بحث حول القيم التربوية من وجهة نظر الفلسفة الإسلامية

 بقلم: أ.م.د حاتم جاسم عزيز السعدي

يقوم الدين في الفكر العربي الإسلامي على أساس التوحيد وسيادة الإنسان تحت حكم الله والتقاء القيم الروحية مع القيم المادية، ولقاء القلب والعقل والدنيا والآخرة ([1]). والإسلام، فضلاً عمّا سبقه وعاصره، ثورة فكرية وأخلاقية، ثورة قيمية أبرزت حقائق وأقرت تعاليم، وهو ثورة إنسانية إذا ما قيست بهمجية الحياة العربية الغابرة، وضيق الإيديولوجيات الدينية السابقة وهذه الثورة الإسلامية الإنسانية تتميز بأنها ثورة مستمرة ومستجدة، آية ذلك إقرارها قيماً إنسانية تضع الإنسان في أسمى منزلة على الأرض ([2]).



 فالقيم الإسلامية جاءت من عند الله سبحانه وتعالى وهي ليست مثالية خيالية، وإنما هي قيم تطبيقية عملية يمكن تحقيقها بالجهد البشري في ظل المفاهيم الإسلامية الصحيحة وإمكانية غرسها في كل بيئة بغض النظر عن نوع الحياة السائدة فيها، فهي لا تعارض بل تشجع بالمنطق العقائدي ذاته كل التطور والتقدم وفي المجالات جميعها وتفتح الطريق لاستقبال نتائج الفكر الإنساني والحضارة البشرية ([3]).

 والقيم الإسلامية قيم حية متطورة قادرة على الحركة وصالحة لمختلف البيئات والعصور وذلك لانها استمدت مقوماتها الأساسية من مصدرين أساسين هما القران الكريم والسنة النبوية ([4]). فالبناء الاخلاقي في القران بناء جديد يجعل العقل حكماً وينصب الضمير رقيباً ويحدد هدفه الاسمى وهو السعي لابتغاء مرضاة الله، ومع ان الإنسان ولد محروماً من المعارف العقلية والحسية جميعها إلا انه زود بملكات قادرة على ان تقدم له ما يتمنى من هذه المعارف: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل: 78).

وان الله عندما صاغ نفس الإنسان وسواها استودعها فكرتي الخير والشر (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (الشمس: 7 - 8). فالإنسان إذن زود ببصيرة اخلاقية وهدى طريقي الفضيلة والرذيلة (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْن * ولسانا وشفتين * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن) (البلد: 8 - 10).

ونتيجة لامتلاك الإنسان العقل فقد تميز عن سائر المخلوقات بالقدرة على اختيار البدائل اختياراً حراً واعياً، وهذه الحرية الواعية في اختيار العقل هي التي تحدد القيمة الأخلاقية المميزة لأفعاله تأكيدا لدور العقل في البناء القيمي للإنسان.([5])

ولم يكن الإسلام مثل غيره من الأديان الأخرىمع احترامنا الشديد لها- ليؤطر تعاليمه بحدود علاقة الإنسان بربه، إنما وسع من تلك الدائرة لتمتد إلى ميدان علاقة الإنسان بغيره. بما ان تشابك العلاقات الإنسانية، وتعقدها بحاجة إلى تنظيم لئلا تتحكم المصلحة الشخصية بها مما يقود إلى التضارب، فقد أقام الإسلام الدولة الإسلامية، ودعى معتنقيه إليها وذلك لضمان حماية مصالح المسلمين وتنظيمها.

فالدين الإسلامي منظومة متكاملة من التعاليم التي لم تكن لتكتفي بجانب على حساب الجانب الآخر، وفي هذا الصدد يؤكد "علي بيكوفتش" بأن (الإسلام يؤمن بأن الحياة يجب تنظيمها - ليس بالايمان فحسب - ولكن ايضاً بالعلم والعمل الذي تتسع رؤيته للعالم بحيث يستوعب، بل يدعو إلى قيام المسجد والمصنع جنباً إلى جنب...، ويرى ان الشعوب لا يكفي إطعامها وتعليمها فقط، وإنما يجب ايضاً تيسير حياتها، والمساعدة على سموها الروحي). ([6])

ولقد حدد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغاية الأولى من بعثته، والمنهاج المبين في دعوته بقوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فكأن الرسالة التي خطت مجراها في تاريخ الحياة، وبذل صاحبها - عليه الصلاة واله جهداً كبيراً في مد إشعاعها وجمع الناس حولها، لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم وأنارة آفاق الكمال إمام أعينهم، حتى يسعوا إليها على بصيرة. ([7])

فمن أهداف الإسلام الأساسية ان يربى الإنسان على الأخلاق الكريمة ويبعده عن الرذائل وسوء الخلق وذلك لان كمال الإيمان عند الإنسان المسلم بحسن الخلق فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً).([8])

ونحن حين نستقرأ الفكر التربوي الإسلامي إزاء نظرته إلى القيم، نجد انه ينظر إليها نظرة تكاملية، إذ يأخذ بالقيم المثالية المستخلصة من الشريعة الإسلامية السمحاء مثل القيم المتعلقة بالتوحيد والتقوى والعمران والسعي لكسب الرزق والحرية والإحسان والكرم والأمانة والحلم والصدق.

فضلاً عن أخذه بالقيم المادية المرتبطة بواقع الحياة المتسقة مع تراثنا الاجتماعي وهي تلك القيم التي تنظم علاقة الفرد مع نفسه وذلك من قبيل قيم الطهارة والنظافة والمسؤولية الجسمية وإشباع الدوافع الأولية والدوافع العقلية من تعلم ونظر وتأمل وتلك التي تنظم علاقة الفرد مع غيره من قبيل قيم الأخوة والألفة والتعارف والتضحية وتحمل المسؤولية والولاء للجماعة والانتماء إليها.

ولقد حدد "لطفي بركات" مجموعة من الخصائص المميزة للفكر التربوي الإسلامي وذلك على النحو الآتي:
1. العمق.
2. التأمل الواعي.
3. العمومية والشمول.
4. الواقعية والمثالية.
5. التسامح والحرية.
6. التاثير الاجتماعي.
7. التطابق بين النظرية والتطبيق.
8. أحداث التوافق بين الفرد والجماعة.
9. توفير الصحة النفسية والثقافية.
10. تشكيل المباديء والانظمة.
11. انه ذو طبيعة توجيهية وليست تفصيلية.
12. انه ذو طبيعة مستمرة ومتطورة.
13. انه تعبير عن الواقع الاجتماعي. ([9])

وهكذا تعمل التربية الإسلامية على أن يستخدم الإنسان قدراته واستعداداته كلها استخداماً متكاملاً يعني ان (يحدث توازناً بين مادياته ومعنوياته)، إذ ان هدفها الإنسان بكيانه متكاملاً وبطاقاته وقدراته كلها وهي بذلك تعني بالجانب العقلي والروحي والجسمي والخلقي والاجتماعي والجمالي.([10])

ويؤكد "عبد المجيد"إن النظرة الإسلامية للقيم تتصف بالكمال، لأنها تنبع من المذهبية الكاملة، لأن مصدرها هو الله عز وجل الذي يعلم خبايا الإنسان والكون وسننه، التي في إطارها يتحرك الإنسان ويمارس وظيفته في الحياة: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك: 14). (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)(غافر: 19).

