بقلم: الشيخ وسام البلداوي
وربما يقال: كيف يمكن أن نصحح ان يطلب الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه او سائر الزائرين بهذه الزيارة الشريفة أن يرزقه الله سبحانه وتعالى طلب ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه مع الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه وهو يعلم يقينا بأن عمره لن يصل إلى ذلك اليوم، لان الغالب في ظن اغلب الداعين بهذا الدعاء ــ ان لم يكن مقطوعا به ــ هو عدم بلوغهم إلى ذلك اليوم الموعود، وعليه، أليس في هذا الدعاء نوع من العبثية وعدم الدقة في الطلب؟
أقول: ان هذا الدعاء من الإمام صلوات الله وسلامه عليه ومن سائر شيعته الكرام هو على نحو الترجي والتمني والالتماس لوجه من وجوه الخير، وهو أمر حسن ومستساغ شرعا وعقلا، وقد وردت نصوص عن أئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين تؤكد على أن العبد يستطيع أن يبلغ بنيته وقصده مراتب عالية من الكمال، حتى وان لم يوفق لفعل وتحقيق تلك النية وذلك القصد في الخارج، منها ما عن أبي بصير، عن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه انه قال: (إن العبد المؤمن الفقير ليقول يا رب ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير، فإذا علم الله ذلك منه بصدق نيته كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إن الله واسع كريم)[1].
وعن أبي عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه أيضا قال: (ما من مؤمن سن على نفسه سنة حسنة أو شيئا من الخير ثم حال بينه وبين ذلك حائل إلا كتب الله له ما أجرى على نفسه أيام الدنيا)[2].
وعن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه أيضا عن آبائه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تمنى شيئا وهو لله عز وجل رضا لم يخرج من الدنيا حتى يعطاه)[3].
وقد ورد في كثير من الأخبار ان الإنسان مع من أحب وله مثل أجره فان كان خيرا فخير وان كان شرا فشر، كما روي عن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه انه قال: (ان الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة)[4]، وروى المخالفون قريباً من هذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (يحشر الناس على نياتهم)[5]، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: (الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى)[6].
وربما شارك الإنسان أجر أناس عاشوا قبله أو بعده بمئات السنين بل وبآلاف السنين أيضا، لا لشيء إلا لأنه محب لعملهم، كما في الحديث المروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه لما فرغ من قتل الخوارج يوم النهروان (قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين طوبى لنا إذ شهدنا، معك هذا الموقف، وقتلنا معك هؤلاء الخوارج فقال أمير المؤمنين «عليه السلام» والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد شهدنا في هذا الموقف أناس لم يخلق الله آباءهم ولا أجدادهم بعد، فقال الرجل: وكيف يشهدنا قوم لم يخلقوا؟ قال: بلى قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه، ويسلمون لنا، فأولئك شركاؤنا فيما كنا فيه حقا حقا)[7].
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه: (إنما يجمع الناس الرضا والسخط، فمن رضي أمرا فقد دخل فيه ومن سخطه فقد خرج منه)[8].
ويوجد توجيه ثانٍ وجواب آخر، وهو ان المشهور ان لم نقل المتواتر والمتسالم به عند أصحاب المذهب الحق مذهب أتباع أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ان هنالك رجعة عند خروج الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه يحيي الله سبحانه وتعالى بها بعض المؤمنين وبعض الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أو جميعهم على اختلاف الآراء في ذلك، لينعموا بنصرة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه والعيش في دولته الكريمة تلك الدولة التي كانت حلم جميع الأنبياء والمرسلين والأوصياء والصالحين منذ ان خلق الله سبحانه وتعالى أبا البشر آدم صلوات الله وسلامه عليه، وقد وردت عدة نصوص شرعية عن الأئمة الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وعلماء الطائفة الأبرار رحمهم الله توضح حقيقة الرجعة وإمكان وقوعها في زمن الإمام المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه، بل ووقوعها فعلا في الأمم السالفة.
وقد الفت في إثباتها واستقصاء مسائلها عشرات الرسائل والمؤلفات والمصنفات العلمية، وقد عد محقق كتاب (الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) للحر العاملي[9] أربعة وأربعين مصنفا في موضوع الرجعة وقد ذكر أسماءها وأسماء مصنفيها تفصيلا، وهذا الإكثار في التصنيف ان دل على شيء فانه يدل على أهمية موضوع الرجعة ومدى اهتمام العلماء الماضين والمتأخرين والمعاصرين بهذا الموضوع لأنه يعد من إحدى عقائد الشيعة الإثني عشرية.
