الجذور التاريخية لسبي النساء

بقلم: السيد نبيل الحسني

إن الإحاطة بتاريخ السبايا يلزم منا أن نفرد كتاباً مستقلاً ــ حسب ما يمليه منهج البحث ــ إلا أن ذلك لا يمنع من الوقوف على الجذور التاريخية لظهور هذه الحالة الاجتماعية وانعكاساتها على الإنسان ومحيطه الذي يحيا فيه والغرض من ذلك الوقوف على معرفة الأسباب التي أدت إلى ظهور السبي في المجتمع العربي لتسري به بعد ذلك إلى المجتمع الإسلامي مما يجعل المتتبع أمام حقيقة مرة وهي عدم تمكن هؤلاء الأعراب من التخلص من الجاهلية وسننها والتعلق بمظاهرها وعاداتها.

فضلاً عن معرفة كونها سنة دخيلة على المجتمع العربي أو أنها عربية المنشأ والتصدير إلى الحد الذي لم يتمكن المسلمون من التخلص منها حتى بعد إسلامهم.


أولاً: أول من سبى السبايا من العرب
إن الوقوف على جذور السبي في الجزيرة العربية يدل على أنه، أي: السبي، كان منذ مدة ليست بالقصيرة قبل ظهور الإسلام، إذ يروي اليعقوبي في تاريخه قائلا:

(أول من سبى السبايا من العرب: سبا بن يعرب بن قحطان، وكان اسم (سبا) عبد شمس، وهو أول من ملك ملوك العرب وسار في الأرض وسبا السبايا) (تاريخ اليعقوبي: ج1، ص195).

ويبدو من مراجعة بعض النصوص أن سبا بن يعرب لم يكن قد ابتدع هذه السنة في العرب بل إن الأمم السابقة والتي أحاطت بالجزيرة العربية قد كانت تتعامل مع المرأة في الحروب بهذه الكيفية فضلاً عن امتلاك الرجال لنزعة الغزو والاقتناص والظفر بالمال والنساء.


ثانيا: سبي المرأة في الأمم السابقة
من المعلوم أن الإسلام قد كافح هذه الحالة الطبيعة في المجتمع الإسلامي الناتجة عن الرق بعد أن كان الرقيق يعاملون بأسوأ المعاملة؛ إذ تُملك المرأة المسبية فتكون مملوكة لمن سباها وأسرها وتحرم من جميع حقوقها الحياتية وتعامل كما تعامل الشاة يقدم لها العلف والماء ليؤخذ منها كل ما يمكن الانتفاع منه، فبدنها ملك وولدها ملك لمن وضع يده عليها تباع وتشترى كما يباع غيرها مما يمتلكه الرجل.

كل هذه المعاناة والآلام حاربها الإسلام ووضع لها قانوناً جديداً يرتكز على حفظ كرامة الإنسان ولاسيما المرأة مع تقنين عملية الرق القائم على حفظ الحقوق الإنسانية أولاً وكسب الخدمة من الرق المملوك وحفظ حق المالك.

إلا أن هذا الجهد الكبير لم يكن موازياً لتلك الترسبات التاريخية التي ضربت في المجتمع الإنساني سواء كان في أرض الرافدين أو عند ارض النيل أو الرومان وغيرهم.


السبي في شريعة حمورابي والرومان
(ففي شريعة حمورابي أن أولاد الرجل من جاريته لا يعدون أولاداً شرعيين، إلا إذا نسبهم إليه فإذا نسبهم إليه كان لهم حق الإرث، وإلا فلا ميراث، لكنهم يعتقون.

والرومان كانوا يعدون أولاد السبايا عبيداً كأمهاتهم.

وقد حدث (هيرودوت) عن اللاسيين أنهم كانوا يلقبون أولاد الإماء بأسماء أمهاتهم لا آبائهم، فلو سئل أحدهم عن اسمه ذكر اسمه واسم أمه ثم جدته لأمه.

وأعجب من هذا أن المرأة الحرة إذا تزوجت عبداً عد أولادها أحراراً.

أما إذا كان الزوج حرا وامرأته أمة فأولادها رقيق، وإن كان أبوه أعظم رجل في المملكة.

السبي عند اليهود
وكان (اليهود) لا ينسبون ابن الجارية إلى أبيه وإن تهود، لقول الكتاب: (عصوا الله وجاءوا بنسل غريب) لذلك كان من الطبيعي ألا يرث.

السبي عند الاشوريين والبابليين واليونانيين
وجرى (الآشوريون) على حرمان أبناء السبايا من الميراث إلا إذا لم يكن للأب أولاد من زوجة حرة.

وكذلك (البابليون) لم يورثوا ابن الأمة إلا إذا اعترف به أبوه أمام شهود.

وعدّ اليونان حرية هذا الابن إذا ادعاه أبوه ناقصة، لأنه من الجائز بعد موت أبيه أن يعود إلى الرق.

ولم تسم أمة بأبناء الإماء كما سمت مصر، لأن (المصريين) كانوا يسوونهم بأبناء الزوجات الشرعيات، حتى في التربية والميراث.


السبي عند العرب القدماء
أما العرب قبل الإسلام فكانوا لا يلحقون أبناءهم من الإماء بنسبهم، فلا يرثون إلا إذا ادعوهم، وأشهدوا على أنهم ألصقوا بهم نسبهم، فإن لم يلحق الرجل ابنه بنسبه استعبده، وإذاً فقد كان أبناء الإماء عبيداً في نظر العرب واليونان والرومان واللاسيين واليهود والبابليين.

وكانوا محرومين من الميراث في عرف العرب وشريعة حمورابي واليهود والآشوريين والبابليين، وكانوا لا يلحقون بنسب الآباء في هذه الأمم إلا إذا ادعوهم.

ولم يغاير في هذا العرب إلا المصريون القدماء، وأرسطو)( شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين للسيد علي القبانجي: ص455).


فهذا الرصيد التاريخي للسبايا والسبي والرق قد ضرب في الجزيرة العربية بكل قوة ونشأت حالة طبقية كبيرة في المجتمع العربي تعتمد على الغزو والأسر والسبي كي تروي ظمأ شهوات الرجال وتطفئ نيران غرائزهم وتشفي سقم سطوتهم على الضعفاء من الناس لاسيما المرأة.
ولذا: فقد واجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه النفوس بصبر وتأنٍ وحزم وجهد وجهاد حتى استطاع أن يغير كثيراً مما علق بالمجتمع الذي بعث فيه.

إرسال تعليق