فالإسلام الذي حرر الإنسان من عبودية نفسه، ومن الغرور، أمده بالتصور الصحيح، وحدد له الضوابط التي ينبغي أن يقف عندها، إذا هو أراد أن يحترم عقله ونفسه، التي إذا تجاوزها لطيش أو غرور، وقع لا محالة في تناقضات صارخة، وحكم على نفسه بالتيه والدوران في دوامة محرقة. ([11])

وعلى ذلك فالإسلام ينظر للمجتمع وحركته وأهدافه نظرة شمولية متوازنة ومتكاملة ليصل إلى تحقيق أهدافه الأخلاقية والإنسانية فهو لا يميز قيماً على أخرى، إذ أنها تنظم وتنسق في ظل توازن وتعادل بين هذه القيم جميعها سواءاً كانت روحية أم مادية أم سياسية أم اجتماعية لتحقيق النمو المتكامل في الشخصية الإسلامية بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.

مفهوم القيم الإسلامية

لقد وردت كلمة (قيمة) و(قيم) في القرآن الكريم في آيات عديدة منها قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)(البينة: 5).
وقوله تعالى: (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ)(البينة: 3).
وقوله تعالى: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم)(التوبة: 36).
وقوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا* قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً)(الكهف: 1-2).
وقوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ)(الروم: 43).

ومن خلال ملاحظتنا للآيات السابقة نجد أن جميعها جاءت بمعنى الاستقامة والاستواء والعدل والإحسان والحق، وقد أرتبطت في جميع الآيات بالدين.

أن مفهوم القيمة لم تكن معروفة بهذه التسمية عند السلف الصالح، فاستعمال هذا المصطلح قد درج على السنة المفكرين في العصر الحديث، بعد أن ترجموه إلى اللغة الانكليزية.([12])

فقد أهتم علماء المسلمين بموضوع القيم وبحثها على أنها أحكام شرعية تحت مصطلح الفضائل والأخلاق والآداب، ولا يخلو كتاب حديث أو فقه أو تفسير من الإشارة إلى هذا الموضوع، بل كتبت مؤلفات كثيرة بهذا الخصوص منها على سبيل المثال كتاب تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لأبن مسكويه وكتاب الأخلاق لمحي الدين بن عربي وتسع رسائل في الحكمة والطبيعيات لأبن سينا وكتاب شعب الإيمان للبيهقي وكتاب أحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وقد خصص بعضهم لذلك أبواباً خاصة كما فعل الإمام البخاري في صحيحه إذ جعل للقيم باباً خاصاً تحت عنوان كتاب (الآداب).

 وقد أورد علماء المسلمين تقسيمات وتفصيلات عديدة لهذه القيم فقد ذكر أبن سينا أن أصول الفضائل: العفة، والشجاعة، والحكمة والعدالة. ([13]) في حين ذكر أبن حزم ان أصول الفضائل كلها أربعة، عنها تتركب كل فضيلة وهي: العدل، والفهم، والنجدة، والجود.([14])

أما الغزالي فأنه قال: (اذا صلحت قوة العلم حصل منها ثمرة الحكمة، وحسن القوة الغضبية وأعتدالها يعبر عنه بالشجاعة، وحسن قوة الشهوة وأعتدالها يعبر عنه بالعفة)([15]).

 وفضلاً عن محاولات علماء المسلمين القدماء في توضيح معنى القيم وتقسيماتها، هناك محاولات عصرية متعددة قام بها بعض الباحثين التربويين المسلمين لتحديد مفهوم القيم الإسلامية وتعريفها منها:

1. عرفها الرفاعي 1980 بأنها

(مجموعة من المباديء والقواعد والمثل العليا التي نزل بها الوحي والتي يؤمن بها الإنسان ويتحدد سلوكه في ضوئها وتكون مرجع حكمه في كل ما يصدر عنه من أفعال وأقوال وتصرفات تربطه بالله والكون). ([16])

2. عرفها قمحية 1984 بأنها

(مجموعة الاخلاق التي تصنع نسيج الشخصية الإنسانية وتجعلها متكاملة، قادرة على التفاعل مع أفراد المجتمع، والعمل من أجل النفس والاسرة والعقيدة). ([17])

3. عرفها فرحان ومرعي 1988 بأنها

 (موجهات ودوافع للسلوك، لها جانب معرفي وسلوكي، وهي آلهية المصدر وتهدف إلى أرضاء الله دائماً). ([18])

4. عرفها الريان 1991 بأنها

(معيار نابع من الشرع وينبثق من العقيدة الإسلامية ليحدد سلوك الافراد، تجاه الأشخاص، والأفعال، ويكون محل التزام من الجميع). ([19])

5. عرفها شومان 1993 بأنها

(القيم النابعة من الشريعة والمنبثقة من العقيدة الإسلامية والمرتبطة بمصادر التشريع الإسلامي التي تكون محل التزام وأحترام من قبل الفرد والمجتمع). ([20])

6. عرفها القيسي 1995 بأنها

(مجموعة من المثل العليا والغايات والمعتقدات والتشريعات والوسائل والضوابط والمعايير لسلوك الفرد والجماعة مصدرها الله عز وجل).([21])

7. عرفها الدرابسة 2001 بأنها

 (مجموعة من المعايير والغايات النابعة عن العقيدة الإسلامية، التي توجه سلوك الفرد والمجتمع، تهدف إلى إرضاء الله تعالى، للحكم على الأفكار والأشخاص والأنماط السلوكية والمواقف الفردية والجماعية من حيث حسنها وقبحها والرغبة والالتزام بها لما لها من القوة والتأثير عليهم).([22])

8. عرفها عسكر2002 بأنها

(مجموعة المعايير والمباديء الموجه لسلوك الفرد المسلم الظاهر والباطن لتحقيق غايات خيرة مستوحاة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة).([23])

تصنيف القيم

ان ترتيب القيم داخل السلم القيمي يتباين من فلسفة لأخرى ومن وقت لاخر، وذلك لان القيم في حقيقة الأمر تعكس الواقع الاجتماعي السائد، وعليه فان فئات القيم الإنسانية تتنوع في البناء الواحد ويعزى السبب في ذلك الى تباين الاهتمامات والمصالح الروحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكذلك الى اختلاف تفضيلات الأفراد أنفسهم وتباين أحكامهم التقديرية والواقعية لمظاهر النشاط الاجتماعي. ([24])

والقيم تتعدد وتختلف نتيجة لاختلاف الفلسفات، إلا أن تعددها يطرح موازنة بعضها ببعض مفهومين بينهما تشابه وتباين معاً وهما مفهوما التسلسل والتصنيف، فالتسلسل يدل على ترتيب مواضيع أو مفاهيم وإخضاع بعضها لبعض على نحو يؤلف سلسلة يكون كل حد فيها أعلى مما يسبقه وذلك حسب معيار ينضدها.

