بعض جرائم الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله في يوم عاشوراء

بقلم: الشيخ وسام البلداوي

لم يترك الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله موبقة يوم عاشوراء إلا واتاها، ويندر أن ترى موقفا من مواقف يوم عاشوراء ليس للشمر فيه أثر، فكم من غصة قد تجرعها الإمام الحسين وأصحابه وأطفاله وحرمه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين على يد هذا الآثم، وكم من دمعة قد أراقها هذا الخائن، فهو من جيّش جيوش الكفر التي توافرت على قتل سبط النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذي ارتقى صدره وحز نحره وأيتم عياله وحرق وسلب ونكل وسبى وضرب حتى أدمى عيال الإمام وحرمه، وجرائم هذا المسخ البشري في يوم عاشوراء وما بعده وان كانت لا تحصيها الكتب ولا تصفها الأقلام لكثرتها وبشاعتها، إلا أن ما لا يدرك كله لا يترك كله، وفيما يأتي جملة من مخازي أحواله، وموبقات أفعاله، وما سنغض الطرف عنه أكثر وأكثر.

1: كان الشمر لعنه الله أول من التحق بجيش عمر بن سعد لعنه الله


قال العلامة المجلسي قدس الله روحه: (ثم جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة، ثم خرج فصعد المنبر ثم قال: أيها الناس إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون، وهذا أمير المؤمنين يزيد، قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة، محسنا إلى الرعية، يعطي العطاء في حقه، قد أمنت السبل على عهده وكذلك كان أبوه معاوية في عصره، وهذا ابنه يزيد من بعده، يكرم العباد، ويغنيهم بالأموال، ويكرمهم، وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، وأمرني أن أوفرها عليكم وأخرجكم إلى حرب عدوه الحسين، فاسمعوا له وأطيعوا. ثم نزل عن المنبر ووفر الناس العطاء وأمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين عليه السلام، ويكونوا عونا لابن سعد على حربه، فأول من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف، فصار ابن سعد في تسعة آلاف)[1].

2: كان لعنه الله على ميسرة جيش عمر بن سعد لعنه الله


قال الشيخ المفيد قدس الله روحه: (وأصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة وقيل يوم السبت، فعبأ أصحابه وخرج فيمن معه من الناس نحو الحسين عليه السلام وكان على ميمنته عمرو بن الحجاج، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عروة بن قيس، وعلى الرجالة شبث بن ربعي، وأعطى الراية دريدا مولاه)[2].

وقال ابن الأثير: (وجعل عمر على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة بن قيس الأحمسي وعلى الرجال شبت بن ربعي اليربوعي التميمي وأعطى الراية دريدا مولاه)[3].

3: لماذا كان الشمر يتعمد تكرار الإغارة على خيام الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه؟


من يتابع تصرفات الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله يوم العاشر من المحرم يجده يتعمد ولعدة مرات في الإغارة والهجوم على فسطاط الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وخيامه، منها ما رواه ابن كثير بقوله: (وجاء شمر بن ذي الجوشن قبحه الله إلى فسطاط الحسين فطعنه برمحه وقال: إيتوني بالنار لأحرقه على من فيه، فصاحت النسوة وخرجن منه، فقال له الحسين: أحرقك الله بالنار)[4].

وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه: (واشتد القتال بينهم ساعة، وجاءهم شمر بن ذي الجوشن في أصحابه، فحمل عليهم زهير بن القين رحمه الله في عشرة رجال من أصحاب الحسين فكشفهم عن البيوت[5]، وعطف عليهم شمر بن ذي الجوشن فقتل من القوم ورد الباقين إلى مواضعهم)[6].

وهذا التعرض المستمر لخيام الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وحرمه من قبل شمر ابن ذي الجوشن قد يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسة:

الأول: هو حقد هذا المسخ البشري على أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وجميع من ينتمي إليهم أطفالا ونساءً، مرضاهم واصحاءهم، شيوخهم وشبابهم، وهذا الحقد والنصب هو الذي يحدو به إلى محاولة الانتقام والتشفي منهم ولو بحرق بيوتهم عليهم أو بطعن جدار الخيمة بالرمح عسى أن يقع السنان في احد أفراد أهل هذا البيت الطاهر بغض النظر عن احتمال أن يكون هذا المطعون طفلاً أو امرأة.

