مناقشة روايات اتهام الإمام الحسن عليه السلام بأنه مزواج مطلاق ــ الرواية الأولى ــ


بقلم: الشيخ وسام برهان البلداوي

عن محمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي، قال: سمعت عبد الله بن حسن يقول: (كان حسن بن علي قلما تفارقه أربع حرائر فكان صاحب ضرائر[1]، فكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري، وعنده امرأة من بني أسد من آل خزيم. فطلقهما وبعث إلى كل واحدة بعشرة آلاف درهم وزقاق من عسل متعة، وقال لرسوله يسار بن سعيد بن يسار ــ وهو مولاه ــ: أحفظ ما تقولان لك. فقالت الفزارية: بارك الله فيه وجزاه خيرا. وقالت الأسدية: متاع قليل من حبيب مفارق، فرجع فأخبره، فراجع الأسدية وترك الفزارية)[2].

والجواب على هذه الرواية يتم بعدة وجوه أهمها ما يلي:

الوجه الأول: هل يمكن الأخذ بما يرويه الواقدي؟


هذه الرواية مروية عن محمد بن عمر وهو الواقدي الذي ضعفه أهل الحديث ورموه بالكذب تارة وبالوضع تارة أخرى وحكموا بعدم حجية رواياته المسندة فضلا عن التي يرسلها أو يحدثها عن نفسه بلا إسناد، قال النووي: (الواقدي رحمه الله ضعيف عند أهل الحديث وغيرهم لا يحتج برواياته المتصلة فكيف بما يرسله أو يقوله عن نفسه)[3]،وقال أيضا:(محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف باتفاقهم)[4]،وقال في مكان ثالث:(الواقدي وهو متكلم فيه،بل رماه بعضهم بالكذب)[5]،وقال في مكان رابع: (الشافعي كان يكذب الواقدي)[6].

وقال العلامة الأميني: (محمد بن عمر الواقدي روى 30000 مما لا أصل له)[7].

وقال الذهبي: (محمد بن عمر بن واقد الأسلمي... وهو الواقدي قاضي بغداد. قال أحمد بن حنبل: هو كذاب، يقلب الأحاديث، يلقى حديث ابن أخي الزهري على معمر ونحو ذا.
وقال ابن معين:ليس بثقة،وقال مرة:لا يكتب حديثه وقال البخاري وأبو حاتم:متروك، وقال أبو حاتم أيضا والنسائي:يضع الحديث، وقال الدارقطني: فيه ضعف، وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه... وقال أبو غالب ابن بنت معاوية بن عمرو: سمعت ابن المديني يقول. الواقدي يضع الحديث)[8].

بالإضافة إلى ان محمد بن عمر الواقدي قد روى جملة كبيرة من أخباره ورواياته عن شيوخ اتفق على ضعفهم وجهالتهم، وكذلك الحال بالنسبة لسيرته المعروفة بسيرة الواقدي فقد تم نقلها بواسطة عدة من الرجال الضعفاء المجهولي الحال واليك بعض الامثلة:

1. قال ابن حجر: (قران بن محمد الفزاري من شيوخ الواقدي مجهول)[9].

2. قال ابن حجر أيضا: (مودود بن المهلب مولى محمد بن علي عن مولاه حدث عنه الواقدي مجهول)[10].

3. وقال أيضا: (خيثمة بن محمد الأنصاري شيخ روى عنه الواقدي مجهول)[11].

4. وقال أيضا: (عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن شعيب بن حبيب بن هاني مولى معاوية يكنى أبا موسى ويقال له كاتب أبي مصعب ويلقب فطار ذكره أبو سعيد ابن يونس وقال قدم مصر وسكنها وحدث بمناكير ومات بمصر في صفر سنة اثنتين وثمانين ومائتين وكان يروي تاريخ الواقدي عن أبي محمد بن موسى التيمي عنه)[12].

وقد تولى محمد بن عمر الواقدي القضاء لبني العباس ألد أعداء أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قال عنه السيد محسن الأمين: (قال ابن النديم في الفهرست: أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي مولى الأسلميين من سهم بن أسلم كان من أهل المدينة انتقل إلى بغداد وولي القضاء بها للمأمون بعسكر المهدي.

وقال الخطيب: قدم الواقدي بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي فيها. وقال ابن قتيبة توفي وهو قاض ببغداد في الجانب الغربي، وروى الخطيب بسنده عن محمد بن سعد كاتب الواقدي أن الواقدي كان من أهل المدينة وقدم بغداد سنة 180 في دين لحقه فلم يزل بها وخرج إلى الشام والرقة ثم رجع إلى بغداد فلم يزل بها إلى أن قدم المأمون من خراسان فولاه القضاء بعسكر المهدي فلم يزل قاضيا حتى مات ببغداد)[13].

وقال عنه اليان سركيس: (أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد قاضي بغداد... اتصل ببني العباس فاستقضاه الرشيد والمأمون زمنا طويلا)[14].

