بقلم: الشيخ وسام البلداوي
لم ترض الدولة التي حكمت المسلمين، ولا محدثو أهل السنة ورواتهم وعلماؤهم، أن تكون لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أو لأحدهم فضيلة مستقلة، يمتازون بها عن غيرهم، لان السياسة التي قام عليها الفكر السني، قائمة ومنذ اليوم الأول على جعل أفراد أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أناسا عاديين، لا امتياز لهم ولا خصوصية ينفردون بها عن باقي الصحابة، أو غيرهم من الناس.
وإذا ما وجدت فضيلة أو خصوصية قيلت في حقهم على لسان القرآن الكريم أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم يسارعون بإدخال وإقحام غيرهم معهم في تلك الفضيلة أو الخصوصية، لكي لا تكون دليلا على تقدمهم على غيرهم من الصحابة لا سيما الثلاثة منهم وعائشة، وقد مرت شواهد كثيرة على هذه الحقيقة، ولكي لا يحتج بتلك الأحاديث محتج من خصوم أهل السنة، فإذا ما احتج منهم محتج محاولا الاستفادة من هذه الأحاديث لإثبات حق أهل البيت ووجوب تقديمهم على العالمين جوبه واصطدم بحجة ان هذه الفضائل ليست مختصة بأهل البيت وقد شاركهم الناس بذلك فيضيعون بذلك الهدف الأساس من صدورها عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
وحديث (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) لم يستثن من هذا المخطط الملعون، فان القوم لما أحسوا أن هذا الحديث مما يتفرد به الإمامان الحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهما، وانه يؤدي إلى سيادة الإمامين صلوات الله وسلامه عليهما على أبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وغيرهم من الصحابة بل وغيرهم من سائر الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين في الجنة، عمدوا إلى إقحام بعض الشخصيات واستثنائها من عموم هذا الحديث وشموله، فرووا حديثا استثنوا منه نبي الله عيسى بن مريمصلوات الله وسلامه عليه، ونبي الله يحيى بن زكريا صلوات الله وسلامه عليهما.
ألف: مناقشة ما صححه الحاكم النيسابوري
قال الحاكم النيسابوري في (المستدرك على الصحيحين): («حدثنا» أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني ثنا الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة * هذا حديث قد صح من أوجه كثيرة وأنا أتعجب انهما ــ أي البخاري ومسلم ــ لم يخرجاه)[1].
أقول: ليس تعجب الحاكم النيسابوري في محله، لان البخاري ومسلماً إنما لم يخرجاه لعدم وروده بطريق صحيح قطعا، وأما تصحيحه لسند هذا الحديث فهو في غير محله أيضا، لعدة أسباب منها:
أولا: ان الذهبي تعقب تصحيح الحاكم ولم يقره على قوله
ان الذهبي تعقب تصحيح الحاكم النيسابوري لهذا الحديث في كتابه (تلخيص المستدرك) بقوله:
(الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم فيه لين)[2]، وقد ضعفه ابن معين أيضا كما نقله الرازي في (الجرح والتعديل بقوله: الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي كوفي... عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم ضعيف... حدثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي. حدثنا عبد الرحمن قال سألت أبي عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم فقال: صالح الحديث)[3].
ووصفه ابن حجر بسوء الحفظ في (تقريب التهذيب) قائلا: (الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم بضم النون وسكون المهملة الكوفي البجلي صدوق سيئ الحفظ من السابعة)[4]، وهذه الزيادة من سوء حفظه حتما، لان ما هو محفوظ ومشهور ومتواتر ليس فيه مثل هذه الزيادة.
وتوثيق أبي حاتم له بقوله (صالح الحديث) لا ينفع في هذا المورد بالذات، لان سيئ الحفظ إنما يكون حديثه صالحا فيما لو وافق غيره من الحفاظ الأثبات، ولم يأت بزيادة منكرة ليست بمحفوظة، والحكم بن عبد الرحمن هنا لم يوافق قوله قول الحفاظ الأثبات وأتى بزيادة لم تأتِ عن ثقة حافظ ثبت، فهو في هذا الحديث غير صالح الحديث.
ثانيا: في السند عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وهو ضعيف متهم بالإرجاء ويخطئ
وليس الحكم بن عبد الرحمن وحده المطعون فيه في هذا الإسناد، فعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني أيضا ضعيف يخطئ، وانه يعتقد بالإرجاء، وهي عقيدة فاسدة بإجماع الشيعة والسنة، وهي من العقائد التي بثتها وشجعتها واعتقدت بها الدولة الأموية الغاشمة.
