بقلم: السيد نبيل الحسني
قال الرافعي: (إن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل نساء هذه الأمة، فإن استثنيت فاطمة لكونها بضعة، فأخواتها شاركنها؛ وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في حق زينب ابنته لما أوذيت عند خروجها من مكة هي أفضل بناتي أصيبت فيّ)[1].
أقول: ألف: (أما قوله فإن استثنيت فاطمة ــ من التفضيل على أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ــ لكونها بضعة، فأخواتها شاركنها)، لا شك إن الإنسان حينما لم يتمكن من التحرر من العصبية الجاهلية والأهواء النفسية فانه ينحدر إلى الجهل فيكون له حاجزاً عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. فتكون النتيجة أن يقوم بالمساواة بين فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، وبين أخواتها في حديث البضعة الصادر عن الحضرة النبوية المقدسة فيقول: «إنما فاطمة بضعة مني».
وكأن الرافعي لم يقرأ مسنداً من مساند المسلمين، أو صحاحهم، أو سننهم، أو مستدركاتهم التي مع كثرتها لم يكن فيها حديث واحد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ينص على بضعية أخوات فاطمة منه صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يأتي الرافعي فيتقول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشركهن مع فاطمة في هذه المنزلة الخاصة.
وكأنه أدرى ــ والعياذ بالله ــ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببناته ومن منهن كانت بهذه المنزلة من النبوة والرسالة، فكانت بضعة منه يرضيه ما يرضيها ويسخطه ما يسخطها.
أو لعل الرافعي أطلع الغيب فأخبر بما لم يخبر به الوحي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيان منزلة بناته فسكت ــ والعياذ بالله ــ عن بيان منزلتهن من النبوة وما لهن من الشأن عند الله تعالى.
ولكن: نود هنا أن ننقل للرافعي ومن يعتقد بقوله، ما قاله المناوي نقلاً عن العلقمي فقال:
(إن فاطمة هي أفضل الصحابة حتى من الشيخين)، فعقب عليه المناوي قائلاً: (وإطلاقه مرضي)[2].
وأقول: أنى للشيخين والصحابة ما نزل به الوحي في آية التطهير فقال سبحانه: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[3].
وفاطمة مشكاة الآية. وأنى لهم بالمباهلة بفاطمة وبعلها وولديها فقال سبحانه: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[4].
وأنى لهم بالمودة لفاطمة بعلها وولديها وقد أوجب الله حبهم على الخلائق فقال: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[5].
وهل يتقبل الله صلاة الشيخين وجميع الصحابة من المهاجرين والأنصار وجميع المسلمين بدون الصلاة على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها.
{...فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[6]، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}[7].
باء: واما قوله: (وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم قال في حق زينب ابنته لما أوذيت عند خروجها من مكة: «هي أفضل بناتي أُصيبت فيّ»).
فهذا القول غير صحيح ولا يصمد أمام كثير من الأدلة التي تنفي صدور هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو كالآتي:
1. إن هذا الحديث هو من الآحاد وقد نص على كونه كذلك الضحاك في الآحاد والمثاني[8].
2. إن طريقة التدليس التي اتبعها الرافعي في هذا الحديث لا يمكن لها أن تغني عن الحق شيئاً بل بها يفتضح أمر المدلس فضلاً عن الخيانة العلمية والأخلاقية.
فهذا الحديث الذي يستدل به الرافعي والذي أخرجه الطحاوي والحاكم هو نفسه يرد هذا الافتراء في كون زينب أفضل بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. الا ان الرافعي دلس فيه فذكر صدر الحديث وترك عجزه الذي ينص على تكذيب هذا القول فضلاً عن أن التحديث به يعد انتقاصاً لحق فاطمة عليها السلام كما يصرح بذلك الحاكم والطحاوي والدولابي واللفظ للحاكم فيقول:
فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام، أي: ان زينب أفضل بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق إلى عروة فقال: «ما حديث بلغني عنك تحدثه تنتقص فيه فاطمة؟».
فقال: (والله ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب، وإني أنتقص فاطمة حقاً هو لها، وأما بعد فلك أن لا أحدث به أبداً).
قال عروة: (وإنما كان هذا قبل نزول آية: {ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ...}[9].
والعجيب من الرافعي أن يتجرأ فينتقص حقاً لفاطمة عليها السلام على الرغم من قراءته لهذا الحديث وعلمه ببطلان الاعتقاد بأن زينب أفضل بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولهذا الغرض كان مجيء الإمام زين العابدين لعروة وتذكيره بأن التحديث بهذا الحديث بين الناس وشياعه، أي: انها مع أخواتها رقية وأم كلثوم بنات لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعد انتقاصاً لحق فاطمة في كونها واحدة أبيها.
ولذلك نجد عروة بن الزبير يقول في نهاية الحديث: «وإنما كان هذا قبل نزول آية: {ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ...}.
بمعنى: أن جعلها بنتاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان قبل نزول الآية ولكن بعد نزولها فيلزم أن تدعى زينب لأبيها الحقيقي لا أن تحسب بنتا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يتستر على ذاك ويُحدّث به الناس[10].
جيم. فضلاً عن ذلك فقد رد الحافظ ابن حجر العسقلاني على هذا القول الذي أطلقه الرافعي حينما استند إلى هذا الحديث فقال: «أجاب عنه بعض الأئمة بتقدير ثبوته بأن ذلك كان متقدماً ثم وهب الله لفاطمة عليها السلام من الأحوال السنية والكمال ما لم يشاركها أحد من نساء هذه الأمة مطلقاً»[11].
ــــــــــــــ
[1] فتح الباري لابن حجر: ج7، ص84.
[2] فيض القدير للمناوي: ج3، ص107.
[3] سورة الأحزاب، الآية: 33.
[4] سورة آل عمران، الآية: 61.
[5] سورة الشورى، الآية: 23.
[6] سورة فاطر، الآية: 3.
[7] سورة هود، الآية: 28.
[8] الآحاد والمثاني للضحاك: ج5، ص375.
[9] المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج2، ص201، قصة هجرة زينب، مشكل الآثار للطحاوي: ج1، ص134، باب: 23. فتح الباري لابن حجر: ج7، ص82. الآحاد والمثاني: ج5، ص373.
[10] لمزيد من الاطلاع على هذه الحقيقة، ينظر كتاب خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة فقد تم تخصيص الجزء الأول من الكتاب حول حقيقة بنات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
[11] فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر: ج7، ص82.
إرسال تعليق