفع في المقام:

معنى الصحابة


الصحبة في اللغة: هي الرفقة، صاحبه: رافقه، الصاحب: الرافق، مالك الشيء، القائم على الشيء.

الصحابي: هو من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مؤمنا به ومات على الإسلام[14].

صحب فلانا: يصحبه صَحابة وصِحابة وصُحبة عاشره ورافقه ملازماً له[15].

الصحابي: منسوب إلى الصحابة وهو في العرف من رأى النبي من المسلمين وطالت صحبته معه وإن لم يرو عنه وقيل غير ذلك[16].

وهناك في كتب اللغة يأتي معنى صاحبَ: عاثر، رافق، جالس، انقاد، تابع.

الصحابة في الاصطلاح: الصحابي عند ابن حجر العسقلاني: هو من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام[17].

الصحابي عند البخاري: هو من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه[18].

ولا نريد التعرض لهذا المبحث لكثرة تفريعاته ولعدم الحاجة إليه فإذا شئت المزيد فراجع كتاب عدالة الصحابة للمؤلف أحمد حسين يعقوب[19].

وبناء على ما تقدم فإن من لقي الإمام عليه السلام مؤمنا به ومات على الإيمان فهو من أصحابه.

ــ نظرية عدالة جميع الصحابة


إن من يتبنى هذه النظرية يقول: إن جميع الصحابة عدول ولا يجوز جرح أحدهم أو الطعن في أفعاله ولو كانت هذه الأفعال أفعالاً منكرة، فيظهر من هذا (أن الطبقة الأدهى من بني أمية كأبي سفيان وأولاده والمروانيين بما فيهم طريد رسول الله)[20] وغيرهم عدول لا يجوز المساس بهم أو انتقاد أفعالهم وسلوكهم.

ولكي يقف القارئ الكريم على صحة هذه النظرية أو عدم صحتها ننقل له باختصار ما ورد في كتب التاريخ من صور تبيّن عدم صحة نظرية عدالة جميع الصحابة، ولكن لابد من الإشارة إلى أننا لا نريد أن نتعرض إلى الصحابة بالقدح أو الانتقاص بقدر ما نريد أن نبيّن أن الصحبة بذاتها غير كافية للأفضلية أو لترجيح أحد على آخر، بل أن هذا المدعى (عدالة جميع الصحابة) لا ينسجم مع ما شهد به القرآن الكريم من وجود تفاوت بين الصلحاء من الصحابة فلذا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[21].

وقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)[22].

وشهد القرآن الكريم بأن بعض الصحابة الذين ينطبق عليهم معنى الصحبة حسب تعريف البخاري أو غيره للصحابي لم يلتزموا بما يحفظ عدالتهم كما في قوله تعالى:

(وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)[23].

وقوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ)[24].

وأما ما جاء في القرآن الكريم فيمن رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجلس معه وسمع عنه وهو لا يزال منافقا فذلك لا حاجة للإشارة إليه لوجود سورة المنافقين وآيات عديدة تتكلم عنهم في سور أخرى، كقوله تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)[25].

وعند الوقوف عند كتب التاريخ والسيرة ترى بوضوح بعض الصحابة الذين وقعوا في مخالفة الشرع بل مخالفة ما أمر به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، لاسيما لما أوصى به في حفظ عترته الكريمة، وهذا ما نلمسه في الإساءة إلى أمير المؤمنين وإلى سيدة نساء العالمين عليهما السلام وإلى سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام.

وإليك بعض الصور السيئة لمواقف بعض صحابة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:

1ــ إساءة بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي عليه السلام


(وقعة الجمل) قالوا: (ولما قضى الزبير وطلحة وعائشة حجهم تآمروا في مقتل عثمان، فقال الزبير وطلحة لعائشة: (إن أطعتنا طلبنا بدم عثمان)، قالت: (وممن تطلبون دمه؟)، قالا: (إنهم قوم معروفون، وإنهم بطانة علي ورؤساء أصحابه، فاخرجي معنا حتى نأتي البصرة فيمن تبعنا من أهل الحجاز، وإن أهل البصرة لو قد رأوك لكانوا جميعا يدا واحدة معك).

فأجابتهم إلى الخروج، فسارت والناس حولها يمينا وشمالا، ولما فصل علي من المدينة نحو الكوفة بلغه خبر الزبير وطلحة وعائشة، فقال لأصحابه: «(إن هؤلاء القوم قد خرجوا يؤمون البصرة) لما دبروه بينهم، فسيروا بنا على أثرهم، لعلنا نلحقهم قبل موافاتهم، فإنهم لو قد وافوها لمال معهم جميع أهلها».

قالوا: (سر بنا يا أمير المؤمنين)، فسار حتى وافى ذاقار، فأتاه الخبر بموافاة القوم البصرة، ومبايعة أهل البصرة لهم إلا بني سعد، فإنهم لم يدخلوا فيما دخل فيه الناس، وقالوا لأهل البصرة: (لا نكون معكم ولا عليكم).

ولما بلغ طلحة والزبير ورود علي رضي الله عنه بالجيوش، وقد أقبل حتى نزل (الخريبة) فعباهم طلحة والزبير، وكتباهم كتائب، وعقدا الألوية، فجعلا على الخيل محمد بن طلحة، وعلى الرجالة عبد الله بن الزبير، ودفعا اللواء الأعظم إلى عبد الله بن حرام بن خويلد، ودفعا لواء الأزد إلى كعب بن سور، وولياه الميمنة، ووليا قريشا وكنانة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، ووليا أمر الميسرة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو الذي قالت عائشة فيه: (وددت لو قعدت في بيتي ولم أخرج في هذا الوجه لكان ذلك أحب إلي من عشرة أولاد، لو رزقتهن من رسول الله صلى الله عليه ــ وآله وسلم ــ على فضل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعقله وزهده).

