مناقشة روايات اتهام الإمام الحسن عليه السلام بأنه مزواج مطلاق ــ الرواية السابعة ــ

بقلم: الشيخ وسام برهان عبد الغني

قال علي بن محمد: وقال قوم: (وكان الحسن أحصن تسعين امرأة )[1].

وهذه الرواية باطلة أيضا وفيما يلي عدة أسباب تثبت كذبها:

السبب الأول: من هو علي بن محمد راوي هذه الرواية؟


هو علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف أبو الحسن المدائني مولى عبد الرحمن بن سمرة، وقد اختلف فيه من حيث وثاقته ووثاقة ما يرويه فكان فيه النقاد وأصحاب الجرح والتعديل على طرفي نقيض فمنهم من ضعف عامة مروياته وحكم على أغلبيتها بالإرسال وعدم توفر شروط الإسناد الصحيح فيها، ومن هؤلاء عبد الله بن عدي في كتابه الكامل إذ قال: (ليس بالقوي في الحديث وهو صاحب الأخبار... وأبو الحسن المدائني هو صاحب أخبار معروف بالأخبار وأقل ما له من الروايات المسندة)[2].

وعلى نقيض عبد الله بن عدي ذهب البعض الآخر وصرح بقبول كل ما جاء عن علي بن محمد المدائني حتى لو كان بلا إسناد متصل بحجة ان عليا بن محمد بنفسه إسناد فلا نحتاج معه إلى إسناد.

فعن أبي قلابة قال: (حدثت أبا عاصم النبيل بحديث فقال: عمن هذا فإنه حسن؟ قلت: ليس له إسناد ولكن حدثنيه أبو الحسن المدائني فقال لي: سبحان الله أبو الحسن إسناد)[3].[4]

وينبغي التحفظ وبشدة على كلا الرأيين لان فيهما كما هو واضح إفراطاً وتفريطاً.

والمنهج الوسط هو المطلوب في تقييم مرويات المدائني، ونقصد بالمنهج الوسط هو أن ينظر سواسية إلى المدائني ومروياته مع بقية مرويات ومنقولات غيره من المحدثين وأصحاب السير والتاريخ فيؤخذ منه ما صح إسناده ولم يكن فيه مخالفة للشرع والعقل والمسلمات الأخرى شأنه شأن غيره، ويرد عليه ما يكون فيه موجبا للرد شأنه أيضا شأن غيره.

وهذه الحالة الوسطية ما بين الإفراط والتفريط ستحقق لنا خدمة جليلة، فمن جهة نحافظ على الكم الهائل من الحقائق التي رواها المدائني والتي لا ينبغي التفريط فيها والتغاضي عنها لارتباطها بمظالم أهل البيت[5] صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين والتي يمكن من خلالها تثبيت جملة من حقوق أهل البيت وشيعتهم، وبهذه الحالة الوسطية أيضا يمكن ان نحافظ هائل من مرويات المدائني التي تحكي وتبين ظلم أعداء أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وجرائمهم بحق الإسلام وسادته المنتجبين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وشيعتهم المرضيين.

وفي المقابل سيحول إخضاع مرويات المدائني على التشدد السندي والعرض على الحقائق المسلم بها ما بيننا وبين جملة من مروياته الأخرى التي يمكن أن تكون مدسوسة منه مباشرة أو على لسانه والتي يكون فيها إساءة إلى شخصيات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين[6] أو التي يكون فيها تزوير للحقائق التاريخية لصالح جهة ما أو مذهب معين.

وقفة مع بعض المتأخرين ورأيهم حول المدائني


قال السيد هاشم معروف الحسني رحمه الله في كتابه سيرة الأئمة الاثني عشر في رده على شبهة تعدد زوجات الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه: (أما رواية السبعين والتسعين ــ زوجة ــ وغيرها من الروايات التي تصفه بأنه مطلاق... فلا مصدر لها إلا المدائني وأمثاله من الكذبة كما يبدو من أسانيدها...)[7].

