بقلم: السيد عبد الله شبر، تحقيق شعبة التحقيق في قسم الشؤون الفكرية
إعلم أن هذه الشهوة من أعظم المهلكات لابن آدم إن لم تضبط وتقهر وترد إلى حد الاعتدال، ولها طرفان: إفراط بأن تقهر العقل فتصرف همة الرجل إلى التمتع بالنساء والجواري فتحرمه عن سلوك طريق الآخرة وقد تقهر الدين وتجر إلى اقتحام الفواحش، وقد تنتهي به إلى الفسق البهيمي الذي ينشأ عن استيلاء الشهوة فيسخر الوهم العقل لخدمة الشهوة. وقد خلق العقل ليكون مطاعاً لا ليكون خادماً للشهوة محتالاً لأجلها، وهو مرض قلب فارغ لا همة له، ولذا قيل: إن الشيطان قال[1] للمرأة: أنت نصف جندي وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطئ، وأنت موضع سري، وأنت رسولي في حاجتي[2]. فنصف جنده الشهوة ونصفه الغضب.
وأعظم الشهوة شهوة النساء، ويجب الاحتراز منها في مبدأ الأمر بترك معاداة النظر والفكر، وإلا فإذا استحكم عسر دفعه، ولهذا قيل: إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله[3].
وقال الله تعالى: ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ))[4].
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: النظرة[5] سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله أعطاه الله[6] إيماناً يجد حلاوته في قلبه[7].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء[8].
وتفريط هذه الشهوة إما بالعفة الخارجة من الاعتدال أو بالضعف عن امتناع المنكوحة، وهو أيضاً مذموم، والمحمود أن تكون هذه الشهوة معتدلة منقادة للعقل والشرع في الانبساط والانقباض، ومهما أفرطت فكسرها يكون بالجوع والصوم وبالتزويج. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: معاشر الشباب عليكم بالباءة[9]، فمن لم يستطع فعليه بالصوم، فإن الصوم[10] له وجاء[11]. [12]
والحكمة في إيجاد هذه الشهوة مع كثرة غوائلها وآفاتها بقاء النسل ودوام الوجود، وأن يقيس بلذتها لذات الآخرة، فإن لذة الوقاع لو دامت لكانت أقوى لذات الأجساد، كما أن ألم النار أعظم آلام الجسد، والترهيب والترغيب يسوقان الخلق إلى سعاداتهم وثوابهم[13].
ــــــــــــــ
[1] في الإحياء: "يقول".
[2] إحياء علوم الدين، الغزالي: 3/ 90، كتاب كسر الشهوتين، القول في شهوة الفرج.
[3] أنظر: جامع السعادات، النراقي: 2/ 12 ــ 13، المقام الثالث، الشهوة الجنسية. إحياء علوم الدين، الغزالي: 3/ 90، كتاب كسر الشهوتين، القول في شهوة الفرج.
[4] سورة النور/ 30.
[5] في الجامع: "النظر".
[6] ليس في الجامع لفظ الجلالة: "الله".
[7] جامع الأخبار، الشعيري: 145، الفصل السابع والمائة في الزنا.
[8] كشف الخفاء، العجلوني: 1/ 39، الهمزة مع التاء المثناة/ ح76.
[9] عليكم بالباءة، يعني: النكاح والتزوج. يقال فيه الباءة والباء، وقد يقصر، وهو من الباءة: المنزل، لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا. وقيل: لأن الرجل يتبوأ من أهله، أي: يستمكن كما يتبوأ من منزله.
النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير: 1/ 157، باب الباء مع الواو، مادة "بوأ".
[10] في الإحياء: "فالصوم".
[11] وجى بوزن عصا، يريد التعب والحفى، إلا أن يراد فيه معنى الفتور. لأن من وجي فتر عن المشي، فشبه الصوم في باب النكاح بالتعب في باب المشي.
لسان العرب، ابن منظور: 1/ 191. مادة "وجأ".
[12] إحياء علوم الدين، الغزالي: 3/ 91، كتاب كسر الشهوتين، القول في شهوة الفرج.
[13] أنظر: الحقايق في محاسن الأخلاق، الفيض الكاشاني: 68، الباب الثاني فيما يؤدي إلى مساوي الأخلاق، الفصل الأول الاعتدال في شهوتي البطن والفرج. إحياء علوم الدين، الغزالي: 3/90 ــ 91، كتاب كسر الشهوتين، القول في شهوة الفرج.
إرسال تعليق