ووليا على قيس مجاشع بن مسعود، وعلى تيم الرباب عمرو بن يثربي، وعلى قيس والأنصار وثقيف عبد الله بن عامر بن كريز، وعلى خزاعة عبد الله بن خلف الخزاعي، وعلى قضاعة عبد الرحمن بن جابر الراسي، وعلى مذحج الربيع بن زياد الحارثي، وعلى ربيعة عبد الله بن مالك.

قالوا: وأقام علي رضي الله عنه ثلاثة أيام يبعث رسله إلى أهل البصرة، فيدعوهم إلى الرجوع إلى الطاعة والدخول في الجماعة، فلم يجد عند القوم إجابة، فزحف نحوهم يوم الخميس لعشر مضين من جمادى الآخر، وعلى ميمنته الأشتر، وعلى ميسرته عمار بن ياسر، والراية العظمى في يد ابنه محمد بن الحنفية، ثم سار نحو القوم حتى دنا بصفوفه من صفوفهم، فواقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر، يدعوهم ويناشدهم، وأهل البصرة وقوف تحت رايتهم، وعائشة في هودجها أمام القوم.

قالوا: وإن الزبير لما علم أن عمارا مع علي رضي الله عنه ارتاب بما كان فيه، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الحق مع عمار، وتقتلك الفئة الباغية»[26].

قالوا: ثم إن عليا دنا من صفوف أهل البصرة، وأرسل إلى الزبير يسأله، ليدنو، فيكلمه بما يريد، وأقبل الزبير حتى دنا من علي رضي الله عنه، فوقفا جميعا بين الصفين حتى اختلفت أعناق فرسيهما، فقال له علي: «ناشدتك الله يا أبا عبد الله، هل تذكر يوما مررنا أنا وأنت برسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ويدي في يدك، فقال لك رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: أتحبه؟، قلت: نعم، يا رسول الله، فقال لك: أما إنك تقاتله، وأنت له ظالم...؟».

فقال الزبير: (نعم، أنا ذاكر له)، ثم انصرف علي إلى قومه)[27].

2ــ إساءة بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام


(حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال: «جاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر وقالت: إن أبي أعطاني فدك وعلي وأم أيمن يشهدان».

فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلا الحق قد أعطيتكها ودعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها فخرجت فلقيت عمر، فقال: من أين جئت يا فاطمة؟ قالت: «جئت من عند أبي بكر أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم أعطاني فدك وأن عليا وأم أيمن يشهدان لي بذلك فأعطانيها  وكتب لي بها».

فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة فدك وكتبت بها لها؟ قال: نعم، فقال: إن عليا يجر إلى نفسه وأم أيمن امرأة، وبصق في الكتاب فمحاه وخرقه)[28].

(وفي كلام سبط ابن الجوزي رحمه الله أنه رضي الله تعالى عنه كتب لها بفدك ودخل عليه عمر رضي الله تعالى عنه فقال: ما هذا فقال كتاب كتبته فاطمة بميراثها من أبيها، فقال: مماذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى، ثم أخذ عمر الكتاب فشقه)[29].

(فقال عمر لأبي بكر، رضي الله عنهما، انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا أغضبناها، فانطلقا جميعا، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا عليا فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها، حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها، فلم ترد عليهما السلام، فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت، ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه ــ وأله ــ وسلم يقول: لا نورث، ما تركنا فهو صدقة، فقالت: «أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم تعرفانه وتفعلان به؟».

قالا: نعم، فقالت: «نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟».

قالا نعم: سمعناه من رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، قالت: «فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه».

فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: «والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها» ثم خرج باكيا)[30].

3ــ إساءة بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحسن عليه السلام


(لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجا ولا أعلى كلاما ولا أشد مبالغة في قول من يوم الاحتجاج اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان وعمرو بن العاص وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة بن أبي معيط والمغيرة بن أبي شعبة وقد تواطأوا على أمر واحد فقال عمرو بن العاص لمعاوية ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره فقد أحيا سنة أبيه وخفقت النعال خلفه إن أمر فأطيع وقال فصدق وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما، فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه وسببناه وسببنا أباه وصغرنا بقدره وقدر أبيه وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه، فقال لهم معاوية إني أخاف أن يقلدكم قلائد يبقى عليكم عارها حتى يدخلكم قبوركم، والله ما رأيته قط إلا كرهت جنابه وهبت عتابه وإني إن بعثت إليه لأنصفنه منكم قال عمرو بن العاص: أتخاف أن يتسامى باطله على حقنا ومرضه على صحتنا؟ قال: لا قال: فابعث إذا إليه فقال عتبة هذا رأي لا أعرفه والله ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه ولا يلقاكم بأعظم مما في نفسه عليكم وإنه لأهل بيت خصم جدل فبعثوا إلى الحسن فلما أتاه الرسول قال له يدعوك معاوية قال: «ومن عنده».

قال الرسول: عنده فلان وفلان وسمى كلا منهم باسمه فقال الحسن عليه السلام: «ما لهم خر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون». ثم قال: «يا جارية أبلغيني ثيابي».

ثم قال: «أللهم إني أدرأ بك في نحورهم وأعوذ بك من شرورهم وأستعين بك عليهم فاكفنيهم بما شئت وأنى شئت من حولك وقوتك يا أرحم الراحمين».

