بقلم: السيد نبيل الحسني
لعل القارئ والمتتبع لهذا البحث يرد على ذهنه سؤال مفاده: ما هي العلة في اختصاص العقيلة زينب عليها السلام بهذه المصائب حتى كادت أن تكون هي الوحيدة التي أصيبت من بين أخواتها العشر اللاتي كن حاضرات في يوم عاشوراء، أو لعل القارئ لواقعة الطف وسيرة سيد الشهداء عليه السلام يرتكز في ذهنه بأن العقيلة زينب عليها السلام هي الوحيدة التي أخرجها الإمام الحسين عليه السلام معه إلى كربلاء.
فما هي العلة التي جعلت هذا المعنى يرتكز في ذهن القارئ لفاجعة الطف؟
وأقول: إن ذلك يعود لجملة من الأسباب:
1 ــ إن العقيلة زينب الكبرى هي أكبر أخواتها سناً فقد ولدت في السنة السادسة للهجرة النبوية في المدينة النبوية[1]، ومن ثم فهي أكبرهنّ جميعاً.
2 ــ إنّ الإمام الحسين عليه السلام قد أوكل إليها أمر العيال وحفظهم وهذه واحدة من خصائصها عليها السلام.
3 ــ إنها برتبة من الفهم والعلم ما جعلها المؤهلة لتحمل تلك الخطوب العظيمة والرزايا الجسيمة التي تندك من حملها الجبال.
ولقد نص على ذلك قول حجة الله تعالى الإمام زين العابدين عليه السلام لها: «أنت بحمده عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة».
4 ــ إنها الوحيدة من بين بنات أمير المؤمنين عليه السلام كانت أمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومما يدل عليه:
ألف: إن أختها أم كلثوم التي أشارت المصادر إلى وجودها في كربلاء وتناولت خطبتها في الكوفة لم يقطع المؤرخون أو النسابة أو غيرهم من الباحثين نسبة انتسابها لفاطمة عليها السلام.
نعم هناك من الروايات ما تدل على وجود هذه الشخصية، أي: أم كلثوم بنت علي عليه السلام لكن لم يجزم أحد بأنها ابنة فاطمة عليها الصلاة والسلام.
باء: ذهاب كثير من المحدثين والباحثين إلى أن أم كلثوم بنت فاطمة صلوات الله عليها قد توفيت في المدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان وقد شيعها الحسن والحسين عليهما السلام مما يرجح عدم وجودها في الطف وأن أم كلثوم التي خرجت إلى كربلاء هي إحدى بنات علي عليه السلام وأمها أم ولد ــ كما سيمر بيانه ــ.
بمعنى: إن المقصودة في هذه الحرب هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن لم يكن مع السلف في الهجوم على بيت فاطمة عليها السلام، فهو اليوم يهجم على ابنتها، ومن فاته سلب فاطمة في المدينة فقد سلب ابنتها في كربلاء.
ولذلك: نجدها ــ بأبي وأمي ــ لما قام عبيد الله بن زياد بإدخال عيال الحسين عليه السلام إلى قصر الإمارة في الكوفة (دخلت زينب العقيلة في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها، فمضت حتى دخلت ناحية من القصر، وحفت بها إماؤها، فقال ابن زياد:
من هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها؟ فلم تجبه زينب، فأعاد ثانية وثالثة يسأل عنها، فقال له بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فأقبل عليها ابن زياد وقال لها: الحمد لله الذي فضحكم، وقتلكم، وأكذب أحدوثتكم فقالت: زينب عليها السلام: «الحمد الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وطهرنا من الرجس تطهيرا، وإنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله»)[2].
إذن: لكونها ابنة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوحيدة في كربلاء كما صرح بذلك إماؤها توجه إليها عدو الله ورسوله بهذا الكلام، ولكونها ابنة رسول الله توجه يزيد إلى ضرب شفتي ريحانة رسول الله بالقضيب كي يحرق قلبها، وقلب أمها فاطمة، وقلب جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وقلب أبيها علي أمير المؤمنين.
بقي أن أقول: إن التفاف النساء والأطفال حولها، واهتمام سيد الشهداء بها، وحرصه الشديد عليها، وتفاني العباس وأخوته في صونها، وتسابق الأنصار للذود عنها، إنما لكونها ابنة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنها البقية الباقية من فاطمة فهي الوحيدة التي كان وجودها هو وجود قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وروحه التي بين جنبيه ومَنْ مِنَ المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحرص على إحراز رضا فاطمة واجتناب غضبها، فسلام على زينب العقيلة يوم ولدت ويوم رزيت وفجعت وسبيت، ويوم ماتت ويوم تبعث حية لتشكو إلى ربها وجدّها ما نزل بها.
فلتلك الخصوصية وغيرها ارتكز في ذهن كل متتبع لمأساة كربلاء أنّ العقيلة زينب عليها السلام،كأنها هي الوحيدة التي كانت من بنات أمير المؤمنين عليه السلام في يوم عاشوراء.
ــــــــــــــــ
[1] مستدرك سفينة البحار: ج4، ص316.
[2] الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص116.
إرسال تعليق