بقلم: الشيخ حسن الشمري
«: يا بني: إنّي قد كفيتك الشد والترحال، ووطأت لك الأمور، وذللت لك الأعداء، وأخضعت لك رقاب العرب، وجمعت لك ما لم يجمعه أحد، فانظر أهل الحجاز فإنهم أصلك، وأكرم من قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل كلّ يوم عاملاً فافعل، فإن عزل عامل أيسر من أن يشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، فإن رابك من عدوك شيء فانتصر بهم، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم، فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم تغيّرت أخلاقهم، وإنّي لست أخاف عليك أن ينازعك في هذا الأمر إلا أربعة نفر من قريش: الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فأما ابن عمر فإنّه رجل قد وقذته العبادة، فإذا لم يبق واحد غيره بايعك، وأما الحسين بن علي فهو رجل (خفيف) ولن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه، فإن خرج وظفرت به فاصفح عنه فإنّ له رحماً ماسة، وحقاً عظيماً، وقرابة من محمد، وأما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله ليس له همة إلا في النساء واللهو، وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك مراوغة الثعلب، فإن أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها بك فظفرت به فقطّعه إرباً إرباً، واحقن دماء قومك ما استطعت»[1].
أولاً
هذه الرسالة يبدو عليها آثار الوضع، وهي كذلك ففيها ما يبيّض وجه معاوية بن أبي سفيان الأسود، حيث تنعته بالرحمة والرأفة، وصلة الرحم بالإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وهو بالأمس قتل سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسن بن علي عليه السلام، وتآمر على قتل أمير المؤمنين عليه السلام، ثم قتل من أهل البيت عليهم السلام الكثير، ومن الصحابة ما لا يحصى.
ثانياً
وكيف يرقّ معاوية ويرحم وقد ولّى يزيد العهر والجريمة والمجون، ومعاوية يعلم بنوايا يزيد وسلوكه المتهتّك، وهو القائل: «لولا هواي في يزيد لأبصرت فيه رشدي»[2].
فإذن كيف يترقّب من ولده العاهر الرحم الماسّة، والحق العظيم لأبي عبد الله الحسين عليه السلام.
ويحزّ في نفسي أنّ بعض خطباء المنبر الحسيني يورد هذه الوصية، وهذا خطأ فاحش، فمعاوية تواطأ مع يزيد في القضاء على المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام حتى لو لم يخرج على يزيد، وسوف نثبت ذلك.
ثالثاً
إنّ في الوصية مغالطات، فمعاوية ينبّه يزيد من عبد الرحمن بن أبي بكر، وقد نصّ المؤرّخون أنه توفي في حياة معاوية[3].
رابعاً
لم يكن معاوية يرقب في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاً ولا ذمّة ولو راعى ذلك لوفَّى بعهده، وطبّق الشروط التي تحفظ ذمة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم في ولده الإمام الحسن عليه السلام فقد اشترط مع الإمام الحسن عليه السلام إرجاع الخلافة إلى أصحابها الحقيقيين، وهم أهل البيت عليهم السلام، لأنّ من الشروط إرجاع الخلافة إلى الإمام الحسين عليه السلام[4].
خامساً
وكيف ترقب من إنسان إلاً وذمة، وهو قد قتل الآلاف من الأبرياء في سبيل الحكم، وكان مستعداً لقتل الملايين، إنه معاوية بن أبي سفيان الذي بلغ حبّ السلطة عنده ما لم يبلغ عند أحد من حكام الجور، فمن الطبيعي أن يرى ولده يزيد وهو متسلّط على رقاب الأمة يسومهما الخسف، ويلبسها الذلّة والصغار.
سادساً
لو كان معاوية يوصي بالإمام الحسين عليه السلام خيراً لما أقدم يزيد على أخذ البيعة من الإمام عليه السلام حتى لو كلفته حياته، وهذا ما أفصح عنه «: مروان بن الحكم»[5].
سابعاً
ثم أين الرأفة والرحم؟ ومعاوية يلهج، وعلى رؤوس الأشهاد: «: وهذا ابن أبي كبشة يصاح به في اليوم خمس مرات، لا والله إلا دفناً، لا والله إلا دفناً دفناً»[6].
فهذه الرسالة لا تصحّ، ولا يمكن نسبتها إلى معاوية بن أبي سفيان، وأرجو من الكتّاب والخطباء ملاحظة ذلك.
ـــــــــــــــــ
[1] الكامل في التاريخ: ابن الأثير: ج4/ص6. البداية والنهاية: ابن كثير، ج8/ص123. تاريخ ابن خلدون: ابن خلدون، ج3/ص18.
[2] الصراط المستقيم: علي بن يونس العاملي، ج3/ص50. حياة الإمام الحسين عليه السلام: الشيخ باقر شريف القرشي، ج2/ص197.
[3] حياة الإمام الحسين عليه السلام: الشيخ باقر شريف القرشي، ج2/ص238.
[4] صلح الإمام الحسن عليه السلام: الشيخ آل ياسين.
[5] الطبري: أحداث البيعة.
[6] بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج33/ص170. النصائح الكافية لمن يتولى معاوية: محمد بن عقيل، ص124.
1 التعليقات:
عاشت الايادي وجزاكم الله خير جزاء
تعليقإرسال تعليق