أما التصنيف فانه يدل على توزيع عناصر بين فئات مختلفة (زمر أو طبقات) بحسب احتوائها، أو عدم احتوائها، على سمة أو عدة سمات ينظر إليها بوصفها كواشف. وقد يطلق لفظ التصنيف على حصيلة هذا التوزيع. ويبقى من الثابت ان كلاً من التسلسل والتصنيف، تنضيد وترتيب، ولكن أساس التسلسل أو معياره قد يكون - تصاعدياً أي من الأدنى نحو الأعلى ــ أو تنازلياً في المنحنى المعاكس. أما التصنيف فانه ترتيب بحسب كاشف هو الخاصة الطبيعية أو الاصطلاحية التي توزع الفئات بحسب اتسامها به او عدم اتسامها. ([25])

ويرى الكثير من العلماء والباحثين الذين تعرضوا لدراسة القيم انه من العسير تصنيفها تصنيفاً شاملاً يتم الاتفاق عليه من الجميع، ألا ان ذلك لم يمنعهم من المحاول لتصنيف القيم في إبعاد مختلفة، كل بحسب المنظور الذي ينظر به والفلسفة التي يؤمن بها والأيديولوجية التي يدعوا إليها، لذا ظهرت تصنيفات عديدة للقيم من أهمها هي:

أولا: على أساس بعد المحتوى

هناك محاولات مختلفة لتقسيم القيم من حيث محتواها، إلا أن أبرزها كان التصنيف الذي قدمه " سبرانجر " في كتابه أنماط الرجال الذي قسم فيه القيم إلى ستة أنماط هي:

القيم النظرية

  ويعبر عنها في اهتمام الفرد وميله الى اكتشاف الحقيقة، فيتخذ اتجاهاً معرفياً من العالم المحيط به، ويسعى وراء القوانين التي تحكم هذه الأشياء بقصد معرفتها، ويتميز الأشخاص الذين تسود عندهم هذه القيمة بنظرة موضوعية نقدية معرفية تنظيمية. ([26])

القيم الاقتصادية

ويقصد بها اهتمام الفرد وميله إلى ما هو نافع، وهو في سبيل هذا الهدف يتخذ من العالم المحيط به وسيلة للحصول على الثروة وزيادتها عن طريق الإنتاج والتسويق واستهلاك البضائع واستثمار الأموال. ولذلك نجد ان الأشخاص الذين تتضح فيهم هذه القيم يمتازون بنظرة عملية تقوم الأشياء والأشخاص تبعاً لمنفعتها، لذا فهم يكونون عادة من رجال الأعمال والمال. ([27])

القيم الجمالية

ويعبر عنها من خلال اهتمام الفرد وميله إلى كل ما هو جميل من ناحية الشكل، لذا فهو ينظر إلى العالم المحيط به نظرة تقدير على أساس التكوين والتنسيق والتوافق الشكلي. وهذا لا يعني ان الذين يمتازون بهذه القيم ان يكونوا فنانين بالضرورة، بل ان بعضهم لا يستطيع الإبداع الفني وإنما يقتصر على تذوق النتاجات الفنية فحسب. ([28])

القيم الاجتماعية

ويقصد بها اهتمام الفرد بالآخرين ويسعى إلى مساعدتهم وإبداء المعونة متى ما تطلب الأمر ذلك، لأنه يجد في ذلك متعة وإشباع لرغباته، وهو ينظر إلى غيره من الناس على انهم غايات، وليسوا وسائل لغايات أخرى، لذا فالذين يحملون هذه القيم يتصفون بالعطف والحنان والإيثار والتضحية. ([29])

القيم السياسية

ويقصد بها اهتمام الفرد وميله للحصول على القوة، لذا فالاشخاص الذين يحملون هذه القيم يتصفون بحب السيطرة والتحكم في الاشياء والاشخاص من خلال قيادتهم في نواحي الحياة المختلفة وتوجيههم والتحكم في مصائرهم، حتى وان لم يكونوا من رجال الحرب او السياسة. ([30])

القيم الدينية

يهتم حامل هذه القيم في معرفة ما وراء هذا العالم الظاهري واصل الإنسان ومصيره والطبيعة الإنسانية والوجود ويرى ان هناك قوة تسيطر على العالم الذي يعيش فيه.
وهو يحاول ان يربط نفسه بهذه القوة بصورة ما، إلا أن هذا لا يعني ان الذين يمتازون بهذه القيم هم من النساك الزاهدين.([31])

ثانياً: على أساس بعد المقصد

تنقسم القيم من حيث المقصد على قسمين هما:

قيم وسائلية

 وهي تلك القيم التي ينظر إليها الأفراد والجماعات على أنها وسائل لغايات ابعد، فالحرب في نظر الرجل العسكري ذات قيمة وسائلية، لأنها وسيلة تكسبه الترقي في المنصب والفخر والشرف بنجاحه وجهاده.

قيم غائية أو هدفية

  ويقصد بها الأهداف والفضائل التي يضعها الأفراد والجماعات ويسعون إلى تحقيقها من خلال وسائل معينة مثل الصحة التي تعد غاية في حد ذاتها كذلك حب البقاء، وقد تستخدم بعض القيم الوسائلية لتحقيق قيم غائية كالعملية الجراحية قيمة وسائلية للمريض من اجل حفظ حياته او اطالة بقائه. ([32])

ثالثاً: على أساس بعد الشدة

تختلف القيم من حيث شدتها اختلافاً كبيراً، وتقدر شدة القيم بدرجة الإلزام التي تفرضها، وبنوع الجزاء الذي تقرره وتوقعه على من يخالفها، ويمكن ان نميز ثلاثة مستويات لشدة القيم وإلزامها وهي:

القيم الملزمة

  وهي القيم التي تتصل اتصالاً وثيقاً بالمبادي التي تساعد على تحقيق الانماط المرغوب فيها والتي تصطلح عليها الجماعة في تنظيم سلوك افرادها من الناحية الاجتماعية والعقائدية والخلقية.

وتكون القيم الملزمة ذات قدسية ويرعى المجتمع تنفيذها بقوة وحزم سواء عن طريق العرف وقوة الراي العام او عن طريق القانون والعرف معاً ومن ذلك مسؤولية الاب نحو اسرته والقيم التي ترتبط بتحديد حقوق الفرد ووقايتها من العدوان من الغير. ([33])

القيم التفضيلية

  وهي القيم التي لا يلزم المجتمع أفراده على التمسك بها وإنما يشجعهم عليها، إذ ليس لها من القدسية والاتصال العميق بالمصلحة العامة للجماعة ما للقيم الآمرة الناهية.

وأمثلة ذلك قيم إكرام الضيف ورعاية الجار وزواج الأقارب وغيرها من القيم التي لا يتطلب لمن يخالفها العقاب الصارم الحاسم الصريح.

القيم المثالية

  وهي القيم التي يجد الناس صعوبة تحقيقها بصورة كاملة، رغم انها تؤثر بشكل قوي في توجيه سلوك الافراد مثل القيم التي تؤكد المساواة التامة بين افراد المجتمع.([34])

رابعاً: على أساس العمومية

يمكن تقسيم القيم من حيث شيوعها وانتشارها على قسمين هما:

قيم عامة

  وهي القيم التي تنتشر في المجتمع كله بغض النظر عن ريفه وحضره وطبقاته وفئاته المختلفة.
ويتوقف هذا الانتشار على مدى التجانس داخل المجتمع من حيث أحواله الاقتصادية والظروف المعيشية، لذا فان هذه القيم تكثر في المجتمعات التي دأبت على إذابة الفوارق بين الطبقات.

قيم خاصة

وهي القيم المتعلقة بمناطق محدودة، أو بطبقة أو جماعة خاصة أو بمواقف أو مناسبات اجتماعية معينة مثل إخراج الزكاة في أواخر شهر رمضان والاحتفال بيوم عاشوراء في شهر محرم. ([35])

خامساً: على أساس بعد الوضوح

تنقسم القيم من حيث وضوحها على نوعين:

القيم الظاهرة الصريحة

وهي قيم التي يصرح بها ويعبر عنها بالكلام، وقد تكون هذه القيم غير حقيقية لان العبرة في القيم ليست بالكلام المنطوق بل بالعمل والسلوك الفعلي، إذ لا يكفي أن يقول شخص بلسانه، انه وطني مثلاً، من دون أن يبادر إلى حمل السلاح والنزول إلى ساحة المعركة لإثبات ذلك. ولو ان مجاهداً قذف بنفسه إلى المعركة مضحياً بحياته في سبيل الذود عن وطنه، دون أن يعلن بأنه وطني، لحكمنا عليه دون شك بان القيمة الوطنية مفضلة عنده على كل شي آخر.