وقال للرسول: «هذا كلام الفرج» فلما أتى معاوية رحب به وحياه وصافحه، فقال الحسن: «إن الذي حييت به سلامة والمصافحة أمن» فقال معاوية: أجل إن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليقروك أن عثمان قتل مظلوما وأن أباك قتله فاسمع منهم ثم أجبهم بمثل ما يكلمونك فلا يمنعك مكاني من جوابهم، فقال الحسن: «سبحان الله البيت بيتك والإذن فيه إليك والله لئن أجبتهم إلى ما أرادوا إني لأستحيي لك من الفحش وإن كانوا غلبوك على ماتريد إني لأستحيي لك من الضعف فبأيهما تقر ومن أيهما تعتذر وأما إني لو علمت بمكانهم واجتماعهم لجئت بعدتهم من بني هاشم مع أني مع وحدتي هم أوحش مني من جمعهم فإن الله عز وجل لوليي اليوم وفيما بعد اليوم فمرهم فليقولوا فاسمع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».

فتكلم عمرو بن عثمان بن عفان فقال ما سمعت كاليوم إن بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان وكان ابن أختهم والفاضل في الإسلام منزلة الخاص برسول الله إثرة فبئس كرامة الله حتى سفكوا دمه اعتداء وطلبا للفتنة وحسدا ونفاسة وطلب ما ليسوا بآهلين لذلك مع سوابقه ومنزلته من الله ومن رسوله ومن الإسلام فيا ذلاه أن يكون حسن وسائر بني عبد المطلب قتلة عثمان أحياء يمشون على مناكب الأرض وعثمان بدمه مضرج مع أن لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني أمية ببدر.

ثم تكلَّم عمرو بن العاص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أي ابن أبي تراب بعثنا إليك لنقررك أن أباك سم أبا بكر الصديق واشترك في قتل عمر الفاروق وقتل عثمان ذي النورين مظلوما وادعى ما ليس له حق ووقع فيه وذكر الفتنة وعيره بشأنها ثم قال إنكم يا بني عبد المطلب لم يكن الله ليعطيكم الملك فتركبون فيه ما لا يحل لكم ثم أنت يا حسن تحدث نفسك بأنك كائن أمير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك ولا رأيه وكيف وقد سلبته وتركت أحمق في قريش وذلك لسوء عمل أبيك وإنما دعوناك لنسبك وأباك ثم إنك لا تستطيع أن تعيب علينا ولا أن تكذبنا به فإن كنت ترى أن كذبناك في شيء وتقولنا عليك بالباطل وادعينا عليك خلاف الحق فتكلم وإلا فاعلم أنك وأباك من شر خلق الله فأما أبوك فقد كفانا الله قتله وتفرد به وأما أنت فإنك في أيدينا نتخير فيك والله أن لو قتلناك ما كان في قتلك إثم عند الله ولا عيب عند الناس.

ثم تكلم عتبة بن أبي سفيان فكان أول ما ابتدأ به أن قال يا حسن إن أباك كان شر قريش لقريش أقطعه لأرحامها وأسفكه لدمائها وإنك لمن قتلة عثمان وإن في الحق أن نقتلك به وإن عليك القود في كتاب الله عز وجل وإنا قاتلوك به وأما أبوك فقد تفرد الله بقتله فكفانا أمره وأما رجاؤك الخلافة فلست فيها لا في قدحة زندك ولا في رجحة ميزانك.

ثم تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه فقال يا معشر بني هاشم كنتم أول من دب بعيب عثمان وجمع الناس عليه حتى قتلتموه حرصا على الملك وقطيعة للرحم واستهلاك الأمة وسفك دمائها حرصا على الملك وطلبا للدنيا الخبيثة وحبا لها وكان عثمان خالكم فنعم الخال كان لكم وكان صهركم فكان نعم الصهر لكم قد كنتم أول من حسده وطعن عليه ثم وليتم قتله فكيف رأيتم صنع الله بكم.

ثم تكلم المغيرة بن شعبة فكان كلامه وقوله كله وقوعا في علي عليه السلام ثم قال يا حسن إن عثمان قتل مظلوما فلم يكن لأبيك في ذلك عذر بريء ولا اعتذار مذنب غير أنا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمه قتلة عثمان وإيوائه لهم وذبه عنهم أنه يقتله راض وكان والله طويل السيف واللسان يقتل الحي ويعيب الميت وبنو أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية وقد كان أبوك ناصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وأجلب عليه قبل موته وأراد قتله فعلم ذلك من أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم كره أن يبايع أبا بكر حتى أتي به قودا ثم دس عليه فسقاه سما فقتله ثم نازع عمر حتى هم أن يضرب رقبته فعمد في قتله ثم طعن على عثمان حتى قتله كل هؤلاء قد شرك في دمهم فأي منزلة له من الله يا حسن وقد جعل الله السلطان لولي المقتول في كتابه المنزل فمعاوية ولي المقتول بغير حق فكان من الحق لو قتلناك وأخاك والله ما دم علي بأخطر من دم عثمان وما كان الله ليجمع فيكم يا بني عبد المطلب الملك والنبوة ثم سكت.