أما ضعفه فواضح في كلمات أهل الجرح والتعديل، فعن محمد بن سعد في (الطبقات الكبرى) انه قال: (عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني ويكنى أبا يحيى وكان ضعيفا)[5]، وقال العجلي في (معرفة الثقات): (عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني كوفي ضعيف الحديث مرجئ)[6].
وقال عبد الله بن عدي في (الكامل): (عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني كوفي يكنى أبا يحيى... وقد ضعفه أحمد بن حنبل وضعف ابنه يحيى)[7].
وقال ابن حجر في (تقريب التهذيب): (عبدالحميد بن عبدالرحمن الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم أبو يحيى الكوفي لقبه بشمين بفتح الموحدة وسكون المعجمة وكسر الميم بعدها تحتانية ساكنة ثم نون صدوق يخطئ ورمي بالإرجاء من التاسعة)[8].
وقال الصفدي في (الوافي بالوفيات): (عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني الكوفي ولاؤه لحمان وهم بطن من تميم وأصله خوارزمي ولقبه بشمين...وثقه ابن معين وقال النسائي ليس بالقوي وقال أبو داود كان داعية في الإرجاء)[9].
وتوثيق يحيى بن معين متضارب فيه، فقد نقلت عنه بعض الأخبار بأنه وثقه، ونقلت عنه أخبار أخرى بأنه ضعفه، قال عبد الله بن عدي في (الكامل): (حدثنا علان ثنا ابن أبي مريم سألت يحيى بن معين عن عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني فقال ضعيف ليس بشيء حدثنا أحمد بن علي عن بحر قال: ثنا عبد الله بن أحمد الدورقي قال: قال يحيى بن معين يحيى بن عبد الحميد الحماني ثقة وأبوه ثقة)[10] وعند حصول مثل هذا التضارب فإما أن يهمل هذا القول المتضارب، وأما يرجع فيه إلى المشهور، وفي كلتا الحالتين تسقط وثاقة الحماني هذا.
وأما ذكر ابن حبان له في ضمن كتابه (الثقات) فلا عبرة به، لان ابن حبان معروف بالتسرع في توثيق المجاهيل والضعفاء، ولا ريب أن توثيقه هذا داخل في هذا الأمر، ولأنه لو كان ثقة لما خفيت وثاقته عن احمد بن حنبل والنسائي وابن سعد وغيرهم.
ثالثا: أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم كان أموي الانتماء فهو متهم في هذا الحديث
قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء): (الأصم محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان، الإمام المحدث مسند العصر، رحلة الوقت، أبو العباس الأموي مولاهم)[11].
وقال خير الدين الزركلي في (الأعلام): (محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي بالولاء، أبو العباس الأصم: محدث، من أهل نيسابور)[12].
وكون أبي العباس الأصم أموي الولاء يبعث في القلب الريبة، لان القرائن تشير بأجمعها على أن لبني أمية يداً طولى في خلق هذه الزيادة.
فالحديث الذي صححه الحاكم غير صحيح يجمع الضعيف، والمرجئ، والمشهور بالخطأ، وسئ الحفظ، والأموي الهوى، فكيف يمكن تصحيح مثل هذا الحديث أيها الحاكم النيسابوري؟!.
باء: مناقشة رواية النسائي في كتابه (السنن الكبرى)
قال النسائي: (اخبرنا محمد بن آدم بن سليمان عن مروان عن الحكم وهو ابن أبي نعيم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا)[13].
أقول: وهذه الرواية ضعيفة أيضا لعدة أسباب منها:
أولا: لوجود (مروان) في إسناده وهو مدلس وقد عنعن
وهو: (مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري، أبو عبد الله الكوفي) وهو من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين، وهو وان روى عنه أصحاب الكتب الستة (البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة) إلا انه كان مدلسا، ويغير في أسماء من يروي عنهم، ويروي عن أشخاص مجهولين أو ضعفاء ويكني عنهم ولا يذكر أسماءهم كي لا يعرفوا، وكان يلتقط شيوخه من السكك، وغير ذلك من الأمور القادحة بالعدالة والضبط والوثاقة.