والسبب الثاني: يعود إلى التركيبة النفسية لهذا الموجود الجبان، لان الشمر كان جبان النفس مهزوز الجنان لا يقدر على المواجهة بمفرده، ولم يشاهد له نزال منفرد لبطل من أبطال الطف، وهذا الجبن هو الذي كان يحدو به إلى تجنب النزال والمواجهة مع الرجال واستقصاده للخيام وتعمد إرعاب الأطفال والنساء، لان الأطفال والنساء لا قدرة لهم على الدفاع عن أنفسهم، والذود عن أرواحهم، لذلك يتعمد هذا الجبان تكرار الاعتداء عليهم.

والسبب الثالث: ان الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه كان في أثناء حملاته على ذلك الجيش الكافر يبدد جمعهم ويقلب صفوفهم، وقد وصف المؤرخون صولاته وحملاته بوصف يبهر العقول، قال الطبري: (إن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب)[7].

وقال الذهبي: (يقاتل قتال الفارس الشجاع، إن كان ليشد عليهم، فينكشفون عنه انكشاف المعزى شد فيها الأسد)[8].

فلكي يوقف قادة الجيش الكافر تلك الحملات الشجاعة من قبل سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه، وتلافيا منهم للخسائر الجسيمة التي كانت توقعها تلك الحملات الحسينية، كانوا لعنهم الله يتعمدون التحرش والاعتداء على حرم الإمام صلوات الله وسلامه ‘عليه وخيامه، ليجبروه على إيقاف تلك الهجمات والرجوع مرة ثانية إلى مركزه، لمعرفتهم بعظيم غيرة وحمية سيد الشهداء على نسائه وحرمه وخيامه، وبذلك تعيد تشكيلات الجيش الكافر لملمة جراحاتها وتجميع صفوفها مرة ثانية.

 4: بقاء الإمام الحسين وحيدا وتحريض الشمر لعنه الله للناس على قتله


ان من أشد وأعظم رزايا عاشوراء هي تلك اللحظات الأخيرة التي بقي فيها سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه وحيدا بين جيش كالبحر يحيط به وبعياله وحرمه وأطفاله من كل جانب، لا ناصر ينصره، ولا ذاب يذب عنه وعن حرمه، الذين هم حرم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وثقله الذي أوصى الأمة بحفظه، ورعايته وصيانته، وهو في كرب عظيم وهم شديد، ان وقف ليستريح بادروا يرمونه بالسهام تارة، وبالرماح أخرى، وبالحجارة تارة ثالثة، فإن قاتلهم وأثخن فيهم القتل والجراح حملوا على عياله وخيامه وقتلوا أطفاله، أو أضرموا النار في بعض أطناب خيامه، كي يجبروه على ترك صولاته والرجوع إلى مركزه، وان عاد إلى حرمه سمع أصوات البكاء من امرأة فقدت زوجها، أو من أم فقدت ابنها، أو طفلة وطفل تيبست شفاههم وخمدت قواهم من العطش حتى صار لا يستطيع الحراك، ولا يملك حيلة غير بقايا أنين وصرخات وتأوهات يوصلها إلى أسماع الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه الذي كان أملهم المتبقي وفرصتهم الوحيدة للنجاة، وهو صلوات الله وسلامه عليه يستعين بالله على هذه الخطوب الجسيمة والرزايا العظيمة ويكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

 وحينما لم يستطع القوم مواجهة البطل وجها لوجه، أمروا لعنهم برشقه بالسهام، فانهالت عليه أربعة آلاف نبلة كأنها زخات المطر، فعلقت في جسده الشريف حتى صارت السهام على جسده كشوك القنفذ، فامتلأت أعضاء بدنه الشريف بالجراحات[9]، قال الشيخ الطبرسي قدس الله روحه: (قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه، إن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فيكشفهم عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا اشتد عليها الذئب. فلما رأى ذلك شمر بن ذي الجوشن أمر الرماة أن يرموه، فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ)[10].