فتكلم أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام فقال: «الحمد لله الذي هدى أولكم بأولنا وآخركم بآخرنا وصلى الله على جدي محمد النبي وآله وسلم، اسمعوا مني مقالتي وأعيروني فهمكم وبك أبدأ يا معاوية إنه لعمر الله يا أزرق ما شتمني غيرك وما هؤلاء شتموني ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبوني ولكن شتمتني وسببتني فحشا منك وسوء رأي وبغيا وعدوانا وحسدا علينا وعداوة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قديما وحديثا وإنه والله لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق مشاورين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا أن يتكلموا به ولا استقبلوني بما استقبلوني به فاسمعوا مني أيها الملأ المجتمعون المتعاونون عليّ ولا تكتموا حقا علمتموه ولا تصدقوا بباطل إن نطقت به وسأبدأ بك يا معاوية ولا أقول فيك إلا دون ما فيك أنشدكم بالله هل تعلمون أن الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعا وأنت في ضلالة تعبد اللات والعزى وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح وأنت يامعاوية بالأولى كافر وبالأخرى ناكث ثم قال أنشدكم بالله هل تعلمون أن ما أقول حقا إنه لقيكم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر ومعه راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين ومعك يا معاوية راية المشركين وأنت تعبد اللات والعزى وترى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرضا واجبا ولقيكم يوم أحد ومعه راية النبي ومعك يا معاوية راية المشركين ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعك يا معاوية راية المشركين كل ذلك يفلج الله حجته ويحق دعوته ويصدق أحدوثته وينصر رايته وكل ذلك رسول الله عنه راضيا في المواطن كلها ساخطا عليك ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاصر بني قريظة وبني النظير ثم بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار فأما سعد بن معاذ فخرج وحمل جريحا وأما عمر فرجع هاربا وهو يجبن أصحابه ويجبنه أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار ثم لا يرجع حتى يفتح الله على يديه فتعرض لها أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين والأنصار وعلي يومئذ أرمد شديد الرمد فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتفل في عينه فبرأ من رمده وأعطاه الراية فمضى ولم يئن حتى فتح الله عليه بمنه)[31].

4ــ إساءة بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحسين عليه السلام


(قال مروان بن الحكم يوما للحسين بن علي عليه السلام لولا فخركم بفاطمة بم كنتم تفتخرون علينا فوثب الحسين عليه السلام وكان عليه السلام شديد القبضة فقبض على حلقه فعصره ولوى عمامته على عنقه حتى غشي عليه ثم تركه وأقبل الحسين عليه السلام على جماعة من قريش فقال: «أنشدكم بالله إلا صدقتموني إن صدقت أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني ومن أخي أو على ظهر الأرض ابن بنت نبي غيري وغير أخي».

قالوا: اللهم لا، قال: «وإني لا أعلم أن في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه طريدي رسول الله والله ما بين جابرس وجابلق أحدهما بباب المشرق والآخر بباب المغرب رجلان ممن ينتحل الإسلام أعدى لله ولرسوله ولأهل بيته منك ومن أبيك إذا كان وعلامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك، قال: فو الله ما قام مروان من مجلسه حتى غضب فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه)[32].

5ــ إساءة بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعضهم


ورد في كتاب شذرات الذهب: (وفيها: قتل خالد بن الوليد: مالك بن نويرة في رهط من قومه بني حنظلة ممن منع الزكاة، وكان مالك من دهاة العرب، وكان عرض على خالد الصلاة دون الزكاة، فقال خالد: لا نقبل واحدة دون الأخرى، فقال مالك: كذلك كان يقول صاحبك.

قال خالد: وما نراه لك صاحباً، والله لقد هممت أن أضرب عنقك، ثم تجادلا في الكلام، فقال خالد: إني قاتلك، قال: أو كذلك أمر صاحبك، قال خالد: وهذه ثانية بعد تلك، والله لأقتلنك، فكلمه عبد الله بن عمر، وأبو قتادة في استبقائه فأبى، فقال له مالك: فابعثني إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فيّ.

فقال خالد يا ضرار قم فاضرب عنقه، فقام فضرب عنقه واشترى زوجه من الفيء، وتزوجها، فأنكر عليه والصحابة، وسأل عمر أبا بكر قتل خالد بمالك، أو حده في زواج زوجته، فقال أبو بكر: إنه تأول فأخطأ، فسأله عزله، فقال: ما كنت لأشيم سيفاً[33] سله الله عليهم أبداً)[34].

(وأقبل طلحة والزبير حتى دخلا على عثمان، ثم تقدم إليه الزبير وقال: يا عثمان! ألم يكن في وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا تحمل آل بني معيط على رقاب الناس إن وليت هذا الأمر؟ قال عثمان: بلى، قال الزبير: فلم استعملت الوليد بن عقبة على الكوفة؟ قال عثمان: استعملته كما استعمل عمر بن الخطاب عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، فلما عصى الله وفعل ما فعل عزلته واستعملت غيره على عمله.

قال: فلم استعملت معاوية على الشام؟ فقال عثمان: لرأي عمر بن الخطاب فيه، قال: فلم تشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ولست بخير منهم؟ قال عثمان: أما أنت فلست أشتمك، ومن شتمته فما كان به عجز عن شتمي، فقال مالك ولعبد الله بن مسعود هجرت قراءته وأمرت بدوس بطنه، فهو في بيته لما به وقد أقرأه رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، فقال عثمان: إن الذي بلغني من ابن مسعود أكثر مما بلغت منه، وذاك أنه قال: وددت أني وعثمان برمل عالج يحث علي وأحث عليه حتى يموت الأعجز منا.

