بقلم: الشيخ وسام البلداوي
الرزق كما يقول الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه: (الرزق مقسوم على ضربين: أحدهما واصل إلى صاحبه وإن لم يطلبه. والآخر معلق بطلبه. فالذي قسم للعبد على كل حال آتيه وإن لم يسع له، والذي قسم له بالسعي فينبغي أن يلتمسه من وجوهه)[1]، وكما يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه رزقان، رزق يطلبك ورزق تطلبه، والذي يظهر من نص زيارة عاشوراء ان التوفيق لطلب ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه مع الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه هو من مصاديق القسم الثاني من أقسام الرزق، أي من الرزق الذي تطلبه، لأنه لو كان من الرزق الذي يطلبك لما كان ضروريا ان يطلبه الإمام المعصوم صلوات الله وسلامه عليه ويتوسل إلى الله سبحانه وتعالى لنيله.
وكونه من الرزق الذي يجب على الإنسان طلبه يستتبع شيئين مهمين:
ألف: ان رزق التوفيق لنصرة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه وطلب ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هو ليس من الأمور الاستحقاقية اللازمة التي ينالها المرء بالاستحقاق الذاتي، بل هو من الأمور التفضلية التي يمن بها الله سبحانه على من يشاء من عباده، فلو كانت النصرة وطلب الثار بالاستحقاق لكان الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولى الناس وأحقهم به، فلا داع حينئذ ان يسأله المعصوم من الله سبحانه وتعالى في الزيارة، وهذا هو الظاهر من عبارة الزيارة.
والذي يخطر بالبال ان الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين خارجون عن هذا الظاهر وهم أولى الناس بنصرة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه وأحقهم بطلب ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وهم خارجون عن هذه القاعدة دون غيرهم من الناس، وتوسلهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وطلبهم من الله سبحانه وتعالى النصرة وطلب الثار في الزيارة لتبيان الأهمية من جهة ولتعليم الناس وتوجيههم من جهة ثانية ولإيضاح ان هذا الشرف وهذه المنزلة لا تنال إلا بالدعاء والطلب والتوفيق الإلهي مهما كانت درجة الإنسان في سلم الكمال، إذ قد تعطى لإنسان فقير معدم مغمور الذكر خامل النسب ويحرم منها عالم مشهور بورعه وعلمه وتقواه، نسأل الله أن يمن علينا ذلك بلطفه ورحمته.
باء: ان التوفيق لطلب الثار بمعية الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه وان كان من الأمور التفضلية التي يمن الله سبحانه وتعالى بها على بعض عباده دون بعضهم الآخر، إلا ان هذا المنّ والتفضل والفيض ليس جزافيا، لان الله سبحانه وتعالى حكيم في كل أفعاله وعطاياه، فلا يفعل العبث ولا يعطي جزافا، وعليه فلابد ولكي يستحق الإنسان ان يمن عليه بالتوفيق لطلب الثار مع الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه ان يوجد في نفسه شروط ذلك وأسبابه، شأنه شأن جميع الأمور والأرزاق التي يطلب من الإنسان السعي لتحصيلها، مثل الفلاح الذي في سبيل جني ثمرة التفاح أو غيرها من الثمار، فإن عليه ان يحرث الأرض ويزرع النبتة ويوصل إليها الماء والشمس ويمنع وصول الطير والآفات إليها ويصبر عليها الأيام والليالي وربما الأشهر والأعوام، حتى يجني بعد كل ذلك التعب الثمرة المرجوة، وكل هذا الجد والجهد والتعب في سبيل تفاحة لذتها وفائدتها محدودة ووقتية وضيقة، فكيف بالذي يريد الوصول إلى هدف وثمرة يتمنّى نيلها والوصول إليها الملائكة الكرام والرسل والأنبياء العظام، فإن التعب سيكون أكثر والجهد أعظم بكثير من زارع نبتة التفاح، ومثل هذه المراتب لا ينالها إلا ذو حظ عظيم ولا يتوصل إليها العبد مهما أوتي من جهد وجد وطاقة إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى ومنّه ولطفه، نسأل الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا وجميع الموالين طلب ثار الإمام الشهيد صلوات الله وسلامه عليه مع الإمام المهدي المنصور عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ـــــــــــ
[1] المقنعة للشيخ المفيد ص 586 ــ 587.
إرسال تعليق