فلما أثخنته الجراح، وفتت كبده العطش، وأخذه نزيف الدم من رأسه، ومن قلبه الذي أصيب بسهم له ثلاث شعب، أخرج جزءاً من فؤاده صلوات الله وسلامه عليه، فضعف عن القتال، و(طعنه صالح بن وهب المري على خاصرته طعنة فسقط الحسين عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن)[11]، حينئذ نادى شمر بأصحابه ½ أن يحملوا عليه من كل جانب، قال ابن كثير: (حتى نادى شمر بن ذي الجوشن: ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل؟ فاقتلوه ثكلتكم أمهاتكم. فحملت الرجال من كل جانب على الحسين وضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه اليسرى، وضرب على عاتقه، ثم انصرفوا عنه وهو ينوء ويكبو، ثم جاء إليه سنان بن أبي عمرو بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع)[12]، وقال الصفدي: (وبقي الحسين رضي الله عنه فريدا وقد قتل جميع من كانوا معه من المقاتلة أهله وغيرهم فلم يجسر أحد أن يتقدم إليه حتى حرضهم شمر بن ذي الجوشن فتقدم إليه من طعنه ومن ضربه بالسيف حتى صرع عن جواده ثم حز رأسه)[13].

قال المجلسي قدس الله روحه: (وأقبل عدو الله سنان الإيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على رأس الحسين عليه السلام فقال بعضهم لبعض: ما تنتظرون ؟ أريحوا الرجل، فنزل سنان بن الأنس الإيادي وأخذ بلحية الحسين وجعل يضرب بالسيف في حلقه)[14].

5: الشمر لعنه الله يقطع رأس الإمام الشهيد صلوات الله وسلامه عليه


قد اختلفت الروايات التاريخية في تعيين الشخص الذي باشر قطع الرأس الشريف للإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فالروايات التاريخية مترددة ما بين أن يكون الفاعل لهذه الجريمة الشنعاء والمصيبة النكراء هو سنان بن انس النخعي أو الإيادي لعنه الله، أو الشمر بن ذي الجوشن الضبابي لعنه الله، وان كان الصحيح كما يقول الصفدي ان الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله هو الذي تولى هذه المصيبة العظيمة، قال الصفدي: (شمر بن ذي الجوشن أبو السابغة العامري ثم الضبابي حي من بني كلاب...وهو الذي احتز رأس الحسين على الصحيح... قال خليفة العصفري الذي ولي قتل الحسين شمر بن ذي الجوشن)[15].

ونقل السيد المقرم عن مقتل الخوارزمي: (ثم صاح ابن سعد بالناس: انزلوا إليه وأريحوه، فبدر إليه شمر فرفسه برجله وجلس على صدره وقبض على شيبته المقدسة وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة واحتز رأسه المقدس)[16].

ولعل الاختلاف فيمن احتز الرأس الشريف، جاء نتيجة اشتراك أكثر من شخص في هذا الفعل الفظيع، فكل واحد من هؤلاء الأرجاس أدى جزءاً من المهمة، لذلك جمع ابن شهر آشوب في كتابه مناقب آل أبي طالب بين كل من سنان بن انس وشمر بن ذي الجوشن لعنه الله في مسألة قطع الرأس الشريف: (واحتز رأسه سنان بن أنس النخعي، وشمر بن ذي الجوشن. وسلب جميع ما كان عليه إسحاق بن حياة الحضرمي...)[17] وان كنا نعتقد بان المهمة الأخيرة قام بها الشمر لعنه الله.

وفي رواية ان الشمر لعنه الله: (جعل يحتز مذبح الحسين «عليه السلام» بسيفه، فلم يقطع شيئا. فقال الحسين «عليه السلام»: يا ويلك أتظن أن سيفك يقطع موضعا طالما قبله رسول الله «صلى الله عليه وآله» فكبه على وجهه، وجعل يقطع أوداجه، وكان كلما قطع منه عضوا، أو عرقا، أو مفصلا نادى: وا جداه، وا أبا القاسماه، وا علياه، وا حمزتاه، وا جعفراه، وا عقيلاه، وا غربتاه، وا قلة ناصراه)[18] ونحن وان لم نعثر على الرواية في غير هذا المصدر المنوه إليه في الهامش إلا ان ذلك ليس ببعيد، ولعل هذا الشيء هو الذي حدا باللعين إلى أن يضرب رقبة الإمام صلوات الله وسلامه عليه اثنتي عشرة ضربة، كما مر قبل قليل.