ومن تلك الأقوال التي حكت إجماع الشيعة الاثني عشرية على الاعتقاد بالرجعة وإمكانها هو قول الشريف المرتضى قدس الله روحه حينما سُئل عن حقيقة الرجعة، لأن شذاذ الإمامية يذهبون إلى أن الرجعة رجوع دولتهم في أيام القائم عليه السلام من دون رجوع أجسامهم، فأجابهم قدس الله روحه بقوله: (إعلم أن الذي تذهب الشيعة الإمامية إليه أن الله تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي عليه السلام قوما ممن كان قد تقدم موته من شيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته. ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم، فيلتذوا بما يشاهدون من ظهور الحق وعلو كلمة أهله. والدلالة على صحة هذا المذهب أن الذي ذهبوا إليه مما لا شبهة على عاقل في أنه مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه، فإنا نرى كثيرا من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من يراها مستحيلة غير مقدورة. وإذا أثبت جواز الرجعة ودخولها تحت المقدور، فالطريق إلى إثباتها إجماع الإمامية على وقوعها، فإنهم لا يختلفون في ذلك. وإجماعهم قد بينا في مواضع من كتبنا أنه حجة، لدخول قول الإمام عليه السلام فيه، وما يشتمل على قول المعصوم من الأقوال لا بد فيه من كونه صوابا)[10].
ومن الأحاديث الصريحة فيما نحن فيه ما روي عن المفضل بن عمر قال: (ذكرنا القائم عليه السلام ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام: إذا قام أتى المؤمن في قبره فيقال له: يا هذا إنه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم)[11].
ومثله عن سيف بن عميرة، قال: (قال لي أبو جعفر «عليه السلام»: المؤمن ليخير في قبره، إذا قام القائم، فيقال له: قد قام صاحبك، فإن أحببت أن تلحق به فالحق، وإن أحببت أن تقيم في كرامة الله فأقم)[12].
وقد زخرت الزيارات الشريفة بحقيقة أنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين سيرجعون، وكذلك سيرجع جمع من شيعتهم ومحبيهم لغرض النصرة والعيش تحت ظلهم ورعايتهم، ومن هذه الزيارات الشريفة زيارة الجامعة التي تسالمت صحة صدورها وعلو مضامينها، والتي جاء في بعض فقراتها المباركة: (أشهد الله وأشهدكم أني مؤمن بكم وبما آمنتم به كافر بعدوكم وبما كفرتم به، مستبصر بشأنكم وبضلالة من خالفكم، موال لكم ولأوليائكم، مبغض لأعدائكم ومعاد لهم، سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم محقق لما حققتم، مبطل لما أبطلتم، مطيع لكم، عارف بحقكم، مقر بفضلكم، محتمل لعلمكم، محتجب بذمتكم معترف بكم، ومؤمن بإيابكم، مصدق برجعتكم، منتظر لأمركم، مرتقب لدولتكم...)[13].
ومنها ما ورد في زيارة الإمام صاحب العصر والزمان صلوات الله وسلامه عليه: (مولاي فان أدركني الموت قبل ظهورك، فاني أتوسل بك وبآبائك الطاهرين إلى الله تعالى، واسأله ان يصلي على محمد وآل محمد وان يجعل لي كرة في ظهورك، ورجعة في أيامك، لأبلغ من طاعتك مرادي، وأشفي من أعدائك فؤادي)[14].
وفي زيارة أخرى جاء فيها: (وان حال بيني وبين لقائه الموت الذي جعلته على عبادك حتما وأقدرت به على خليقتك رغما، فأحيني عند ظهوره خارجا من حفرتي، مؤتزرا بكفني، حتى أجاهد بين يديه في الصف الذي أثنيت عليهم في كتابك، فقلت: ((كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ))[15]، اللهم طال الانتظار، وشمت بنا الفجار، وصعب علينا الانتصار، اللهم أرنا وجه وليك الميمون في حياتنا وبعد المنون. اللهم إني أدين لك بالرجعة بين يدي صاحب هذه البقعة، الغوث الغوث الغوث يا صاحب الزمان، قطعت في وصلتك الخلان، وهجرت لزيارتك الأوطان)[16] وتوجد زيارات أخرى يطول ذكرها قد تركناها روما للاختصار.
فيتحصل مما سبق ان سؤال الإمام صلوات الله وسلامه عليه وباقي المؤمنين الكرام صحيح موافق للموازين الشرعية حتى وان حال دون تحقق مرادهم الموت الذي جعله الله حقا على عباده، لان استجابة دعائه صلوات الله وسلامه عليه ودعاء شيعته الكرام سيكون في الرجعة التي ستقع يقينا حين خروج الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.
ــــــــــــــ
[1] المحاسن لأحمد بن محمد بن خالد البرقي ج1 ص261.
[2] المصدر السابق ص28.
[3] الأمالي للشيخ الصدوق ص 674.
[4] المحاسن لأحمد بن محمد بن خالد البرقي ج1 ص262.
[5] سنن ابن ماجة لمحمد بن يزيد القزويني ج2 ص1414.
[6] صحيح البخاري ج1 ص20 كتاب الإيمان.
[7] المحاسن لأحمد بن محمد بن خالد البرقي ج1 ص262.
[8] المصدر السابق.
[9] الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة للحر العاملي تحقيق مشتاق مظفر.
[10] رسائل المرتضى للشريف المرتضى ج 1 ص 125 ــ 126، المسألة الثامنة، حقيقة الرجعة.
[11] الغيبة للشيخ الطوسي ص 459.
[12] دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري «الشيعي» ص 479.
[13] من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ج 2 ص 614.
[14] المزار لمحمد بن المشهدي ص 588.
[15] سورة الصف الآية رقم 4.
[16] المصدر السابق ص 658.
إرسال تعليق