قال الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد): (أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، أخبرنا هبة الله بن محمد بن حبش الفراء، حدثنا أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: رأيت أبا حذيفة عبد الله بن مروان بن معاوية قد جاء إلى يحيى بن معين فسلم عليه، فلما قام قال له أبو شيبة ابن عمي: يا أبا زكريا، كيف كان مروان في الحديث؟ فقال: كان ثقة فيما روى عمن يعرف. وقال: إنه كان يروي عن أقوام لا يروي عنهم ويغير أسماءهم، وكان يحدث عن محمد بن سعيد الذي كان صلب وهو يكني اسمه، فكان يقول: حدثنا محمد بن أبي قيس لكيلا يعرف...، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا موسى بن إبراهيم بن النضر العطار، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: وسألت عليا ــ يعني ابن المديني ــ عن مروان بن معاوية فقال: كان يوثق، وكان يروي عن قوم ليس بثقات ويكني عن أسمائهم)[14].
وقال سليمان بن خلف الباجي في (التعديل والتجريح): (مروان بن معاوية ابن الحارث بن أسماء بن خارجة أبو إسحاق الفزاري الكوفي... قال أبو حاتم هو صدوق لا يدفع عن صدق وتكثر روايته عن الشيوخ المجهولين... قال أبو بكر سمعت ابن معين يقول كان مروان بن معاوية يغير الأسماء يعمي على الناس كان يحدثنا عن الحكم بن أبي خالد وإنما هو الحكم بن ظهير)[15].
وقال الذهبي في (تذكرة الحفاظ): (وقال ابن معين: كان يلتقط شيوخا من السكك)[16]، وقال ابن حجر في (تقريب التهذيب): (مروان بن معاوية بن الحارث ابن أسماء الفزاري أبو عبد الله الكوفي نزيل مكة ودمشق ثقة حافظ وكان يدلس أسماء الشيوخ من الثامنة مات سنة ثلاث وتسعين)[17].
أقول: إن مروان بن معاوية قد عنعن[18] في هذا الإسناد، وهو مدلس، والمدلس إذا عنعن لا تقبل روايته بالاتفاق، قال الزيلعي في (نصب الراية): (والمدلس إذا عنعن لا يحتج به بالاتفاق)[19]، وقال محمد ناصر الألباني في (إرواء الغليل): (والمدلس إذا عنعن، لا يحتج به بالاتفاق)[20]، وقال الشنقيطي في (أضواء البيان): (والمدلس إذا عنعن لم تقبل روايته عند أهل الحديث)[21].
ثم العجب كل العجب من أئمة الحديث من أهل السنة كيف وثّقوا مثل هذا الراوي المدلس والكذاب على الرغم من رميه بكل تلك الطامات العظام، وهم الذين ضعفوا كثيرا من الرواة الآخرين لمجرد كون أحدهم شيعيا، أو انه يفضل الإمام علي بن أبي طالب على أبي بكر وعمر وعثمان، أو لان اغلب رواياته في فضائل أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أو غير ذلك من الأسباب التافهة، والشواهد كثيرة لا يسعنا استيعابها، فهذا شاهد آخر على تعصب القوم وعدم إنصافهم العلمي في التعامل مع فضائل أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وشيعتهم الناقلين لها، وإلا فلو تجرد القوم عن روح التعصب الأعمى فكيف يمكن ان يوصف رجل بالوثاقة وهو يلتقط شيوخه من السكك أي انه لا يبالي عمن اخذ وماذا أخذ، أم كيف يوصف بالثقة من كان يغير الأسماء ويدلس الشيوخ يريد بذلك قلب الحقائق والتزوير والتعمية على الناس، فأين الأنصاف في التقييم يا أهل الحديث وأئمته؟!.
ثانيا: لوجود الحكم بن أبي نعيم بن عبد الرحمن
وقد مرت ترجمته في مناقشة ما صححه الحاكم النيسابوري قبل عدة صفحات، وقد تبين انه ضعيف سئ الحفظ، وان توثيق ابي حاتم له لا ينفعه في هذا المورد بالذات.
جيم: مناقشة رواية الطبراني في كتابه المعجم الكبير
قال الطبراني في (المعجم الكبير): (حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم الأسماء حدثني أبي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا مشهور الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا)[22].