وفر إلى نحو الخيام جواده *** ففرت بنات الوحي ينظرن ما جرى
فأبصرن شمرا جالسا فوق صدره *** وقد كان للتوحيد لوحا ومصدرا
ويفري بحد السيف أوداج نحره *** فشلت يداه أي نحر به فرى
وشال على رأس السنان كريمه *** كمثل هلال فيه قد لاح نيرا
فزلزلت الأرضون واحمرت السما  *** عليه ولون الشمس حزنا تغيرا
وأعظم ما رج العوالم والهدى *** وزلزل قلب الدين حتى تفطرا
وقوف بنات الوحي في مجلس حوى *** لكل دعي راح يبدي التجبرا
6: الشمر لعنه الله يأمر بقتل النساء ويباشر قتل الأسرى

كلمة المسلمين تكاد تكون مجمعة على عدم جواز قتل المرأة الكافرة حين نشوب الحرب حتى لو قاتلت إلا للضرورة القصوى، كما قال القاضي ابن البراج في المهذب: (ولا يجوز قتل النساء وإن قاتلن مع أهلهن)[19]، او كما نقل محيي الدين النووي في المجموع: (ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد إلى قتل النساء والولدان، ولا يوجب القتال على الصبي والأعمى والأعرج ولا على من لا يجد القوة عليه مالا أو جسدا)[20] ولهذا الحكم أدلة شرعية، فعن الإمام أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه انه سئل: (عن نساء اليهود والنصارى والمجوس، كيف سقطت عنهن الجزية ورفعت؟ قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن قتل النساء والولدان في الحرب إلا أن تقاتل، ثم قال: وإن قاتلت فأمسك عنها ما أمكنك)[21]، كذلك أخرج البخاري: (ان امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان)[22].

فإذا كانت هذه معاملة الإسلام مع نساء الكفار من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين، فمن أين استحل الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله وغيره من الممسوخين لعنهم السله قتل النساء والأطفال والمرضى في يوم عاشوراء الرهيب، وجواب هذا التساؤل بسيط للغاية فالشمر بن ذي الجوشن وأمثاله لعنهم الله لم يكونوا من أهل الإسلام أصلا، كما سيأتي في جواب نافع بن هلال له بعد أسره وقبل قتله.

قال الطبري: (وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وتقول هنيئا لك الجنة فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمى رستم اضرب رأسها بالعمود فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها)[23].

وقال الطبري وغيره من المؤرخين وبألفاظ متقاربة: (وكان نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نبله فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول أنا الجملي أنا على دين علي فقتل اثني عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح قال فضرب حتى كسرت عضداه وأخذ أسيرا قال فأخذه شمر بن ذي الجوشن ومعه أصحاب له يسوقون نافعا حتى أوتي به عمر بن سعد فقال له عمر بن سعد ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك قال إن ربي يعلم ما أردت قال والدماء تسيل على لحيته وهو يقول والله لقد قتلت منكم اثني عشر سوى من جرحت وما ألوم نفسي على الجهد ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني فقال له شمر اقتله أصلحك الله قال أنت جئت به فإن شئت فاقتله قال فانتضى شمر سيفه فقال له نافع أما والله ان لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه فقتله)[24].

7: الشمر لعنه الله يأمر بقتل الإمام السجاد ويسوق رؤوس الشهداء إلى الكوفة ثم الشام


قال محمد بن سعد في الطبقات: (وكان علي بن حسين مع أبيه وهو بن ثلاث وعشرين سنة وكان مريضا نائما على فراشه فلما قتل الحسين عليه السلام قال شمر ابن ذي الجوشن اقتلوا هذا فقال له رجل من أصحابه سبحان الله أنقتل فتى حدثا مريضا لم يقاتل)[25].

وقال ابن عبد البر في التمهيد: (وإنما لم يقاتل علي بن حسين هذا يومئذ مع أبيه لأنه كان مريضا على فراش لا أنه كان صغيرا قال أبو عمر روى أهل العلم بالأخبار والسير أنه كان يومئذ مريضا مضطجعا على فراش فلما قتل الحسين قال شمر بن ذي الجوشن اقتلوا هذا فقال له رجل من أصحابه سبحان الله أنقتل حدثا مريضا لم يقاتل)[26].