القيم الضمنية

 وهي تلك القيم التي تستخلص ويستدل على وجودها من ملاحظة الاختبارات والاتجاهات التي تتكرر في سلوك الافراد بصفة منمطة لا بصفة عشوائية، ويرى " لابيير " ان القيم الضمنية هي في الغالب القيم الحقيقية، لانها هي القيم التي يحملها الإنسان مندمجة في سلوكه. ([36])

سادساً: على أساس بعد الدوام

تصنف القيم من حيث دوامها على نوعين:

القيم العابرة

 وهي القيم الوقتية العارضة القصيرة الدوام السريعة الزوال مثل القيم المرتبطة بالموضة، وهي قيم تتعلق بالحاضر ولا تتصل بالماضي، وأكثر من يحمل هذه القيم هم المراهقون والناس السطحيون.

القيم الدائمة

 وهي القيم التي تتصف بالديمومة والبقاء لمدد طويلة، والديمومة هنا نسبية ومن هذه القيم، القيم المتعلقة بالعرف والتقاليد، لذلك هذه القيم على العكس من القيم العابرة من حيث ارتباطها بالماضي واتصافها بالقداسة والالزام لانها تمس الدين والأخلاق كما تمس الحاجات الضرورية للناس. ([37])



تصنيف القيم الإسلامية


1. تصنيف الهاشمي وعبد السلام 1980

صنف كل من الهاشمي وعبد السلام حسب ما ورد في ندوة خبراء التربية الإسلامية، القيم الإسلامية على أساس النظرة الإسلامية للإنسان وقسموها على أقسام ثلاثة هي: قيم متصلة بعلاقة الإنسان بربه، وقيم متصلة بعلاقة الإنسان مع نفسه، وقيم متصلة بعلاقة الإنسان مع الاخرين، وقد تم تحديدها في ست ابعاد هي:

أ. البعد الروحي

ويشمل، التوحيد، الصلاة، التقوى، الخشية، الرجاء.

ب. البعد البيولوجي

ويشمل، رعاية الجسم، قوة الجسم، الاشباع، عمران الحياة، السعي للرزق.

ج. البعد العقلي

 ويشمل النشاط، التفكير، التعلم، التعليم.

د. البعد الانفعالي

ويشمل، المحبة، الرضا، الامل، الاعتدال.

هـ. البعد الاجتماعي

ويشمل، الأخوة، الدعوة، المعاملة، المسؤولية، التعاون.
د. البعد السلوكي: ويشمل، الإحسان، الأمان، الصدق. ([38])

2. تصنيف عبد الغفور 1982

صنف عبد الغفور القيم الإسلامية الى قسمين هما:

أ. قيم عقائدية

وتتمثل في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره.

ب. قيم خلقية

وتتمثل في الصدق، الأمانة، التسامح، العفو، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. . . الخ. ([39])

3. تصنيف أبو العينين 1988

صنف أبو العينين القيم في القران الكريم إلى الفئتين الآتيتين:

اولاً: القيم الروحية

 وتتمثل في الايمان بالله تعالى والوحدانية واخلاص العبودية لله سبحانه وتعالى.

ثانياً: وقد قسمها على القسمين الآتيين:

أ. قيم فردية
وهي القيم المتعلقة بالفرد، وتشتمل على
قيم عقلية: مثل العلم والحق في حياة الإنسان.
قيم أخلاقية: وتشتمل على قيمة التقوى ومصدر هذه القيم من عند الله تعالى.
قيم نفسية: وهي التي تعكس فكرة الإنسان عن ذاته.
قيم مادية: وهي القيم الخاصة بالأشياء المادية مثل الطعام واللباس وغيرها.
قيم جمالية: وهي التي تصور تقدير الإنسان للجمال مثل جمال الكون وجمال الإنسان.

ب. قيم اجتماعية
 وهي القيم المتعلقة بعلاقة الفرد بغيره من الافراد كالزواج والعلاقات الأسرية والمساواة والاحترام وغيرها. ([40])

4. تصنيف السويدي 1989

صنفت السويدي القيم الى ثلاثة محاور رئيسة هي:

أ. قيم تنظم علاقة الإنسان بخالقه

وتتمثل بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وبمحبة الله تعالى والرجوع أليه والتوبة له والخشية منه والتوجه اليه بالعبادة الخالصة.

ب. قيم تنظم علاقة الإنسان مع نفسه

وتتمثل في الطهارة والنظافة وتحمل المسؤولية والتعلم والاحتشام.

ج. قيم تنظم علاقة الإنسان بغيره
وتتمثل بقيم الأخوة والإيثار والتضحية وحسن الخلق والتعاون والرحمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ([41])

5. تصنيف هندي وآخرين 1990

صنف هندي وآخرون القيم إلى سبعة أبعاد هي:

البعد الجسمي

 ويتمثل بالعناية بالجسم من حيث الصحة الجسمية والرياضة وتناول الغذاء الجيد.

البعد العقلي

ويتمثل بنمو عقل المتعلم والكشف عن استعداداته وأنمائه وأكسابه مهارات عقلية على التفكير السليم والتذكر.

البعد الأخلاقي

ويشتمل على الإيثار والشجاعة وحب الناس والتضحية.

البعد الانفعالي

ويشتمل على الحب والكره والغضب.

البعد الاجتماعي

 ويشتمل على القيم التي يكتسبها الفرد من خلال احتكاكه بالمجتمع الذي يعيش فيه.

البعد الديني

 ويشتمل على التوحيد وإخلاص العبودية لله.

البعد الجمالي

ويهتم بتذوق الفرد للجمال. ([42])

6. تصنيف شومان 1993

صنف شومان القيم التربوية الإسلامية الى ستة أصناف هي:

أ. قيم العقيدة

 تتعلق بتوحيد الله وربوبيته.

ب. قيم تشريعية

تتعلق بقضايا اليتامى والإنفاق وغيرها.

ج. قيم اجتماعية

تتعلق بنظرة الجاهليين الى البنت ومعاملتهم لها بصورة تختلف عن الابن.

د. قيم سياسية

 تتعلق بالعهود والمواثيق وغيرها.

هـ. القيم العلمية

 وهي القيم التي تتعلق بالسؤال عن الظواهر الطبيعية وتفسيرها، مثل سير الجبال وحركة الكواكب.

د. القيم الأخلاقية

وتشمل العدل والشورى والحرية والطاعة. ([43])

7. تصنيف الدليمي 1995

صنفت الدليمي الأهداف القيمية للفكر التربوي العربي الإسلامي الى خمسة اصناف هي:

أ. الهدف القيمي الإيماني

 ويعني الغاية التي تؤدي إلى ترسيخ القيم الإيمانية العقائدية التربوية الإسلامية والتمسك بها وتضم القيم الاتية: الايمان، التقوى، العبادة، الاستعانة، الاستغفار.

ب. الهدف القيمي الأخلاقي

 وتعني الغاية التي تؤدي إلى ترسيخ القيم الأخلاقية الإسلامية والتمسك بها وتضم القيم الآتية: الصدق، العدل، الحق، الاستقامة، التوبة، الامانة، الطاعة.

