بقلم الشيخ وسام البلداوي
والذي يظهر من عبارة الزيارة الشريفة ان حضور الإمام المعصوم المنصور صلوات الله وسلامه عليه شرط في طلب الثار المقصود في فقرة الزيارة، والإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه في هذه الفقرة الشريفة لا يقصد كل طلب، وإنما يقصد طلبا خاصا وهو الذي مع الإمام المنصور صلوات الله وسلامه عليه، لان طلب الثار مع الإمام المهدي له قيمة أخرى تختلف عن كل طلب، لان الجهاد مهما كانت درجة أهميته عظيمة، إلا انه مع الإمام المعصوم وتحت رايته أعظم وأعظم، لاسيما تحت راية الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه الذي ورد النص بعظيم أهميته، ولان نصرته وكما ذكرنا سابقا هي نصرة لجميع الشرائع والأنبياء والسنن.
إضافة إلى ان الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه يعلم بتعليم من الله سبحانه وتعالى أين يطلب الثار، وممن يطلب الثار، على نحو التحديد والدقة، لان طلب الثار ليس بالأمر الهين، لان الأمر يتعلق بالدماء والأعراض والأموال، وهو أمر عظيم لا يمكن الحكم به والتجرؤ عليه بغير نص وأذن قطعي، ولا يمتلك هذا النص والأذن غير الإمام المهدي المنصور صلوات الله وسلامه عليه.
إضافة إلى ان عملية اخذ ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هي عملية تحتاج إلى إمكانات مادية وعسكرية عظيمة، لان بعض من يطلب منه ثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه قد يكون الآن حاكم دولة عظمى، أو قائداً من أولئك الذين تقف خلفه الجيوش الجرارة، أو غير ذلك، واخذ الثار من هؤلاء يستلزم إمكانات لا تخفى على المتأمل، وهذه الإمكانات لا تتحقق في غير عصر خروج الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.
لذلك نرى أنّ جميع تلك الثورات التي خرجت للطلب بثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه عبر التاريخ لم تؤتِ ثمارها كاملة، لضعفها من الناحية المادية والعسكرية وغير ذلك من الشروط التي لها مدخلية في تحقيق النصر الكامل، وأوضح دليل على ذلك ثورة المختار فبالرغم من كل الجهود التي بذلها المختار وأتباعه للنيل من قتلة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه والأخذ بثاره، إلا انه عجز عن الوصول إلى الكثيرين ممن اشتركوا في تلك الفاجعة، فيزيد بن معاوية¾ وبطانته الكافرة من آل أمية ½، وغيرهم الآلاف قد فروا من سيفه، أو لم يصل إليهم لسبب وآخر.
هذا فيما لو قلنا إنّ طلب الثار سيقتصر على تلك الأمة التي ارتكبت فاجعة عاشوراء، ولم نذهب إلى ان الطلب بالثار سيشمل ــ كما هو الصحيح ــ جميع الأمم التي أتت بعد تلك الأمة المنحوسة أو قبلها، فيشمل امة رضيت، وأمة مهدت، وأمة دافعت عن الجناة وصححت أفعالهم، وغير هذه الأمم ممن لا يحيط بعلمهم وخبرهم إلا الله سبحانه وتعالى والإمام المهديصلوات الله وسلامه عليه.
فيتبين ونتيجة لهذا العرض، ان الثار الحقيقي لدم الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه لن يتحقق إلا في زمن الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، وان جميع الحروب والثورات التي قامت أو ستقام في يوم من الأيام بهدف الأخذ بثار الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه ستكون ناقصة من حيث الأثر وسيكتب لها عدم النجاح، أو النجاح الجزئي، لذلك ورد وصف الـ(مَنْصُور) في العبارة التي نحن بصدد شرحها، فالوحيد الذي سيكتب له النصر وتكون ثورته لأخذ الثار متكاملة هو الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، فحري بالمؤمن ان يحافظ على نفسه ويدخرها للمشاركة مع صاحب العصر والزمان صلوات الله وسلامه عليه، ولا يسمح ببذل مهجته إلا تحت رايته، كما قال الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه: (كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم قتلاهم شهداء أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر)[1].
وبناء على صحة هذا الحديث فإن الإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه مع انه يحكم على قتلاهم بأنهم شهداء، إلا انه صلوات الله وسلامه عليه يبين بان المرتبة الأفضل والأحسن والأكمل هي في عدم المشاركة واستبقاء النفس إلى صاحب العصر والزمان صلوات الله وسلامه عليه.
ـــــــــــــ
[1] كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني ص 281 ــ 282.
إرسال تعليق