ومع ان الإمام السجاد صلوات الله وسلامه عليه قد سلم من القتل بفضل الله سبحانه وتعالى وحكمته، إلا انه صلوات الله وسلامه عليه لم يسلم هو وإخوته وأخواته وعماته من الأسر والضرب المبرح والسبي وغل اليدين والرجلين بالحديد، وهم يشاهدون بأعينهم كيف ان رؤوس أهليهم وأنصارهم تقطع واحدا بعد الآخر وتوضع على رؤوس الرماح وتحمل وإياهم إلى الكوفة حيث ينتظر الدعي عبيد الله بن مرجانة لعنه الله، ثم إلى الشام حيث كان يزيد يعد العدة للتحضير إلى اكبر وأضخم احتفال عرفته آل أمية والشام.
قال الشيخ المفيد قدس الله روحه: (وسرح عمر بن سعد من يومه ذلك ــ وهو يوم عاشوراء ــ برأس الحسين عليه السلام مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد الله بن زياد، وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فنظفت[27]، وكانت اثنين وسبعين رأسا، وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج، فأقبلوا حتى قدموا بها على ابن زياد)[28].

ثم أرسل يزيد بن معاوية عليه لعنة الله إلى ابن مرجانة لعنه الله أمره بان يرسل إليه السبايا والرؤوس ليحتفل ويستعرض انتصاراته في الشام، قال ابن الأثير: (ثم جاء البريد بأمر يزيد بإرسالهم إليه، فدعا ابن زياد محفر بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن وسيرهما بالثقل والرأس)[29].

واخذ ثقل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يهدى من دعي إلى عتل زنيم، ومن ظالم إلى اظلم، وهم على اشد حالات الجهد، وأعظم مراتب العناء، قال الطبري: (ثم إن عبيد الله أمر بنساء الحسين وصبيانه فجهزن وأمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه ثم سرح بهم مع محفز بن ثعلبة العائذي عائذة قريش ومع شمر بن ذي الجوشن فانطلقا بهم حتى قدموا على يزيد فلم يكن علي بن الحسين يكلم أحدا منهما في الطريق كلمة حتى بلغوا فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع محفز بن ثعلبة صوته فقال هذا محفز بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة قال فأجابه يزيد بن معاوية ما ولدت أم محفز شر وألأم)[30] وفي روايات علماء المذهب الحق إن من أجاب على محفز بن ثعلبة هو الإمام السجاد عليه السلام وليس يزيد بن معاوية عليه لعنة الله[31].

فلما قدم الشمر لعنه الله بالسبايا إلى الشام ودخل إلى أميره يزيد عليه لعنة الله رمى رأس سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه بين يديه، وصار يحكي ليزيد عليه لعنة الله قصة خيالية عن أحداث يوم عاشوراء، فصار يكذب فيها ويطيل الكذب، ويزيد عليه لعنة الله يستمع وملؤه الفخر بما فعل بسيد الشهداء وأهل بيته وأصحابه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال الدينوري في الأخبار الطوال: (ثم إن ابن زياد جهز علي بن الحسين ومن كان معه من الحرم، ووجه بهم إلى يزيد بن معاوية مع زحر بن قيس ومحقن بن ثعلبة، وشمر بن ذي الجوشن. فساروا حتى قدموا الشام، ودخلوا على يزيد بن معاوية بمدينة دمشق، وأدخل معهم رأس الحسين، فرمي بين يديه. ثم تكلم شمر بن ذي الجوشن، فقال: يا أمير المؤمنين، ورد علينا هذا في ثمانية عشر رجلا من أهل بيته، وستين رجلا من شيعته، فصرنا إليهم، فسألناهم النزول على حكم أميرنا عبيد الله بن زياد، أو القتال، فغدونا عليهم عند شروق الشمس، فأحطنا بهم من كل جانب، فلما أخذت السيوف منهم مأخذها جعلوا يلوذون إلى غير وزر، لوذان الحمام من الصقور، فما كان إلا مقدار جزر جزور، أو نوم قائل حتى أتينا على آخرهم، فهاتيك أجسادهم مجردة، وثيابهم مرملة، وخدودهم معفرة، تسفي عليهم الرياح، زوارهم العقبان، ووفودهم الرخم)[32].