وبناء على ما سبق لا يمكن لنا الاعتماد على ما يرويه الواقدي، وبالخصوص تلك الأخبار التي يرويها ويكون فيها مساس وانتقاص لكرامة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لأنه وبحسب منصبه القضائي وعمله مع بني العباس ولسنين طويلة فانه يتكلم ويحكم على الأحداث والأشخاص من وجهة نظر عباسية وهي وجهة نظر منحازة وفيها ظلم دائم لأهل البيت عليهم السلام.

الوجه الثاني: الزواج بأربع لا يدل على كون الإمام عليه السلام مزواجا


ربما أراد الرواة عن طريق هذه العبارة (كان حسن بن علي قلما تفارقه أربع حرائر فكان صاحب ضرائر) إيهام القارئ أو السامع والإيحاء له من طرف خفي بان الإمام الحسن عليه السلام كان كثير الزواج غير انه لا شيء فيها يدل على مطلوبهم، لان كل من كثرت زوجاته يصح أن يقال عنه بأنه كانت له ضرائر، ولفظ الضرائر غاية ما يدل عليه هو ان له عدة زوجات وهذا أمر لا ننكره، وكذلك قولهم كان لا تفارقه أربع حرائر ــ أي كان في اغلب حالاته لا تقل زوجاته عن أربعة زوجات ــ وهو أيضا لا يدل على مطلوبهم لان جملة من الصحابة والتابعين كانوا في اغلب حياتهم لا تقل زوجاتهم عن الأربع، فهم مشتركون مع الإمام الحسن عليه السلام بهذه الصفة وكل ما يلحق الإمام الحسن عليه السلام فانه يلحقهم.

الوجه الثالث: من هو يسار بن سعيد بن يسار؟


لم نجد على ما تتبعناه أن للإمام الحسن مولى باسم يسار بن سعيد بن يسار، بل ولم نعثر ليسار هذا على ذكر لا في كتب الرجال ولا التراجم ولا في كتب الرواية والتفسير ولم يرد له ذكر إلا في هذه الرواية، مما يدل على ان شخصيته من نسج خيال الواقدي وأكاذيبه.

ثم لو كان ليسار بن سعيد وجود وشأنية تؤهله ليكون رسولا للإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه إلى بعض طليقاته لذكر ودونت ترجمته أو توثيقه في كتب الرجال والرواية لاسيما في كتب علماء الشيعة الامامية.

بالإضافة إلى ان بعض الروايات التي ذكرت القصة لم يرد فيها هذا الاسم بالمرة وهو يعني انه قد أقحم في بعضها إقحاما وإذا ورد احتمال التلاعب في بعض فقراتها أو إدخال أشياء ليست فيها ودسها في الضمن بطل إمكان الاستدلال بها وبغيرها ممن تضمنت نفس المضامين لاحتمال التلاعب بغيرها وهو ما قطعنا به في النقطة السابقة.

الوجه الرابع: ما علاقة سليمان بن عبد الملك بهذه الرواية؟


في أثناء بحثنا حول عبارة (متاع قليل من حبيب مفارق) وجدنا أنها شطر من بيت شعر قاله سليمان بن عبد الملك في رثاء ولده أيوب وقد ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين منهم ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق حيث قال: (لما حضرت أيوب بن سليمان بن عبد الملك الوفاة وهو يومئذ ولي عهده دخل سليمان وهو يجود بنفسه ومعه عمر بن عبد العزيز ورجاء بن حياة وسعد بن عقبة فجعل ينظر في وجهه فخنقته العبر ثم نظر فقال إنه ما يملك العبد أن يسبق إلى قلبه الوجد عند المصيبة والناس في ذلك أضراب فمنهم من يغلب صبره على جزعه فذلك الجلد الحازم المحتسب ومنهم من يغلب جزعه على صبره فذلك المغلوب الضعيف العقدة وليست منكم حشمة فإني أجد في قلبي لوعة إن أنا لم أبردها بعبرة خفت أن يتصدع كبدي.

فقال له عمر بن عبد العزيز يا أمير المؤمنين الصبر أولى بك فلا تحفظن قال ابن عقبة فنظر إلي وإلى رجاء بن حياة نظر مستعتب يرجو أن يساعده على ما أراد من البكاء فأما أنا فكرهت أمره وأنهاه وأما رجاء فقال يا أمير المؤمنين فافعل فإني لا أرى بذلك بأسا ما لم تأت من ذلك المفرط وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما مات ابنه إبراهيم واشتد عليه وجده وجعلت عيناه تدمعان قال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون.

