الفقر الممدوح والفقر المذموم

بقلم: السيد عبد الله شبر، تحقيق شعبة التحقيق في قسم الشؤون الفكرية

وقد ورد مدحه وذمه أيضاً، وخلاصة الكلام فيه أن الفقر إما أن يكون إلى الله فقط لا إلى سواه ــ بأن يكون متعففاً عن الناس غني النفس ــ هذا في أعلى مراتب الكمال، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الفقر فخري[1].

ومدح الله أهله بقوله:((يَحْسَبُهُمُ الْجٰاهِلُ أَغْنِيٰاء مِنَ التَّعَفُّفِ))[2].

وإما أن يكون إلى الناس، بأن يكون دائماً مظهراً للشكوى والحاجة متحملاً لذل السؤال والطمع بما في أيدي الناس فهو في أدنى مراتب النقص، وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم: الفقر سواد الوجه في الدارين[3]. لأن صاحبه يكون ممقوتاً[4] عند الله وعند الناس، وصاحبه يخسر الدنيا والآخرة[5].

وإما أن يكون إلى الله مرة وإلى الناس أخرى، وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم: كاد الفقر أن يكون كفراً[6]. لأنه شبيه بالشرك.

وينبغي للفقير أن يكون قانعاً منقطع الطمع عن الخلق غير ملتفت إلى ما في أيديهم، ولا حريصاً على اكتساب المال كيف كان، ولا يمكنه ذلك إلا بأن يقنع بقدر الكفاف ويقصر الأمل، إذ لو كان حريصاً طماعاً لجره الحرص والطمع إلى مساوئ الأخلاق وارتكاب المنكرات[7]. قال صلى الله عليه وآله وسلم: ما من أحد غني ولا فقير إلا ودّ يوم القيامة أنه كان أوتي قوتاً في الدنيا[8].[9]

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا معاشر[10] الفقراء أعطوا الله الرضا من قلوبكم تطفروا[11] بثواب فقركم وإلاّ فلا[12].

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ابن آدم إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك فإن أيسر ما فيها يكفيك، وإن كنت تريد[13] ما لا يكفيك فإن كل ما فيها لا يكفيك[14].

وقال الباقر عليه السلام: إياك أن تطمع بصرك إلى من هو فوقك، وكفى بما قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ((وَلا[15] تُعْجِبْكَ أَمْوٰالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ))[16]. وقال: ((وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مٰا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنيا))[17] فإن دخلك من ذلك شيء فاذكر عيش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنما كان قوته الشعير وحلواه التمر ووقوده السعف إذا وجد[18].

ـــــــــــــــــ

[1] جامع الأخبار، تاج الدين الشعيري: 111، الفصل السابع والستون في الفقراء.

[2] سورة البقرة/ 273.

[3] عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي:1/40، الفصل الرابع في ذكر أحاديث/ح41.

[4] المقت: بغض من أمر قبيح ركبه، فهو مقيت. ومقته الناس مقتا فهو ممقوت.

كتاب العين، الفراهيدي: 5/ 132، مادة "مقت".

[5] أنظر: المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 6/ 46 ــ 49، كتاب ذم المال، بيان تفصيل آفات المال و فوائده.

[6] مجموعة ورام، ورام بن أبي فراس: 1/ 158، بيان مدح المال.

[7] أنظر: إحياء علوم الدين، الغزالي: 3/ 212، كتاب ذم البخل و ذم حب المال، بيان ذم الحرص والطمع.

[8] في الروضة: "أنه كان في الدنيا أوتي قوتا".

[9] روضة الواعظين، الفتال النيسابوري: 2/ 456، مجلس في ذكر فضل الفقر والقوت.

[10] في الكنز: "يا معشر".

[11] في الكنز: «تظفروا».

[12] كنز العمال، المتقي الهندي: 6/ 485، الإكمال من فرع في لواحق الفقر/ ح16655.

[13] في الكافي: "وإن كنت إنما تريد".

[14] الكافي، الكليني: 2/ 138 ــ 139، كتاب الإيمان والكفر، باب القناعة/ ح6.

[15] في النص القرآني: "فلا"  بدل "ولا".

[16] سورة التوبة/ 55.

[17] سورة طه/ 131.

[18] الكافي، الكليني: 2/ 137 ــ 138، كتاب الإيمان والكفر، باب القناعة/ ح1. وفيه النص: «عَنْ عَمْرِو بْنِ هِلالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: إِيَّاكَ أَنْ تُطْمِحَ بَصَرَكَ إِلَى مَنْ فَوْقَكَ فَكَفَى بِمَا قَالَ اللَّهُ عزّوجل لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: ((فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ )) سورة التوبة/ 55. وَقَالَ: ((وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا)) سورة طه/ 131. فَإِنْ دَخَلَكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْ‏ءٌ فَاذْكُرْ عَيْشَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَإِنَّمَا كَانَ قُوتُهُ الشَّعِيرَ وَحَلْوَاهُ التَّمْرَ وَوَقُودُهُ السَّعَفَ إِذَا وَجَدَهُ».

إرسال تعليق