8: الشمر لعنه الله يسرق إبلاً للإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وذهبا كان لنسائه


 عن الشيخ الطوسي قدس الله روحه في كتابه الأمالي قال: (واشتد أمر المختار بعد قتل ابن زياد وأخاف الوجوه وقال: لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتى أقتل قاتلة الحسين بن علي «عليه السلام» وأهل بيته، وما من ديني أترك أحدا منهم حيا. وقال: أعلموني من شرك في دم الحسين وأهل بيته، فلم يكن يؤتونه برجل فيقولون هذا من قتلة الحسين أو من أعان عليه إلا قتله، وبلغه أن شمر بن ذي الجوشن «لعنه الله» أصاب مع الحسين[33] إبلا فأخذها، فلما قدم الكوفة نحرها وقسم لحومها. فقال المختار: احصوا لي كل دار دخل فيها شيء من ذلك اللحم، فأحصوها فأرسل إلى من كان أخذ منها شيئا فقتلهم وهدم دورا بالكوفة)[34].

وعن ابن أبي الفتح الأربلي في كشف الغمة عن زكريا بن يحيى بن عمر الطائني: (قال سمعت غير واحد من مشيخة طي يقول وجد شمر بن ذي الجوشن في ثقل الحسين ذهبا فدفع بعضه إلى ابنته ودفعته إلى صائغ يصوغ لها منه حليا فلما أدخله النار صار هباءا قال وسمعت غير زكريا يقول صار نحاسا فأخبرت شمرا بذلك فدعا بالصائغ فدفع إليه باقي الذهب وقال أدخله النار بحضرتي ففعل الصائغ فعاد الذهب هباءا وقال غيره عاد نحاسا)[35].

كان هذا غيضا من فيض وقطرة من بحر وما ارتكبه هذا المسخ لعنه الله بحق الإسلام والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أعظم وأكبر من أن تحصيه هذه الوريقات.

9: نهاية الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله على يد المختار الثقفي


يقول الأستاذ عباس محمود العقاد متحدثا عن ثورة المختار بن عبيد الثقفي وانتقامه من قتلة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه: (ولم تنقض سنوات أربع على يوم كربلاء حتى كان يزيد قد قضى نحبه، ونجمت بالكوفة جريرة العدل التي حاقت بكل من مد يدا إلى الحسين وذويه...فسلط الله على قاتلي الحسين كفؤا لهم في النقمة والنكال يفل حديدهم بحديده ويكيل لهم بالكيل الذي يعرفونه. وهو المختار بن أبي عبيدة الثقفي داعية التوابين من طلاب ثأر الحسين. فأهاب بأهل الكوفة أن يكفروا عن تقصيرهم في نصرته، وأن يتعاهدوا على الأخذ بثأره فلا يبقين من قاتليه أحد ينعم بالحياة، وهو دفين مذال القبر في العراء.. فلم ينج عبيد الله بن زياد، ولا عمر بن سعد، ولا شمر بن ذي الجوشن، ولا الحصين بن نمير، ولا خولي بن يزيد، ولا أحد ممن أحصيت عليهم ضربة أو كلمة أو مدوا أيديهم بالسلب والمهانة إلى الموتى أو الأحياء.. وبالغ في النقمة فقتل وأحرق ومزق وهدم الدور وتعقب الهاربين، وجوزي كل قاتل أو ضارب أو ناهب بكفاء عمله.. فقتل عبيد الله وأحرق، وقتل شمر بن ذي الجوشن وألقيت أشلاؤه للكلاب، ومات مئات من رؤسائهم بهذه المثلات وألوف من جندهم وأتباعهم مغرقين في النهر أو مطاردين إلى حيث لا وزر لهم ولا شفاعة.. فكان بلاؤهم بالمختار عدلا رحمة فيه، وما نحسب قسوة بالآثمين سلمت من اللوم أو بلغت من العذر ما بلغته قسوة المختار)[36].