قال: فما لك ولعمار بن ياسر أمرت بدوس بطنه حتى أصابه الفتق؟ فقال: لأنه أراد أن يغري الناس بقتلي، قال: فما لك ولأبي ذر حبيب رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، سيرته حتى مات غريبا طريدا؟ قال: لما قد علمت أنه قد أفسد علي الناس ورماني بكل عيب، قال: فما لك وللأشتر وأصحابه نفيتهم إلى الشام وفرقت بينهم وبين أهاليهم وأولادهم؟ فقال: لأن الأشتر أغرى الناس بعاملي سعيد بن العاص وأضرم الكوفة عليّ نارا.

فقال الزبير: يا عثمان! إن هذه الأحداث التي عددتها عليك هي أقل أحداثك، ولو شئت أن أرد عليك جميع ما تحتج به لفعلت، وأراك تقرأ صحيفتك من حيث تريد، وأخاف عليك يوما له ما بعده من الأيام.

قال: وتقدم إليه طلحة بن عبيد الله فقال: يا عثمان! أهلكك بنو أمية وأطمعك فينا آل أبي معيط، وعند غب الصدر يحمد الورد أو يذم، وأنا لك كما كنت لنا، فإذا لم تكن لنا كنا عليك، ثم خرجوا من عنده)[35].

(تكاتب أهل مصر وأهل الكوفة وأهل البصرة، وتراسلوا، وزورت كتب على لسان الصحابة الذين بالمدينة وعلى لسان طلحة (بعد ما بلغهم خبر مروان وغضب علي على عثمان بسببه) وطلحة والزبير يدعون الناس إلى قتل عثمان ونصر الدين وأنه أكبر الجهاد اليوم.

فإن كتاب الله قد بدل، وسنة رسوله قد غيرت، وأحكام الخليفتين قد بدلت، فننشد الله من قرأ كتابنا من بقية أصحاب رسول الله والتابعين بإحسان، إلا أقبل إلينا، وأخذ الحق لنا، وأعطاناه، فأقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وأقيموا الحق على المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه نبيكم، وفارقكم عليه الخلفاء، غلبنا على حقنا واستولى على فيئنا، وحيل بيننا وبين أمرنا، وكان الخلافة بعد نبينا خلافة نبوة ورحمة، وهي اليوم ملك عضوض، من غلب على شيء أكله، أليس هذا كتابكم إلينا؟ فبكى طلحة، فقال الأشتر: لما حضرنا أقبلتم تعصرون أعينكم، والله لا نفارقه حتى نقتله، وانصرف.)[36].

(لما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء مالك لينظر من قام مقامه فرأى أبا بكر يخطب فقال أخو تيم قالوا نعم قال فوصي رسول الله الذي أمرني بموالاته قالوا الأمر يحدث بعده الأمر قال تالله ما حدث شيء ولكنكم خنتم الله ورسوله ونظر إليه شزرا وتقدم وقال ما أرقاك هذا المنبر ووصي رسول الله جالس فأمر قنفذا وخالدا بإخراجه فدفعاه كرها فركب راحتله وقال:

أطعنا رسول الله ما كان بيننا *** فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر
إذا مات بكر قام بكر مقامه *** فتلك وبيت الله قاصمة الظهر
يدت وتغشاه العثار كأنما *** يجاهد حمى ويقوم على جمر
فلو قام فينا من قريش عصابة *** أقمنا ولو كان المقام على الجمر

فبعث أبو بكر خالدا بجيش لقتله فجاء فلم يجد فيهم مؤذنا فقال: ارتددتم عن الإسلام فقالوا بل ذهب المؤذن إلى امتيار فلم يسمع وصافهم الحرب وكان مالك يعد بألف فارس فخافه خالد فنظر مالك إلى امرأته وهي تنظر الحرب وتستر وجهها بذراعيها فقال إن قتلني أحد فأنت فوقعت في نفس خالد فأعطاه الأمان فاستوثق منه فطرح سلاحه وأخذه وقتله وعرس بامرأته من ليلته وطبخ على رأسه لحم جزور لوليمته، فخرج متمم أخو مالك فاستعدى أبا بكر على خالد واستعان بعمر فقال عمر لأبي بكر اقتل خالدا بمالك فقال ما كنت لأقتل صحابيا بأعرابي في رده عمياء قال عمر لم يرتد بل حمله على ذلك جمال امرأته فتشاتما فقال عمر لو ملكت أمرا لقتله به فلما ولى عمر جاءه متمم وقال قد وعدتني بقتله فقال ما كنت لأغير شيئا فعله صاحب رسول الله)[37].

(بعث رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي على سرية ومعه في السرية عمار بن ياسر، قال: فخرجوا حتى أتوا قريبا من القوم الذين أرادوا أن يصبحوهم، فنزلوا في بعض الليل، قال: وجاء القوم النذير فهربوا حيث بلغهم، فأقام رجل منهم كان قد أسلم هو وأهل بيته فأمر أهله فتحملوا وقال: قفوا حتى آتيكم، ثم جاء حتى دخل على عمار، فقال يا أبا اليقظان: إني قد أسلمت وأهل بيتي فهل ذلك نافعي إن أنا أقمت؟ فأنّ قومي قد هربوا حيث سمعوا بكم.

قال فقال له عمار فأقم، فأنت آمن فانصرف الرجل هو وأهله، قال فصبح خالد القوم فوجدهم قد ذهبوا فاخذ الرجل هو وأهله، فقال له عمار: إنه لا سبيل لك على الرجل، قد أسلم، قال وما أنت وذاك؟ أتجير عليّ وأنا الأمير؟ قال: نعم أجير عليك وأنت الأمير، إن الرجل قد آمن، ولو شاء لذهب كما ذهب أصحابه، فأمرته بالمقام لاسلامه، فتنازعا في ذلك حتى تشاتما.

