هل كان بإمكان الإمام الحسين عليه السلام الرجوع عن قراره وعدم الذهاب إلى كربلاء؟

بقلم: الشيخ علي الفتلاوي

نص الخطبة


«أيُّها النّاسُ، إنَّها مَعْذِرَةٌ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ وَإلَيْكُمْ؛ إنِّي لَمْ آتِكُمْ حَتَّى أتتني كُتُبُكُمْ، وَقَدِمَتْ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ أنْ أقْدِمْ عَلَيْنا، فإنّه لَيْسَ لَنا إمامٌ لَعَلَّ الله يَجْمَعَنَا بِكَ عَلَى الهُدَى، فَإنَ كُنْتُمْ عَلَى ذلِكَ فَقَدْ جِئْتُكُم، فَإنْ تَعْطُونِي ما أطمَئِنُّ إلَيْهِ مِنْ عُهُودِكُمْ وَمَواثيقُكُمْ أقْدِمْ مِصْرَكُمْ، وَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَكُنْتُمْ لِمَقْدَمِي كارِهِينَ انَصرفْتُ عَنْكُمْ إلى المَكانِ الَّذي أقْبَلْتُ مِنْهُ إلَيْكُمْ».

المعنى العام


خاطب الإمام عليه السلام الناس بأن مجيئه إليهم بناء على طلبهم، ولهذا أراد أن يلقي الحجة عليهم ويرفع اللوم عن نفسه أمام الله تعالى وأمامهم، فذكرهم أنه لم يجئ إلا بعد أن جاءت رسائلهم ووصلت إليه رسلهم، وكان مضمون هذه الرسائل أن أقبل علينا، فإنه ليس لنا رئيس أو خليفة أو قائد غيرك، فنرجو من الله تعالى أن يضمنا إليك على الرشد والإيمان والاستقامة فإن ثبتم على ذلك سأقدم إليكم، وإن تمنحوني ما تسكن إليه نفسي من التزاماتكم وحفظكم لاتفاقاتكم أحضر إلى ولايتكم ومدينتكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمجيئي باغضين ذهبت عنكم إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى المكان الذي أتيت منه إليكم.

إلقاء الحجة


ينطلق الإمام الحسين عليه السلام في بيان سبب قدومه إلى العراق من كونه حجة الله على العباد وخليفته في الأرض، فألقى على سامعيه الحجة لكي لا تكون لأحد حجة عليه ولكي لا يقع الناس في اللبس والطمس للحقائق الذي مارسه الأمويون وأتباعهم من نشر الإشاعات بين الناس وإخفاء الحقيقة كقولهم: إن الإمام الحسين عليه السلام جاء إلى العراق طالبا للحكم وراغبا في السلطة، فهو بذلك يطلب الدنيا ويحرص عليها، وكقولهم: إن الإمام الحسين عليه السلام شق عصا الأمة، وأراد الفرقة دون سبب وجيه أو تبرير مقنع، فأعلن لهم عن سبب قدومه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أراد الإمام الحسين عليه السلام بهذا الطرح أن يسد الباب على من يدعي رفض الظلم ويرغب في محاربته، لو وجد القائد الذي ينشر راية الحق ويتصدى للظلم والظالمين، فوطن نفسه وبذل مهجته وأعلن حربه ضد الظالمين بنصره للمظلومين، ومن جهة ثالثة عمل الإمام بتكليفه الشرعي الذي يراه واجبا، لاسيما بعد أن استصرخته الأمة، واستغاثت به، ودعته لذلك فخرج ملبيا دعوة الحق التي دعا إليها الله سبحانه في كتابه الكريم كما في قوله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)[1].

وقوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[2].

وغيرهما من الآيات الكريمة التي تحث على دفع الظلم وبسط العدل ونصرة المظلومين كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)[3].

وقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[4].