ج. الهدف القيمي الاجتماعي

ويعني الغاية التي تؤدي الى ترسيخ القيم الاجتماعية التربوية الإسلامية والتمسك بها، وتضم القيم الاتية: العدالة، الاحترام، حب الاهل، التقدير، صلة الرحم.

د. الهدف القيمي الاقتصادي

 ويعني الغاية التي تؤدي إلى ترسيخ القيم الاقتصادية التربوية الإسلامية والتمسك بها، وتضم القيم الآتية: اللااسراف، حسن التوزيع، العمل، الإصلاح.

هـ. الهدف القيمي العسكري

ويعني الغاية التي تؤدي إلى ترسيخ القيم التربوية الجهادية وتضم القيم الآتية: حسن الإعداد للحرب، حفظ دين الله، النصر.([44])

8. تصنيف الحياري 1999

صنف الحياري القيم إلى قسمين هما:

أ. قيم إلهية المصدر

وهي القيم التي يعتمد بشكل مباشر وقوي على علم ثابت الدلالة ولا يستطيع ان يصل اليه الإنسان عن طريق قدراته الذاتية مهما بلغ من درجاته العلمية، فلا بد من الاعتماد على ما جاء من عند الله سبحانه وتعالى، مثل قيمة خلق الإنسان وقيمة الحياة الدنيا وقيمة التضحية بالمال.

ب. قيم مصدرها الإنسان

إذ يستطيع الإنسان أن يصل إلى القيمة الحقيقية لهذه القيم وما تدر عليه من فوائد من خلال قدراته الذاتية وأساليبه العلمية وتقنياته البحثية ويندرج تحت هذا النوع جميع القيم المادية. ([45]).

9. تصنيف الدرابسة 2001

صنف الدرابسة القيم الإسلامية والمستمدة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة إلى تسعة أقسام هي:

1. القيم العقائدية

وتشمل ما يأتي:الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.  الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره.

2. القيم التعبدية

وتشمل الصلاة، الصوم، الزكاة، الحج، الجهاد... وغيرها

3. القيم الأخلاقية

وتشمل آداب المعاملة، الصدق، الكرم، التسامح، الامانة...  وغيرها.

4. القيم الاجتماعية

وتشمل التكافل، صلة الرحم، التعاون، حب الناس، الصداقة. . . . وغيرها.

5. القيم الفردية

وتشمل الاتزان الانفعالي، الصبر، تقدير الذات، الثقة بالاخرين، تحمل المسؤولية. . . وغيرها.

6. القيم المعرفية

وتضم طلب العلم، نشر العلم، آداب الحوار، تقدير العقل، المنهجية العلمية. . . وغيرها.

7. القيم السياسية

وتشمل الحكم بما انزل الله، العدل، المساواة، الحرية، الديمقراطية والشورى. . . . وغيرها

8. القيم الاقتصادية

وتضم الكسب الحلال والتنمية، تقدير العمل، اتقان العمل، التخطيط، المحافظة على المال العام.

9. القيم الترويحية والبيئية

وتضم تذوق الفنون، الترويح البدني والهوايات الهادفة، الاهتمام بالبيئة. ([46])

10. تصنيف قحطان 2002

صنف قحطان القيم إلى أربعة أقسام هي:

أ. القيم الفكرية والعقدية

وهي القيم التي تعبر عن وحدانية الله سبحانه وتعالى وعن عبودية الإنسان له، انطلاقاً من الايمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر والخلود وتعبر عن الاهتمام بالفرد وميوله ورغباته وتطلعاته الى العلم والمعرفة.

ب. القيم الاجتماعية

وهي القيم التي تهتم بالفرد وميله نحو المجتمع والتضحية من اجله والعمل على تحقيق السعادة للآخرين.

ج. القيم الاقتصادية

وهي التي تعبر عن اهتمام الفرد وميله إلى ما هو نافع ومفيد، والاهتمام بزيادة الإنتاج وعمليات التسويق واستثمار الأموال.

د. القيم الجمالية

وهي التي تعبر عن اهتمام الفرد وميله إلى ما هو جميل من ناحية الشكل، والنظر إلى العالم المحيط به نظرة تقدير له من ناحية التكوين والتنسيق والانسجام والتوافق الشكلي والاهتمام بالبيئة ونظافتها. ([47])

خصائص القيم الإسلامية

للقيم الإسلامية خصائص عدة تميزها عن القيم في الفلسفات والمجتمعات الأخرى وذلك لأنها نابعة من الإسلام بمصادره الرئيسة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، إذ أن الإطار القيمي في الإسلام يمتاز بخصائص منفردة تميزه عن الديانات الأخرى السماوية وغير السماوية، فهو كل متكامل يجمع في إطار منسق جميع مشتملاته من عقيدة وعبادات ومعاملات وتشريعات وتوجيهات فأوامر ونواهي وتوجيهات للأخلاق وللآداب العامة وهذه تجتمع في كل متكامل متناسق مترابط فكرياً ومنطقياً. ([48])

والدين الإسلامي يهدف الى تربية الذات الإنسانية، فهذه الذات هي محور نشاط التربية الإسلامية والتي بها تتشكل ذات الإنسان المسلم (الشخصية المسلمة)، كما أرادها الإسلام، وفي الحديث الشريف، يقول البخاري: (كتبت عن ألف وثمانين رجلاً ليس فيهم إلا صاحب حديث، كلهم يقول: الإيمان قول وعمل).([49])

فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، لذا يبغي الإسلام تحقيق الصلة القوية بين العبادة والسلوك وبين العقيدة والعمل وبين الدنيا والآخرة.
ومن خلال ما ذكر سابقاً يمكن القول ان القيم الإسلامية اتصفت بخصائص عدة هي:

1. الهية المصدر (ربانية)

فقد اتخذت هذه القيم منطلقها من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكذلك اجتهاد العلماء والفقهاء باختلاف مدارسهم وعصورهم معتمدين على هذين المنطلقين. اذ يعد القران الكريم والسنة المطهرة الأساسيين اللازمين للحديث والبحث عن القيم الإسلامية، اما المصادر الاخرى كالاجماع والقياس فيجب أن تكون مستندة على المصدرين الرئيسيين ولا تناقضهما، وتاتي القيم الإسلامية في صورة امر بالفعل او امر بالترك، وهي تحدد توجهات الإنسان في حياته حيال الاشياء والمواقف تاركة له مساحة من الاختيار. ([50])

إنّ القيم تمثل ـ في نظر الإسلام ـ ظاهرة كونية لا يمكن نفيها. فنفي القيم لا يتم إلا باسم قيم أخرى. لقد أراد نيتشه (Nietzsche) مثلا أن يحطم قائمة القيم القديمة ولكنه وضع قائمة بديلة، فالقيم تستمد حقيقتها من كونيتها هذا من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّ الإنسان ينزع إلى عدّ القيم قيماً كونية، فالإنسان لا يلتزم بقيم يؤمن بأنها ستتغير، أو أنها قيم بالنسبة لهذا الفرد دون الآخر، فكونية الإنسان من حيث هو خليفة الله في الأرض. (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَة إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْض خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30). تلازمها كونية القيم. ([51])

2. التوازن والوسطية

 تقوم القيم الإسلامية على ان يستخدم الإنسان قدراته واستعداداته كلها استخداماً متكاملاً ومتوازناً بين مادياته ومعنوياته إذ ان القيم الإسلامية لا تقوم على تنمية جانب على حساب جانب آخر في الفرد المسلم بل تقوم على نظرة متكاملة للطبيعة الإنسانية وعن سلامة الفهم الموضوعي والعميق الصادق لخصائص الإنسان والمجتمع والثقافة والمعرفة البشرية. ([52])

إذ دعا الإسلام الإنسان المسلم بان يحدث توازناً بين مطالب المادة والروح وبين مطالب الفرد والمجتمع اذ قال سبحانه وتعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْط فَتَقْعُد مَلُوما مَحْسُورا) (الاسراء: 29).