وقال في موضع آخر: (وعلى ما يبدو ان الذين الصقوا بالحسن كثرة الزواج والطلاق هؤلاء الثلاثة المدائني والشبلنجي وأبو طالب المكي في قوت القلوب وعنهم اخذ المؤرخون والكتاب من السنة والشيعة والمستشرقين، أما علي بن عبد الله البصري المعروف بالمدائني والمعاصر للعباسيين فهو من المتهمين بالكذب في الحديث وجاء في ميزان الاعتدال للذهبي ان مسلما في صحيحه قد امتنع من الرواية عنه وان ابن عدي قد ضعفه وقال له الأصمعي والله لتتركن الإسلام وراء ظهرك وقد تبعه لثرائه ويروي عن عوانة بن الحكم المتوفي سنة 158 والمعروف بولائه لعثمان والأمويين... هذا بالإضافة إلى أن أكثر رواياته من نوع المراسيل...)[8].

فالسيد الحسني رحمه الله اضطر للرد على روايات كثرة زواج وطلاق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه إلى سد الباب من أصله عن طريق تكذيب المدائني في كل أو أكثر ما يرويه، غافلا رحمه الله عن ان مهمة الرد على روايات المدائني الناقلة لكثرة زواج وطلاق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه يمكن أن تتم من دون أن ينسف كل روايات المدائني، ومن دون أن يرميها وبلا استثناء بالكذب، وكان يكفيه رحمه الله في الرد على هذه الروايات ان يعرضها على القران والسنة وقواعد الجرح والتعديل ليرى سرعة انهيارها وتهافتها، وبذلك نصل إلى النتيجتين معا فمن جهة ننزه مقام ومنزلة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه، ومن جهة أخرى لا نبخس حق المدائني فيما يرويه من الروايات الصحيحة والمسندة والمؤيدة بالشواهد التاريخية المتسالم على صحتها.

والعجب منه رحمه الله تعريف المدائني بقوله: (أما علي بن عبد الله البصري المعروف بالمدائني والمعاصر للعباسيين فهو من المتهمين بالكذب في الحديث وجاء في ميزان الاعتدال للذهبي ان مسلما في صحيحه قد امتنع عن الرواية عنه وان ابن عدي قد ضعفه وقال له الأصمعي والله لتتركن الإسلام وراء ظهرك).

لان المدائني الذي روى أخبار زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه شخص آخر غير الذي يتحدث عنه السيد هاشم معروف الحسني رحمه الله في هذه السطور، فالراوي لروايات كثرة زواج وطلاق الإمام الحسن هو كما يقول الذهبي: (المدائني: العلامة الحافظ الصادق أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف المدائني الإخباري. نزل بغداد، وصنف التصانيف، وكان عجبا في معرفة السير والمغازي والأنساب وأيام العرب، مصدقا فيما ينقله، عالي الإسناد. ولد سنة اثنتين وثلاثين ومئة)[9].

أما علي بن عبد الله الذي توهمه السيد الحسني رحمه الله فهو شخص آخر معروف بالمدني وليس المدائني ولعل هذا التشابه هو الذي أوقع السيد الحسني بالتوهم وهو كثير الوقوع حتى عند أهل الاختصاص وأصحاب الفن، وقد ذكره الذهبي بقوله: (علي بن عبد الله بن جعفر، أبو الحسن الحافظ. أحد الأعلام الأثبات، وحافظ العصر. ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء فبئس ما صنع... قال أبو حاتم: كان ابن المديني علما في الناس في معرفة الحديث والعلل، وكان أحمد لا يسميه، إنما يكنيه تبجيلا له... وكذا امتنع مسلم من الرواية عنه في صحيحه... الأثرم، سمعت الأصمعي يقول لابن المديني: والله لتتركن الإسلام وراء ظهرك... وهذا أبو عبد الله البخاري[10] ــ وناهيك به ــ قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني، وقال: ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن المديني، ولو تركت حديث علي، وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق، و... لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال. أفما لك عقل يا عقيلي)[11].

ولا يوجد أي ارتباط كما ترى ما بين الذي ذكره السيد الحسني رحمه الله وما بين ذلك المدائني الذي روى روايات زواج الإمام الحسن وطلاقه، وان كلا الشخصيتين ممدوح وموثق من قبل أهل الجرح والتعديل ممن ينتسب لمذهب أهل السنة، وهو اشتباه ثانٍ من السيد الحسني رحمه الله، وجلالة قدره رحمه الله لا تدع غير الاشتباه أو الخلط عذرا نقدمه للدفاع عما بدر منه.