أقول: وهذه الرواية أيضا ساقطة عن الاعتبار لعدة أسباب منها:
أولا: لوجود أسباط بن نصر الهمداني الذي يقلب الأسانيد والموصوف بالأهوج
وهو من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين، روى له جميع أصحاب الكتب الستة، على الرغم من كون عامة أحاديثه وباعترافهم سقطاً مقلوبة الأسانيد، وانه أهوج، وليس بالقوي، قال المزي في (تهذيب الكمال): (أسباط بن نصر الهمداني، أبو يوسف، ويقال: أبو نصر الكوفي... قال حرب بن إسماعيل: قلت لأحمد: كيف حديثه؟ قال: ما أدري. وكأنه ضعفه. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: سمعت أبا نعيم يضعف أسباط بن نصر، وقال: أحاديثه عامته سقط مقلوب الأسانيد. وقال محمد بن مهران الجمال: سألت أبا نعيم عنه، فقال: لم يكن به بأس، غير أنه كان أهوج. وقال النسائي: ليس بالقوي. روى له الجماعة)[23].
ولم يكتب عنه احمد بن حنبل ولا وكيع ولا أبو نعيم، ففي كتاب (العلل) المنسوب لأحمد بن حنبل: (سألته عن أسباط بن نصر فقال ما كتبت من حديثه عن أحد شيئا ولم أره عرفه ثم قال وكيع وأبو نعيم يحدثان عن مشايخ الكوفة ولم أرهما يحدثان عنه)[24].
وأسباط بن نصر هو الذي اعترض لأجله أبو زرعة على مسلم النيسابوري وعاب عليه إخراج حديثه في صحيحه (صحيح مسلم) لبعد حديث أسباط بن نصر عن الصحيح بحسب تعبير أبي زرعة، ففي (تهذيب الكمال) قال المزي: (...حدثنا سعيد بن عمرو البرذعي، قال: شهدت أبا زرعة يعني الرازي ذكر كتاب «الصحيح» الذي ألفه مسلم بن الحجاج، ثم الفضل الصائغ على مثاله، فقال لي أبو زرعة: هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه، فعملوا شيئا يتسوقون به، ألفوا كتابا لم يسبقوا إليه، ليقيموا لأنفسهم رياسة قبل وقتها. وأتاه ذات يوم وأنا شاهد رجل بكتاب «الصحيح» من رواية مسلم، فجعل ينظر فيه، فإذا حديث عن أسباط بن نصر، فقال أبو زرعة: ما أبعد هذا من الصحيح يدخل في كتابه أسباط بن نصر؟!)[25].
أقول: ولا يعتد بتوثيق يحيى بن معين وقوله عن أسباط بن نصر بانه (ثقة)[26]، وكذلك لا يعتد بذكر ابن حبان له في كتابه (الثقات)[27]، وعدم الاعتداد بتوثيقهما راجع إلى قاعدة مشهورة عندهم تنص على ان (الجرح المفسر مقدم على التعديل المجمل)، ومن طعن وجرح أسباط بن نصر قد فسر هذا الطعن بكونه أحاديثه مقلوبة الأسانيد ساقطة، أو انه أهوج وغير ذلك، أما من وثقه فقد أجمل فيه القول، واكتفى بقوله (ثقة) كما فعل يحيى بن معين، أو ذكر اسمه ومن روى عنه أو روى عنهم فقط كما فعل ابن حبان، ولكنهما لم يبينا سبب توثيقه، فيكون جرح الجارحين له مقدماً على توثيق الموثقين عملا بقاعدة (الجرح المفسر مقدم على التعديل المجمل).
ثانيا: لوجود جابر بن يزيد الجعفي
وهو من صغار التابعين، روى عنه ثلاثة من أصحاب الكتب الستة (أبو داود والترمذي وابن ماجة) وغيرهم، وهو عندهم متروك الحديث، رافضي خبيث، يؤمن بالرجعة ويكذب، وانه لا يكتب حديثه ولا كرامة، قال العقيلي في (ضعفاء العقيلي): (جابر بن يزيد الجعفي... حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا عباس بن محمد قال حدثني يحيى بن يعلى المحاربي عن زائدة قال كان جابر الجعفي كذابا يؤمن بالرجعة... عن ثعلبة بن سهيل الطهوي قال: قال لي ليث لا تقربن جابر الجعفي ولا تسمع منه... حدثنا أبو يحيى الحماني قال سمعت الربيع بن المنذر يقول لسفيان الثوري اتق الله يا سفيان ولا ترو عن جابر شيئا... حدثنا بشر قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما أظهر فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه وتركه بعض الناس فقيل له وما أظهر قال الإيمان بالرجعة... حدثنا يحيى قال سمعت زائدة يقول جابر الجعفي لا يكتب حديثه ولا كرامة حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال سمعت يحيى بن معين يسأل عن جابر الجعفي فقال كان يضعف فقيل ليحيى إن شعبة يحدث عنه فقال يحيى كان جابر ضعيفا ضعيفا...حدثنا أبو يحيى الحماني عن أبي حنيفة قال ما رأيت أحدا أكذب من جابر الجعفي)[28].