كما دعت القيم الإسلامية الى احداث توازن ما بين مطالب الحياة الدنيا والاخرة، اذ قال الإمام علي عليه السلام: (اعمل لدنياك كانك تعيش ابداً واعمل لاخرتك كانك تموت غداً).

وبذلك يطالب الإسلام الإنسان المسلم بان لا يطغى عنده جانب على الجانب الاخر قال سبحانه وتعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)(القصص: 77).

ومن خلال ذلك نلاحظ ان وسطية القيم الإسلامية وسطية انتقائية لا تلفيقية، فقد عمد الإسلام الى القيم الجيدة عند العربي فابقاها وضبطها، واضاف اليها وزود الإنسان بقيم ليعيش عالمه المادي والمعنوي في توازن دقيق، وزوده بقيم تهتم بالفرد، كما تهتم بالجماعة، كما وازن بين الدنيا والاخرة، والقوة والرحمة والبخل والكرم... الخ، وبهذا كانت هذه القيم معبرة تعبيراً صحيحاً من الفطرة البشرية والطبيعة الإنسانية في واقعية كاملة. ([53])

3. الشمول والعمومية

القيم الإسلامية قيم شاملة لمناحي الحياة جميعها، فهي لا تهتم بجانب على حساب الجانب الآخر إذ يقول (صلى الله عليه وآله): (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو الى الله ان شاء عفا عنه وان شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك).([54]) فالقيم الإسلامية قيم شاملة وصالحة لكل زمان ومكان وإنسان، ومستمدة هذه الشمولية والصلاحية من شمولية الدين الإسلامي ومبادئه.

4. الايجابية

الإيجابية تعني الدعوة إلى فعل الخير والنهي عن فعل المنكر، فالدين الإسلامي دين خير يؤدي بمعتنقيه إلى سعادة الدنيا والآخرة، وهو نعمة من نعم الرب على الإنسانية اذ قال سبحانه وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة: 3).

ولقد أكد الدين الإسلامي ضرورة اتصاف الإنسان المسلم بقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنها من أقوى الوسائل في حماية الأخلاق الفردية والاجتماعية وهي من أهم مظاهر الأخوة والتكافل الاجتماعي بين الناس إذ يقول سبحانه وتعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران: 110).

وهناك آيات قرآنية كثيرة تدعوا الى ضرورة واهمية تمسك الإنسان بفعل الخير كما في قوله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)(البقرة: 148).

5. الإنسانية

تعنى القيم الإسلامية بتكريم الإنسان وتحقيق إنسانيته، إذ أكد الدين الإسلامي إن الإنسان هو أرقى وأكرم مخلوق في هذه الدنيا، لان كل الموجودات سخرت له وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء: 70).

ولقد حققت القيم الإسلامية المساواة بين كافة الناس، اذ لا فرق بين غني ولا فقير ولا ضعيف او قوي ولا عربي او اعجمي الا بالتقوى. وبذلك حقق الإسلام عالميته من خلال الدعوة الى اسلمة بني البشر كافة تحت مظلة إنسانية واحدة اذ يقول سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله الكريم محمد(صلى الله عليه وآله): (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(سبأ: 28).

6. الثبات

تقسم القيم الإسلامية بانها قيم ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان والإنسان ولا تتبع لمزاج الشخص وذلك لانها قيم ربانية، فالله خالق الإنسان وهو العالم بما يصلح للإنسان في كل زمان ومكان، فقيم مثل الحق والعدل والصدق والايثار قيم ثابتة عند المسلم لا تتغير في حياته من بيئة لاخرى ومن وقت لاخر وهذا ماهو معهود عند بعض المجتمعات والتي ترتبط عندهم القيم بقدر ما تحققه من نفع وفائدة، لذا فهي تتغير حسب الظروف.

أما في العالم الإسلامي فالشعوب الإسلامية تستوعب القيم الأخلاقية على أنها بعد من أبعاد الايمان. فالأخلاق مرتبطة بالدين بصورة مباشرة، لذلك فالمساس بكونية القيم هو مساس بالدين، فالإسلام يتضمن مبادئ عامة لأخلاق كونية، وذلك لان الإسلام دين كوني، والأخلاق الملازمة له هي أخلاق كونية، لذلك فنسبية القيم تعدّ من طرف الفكر الإسلامي مشكلة خطيرة، فهي تحدث قطيعة مع الماضي، وتؤدي إلى زوال هوية الأمّة الإسلامية.

7. الاستمرارية

وتعني قابليتها للتطبيق في كل زمان ومكان، فضلاً عن اتسامها بالتطور وهو مبدا مستمد من طبيعة الإسلام، اذ ان تعاليم الإسلام عامة صالحة لكل زمان ومكان، ويمكن القول ان القيم الإسلامية قد اتخذت من اسس الإسلام ومبادئه مواقف تربوية حية يتحقق فيها التفاعل بين داخل الإنسان وخارجه، وبشكل مستمر، يضمن بناء الفرد وبناء المجتمع. ([55])

8. البساطة والوضوح

القيم الإسلامية عموماً والعقائدية والتعبدية على وجه الخصوص تتصف ببساطتها ووضوحها، اذ لا غموض فيها ولا تعقيد، وذلك لاجل ان يكون فهمها سهلاً على المسلم ومن ثم تطبيقها وهذا متأتٍ أساساً من وضوح اسسها فالإسلام دين يسر وليس دين عسر.

9. الواقعية

ترتبط القيم الإسلامية بالواقع وامكانياته وفي الوقت نفسه الوصول إلى ما ينبغي ان يكون عليه هذا الواقع، فهي تتعامل مع الحقائق الموضوعية ذات الوجود الحقيقي المستيقن والاثر الواقعي الايجابي، لا مع تصورات عقلية مجردة ولا مثاليات لا مقابل لها في عالم الواقع، وهي تراعي الفطرة والتكوين الإنساني عن طريق الاستجابة للنزعات الفطرية والطبيعية في الإنسان.

10. العمق

القيم الإسلامية لا تسند على فكراً سطحي أو هامشي بل تسبر غور الأشياء دون الوقوف عند حد الأمور الجزئية أو الاكتفاء بالنظر إلى الظواهر نظرة بسيطة وسطحية. ([56])ويبدو ذلك واضحاً في قوله تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ)(الطارق: 5).

تعقيب

لقد انتهت بعض الفلسفات الغربية إلى تفتيت القيم وتشتتها عن طريق النزعة التاريخية والنزعة الاجتماعية اللتين تجعلان المجتمع أو التأريخ المصدر الوحيد للقيم. والأمر نفسهُ بالنسبة لمذهب المنفعة الذي جعل المنفعة أساساً لعملية التقويم. فما ينفع هذا الفرد قد لا ينفع فرداً آخر. وهكذا تشتتت الأخلاقية في النسبية فأصبحت القيم عبثاً وانعكاساً للأمر الواقع ولأزمة الحضارة. إذ إنّ القيم الأخلاقية تفقد قوتها الإلزامية إذا كانت نسبية، فالنسبية تُزيل عن القيم قدسيتها وقوتها الإلزامية.