فلما قدما المدينة اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، فذكر عمار الرجل وما صنع، فأجاز رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم أمان عمار، ونهى يومئذ أن يجيز أحد على أمير فتشاتما عند رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، فقال خالد يا رسول الله: أيشتمني هذا العبد عندك؟ أما والله لولاك ما شتمني فقال نبي الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: «كف يا خالد عن عمار، فإنه من يبغض عمارا يبغضه الله عزّ وجل، ومن يلعن عمارا يلعنه الله عز وجل».

ثم قام عمار فولى واتبعه خالد بن الوليد حتى أخذ بثوبه، فلم يزل يترضاه حتى رضي عنه)[38].

6ــ إساءة بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام إليه


(ذِكْرُ الحكمين: قال: ثم اجتمع قراء أهل العراق وقراء أهل الشام بين العسكرين ومعهم المصحف، فنظروا فيه وتدارسوه واجتمعوا على ما فيه أن يحيوا ما أحيا القرآن وأن يميتوا ما أمات القرآن.

قال: فرضي الفريقان جميعا بالحكمين، وجعلوا المدة فيما بين ذلك إلى سنة كاملة، فقال أهل الشام: قد رضينا بعمرو بن العاص، وقال الأشعث بن قيس والذين صاروا خوارج بعد ذلك: فإننا قد رضينا بأبي موسى الأشعري، فإنه وافد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، وصاحب مقاسم أبي بكر وعامل عمر بن الخطاب.

فقال علي رضي الله عنه: «ولكني لا أرضى أبا موسى ولا أوليه هذا الأمر».

فقال الأشعث بن قيس وزيد بن حصن ومسعر بن فدكي وعبد الله بن الكواء: فإننا لا نرضى إلا به، لأنه قد كان حذرنا ما وقعنا فيه، فقال علي رضي الله عنه: «فإنه ليس لي برضا وقد كان فارقني وخذل الناس عني، ثم هرب حتى آمنته بعد أشهر، ولكن هذا عبد الله بن عباس قد جعلته حكما لي».

فقال القوم: والله لا نبالي أنت كنت أو ابن عباس، إلا أننا لا نريد رجلا هو منك وأنت منه، فقال علي رضي الله عنه: «فأنا أجعل الأشتر حكما».

فقال الأشعث: وهل سعر الأرض علينا إلا الأشتر! فقال الأشعث: حكمه أن يضرب الناس بعضهم بعضا بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد، فقال له الأشتر: أنت إنما تقول هذا القول لأن أمير المؤمنين عزلك عن الرئاسة ولم يرك أهلا لها.

فقال الأشعث: والله ما فرحت بتلك الرئاسة ولا حزنت لذلك العزل، فقال علي رضي الله عنه: «ويحكم! إن معاوية لم يكن ليختار لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه ونظره إلا عمرو بن العاص، وإنه لا يصلح للقرشي (إلا مثله)، وهذا عبد الله بن عباس فارموه به، فإن عمرا لا يعقد عقدة إلا حلها، ولا يبرم أمرا إلا نقضه، ولا ينقض أمرا إلا أبرمه».

فقال الأشعث ومن معه: لا والله لا يحكم فينا مضريان أبدا حتى تقوم الساعة! ولكن يكون رجل من مضر ورجل من اليمن، فقال علي رضي الله عنه: «إني أخاف أن يخدع يمانيكم، فإن عمرو بن العاص ليس من الله في شيء».

فقال الأشعث: والله لأن يحكما ببعض ما نكره وأحدهما من اليمن أحب إلينا من أن يكون ما نحب وهما مضريان، فقال علي رضي الله عنه: «وقد أبيتم إلا أبا موسى؟ قالوا: نعم، قال عليه السلام: «فاصنعوا ما أردتم، اللهم إني أبرأ إليك من صنيعهم!»)[39].

7ــ إساءة بعض أصحاب الإمام الحسن عليه السلام إليه




(خرج الحسن بن علي حتى أتى ساباط المدائن، فأقام بها أياما، فلما أراد الرحيل قام في الناس خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس! إنكم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، والله لقد أصبحت وما أنا محتمل على أحد من هذه الأمة ضغنة في شرق ولا غرب ولما تكرهون في الجاهلية، والألفة والأمن وصلاح ذات البين خير مما تحبون من الفرقة والخوف والتباغض والعداوة ــ والسلام ــ».

قال: فلما سمع الناس هذا الكلام من الحسن كأنه وقع بقلوبهم أنه خالع نفسه من الخلافة ومسلم الأمر لمعاوية، فغضبوا لذلك، ثم بادروا إليه من كل ناحية، فقطعوا عليه الكلام، ونهبوا عامة أثقاله، وخرقوا ثيابه، وأخذوا مطرفا كان عليه، وأخذوا أيضا جارية كانت معه، وتفرقت عنه عامة أصحابه.

فقال الحسن عليه السلام: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

قال: فدعا بفرسه فركب، وسار وهو مغموم لما قد نزل به من كلامه، وأقبل رجل من بني أسد يقال له سنان بن الجراح حتى وقف في مظلم ساباط المدائن، فلما مر به الحسن بادر إليه فجرحه بمعول كان معه جراحة كادت تأتي عليه.

قال: فصاح الحسن صيحة وخر عن فرسه مغشيا عليه، وابتدر الناس إلى ذلك الأسدي فقتلوه.

قال: وأفاق الحسن من غشائه وقد ضعف، فعصبوا جراحه وأقبلوا به إلى المدائن، قال: وعامل المدائن يومئذ سعد بن مسعود الثقفي عم المختار بن أبي عبيد، قال: فأنزل الحسن في القصر الأبيض، وأرسل إلى الأطباء فنظروا إلى جراحته وقالوا: ليس عليك بأسه يا أمير المؤمنين، قال: فأقام الحسن بالمدائن يداوى)[40].

