بقلم الشيخ علي الفتلاوي
ما هو الغدر
الغدر هو نقض العهد وترك الوفاء به، فهو صفة ذميمة لا يتلبس بها إلا لئام الناس، بل هي صفة وحوش الحيوان كالذئاب، وصفة من لا دين له ولا مروءة، وصفة لا يتصف بها إلاّ من كان حقيراً بين الناس ذيلاً لرؤوسهم، عبداً لأحرارهم، فهي من الرذائل المهلكة، والشهوات الخبيثة التي ينفر منها العقلاء عند ذكرها، ويترفع عنها النبلاء عند التمكن منها لما لها من عاقبة وخيمة في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا صاحبها مطلوب مكروه وفي الآخرة صاحبها مأخوذ بعذاب الله تعالى.
وحيث أن الغدر هو نقض العهد وخلف الوعد نجد أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الأشتر يؤكد على قباحة الغدر فيقول: «وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر، فلا تغدرن بذمتك، ولا تخيسن بعهدك، ولا تختلن عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي» (نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام: ج3، ص107).
آثار الغدر
مما لا شك فيه أن للذنوب آثاراً في الدنيا وجزاء في الآخرة، فيكون الغادر ممن خسر الدنيا والآخرة معا وهو الخسران الأكبر، ولقد ذكرت الأحاديث الشريفة الآثار القبيحة لهذه الصفة:1ــ إذا عمل الإنسان سيئة، تسجل في سجل أعماله سيئة واحدة إلاّ أن بعض الأعمال هي سيئة بذاتها ولها أثر أقبح منها ألا وهو مضاعفة السيئات كصفة الغدر وهذا ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: «الغَدْرُ يُضاعِفُ السَّيِّئاتِ».
2ــ أن الإنسان الغادر يفقد قيمته عند الناس وتناله المهانة من الله تعالى وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين بقوله: «جانِبُوا الغَدْرَ؛ فَإنَّهُ مُجانِبُ القُرآنِ». وعنه عليه السلام قال: «إيّاكَ وَالغَدْرَ؛ فَإنَّهُ أقْبَحُ الخِيانَةِ، وَإنَّ الغَدُورَ لَمُهانٌ عِنْدَ اللهِ».
3ــ وأرشد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته من خلال وصيته لأمير المؤمنين عليه السلام أن لا تغدر وتنتهك أمان الله تعالى بين عباده، وحثها على أن الصبر في الشدة والبلاء وضيق الأمور خير لها من أن تغدر فتنال العاقبة الوخيمة وهذا ما صرح به في قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي فيما عَهِدَ إليه: «وَإيّاكَ وَالغَدْرَ بِعَهْدِ اللهِ وَالإخْفارَ لِذِمَّتِهِ؛ فَإنَّ اللهَ جَعَلَ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أماناً أمْضاهُ سبَيْنَ العِبادِ بِرَحْمَتِهِ، وَالصَّبْرُ عَلى ضِيقٍ ترجو انْفِراجَهُ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخافُ أوْزارَهُ وَتَبِعاتِهِ وَسُوءَ عاقِبَتِهِ».
4ــ سيقف الناس يوم القيامة بين يدي الحكم العدل ألا وهو الله سبحانه فيحكم بينهم، ويقف الخصم أمام خصمه ويدلي بشهادته ومطالبه فيحكم الله تعالى للمظلوم على الظالم، ولكن بالنسبة للغادر سيكون الخصم معه ليس المغدور فحسب بل الله تعالى هو الخصم، أي يكون الحكم هو الخصم وهذا من أشد المواقف على الغادر فلذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «قالَ اللهُ تَعالى: ثَلاثةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطى بي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ باعَ حُرّاً فَاكَلَ ثَمَنُهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأجَرَ أجِيراُ فَاسْتَوفى مِنْهُ العَمَلَ وَلَمْ يُوَفِّهِ أجْرَهُ».