قال فأرسل عينيه فبكى حتى ظننا أن نياط قلبه قد انقطع قال فقال عمر بن عبد العزيز لرجاء يا رجاء ما صنعت بأمير المؤمنين قال دعه يقض من بكائه وطرا فإنه إن لم يخرج من صدره ما ترى خفت أن يأتي على نفسه قال ثم رقأت عبرته فدعا بماء فغسل وجهه وأقبل علينا حتى قضى أيوب وأمر بجهازه وخرج يمشي أمام الجنازة فلما دفناه وحثا التراب عليه وقف قليلا لينظر إليه ثم قال:

وقوف على قبر مقيم بقفرة *** متاع قليل من حبيب مفارق

ثم قال السلام عليك يا أيوب وأنشأ يقول:

كنت لنا أنسا ففارقتنا *** فالعيش من بعدك مر المذاق

ثم قال أدن مني دابتي يا غلام فركب ثم عطف رأس دابته إلى القبر وقال:

لئن صبرت فلم ألفظك من شبع *** وإن جزعت فعلق منفس ذهبا)[15].

وفي هذه القصة دلالة واضحة على ان هذا القول الذي جاء ذكره في رواية الواقدي قد قيل في عصر متأخر عن زمان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه مما يعني ان هذه الرواية قد أوجدت بعد زمن سليمان بن عبد الملك وان عبارة (متاع قليل من حبيب مفارق) قد تم تلفيقها على لسان زوجة الإمام صلوات الله وسلامه عليه.

الوجه الخامس: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!


الرواية تذكر ان سبب إعادة إحدى الزوجتين بعد طلاقها هو قولها (متاع قليل من حبيب مفارق) وان سبب عدم عودة الزوجة الثانية هو قولها (بارك الله فيه وجزاه خيرا) وبما ان قول الأولى كان في نظر الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه أحلى وأجود ومفعم بالحب والحنان والعاطفة الجياشة،والقول الثاني ليس فيه حب ولا عاطفة فلذلك راجع الأولى ورفض أن يراجع الثانية.

فهل كان يا ترى من خلق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه أن يفضل شطرا من بيت شعر قاله رجل ليس من عصره، على الدعاء له بالبركة والخير، وهو الذي كان خلقه القران والإسلام الذي أمر بان يقابل الإحسان بالإحسان والمقولة الصالحة الطاهرة بأحسن منها أو بمثلها على اقل التقادير، حاشاه عن هذه الافتراءات المخلة بعصمته ورفعة أخلاقه.

الوجه السادس: لو سلمنا بالرواية هل يثبت مدعاهم؟


ولو فرضنا جدلا ان الرواية التي رواها الواقدي صحيحة وغضضنا الطرف عن كل معائبها وتناقضاتها فغاية ما تثبته هذه الرواية هو ان للإمام الحسن زوجتين طلقهما وبعث إليهما ببقية مهرهما، ثم راجع واحدة منهما ولم يراجع الأخرى، فأين الدليل في هذا على كون الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه مزواجاً مكثراً أو مطلاقاً مفرطاً.

ثم ان طلاق زوجتين أو أكثر في وقت واحد هو مما كان متعارف الوقوع وارد الحدوث في تلك الفترة وخير دليل على ذلك ما تقدم ذكره في خاتمة الفصل الأول من تطليق الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لكل زوجاته أو لبعضهن دفعة واحدة، ولكن مع ذلك لم يُسَمَّ أو لا يمكن أن يسمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه مطلاق للنساء أو مذواق بحجة انه طلق أكثر من زوجة في وقت واحد أو في أوقات متقاربة.

ــــــــــــ
[1] إلى هنا تجدها في تهذيب التهذيب لابن حجر ج2 ص259.
[2] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج13 ص249 في الحسن بن علي بن أبي طالب،وراجع تهذيب الكمال للمزي ج6 ص237 في الحسن بن علي بن ابي طالب القرشي الهاشمي، وراجع ترجمة الإمام الحسن لابن عساكر ص152 الحديث (255 ــ 262 ) في بيان موارد عديدة من جوده،وراجع ترجمة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه من طبقات ابن سعد ص 68، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي.
[3] المجموع لمحيى الدين النووي ج 1 ص 114.
[4] المصدر السابق ج 5 ص 129.
[5] المصدر السابق ج 19 ص 297.
[6] المصدر السابق ج 19 ص 357.
[7] الغدير للشيخ الأميني ج 5 ص 290.
[8] ميزان الاعتدال للذهبي ج 3 ص 662 ــ 663.
[9] لسان الميزان لابن حجر ج 4 ص 472.
[10] المصدر السابق ج 6 ص 111.
[11] المصدر السابق ج 2 ص 412.
[12] المصدر السابق ج 3 ص 324.
[13] أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 10 ص 31 ــ 32.
[14] معجم المطبوعات العربية لاليان سركيس ج 2 ص 1907.
[15]: تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 10 ص 108 عند ذكره لأيوب بن سليمان بن عبد الملك بن مروان. وراجع أيضا كتاب الاعتبار لابن أبي الدنيا ص42. وكتاب الكامل في اللغة والأدب لمحمد بن يزيد المبرد ص 746 ــ747 طبعة جديدة مصححة وملونة مطبعة دار إحياء التراث العربي الطبعة الأولى سنة 1424 هجري 2003 ميلادي. 

إرسال تعليق