في حين الفلسفة الإسلامية ترى بأنّ الواقع لا يمكن أن يكون مصدراً للقيم الأخلاقية، وهذا عكس ما تراه الفلسفة البرجماتية والمذاهب النفعية الأخرى ومذهب علماء الاجتماع الغربيين في الأخلاق، فكلّ هذه المذاهب ترجع مصدر القيم الأخلاقية إلى الواقع كما يتجلّى في المنفعة أو المردود العملي أو المجتمع، فالمذاهب النفعية يرجع معيارية الفعل الأخلاقي إلى الميول والرغبات، فهو ينظر إلى الطبيعة البشرية نزوعاً لتحقيق أكبر قدر ممكن من اللذة والمنفعة، والأمر نفسه بالنسبة للمذهب البرجماتي الذي جعل المردود العملي مقياساً للخير والشر، أما علماء الاجتماع فقد جعلوا المجتمع مصدراً للأخلاق.

إنّ الإسلام لا ينفي علاقة القيم الأخلاقيه بالواقع سواء أكان في جانبها الاجتماعي أم الفردي أم المادي أم الروحي، أذ يؤكد علاقة القيم الأخلاقية بالطبيعة البشرية، لكن الطبيعة البشرية ليست عبارة عن مجرد مجموعة من الميول والرغبات والغرائز، فالطبيعة البشرية تتضمن ـ في نظر الإسلام ـ البعد المادي والأبعاد الأخرى مثل البعد العقلي والعاطفي والروحي، فهي ـ من هذا المنظور ـ تطلع إلى ما يجب أن يكون. فضلاً عما سبق من ارتباط القيم في الفلسفات الغربية بالواقع والمنفعة فإنّ القيم الأخلاقيه مرتبطة أيضاً بالقانون ففي النظام الرأسمالي مثلاً، الناس متساوون إمام القانون حتى ولو كانت أوضاعهم الاجتماعية مختلفة.

أما في النظام الاشتراكي فهذه القيم تمثل هدفاً يقود السياسة ويوجهها. مع العلم بأن البنية الاقتصادية هي مصدر هذه القيم، وكل القيم الأخلاقية بالنسبة لماركس. في حين أن هذه القيم في الرؤية الإسلامية هي واجبات شرعية ذات أبعاد أخلاقية وحضارية. .

ومن هنا يكفي للفرد في النظام الرأسمالي في موقفه من القيم أن يحترم القانون. ويكفي للفرد في النظام الاشتراكي في موقفه من هذه القيم (قيم الحداثة) أن يلتزم في المجال السياسي، أي يلتزم مع متطلبات الطبقة الحاكمة (البروليتاريا). أما في الرؤية الإسلامية فالفرد لا يكتفي بهذه المواقف، فهو تجاه قيم تخص ذاته في علاقتها مع الله وفي علاقتها بالمصير الدنيوي والأُخروي معاً، لذلك فموقفه من هذه القيم هو موقف تعبدي، وليس مجرد موقف احترام وانتماء.

أما بالنسبة إلى فلسفة أفلاطون المثالية فأنّ أفلاطون قد ربط الوجود الإنساني بوجود عالم مثالي، ونظر إلى العلاقة بينهما على أنها علاقة تطلع، غير أنّ أفلاطون يرى بأنّ الوجود (الوجود الإنساني) ظل لعالم المثل، وأنّه وجود ناقص.

فالتطلع إلى عالم المثل هنا هو تطلع يتم عن طريق الابتعاد عن العالم المادي، لأنّه عالم ناقص، فهو مجرد نسخة ظلية لعالم المثل. وهذا مخالف للفلسفة الإسلامية إذ إنّ كل جوانب هذا الوجود (المادية والمعنوية) في آيات تعبر عن قدرة الخالق ورحمته، ومن هنا الاختلاف بين الروحانية الأفلاطونية والروحانية الإسلامية.

 وتجدر الإشارة إلى أنّ أكثر الفلاسفة المسلمين لم يستوعبوا هذه الفكرة وراحوا يوفّقون بين الشريعة وفلسفة أفلاطون أو الفلسفة اليونانية على العموم. في حين أن الصدر-أحد فلاسفة الإسلام المعاصرين- استوعب بعمق الاختلاف الجذري بين الروحانيتين الأفلاطونية (اليونانية) والإسلامية، فالروحانية الأفلاطونية ترى بأن كمال الإنسان يكمن في ابتعاده عن العالم المادي للتقرب أكثر فأكثر من عالم المثل (هذا هو الجدل الصاعد حسب تعبير أفلاطون) أما الروحانية الإسلامية كما صاغها الصدر فهي روحانية الإنسان الخليفة، الذي يعبر عن خلافته ضمن علاقته بظواهر الكون من حيث هي آيات تتجلى عن طريقها علاقة الوجود بالله.

 وهكذا فهناك تطلع وحركة في فلسفة كل من أفلاطون والصدر. لكن هناك اختلاف في حقيقة هذه الحركة وأبعادها، الحركة عند أفلاطون تأملية، أما عند الصدر فالحركة جهادية ثورية تسعى إلى تغيير المجتمع والطبيعة، وهناك اختلاف كذلك في الهدف أو الغاية القصوى، التي تسعى نحوها حركة الإنسان. المثل الأفلاطونية مثل غامضة ليس لها كيان واضح والله مفهوم مجرد أكثر مما هو إله حي يرتبط به الإنسان ضمن علاقة ذاتية شخصية، وليس الأمر كذلك بالنسبة لهدف حركة الإنسان في فلسفة الصدر، فالمثل الأعلى حي قيوم له الصفات والأسماء الحسنى، فهو ليس مجرد هدف صاغه عقل الإنسان، بل المثل الأعلى (الله سبحانه وتعالى) قد اتصل بالإنسان عن طريق الرسالات السماوية فضلاً عن اتصاله بالإنسان عن طريق الطبيعة البشرية، أي عن طريق الفطرة وما تتضمنه من تطلع نحو الخالق.

 يقول الصدر في هذا السياق مقارناً بين آثار العقيدة وحب الله في حياة الإمام علي عليه السلام وبين القول بوجود الله عند الفلاسفة: ". . . هذه الشجاعة خلقها في قلب علي عليه السلام حبُّه لله، لا اعتقاده بوجود الله. هذا الاعتقاد الذي يشاركه فيه فلاسفة الاغريق أيضاً، أرسطو أيضاً يعتقد بوجود الله، افلاطون أيضاً يعتقد بوجود الله، الفارابي أيضاً يعتقد بوجود الله، ماذا صنع هؤلاء للبشرية، وماذا صنعوا للدين أو الدنيا؟ ليس الاعتقاد وإنما حب الله فضلاً عن الاعتقاد، هذا هو الذي صنع هذه المواقف من القيم التي أمن بها فعكسها بشكل فعلي. ([57]) وهذا الأمر ينطبق بالضرورة على الإمام الحسين عليه السلام وكل الأئمة من بعده. وذلك لكون القيم لديهم كونية وملزمة، فالقيم لا معنى لها إذا لم تكن كونية وملزمة. ولا تكون كذلك إلا إذا استمدت وجودها وإلزاميتها من مصدر متعالٍ.