وقال الشيخ الطوسي قدس الله روحه: (وطلب المختار شمر بن ذي الجوشن فهرب إلى البادية، فسعي به إلى أبي عمرة، فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالا شديدا فأثخنته الجراحة، فأخذه أبو عمرة أسيرا، وبعث به إلى المختار فضرب عنقه، وأغلى له دهنا في قدر وقذفه فيها فتفسخ)[37] فلعنه الله ولعن من رضي بفعله إلى يوم القيامة آمين.

ـــــــــــــــ
[1] بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج44 ص385 ــ 386.
[2] الإرشاد للشيخ المفيد ج 2 ص 95 ــ 96.
[3] الكامل في التاريخ لابن الأثير ج4 ص60.
[4] البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 197 ــ 198.
[5] ومن هذه العبارة يفهم ان هجوم الشمر لعنه الله كان على بيوت الإمام صلوات الله وسلامه عليه مما حدا بزهير ابن القين سلام الله عليه أن يستدعي عشرة من الأصحاب ليكشف الشمر وأصحابه عن بيوت الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
[6] الإرشاد للشيخ المفيد ج 2 ص 104 ــ 105.
[7] تاريخ الطبري ج 4 ص 345.
[8] سير أعلام النبلاء للذهبي ج 3 ص 302.
[9] قال ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب ج3 ص258: (وجعل يقاتل حتى قتل ألفاً وتسعمائة وخمسين سوى المجروحين، فقال عمر بن سعد لقومه: الويل لكم أتدرون من تبارزون هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتال العرب فاحملوا عليه من كل جانب. فحملوا بالطعن مائة وثمانين وأربعة آلاف بالسهام. قال الطبري: قال أبو مخنف عن جعفر بن محمد بن علي عليه السلام قال: وجدنا بالحسين ثلاثا وثلاثين طعنة وأربعا وثلاثين ضربة. وقال الباقر عليه السلام: وجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرين طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم. وروي ثلاثمائة وستون جراحة. وقيل ثلاثا وثلاثين ضربة سوى السهام. وقيل الف وتسعمائة جراحة، وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ).
[10] إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي ج1 ص468 ــ 469.
[11] اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاوس ص73 مقتل الحسين.
[12] البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص204.
[13] الوافي بالوفيات للصفدي ج12 ص265.
[14] بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج44 ص322.
[15] الوافي بالوفيات للصفدي ج 16 ص 105.
[16] مقتل الحسين للعلامة السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم، منشورات مؤسسة النور للمطبوعات ، بيروت ــ لبنان.
[17] مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص231.
[18] موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام للجنة الحديث في معهد باقر العلوم عليه السلام ص619.
[19] المهذب للقاضي ابن البراج ج 1 ص 303.
[20] المجموع لمحيى الدين النووي ج 19 ص 273.
[21] المحاسن لأحمد بن محمد بن خالد البرقي ج 2 ص 327.
[22] صحيح البخاري ج 4 ص 21.
[23] تاريخ الطبري ج 4 ص 333 ــ 334.
[24] تاريخ الطبري ج 4 ص 336 ــ 337، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج4 ص72، البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص200.
[25] الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج 5 ص 211 ــ 212.
[26] التمهيد لابن عبد البر ج 9 ص 157.
[27] في بعض المصادر (فقطفت) بدل (فنظفت) وفي بعض المصادر الأخرى (فقطعت) ولعل الأصل (فقطعت) ولكنها صحفت.
[28] الإرشاد للشيخ المفيد ج 2 ص 113 ــ 114.
[29] الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 4 ص 84.
[30] تاريخ الطبري ج 4 ص 352.
[31] راجع كل من كتابي الإرشاد للشيخ المفيد ج2 ص119، وبحار الأنوار للعلامة المجلسي ج45 ص130.
[32] الأخبار الطوال للدينوري ص260 ــ 261.
[33] هكذا في المصدر والظاهر أنها في الأصل (من الحسين) فصحفت.
[34] الأمالي للشيخ الطوسي ص 243 ــ 244.
[35] كشف الغمة لابن أبي الفتح الإربلي ج2 ص268.
[36] المجموعة الكاملة، العبقريات الاسلامية لعباس محمود العقاد ج 2 ص 271 ط دار الكتاب اللبناني.
[37] الأمالي للشيخ الطوسي ص 244.

إرسال تعليق