(لما صالح الحسن معاوية لما ناله من أهل الكوفة وما نزل به أشار عمرو بن العاص على معاوية ــ وذلك بالكوفة ــ أن يأمر الحسن فيقوم فيخطب الناس، فكره ذلك معاوية، وقال: ما أريد أن يخطب بالناس، قال عمرو: لكني أريد أن يبدو عيه في الناس بأنه يتكلم في أمور لا يدْرِي ما هي، ولم يزل به حتى أطاعه؟

فخرج معاوية فخطب الناس، وأمر رجلاً أن ينادي بالحسن بن علي، فقام إليه، فقال: قم يا حسن فكلم الناس؛ فقام فتشهد في بديهته.

ثم قال: «أما بعد أيها الناس، فإن الله هداكم بأولنا، وحَقَنَ دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دُوَلٌ، قال الله عزّ وجل لنبيّه محمد صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ)[41].

ثم قال في كلامه ذلك: يا أهل الكوفة، لو لم تُذْهَلْ نفسي عنكم إلا لثلاث خصال لذُهِلت: مَقْتَكم لأبي، وسلبكم ثقلي، وطعنكم في بطني، وإني قد بايعت معاوية، فاسمعوا له وأطيعوا، وقد كان أهل الكوفة انتهبوا سُرَادل الحسن وَرَحْله، وطعنوا بالخنجر في جوفه، فلما تيقن ما نزل به انقاد إلى الصلح)[42].

ــ أفضلية أصحاب الحسين عليه السلام


قبل الخوض في هذا الموضوع نود أن نبيّن أن المقارنة لا تتم إلاّ بين أصحاب أهل الحق فقط دون أصحاب أهل الباطل فنقول: رغم كفاية شهادة الإمام المعصوم الحسين بن علي عليهما السلام وحجة الله في زمانه وسيد شباب أهل الجنة على أفضلية أصحابه، إلاّ أن المقارنة بين مواقف أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وبين مواقف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعض أصحاب أمير المؤمنين والإمام الحسن عليهما السلام تظهر لنا مدى صدق أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وإخلاصهم له، وعند تأملك لما أطلعت عليه من تلك المواقف لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والإمام الحسن عليه السلام ومقارنة ذلك مع ما سنطلعك عليه من مواقف أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ستحكم بأفضلية أصحاب الإمام الحسين عليه السلام إذا نظرت بعين الانصاف:

ــ المعصوم يشهد


قال أبو مخنف: (وحدّثني أيضا الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن شريك العامري عن علي بن الحسين قالا: جمع الحسين وأصحابه بعدما رجع عمر بن سعد، وذلك عند قرب المساء قال علي بن الحسين: «فدنوت منه لأسمع وأنا مريض فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه: أثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، ولم تجعلنا من المشركين أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعا خيراً ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا ألا وإني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام هذا ليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً»)[43].

ففي هذه الصورة يتجلى نكران الذات من الإمام الحسين عليه السلام إذا سمح لأصحابه بالنجاة بعد أن انطبق علمه على الواقع من جهة إصرار الجيش الأموي على قتاله، كما أنه شهد لهم بالأفضلية على غيرهم من الأصحاب الذين علم بصحبتهم سواء كانوا أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أمير المؤمنين أو الإمام الحسن بل نستطيع القول إنهم أفضل من أصحاب الأنبياء عليهم السلام الذين ترددوا في نصرة الأنبياء عليهم السلام أو الذين خذلوهم أو شككوا بهم، إذ إن الإمام الحسين عليه السلام معصوم لا يقول باطلا فهذه شهادة حق لا شك فيها تؤكد أفضلية أصحابه على غيرهم.

ــ مواقف الأصحاب


بعد أن أذن الإمام عليه السلام لأصحابه بالنجاة واتخاذ الليل وسيلة للتخلص من المصير المر ألا وهو سفك المهج وقتل النفوس، رد الأصحاب على قول إمامهم بردود تؤكد وصف الإمام لهم بأنهم أولى وخير من غيرهم كما جاء ذلك في تاريخ الطبري.

(فلما كان الليل قال ــ عليه السلام ــ: «هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري».

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لمَ نفعل لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبداً، بدأهم بهذا القول العباس بن علي عليهما السلام ثم إنهم تكلموا بهذا ونحوه فقال الحسين ــ عليه السلام ــ: «يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لكم».

قالوا: فما يقول الناس؟ يقولون: إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا لا والله لا نفعل ولكن تفديك أنفسنا، وأموالنا وأهلونا ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك!

قال أبو محنف: حدثني عبد الله بن عاصم عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال: فقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نخلي عنك؛ ولما نعذر إلى الله في أداء حقك أما والله حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولا أفارقك ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك، قال:

وقال سعيد بن عبد الله الحنفي: والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فيك والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا! ثم أحرق حياً! ثم أذر يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك! لا أفعل ذلك! وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.

قال: وقال زهير بن القين: والله لوددت أني قتلت، ثم نشرت، ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك.

قال: وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد فقالوا: والله لا نفارقك، ولكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا فإذا نحن قتلنا كنا وفينا، وقضينا ما علينا)[44].