وقال الرازي في (الجرح والتعديل): (جابر بن يزيد الجعفي الكوفي أبو محمد... حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول: جابر الجعفي يكتب حديثه على الاعتبار ولا يحتج به. حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول: جابر الجعفي لين)[29].
وقال ابن حجر في (تقريب التهذيب): (جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي ضعيف رافضي من الخامسة مات سنة سبع وعشرين ومائة وقيل سنة اثنتين وثلاثين)[30].
أقول: وان كانت جميع الأمور التي من اجلها قد تم تضعيف جابر بن يزيد الجعفي غير منطقية وغير مبررة، كمثل رميهم له بالرفض، أو اعتقاده بالرجعة، وأمثال هذه الأمور، إلا أن تضعيفهم له كاف لرد الرواية من باب الإلزام، عملا بما اشتهر عن المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم)[31].
فيثبت بما مر أن الرواية التي رواها الطبراني في معجمه الكبير ضعيفة ساقطة عن الاعتبار، وبها يثبت عدم صحة زيادة (إلا ابني الخالة....) ويبقى حديث (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) على إطلاقه شاملا لكل أهل الجنة وبلا استثناء عدا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأبوهما الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وامهما الزهراء سيدة نساء العالمين صلوات الله وسلامه عليها.
ــــــــــــــــــ
[1] المستدرك للحاكم النيسابوري ج 3 ص 166 ــ 167.
[2] المستدرك بتعليق الذهبي ج3 ص182 حديث رقم 4778.
[3] الجرح والتعديل للرازي ج 3 ص 123.
[4] تقريب التهذيب لابن حجر ج 1 ص 232.
[5] الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج 6 ص 399.
[6] معرفة الثقات للعجلي ج 2 ص 70.
[7] الكامل لعبد الله بن عدي ج 5 ص321.
[8] تقريب التهذيب لابن حجر ج1 ص556.
[9] الوافي بالوفيات للصفدي ج 18 ص.43
[10] الكامل لعبد الله بن عدي ج 5 ص321.
[11] سير أعلام النبلاء للذهبي ج 15 ص 452 ــ 453.
[12] الأعلام لخير الدين الزركلي ج 7 ص 145.
[13] السنن الكبرى للنسائي ج 5 ص 50.
[14] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج13 ص152.
[15] التعديل والتجريح لسليمان بن خلف الباجي ج 2 ص 805.
[16] تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 295 ــ 296.
[17] تقريب التهذيب لابن حجر ج 2 ص 172.
[18] سبق وان تعرفنا على معنى المدلس وخطورة التدليس، أما معنى (عنعن) فهو أن يقول الراوي: (عن فلان عن فلان عن فلان)، وقوله (عن فلان) هو المقصود بالعنعنة، وعبارة عن فلان هذه لا تعدّ تصريحا بأنه سمع ذلك فعلا من فلان، فلربما سمعه من غيره وأخفاه، لهذا لا يعتد أهل الحديث بعنعنة المدلس، ولا يؤخذ قوله إلا إذا صرح بالسماع، بان يقول حدثنا فلان، لان عبارة حدثنا صريحة بان هذا المدلس قد سمع فعلا من فلان ذاك.
[19] نصب الراية للزيلعي ج 2 ص 42.
[20] إرواء الغليل لمحمد ناصر الألباني ج2 ص320.
[21] أضواء البيان للشنقيطي ج4 ص464.
[22] المعجم الكبير للطبراني ج 3 ص 38.
[23] تهذيب الكمال للمزي ج 2 ص 357 ــ359.
[24] العلل لأحمد بن حنبل ج 2 ص 95 ــ 96.
[25] تهذيب الكمال للمزي ج 1 ص 419.
[26] تهذيب الكمال للمزي ج 2 ص 357 ــ359.
[27] قال ابن حبان في الثقات ج 6 ص85: (أسباط بن نصر الهمداني كنيته أبو نصر من أهل الكوفة يروي عن سماك بن حرب والسدي روى عنه عمرو بن محمد العنقزي وعمرو بن حماد بن طلحة القناد).
[28] ضعفاء العقيلي للعقيلي ج 1 ص 191 ــ 196.
[29] الجرح والتعديل للرازي ج 2 ص498.
[30] تقريب التهذيب لابن حجر ج 1 ص 154.
[31] تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ج9 ص322.
إرسال تعليق