نصائح لابد منها
1ــ رغم قباحة الغدر إلاّ أنه يشتد قباحة عندما يكون مع أصحاب القوة والحكم لما له من آثار وخيمة على الغادر وهذا ما صرح به أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «الغَدْرُ بِكُلِّ أحَدٍ قَبيحٌ، وَهُوَ بِذَوي القُدْرَةِ وَالسُّلْطانِ أقْبَحُ».2ــ إذا ائتمنك أخوك سراً لا يحق لك نشره والإعلان به؛ لأن ذلك نوع من أنواع الغدر، وهو الخيانة المقيتة فلذا ورد عن الإمام علي عليه السلام: «أقْبَحُ الغَدْرِ إذاعَةُ السِّرِّ».
3ــ الغادر لمهانته على الله تعالى لم يجعل الله تعالى له حرمة، ولم يكن له ذمام ولا يستحق الوفاء رغم أن الوفاء فضيلة ومنقبة لمن تحلى به، بل أن رد غدر الغادر بغدر مثله يعد من الوفاء؛ لأنه من المكر بالماكر وهذا ما يفهم من قول أمير المؤمنين عليه السلام: «الوَفاءُ لأهلِ الغَدْرِ غَدْرٌ عِنْدَ اللهِ، وَالغَدْرُ بِأهْلِ الغَدْرِ وَفاءٌ عِنْدَ اللهِ».
4ــ تحث الأحاديث الشريفة على تسمية الأشياء بأسمائها، كما دعت الناس إلى عدم الاشتباه في تغيير الحقائق، فلذا لا يحق للمؤمن أن يعدّ الغدر سلوكا عقلانيا، وأن لا يسميه ذكاءً وحذاقة، وحثت المؤمن على ذكر الله تعالى والالتزام بأوامره والانتهاء عن تواهيه وإن كان قادراً على فعل الحرام، وبخلاف ذلك يصبح المؤمن فاسقاً لا دين له، وهذا هو مضمون حديث أمير المؤمنين عليه السلام: «أيُّها النّاسُ، إنَّ الوَفاءَ تَوْأمُ الصِّديقِ، وَلاَ أعْلَمُ جُنَّةً أوْقى مِنْهُ، وَما يَغْدِرُ مَنْ يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ المَرْجِعُ، وَلَقَدْ أصْبَحْنا في زَمانٍ قَدِ اتَّخَذَ أكْثَرُ أهْلِهِ الغَدْرَ كَيْساً، وَنَسَبَهُمْ أهْلُ الجَهْلِ فيهِ إلى حُسْنِ الحِيلَةِ، ما لَهُمْ، قاتَلَهُمْ اللهُ؟! قَدْ يَرَى الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجْهَ الحِيلَةِ وَدُونَها مانِعٌ مِنْ أمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ، فَيَدَعُها رَأيَ عَيْنٍ بَعْدَ القُدْرَةِ عَلَيْها، ويَنْتَهِزُ فُرْصَتَها مَنْ لاَ حَرِيجَةَ لَهُ في الدِّينِ».
وعنه عليه السلام قال: «وَاللهِ ما مُعاوِيَةُ بِأدْهى مِنّي وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَولاَ كَراهِيَةُ الغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أدْهى النّاسِ، وَلكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرةٍ، وَكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٍ، وَلِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ، وَاللهِ ما أُستَغْفَلُ بِالمَكِيدَةِ، ولاَ أُسْتَغْمَزُ بِالشَّديدَةِ».
5ــ إياك والفضيحة على رؤوس الأشهاد، فلقد ورد في الأحاديث الشريفة أن أهل الغدر سترفع لهم ألوية يعرفون من خلالها ويفتضحون بين أهل الحشر، فيعرف الغادر ومقدار غدرته وهذا ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة: قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ لِكُلِّ غادِرٍ لِواءً يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ».
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا جَمَعَ اللهُ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ يَوْمَ القِيامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ، فَقيلَ: هذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ ابنِ فُلانِ!».
وجاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا إنَّهُ يُنْصَبُ لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَوْمَ القِيامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ».
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَوْمَ القِيامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، ألا وَلاَ غادِرَ أعْظَمُ غَدْراً مِنْ أميرِ عامّةٍ».
إرسال تعليق