[1]. الجندي، انور: القيم الأساسية للفكر الإسلامي والثقافة العربية، مطبعة الرسالة، د. ت، ص281.
[2]. العوا، عادل: قضايا القيم الأصول والمبادئ: في وقائع المؤتمر الفكري التربوي الإسلامي، المنظمة العربية للتربية والثقافة، تونس، 1987. ص229.
[3]. علاء، صاحب عسكر: المصدر السابق، ص110.
[4]. الجندي، انور: المصدر السابق، ص41.
[5]. رضوان، زينب: النظرية الاجتماعية في الفكر الإسلامي، أصولها وبناؤها في القرآن والسنة، ط1، القاهرة، دار المعارف، 1982، ص184-185.
[6]. بيكوفتش، علي عزت: الإعلان الإسلامي، ترجمة محمد يوسف عدس، ط1، القاهرة، دار الشروق، 1999، ص66.
[7]. المشايخي، اركان سعيد خطاب: الفكر التربوي العربي الإسلامي لدى الرازي والنووي وأبن القيم الجوزية، اطرحة دكتوراه، كلية التربية(ابن رشد)، جامعة بغداد، 2004، ص110.
[8]. الكافي 99: 2. وكنز العمال2: 3.
[9]. احمد، لطفي بركات: الفكر التربوي الإسلامي، المصدر السابق، ص32-34.
[10]. بكر، عبد الجواد السيد: المصدر السابق، ص175.
[11]. بن مسعود، عبد المجيد: المصدر السابق، ص82.
[12]. عسكر، علاءصاحب: المصدر السابق، ص199.
[13]. بن سينا، الحسين بن عبد الله: تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات(الرسالة التاسعة في علم الأخلاق)، ط1، دار الجوائب، 1298هـ، ص107.
[14]. الأندلسي، ابن حزم: رسائل ابن حزم، تحقيق الدكتور أحسان عباس، ط1، منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980، ج1، ص379.
[15]. الغزالي، ابو حامد: أحياء علوم الدين، كتاب الشعب، القاهرة، دار الشعب، دت، 1436: 8.
[16]. الرفاعي، عبد الرحيم: القيم الأخلاقية في التربية الإسلامية من واقع منهج المدرسة الابتدائية العامة، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة طنطا، القاهرة، 1980. ، ص15.
[17]. قمحية، جابر: المدخل إلى القيم الإسلامية، القاهرة، دار الكتاب المصري، 1984، ص41.
[18]. فرحان، أسحق وتوفيق مرعي: اتجاهات المعلمين في الأردن نحو القيم الإسلامية في مجال العقائد والعبادات والمعاملات كما حددها الإمام البيهقي: مجلة أبحاث اليرموك، سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، مجلد44، عدد 2، 1988، ص97.
[19]. الريان، محمد هاشم: أساليب تدريس القيم والمفاهيم، مركز التدريب التربوي، الأردن، وزارة التربية، 1991، ص655.
[20]. علي سعيد شومان: المصدر السابق، ص11.
[21]. القيسي، مروان: المنظومة القيمية الإسلامية كما تحددت في القرآن والسنة الشريفة: مجلة دراسات العلوم الإنسانية، مجلد422، ملحق6، ص3223.
[22]. الدرابسة، محمد عبد الله: المصدر السابق، ص21.
[23]. علاء صاحب عسكر: المصدر السابق، ص23.
[24]. فرج، محمد سعيد: البناء الاجتماعي والشخصي، الإسكندرية، دار المعرفة، 1989، ص394.
[25]. العوا، عادل: قضايا القم الأصول والمبادئ، المصدر السابق، ص221.
[26]. بكر، عبد الجواد السيد: فلسفة التربية الإسلامية في الحديث الشريف، المصدر السابق، ص85.
[27]. ذياب، فوزية: القيم والعادات الاجتماعية مع بحث ميداني لبعض العادات الاجتماعية، بيروت، دار النهضة العربية، 1980، ص74.
[28]. ذياب، فوزية: نفس المصدر، ص75.
[29]. بكر، عبد الجواد السيد: المصدر السابق، ص85.
[30]. ذياب، فوزية: المصدر السابق، ص75.
[31]. ذياب، فوزية: المصدر السابق، ص75.
[32]. بكر، عبد الجواد السيد: المصدر السابق، ص86.
[33]. ذياب، فوزية: المصدر السابق، ص80.
[34]. بكر، عبد الجواد السيد: المصدر السابق، ص86.
[35]. ذياب، فوزية: المصدر السابق، ص83.
[36]. ذياب، فوزية: المصدر السابق، ص87-89.
[37]. مرعي، توفيق واحمد بلقيس: الميسر في علم النفس الاجتماعي، عمان، دار الفرقان للنشر والتوزيع، 1984، ص233.
[38]. الهاشمي، عبد الحميد وفاروق عبد السلام: البناء القيمي للشخصية كما ورد في القران الكريم، بحوث ندوة خبراء أسس التربية الإسلامية، ط2، مكة المكرمة، مركز البحوث التربوية والنفسية. ، ص116.
[39]. عبد الغفور، منصور: دراسة تحليلية للقيم البيئية لدى المراهقين من طلاب التعليم العام والازهري واثر ذلك على مستوى القلق، رسالة ماجستير، القاهرة كلية التربية، جامعة اسيوط، ص55.
[40]. أبو العينين، علي خليل: القيم الإسلامية والتربية، المدينة المنورة، مكتبة ابراهيم الحلبي، 1988، ص72.
[41]. السويدي، وضحة: تنمية القيم الخاصة بمادة التربية الإسلامية لدى تلميذات المرحلة الإعدادية بدولة قطر، برنامج مقترح، ط1، الدوحة، دار الثقافة، 1989. ص79.
[42]. هندي، صالح وآخرون: المصدر السابق، ص27.
[43]. شومان، علي سعيد: المصدر السابق، ص48.
[44]. الدليمي، نوال إبراهيم: الفكر التربوي في وصايا الخلفاء العباسيين)العصر الأول 132-218) دراسة تحليلية، أطروحة دكتوراه، كلية التربية(ابن رشد)،، جامعة بغداد، 1995، ص330.
[45]. قحطان، فائزة عبد الله: القيم التربوية الممارسة لدى طالبات جامعة تعز في الجمهورية اليمنية، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة اليرموك، 2002، ص27.
[46]. الدرابسة، محمد عبد الله: المصدر السابق، ص290.
[47]. قحطان، فائزة عبد الله: المصدر السابق، ص27-28.
[48] سلطان، محمود السيد: مفاهيم تربوية واسلامية، ط1، الرياض، دار المريخ للنشر، 1982، ص24.
[49]. البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري، دار ومطابع الشعب، 1378هـ. ، ج1، ص2.
[50]. فرحان، اسحق وتوفيق مرعي: المصدر السابق، ص98.
[51]. الصدر، محمد باقر: الإسلام يقود الحياة، فصل خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، شبكة الشيعة الإسلامية، ص129 ـ 172.
[52]. الدليمي، نوال إبراهيم: القيم السائدة في كتب التربية الإسلامية للمرحلة الإعدادية، رسالة ماجستير، كلية التربية(ابن رشد)، جامعة بغداد، 1989، ص40.
[53]. دراز، محمد عبد الله: دراسات اسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية، الكويت، دار القلم، 1980، ص126.
[54]. البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري، المصدر السابق، ج1، ص11.
[55]. بكر، عبد الجواد السيد: المصدر السابق، ص172.
[56]. احمد، لطفي بركات: القيم والتربية، المصدر السابق، ص106.
[57]. الصدر، محمد باقر: الإسلام يقود الحياة (فصل خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء)، ص129.

إرسال تعليق