الغسل والتيمم وبعض أسرارهما

بقلم: السيد عبد الله شبر

قال الشهيد الثاني: أمر في الغسل بغسل جميع البشرة، لأن أدنى حالات الإنسان وأشدها تعلقاً وتملكاً بالملكات الشهوية حالة الجماع وموجبات الغسل، ولجميع بدنه مدخل في تلك الحالة، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن تحت كل شعر جنابة»[1].

فحيث كان جميع بدنه بعيداً عن المرتبة العلية منغمساً[2] في اللذات الدنية كان غسله أجمع من أهم المطالب الشرعية، ليتأهل لمقابلة الجهة الشريفة والدخول في العبادة المنيفة[3]، ويبعد عن القوى الحيوانية واللذات الدنيوية.

ولما كان للقلب من ذلك الحظ الأوفر والنصيب الأكمل كان الاشتغال بتطهيره من الرذائل والتوجهات المانعة من درك الفضائل أولى من تطهير تلك الأعضاء الظاهرة عند اللبيب[4] العاقل.

وأمر بالتيمم بمسح تلك الأعضاء بالتراب عند تعذر غسلها بالماء الطهور وضعاً لتلك الأعضاء الرئيسية وهضماً لها بتلقيها بأثر التربة الخسيسة.

وهكذا يخطر بباله أن القلب إذا لم يمكن تطهيره من الأخلاق الرذيلة وتحليته بالأوصاف الجميلة فليقمه في مقام الهضم والإزراء ويسقه بسياط الذل والإغضاء[5]، عسى أن يطلع عليه مولاه الرحيم وسيده الكريم، وهو منكسر متواضع، فيهبه نفحة من نفحات نوره اللامع، فإنه عند القلوب المنكسرة[6] كما ورد في الأثر، فترق من هذه الإشارات ونحوها إلى ما يوجب لك الإقبال وتلافي سالف الإهمال ـ انتهى[7].

وقال الرضا عليه السلام في تتمة الرواية السابقة: «وأمر بالغسل من الجنابة دون الخلاء لأن الجنابة من نفس الإنسان، وهو شيء يخرج من جميع جسده، والخلاء ليس هو من نفس الإنسان، إنما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب»[8].

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام[9]: «وعلة التخفيف في البول والغائط أنه أكثر وأدوم من الجنابة فرضي فيه بالوضوء لكثرته ومشقته ومجيئه بغير إرادة منه ولا شهوة، والجنابة لا تكون إلا بالاستلذاذ منهم لأنفسهم[10]»[11].


ـــــــــــــــــ
[1] فقه الرضا عليه السلام، الإمام الرضا عليه السلام: 81 ، باب 3 الغسل من الجنابة وغيرها. وفيه النص: «أن تحت كل شعرة جنابة».
[2] غمس: الغمس: إرساب الشيء في الشيء السيال، أو الندى، أو في ماء،أو صبغ،غمسه يغمسه غمسا،أي: مقله فيه، وقد انغمس فيه واغمس.
لسان العرب، ابن منظور: 6/156، مادة "غمس".
[3] طود منيف: جبل عال.
مجمع البحرين، الطريحي: 3/ 68، مادة "طود".
[4] لبيب: عاقل ذو لب.
لسان العرب، ابن منظور: 1/730، مادة "لبب".
[5] الاغضاء: التغافل عن الشيء.
مجمع البحرين، الطريحي: 3/ 317، مادة "غضي".
[6] إشارة إلى قوله تعالى في الحديث القدسي: «أنا عند المنكسرة قلوبهم».
منية المريد، الشهيد الثاني: 123، فصل 6 في فضل العلم من الآثار وتحقيقات بعض العلماء.
[7] أنظر: رسائل الشهيد الثاني، زين الدين بن علي الشهيد الثاني: 113. المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 1/306 ــ 307، كتاب أسرار الصلاة.
[8] علل الشرائع، الشيخ الصدوق:1/ 258، باب 182 علل الشرايع وأصول الإسلام/ح9. وفيه النص:أن الجنابة من نفس الإنسان ... الحديث. والنص كما في المتن في رسائل الشهيد الثاني، زين الدين بن علي: 115.
[9] أي: "الإمام الرضا عليه السلام".
[10] في الفقيه والوسائل: "والإكراه لأنفسهم".
[11] من لا يحضره الفقيه، الصدوق: 1/ 67 ــ 77، كتاب الطهارة، باب العلة التي من اجلها وجب الغسل من الجنابة ولم يجب من البول والغائط/ ح2. وسائل الشيعة، الحر العاملي: 2/ 178، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، باب 2 وجوب الغسل من الجنابة وعدم وجوبه من البول والغائط/ ح1.

إرسال تعليق