فبخروجه على الظالمين وتلبيته لدعوة المظلومين ألقى الحجة على كل ذي لب وبصيرة، وامتثل لقول أبيه أمير المؤمنين عليه السلام إذ يقول:

«وَلَعَمْري، ما عَلَيَّ مِنْ قِتالِ مَنْ خالَفَ الحَقَّ وخابَطَ الغَيَّ مِنْ إدهانٍ وَلاَ إيْهانٍ، فَاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ، وفِرّوا إلى اللهِ مِنَ اللهِ، وامْضوا في الّذي نَهَجَهُ لَكُمْ، وَقوموا بِما عَصَبهُ بِكُمْ، فَعليٌّ ضامِنٌ لِفَلْجِكُمْ آجِلاً إنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ عاجِلاً»[5].

ــ هل يجوز للإمام الرجوع؟


ورد عنه عليه السلام في خطبته قوله: (فَإنَ كُنْتُمْ عَلَى ذلِكَ فَقَدْ جِئْتُكُم، فَإنْ تَعْطُونِي ما أطمَئِنُّ إلَيْهِ مِنْ عُهُودِكُمْ ومواثيقكم أقْدِمْ مِصْرَكُمْ، وَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَكُنْتُمْ لِمَقْدَمِي كارِهِينَ انَصرفْتُ عَنْكُمْ إلى المَكانِ الَّذي أقْبَلْتُ مِنْهُ إلَيْكُمْ).

عند التأمل في هذا المقطع من الخطبة المباركة يظهر لنا أن الإمام الحسين عليه السلام يشير إلى إمكان تبديل موقفه والرجوع إلى بلده وكأنّ شيئا لم يكن، فتقع في قلب أهل الجهل والتعصب أسئلة كثيرة:

1ــ هل يصح في حق إمام معصوم أن يدخل مدخلا دون التأكد من سلامته وعواقبه، فيسأل الناس بعد أن طوى مراحل كثيرة في مسيرته ووصل ما وصل إليه الآن، ألا ينبغي أن يتأكد من ذلك قبل قدومه؟

2ــ ألم يكن خروج الإمام عليه السلام ضد الظالمين ثورة لا يصح التراجع عنها؟

3ــ هل يصح للإمام عليه السلام أن يضع قراراته المصيرية بين أيدي الناس، إما أن يقدم أو يرجع؟

4ــ إذا كان خروج الإمام عليه السلام ضد الظالمين تكليفا شرعيا فهل يجوز له ترك التكليف؟

5ــ إذا رجع الإمام عليه السلام عن موقفه فلا ضير عليه من قبل السلطة الحاكمة؛ لما يتمتع به من منزلة عظيمة في الأمة تمنحه الحصانة التامة، ولكن ما هو مصير من خرج مع الإمام عليه السلام؟ ألم يقع في حرج وخوف؟

6ــ ألا يَعُدّ هذا التراجع خذلانا للحق وللمظلومين؟

7ــ ألا يَعُدّ هذا التراجع تأكيدا على حب السلامة والنجاة وهذا بدوره يعد حرصا على الدنيا؟

8ــ ألا يَعُدّ هذا التراجع تأكيدا لمدعى من يتهم الإمام بحب السلطة والحكم، وليس إقامة العدل والاصلاح كما هو شعار الإمام عليه السلام؟

ولعل هناك أسئلة أخرى تجول في خواطر الآخرين، لاسيما المشككين والنواصب والجاهلين بمقام الإمامة.

ولكي يتضح الجواب على هذه الأسئلة وغيرها نورد بعض الالتفاتات نلفت إليها نظر المنصفين:

1ــ إن الإمام الحسين عليه السلام إمام معصوم بنص آية التطهير وآيات أخر كآية المودة وغيرها.

2ــ إن الإمام الحسين عليه السلام إمام معصوم بنص حديث الثقلين وأحاديث أخرى كحديث الإمامة وحديث السيادة في الجنة وغيرها، وهذا يؤكد أن الإمام عليه السلام إنما ألقى هذا الخطاب لحكمة هو أعرف بها فضلا عن إلقاء الحجة عليهم.