وفضلا على هذه الردود التي تبين حقيقة رجحانهم على غيرهم من الأصحاب الذين سبقوهم هناك نقاط نقف عليها تؤكد هذا الفضل وهي كما يلي:

1ــ كان إقدام أصحاب الإمام الحسين عليه السلام نحو نصرته نتيجة الإيمان واليقين بما عليه الإمام عليه السلام دون تردد أو شك.

2ــ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحاب أمير المؤمنين والحسن عليهما السلام عند قتالهم بين يديّ صاحبهم يشعرون بوجود نسبة من النجاة أما أصحاب الإمام الحسين عليه السلام قاتلوا بين يديه رغم يقينهم بعدم النجاة.

3ــ إن الإمام الحسين عليه السلام سرح أصحابه وجعلهم في حلٍ من بيعته إلاّ أنهم لم يتركوه ولم يخذلوه وهذا لم يحصل مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أمير المؤمنين أو الإمام الحسن عليهما السلام بل حصل العكس من ذلك، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والإمام الحسن عليهما السلام يحثون أصحابهم على الجهاد ولم يرخصوا لهم تركه إلاّ أننا نجد أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم تركوه في حنين إلا عشرة أفراد كما ورد ذلك في كتب التاريخ.

جاء في تاريخ الطبري أنه (حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ومعه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة فكانوا اثني عشر ألفاً، واستعمل رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة أميراً على من غاب عنه من الناس، ثم مضى على وجهه يريد لقاء هوازن).

(حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه، قال: لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط إنما ننحدر فيه انحداراً، قال: وفي عَماية الصبح، وكان القوم قد سبقوا إلى الوادي فكمنوا لنا في شعابه، وأحنائه، ومضايقه؛ قد أجمعوا وتهيؤوا وأعدوا فو الله ما راعنا، ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدّت علينا شدة رجل واحد، وانهزم الناس أجمعون فانشمروا لا يلوي أحد على أحد؛ وانحاز رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ذات اليمين، ثم قال: « أين أيها الناس؟ هلم إلي أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله».

قال: فلا شيء احتملت الإبل بعضها بعضاً، فانطلق الناس إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته)[45].

ـــــــــــــــ
[1] من لا يحضره الفقيه: ج3، ص15، ح3243. ميزان الحكمة: ج5، ص1997، ح9723.
[2] أمالي الصدوق: ص278، ح23. ميزان الحكمة: ج5، ص1998، ح9724.
[3] من لا يحضره الفقيه: ج3، ص46، ح3298. ميزان الحكمة: ج5، ص1998، ح9726.
[4] سورة الأحزاب، الآية: 33.
[5] سورة الشورى، الآية: 23.
[6] مسند أحمد بن حنبل: ج3، ص4.
[7] الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض: ج2، ص26.
[8] جامع الخلاف والوفاق، علي بن محمد القمي: ص404.
[9] البداية والنهاية لابن كثير: ج8، ص225.
[10] سورة النجم، الآية: 3.
[11] فضائل الخمسة: ج3، ص321.
[12] فضائل الخمسة للفيروز آبادي: ج3، ص223. مسند أحمد بن حنبل: ج6، ص399. ورواه بطريق آخر أيضا مثله، ورواه ابن الأثير أيضا في أسد الغابة: ج2، ص10. وذكره ابن حجر أيضا في إصابته: ج5، ص231. وقال: أخرجه البغوي.
[13] فضائل الخمسة للفيروز آبادي: ج3، ص224. المستدرك على الصحيحين: ج3، ص176.
[14] المعجم الوسيط: ص506ــ507.
[15] البستان معجم لغوي مطول: ص592.
[16] البستان معجم لغوي مطول: ص593.
[17] الإصابة في معرفة الصحابة: ج1، ص158.
[18] صحيح البخاري:ج10، ص365، ح2897.
[19] عدالة الصحابة، أحمد حسين يعقوب: ص11 ــ 18.
[20] عدالة الصحابة: ص20.
[21] سورة الأنفال، الآية: 72.
[22] سورة النساء، الآية: 95.
[23] سورة التوبة، الآيتان: 75 و76.
[24] سورة السجدة، الآية: 18.
[25] سورة التوبة، الآيات: 64 و65 و66 و67 و68.
[26] الأخبار الطوال، الدينوري: ص147.
[27] الأخبار الطوال، الدينوري: ص144 ــ 149.
[28] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج16، ص274.
[29] السيرة الحلبية، الحلبي: ج3، ص488.
[30] الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري: ج1، ص20.
[31] الاحتجاج، الطبرسي: ج1، ص271 ــ 273.
[32] الاحتجاج، الطبرسي: ج2، ص229 ــ 300.
[33] لأشيم: لأغمد.
[34] شذرات الذهب في أخبار من ذهب لشهاب الدين الحنبلي: ج1، ص27، أحداث السنة الحادية عشرة.
[35] كتاب الفتوح، بن أعثم الكوفي: ج2، ص393 ــ 394.
[36] البداية، ابن كثير: ج7، ص173.
[37] الصراط المستقيم، علي البيضاني: ج2، ص282.
[38] كنز العمال، المتقي الهندي: ج2، ص394 ــ 395.
[39] كتاب الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي: ج4، ص197 ــ 199.
[40] كتاب الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي: ج4، ص286 ــ 288.
[41] سورة الأنبياء، الآيات: 109 و110 و111.
[42] مروج الذهب، المسعودي: ج1، ص348.
[43] تاريخ الطبري، لمحمد بن جرير الطبري: ج3، ص1038.
[44] تاريخ الطبري، لمحمد بن جرير الطبري: ج3، ص1039.
[45] تاريخ الطبري: ج2، ص463 ــ 464.

إرسال تعليق