3ــ اتضح من سيرة الإمام الحسين عليه السلام أنه حكيم في فعله وقوله وقراراته فلا يقدم على أمر بهذه الخطورة دون حكمة أو هدف سامٍ.

4ــ لم يكن علم الإمام الحسين عليه السلام بحقيقة العواقب ودرايته بمصيره مانعا عن إلقاء الحجة على هؤلاء القوم لكي لا يكون لأحد عليه حجة.

5ــ نعتقد أن الإمام المعصوم لا يقوم ولا يقعد إلاّ بحساب، فيلزم من هذا أنه عليه السلام ما قال ذلك إلاّ وهو يعلم أن هذا القول لا يخرج عن مرضاة الله تعالى، ولا يترتب عليه مفسدة أو خلل أو نقص، فلذا لا يمكن أن ترد هذه التشكيكات حول حكمة الإمام وصحة قوله ودقة موقفه.

6ــ من يقف على سيرة الإمام الحسين عليه السلام وحركته من المدينة إلى العراق يتضح له موقف الإمام الحاسم الذي لا تردد فيه، فحينئذ يفسر قوله هذا بأنه إلقاء الحجة عليهم من خلال دعوتهم إلى نصرته أو تركهم إياه يرجع إلى مكانه.

ــــــــــــــــ
[1] سورة النساء، ألآية: 76.
[2] سورة التوبة، الآية: 29.
[3] سورة الشورى، الآية: 39.
[4] سورة الروم، الآية: 47.
[5] نهج البلاغة: الخطبة 24. ميزان الحكمة: ج2، ص744، ح3470.

1 التعليقات:

ان الحسين عليه السلام كان عارفا بمصرعه فهو يخاطب قوما كانت لهم الحجة عليه بالمواثيق والعهود فكان جوابه لهم كجواب يعقوب لابنائه يابني اذهبو فتحسسوا من يوسف واخيه ولاتايسوا من روح الله انه لا يايس من روح الله ءالا القوم الكافرون فهو يريد الواقع الذي سيختلفون فيه ثم يقول لهم معذرة الى الله لانه على خطى قوله تعالى وللله الحجة البالغة ثم للتاكيد يقول لقد اتتني كتبكم من خلال رسلكم فهنا الحسين يريد قلوبهم لا ما تقول كتبهم لعل احدهم في ذلك الواقع الاليم ينكر اي كتاب فيقول لهم ان كان كما اتتني كتبكم فقد جئتكم ثم يبين بصيرتهم الايمانية او الشيطانية فان اعطيتموني ما اطمئن اليه من عهودكم ومواثيقكم وهي كما قلنا اقرارهم على خط الكتب وعلى حبكم الهدى والاجتماع على امامة الحق واما قوله وان لم تفعلوا وكنتم كارهين انصرف عنكم يريد به رد الفعل منهم وايقاعهم في عهد الله وذمة التاريخ لانه امام مفترض الطاعة وليس طالب حكم والله قال لموسى اذهب انت واخوك با ياتي ولا تنيا في ذكري فهل من المقول ان الحسين يترك عهود الله وهو اشرف من موسى من ناحية المنزلة واما الرجوع الى مكانه من حيث اتى هو من باب الزام القوم بما كتبو حقيقة ومنهجا وعرفا وليس لعاقل ان ينكر ماكتبت يداه وما ربك بظلام للعبيد فهل ياتي شخص الى صديق للضيافة عنده في موعد محدد ثم يصل دراه ويقول ان كرهت ولم توعدني فاني راجع بعائلتي فلا يقبلها ذو عقل ولامروءة فكان الحسين اراد هذا وحين ذكرهم الست عربا كما تزعمون

تعليق

إرسال تعليق