السبب الثاني: الرواية ضعيفة لجهالة الراوي


سند رواية المدائني يحكي لنا عن نفسه بنفسه لأنه كالتالي (قال علي بن محمد وقال قوم وكان الحسن أحصن تسعين امرأة) ونسبة هذه الرواية إلى القوم تعني ان الراوي غير مشخص الاسم ولا معلوم الحال، وإذا لم يعلم الراوي باسمه أو كنيته أو صفته صار مجهولا والمجهول لا يحتج به مطلقا،وفي هذا الصدد يقول العلامة الحلي: (ولا تقبل رواية المجهول حاله، خلافا لأبي حنيفة، لان عدم الفسق شرط في الرواية، وهو مجهول، والجهل بالشرط يستلزم الجهل بالمشروط)[12]،وقال الذهبي: (فالمحدث إذا نظر في سند حديث ووجد فيه رجلا مجهولا: حكم بضعفه، لاحتمال ضعف ذلك المجهول، وربما حكم بوضعه، لغلبة الظن عنده بأن ذلك المجهول كذاب)[13]وقال محمد ناصر الألباني: (ولا حجة في رواية المجهول عند المحدثين)[14] وقال الرازي: (المسألة الثالثة قال الشافعي رضي الله عنه رواية المجهول غير مقبولة بل لا بد فيه من خبرة ظاهرة والبحث عن سيرته وسريرته)[15]وقال أيضا: (الرابع إجماع الصحابة رضي الله عنهم على رد رواية المجهول)[16].

فإجماع الصحابة وسيرة العلماء ومنهج المحققين جار على رفض كل رواية مجهولة الراوي، وعليه فالرواية التي رواها المدائني لا شك في شمولها بهذا الرفض.

السبب الثالث: لماذا فقد المدائني ذاكرته هنا؟


عُرف عن المدائني انه ذو حفظ واسع وذاكرة كبيرة حتى عد من الحفاظ كما وصفه الذهبي بقوله: (العلامة الحافظ الصادق... صنف التصانيف، وكان عجبا في معرفة السير والمغازي والأنساب وأيام العرب...)[17]وعد له ابن النديم في فهرسه أكثر من مئتين وخمسين كتابا في مختلف الموضوعات ويعتمد كثير منها على حافظته الكبيرة لأسماء وكنى وقبائل العرب وغيرهم،ومن هذه الكتب (كتاب النواكح والنواشز. كتاب المقينات. كتاب من جمع بين أختين ومن تزوج ابنة امرأته ومن جمع أكثر من أربع ومن تزوج مجوسية. كتاب من كره مناكحته. كتاب من نهيت عن تزويج رجل فتزوجته. كتاب من هجاها زوجها. كتاب من شكت زوجها أو شكاها. كتاب من تزوج في ثقيف من قريش. كتاب الفاطميات. كتاب من وصف امرأة فأحسن. كتاب مناكح الفرزدق. كتاب البكر. كتاب من نسب إلى أمه. كتاب من سُمي باسم أبيه من العرب. كتاب من نسب إلى أمه من. كتاب من تمثل بشعر في مرضه. كتاب من وقف على قبر فتمثل بشعر. كتاب من بلغه موت رجل فتمثل بشعر أو كلام. كتاب من تشبه بالرجال من النساء. كتاب من فضل الأعرابيات على الحضريات. كتاب من قال شعرا فسمى به. كتاب من قال في الحكومة من الشعراء...)[18].

وهذا الكم الكبير من الكتب والتصانيف في مثل هذه الموضوعات التي تقدمت لا يمكن أن يتم ويكتب به ما لم يكن لصاحبها باعٌ طويل في معرفة الأنساب والبيوتات العربية مع اطلاع واسع على تراجم معاصريه ومن يقرب من عصره.

وبناءً على حافظة المدائني القوية وسعة باعه في علم معرفة الأنساب وأخبار العرب، يكون لنا الحق في أن نسال المدائني عن أسماء وألقاب وانساب هذه النسوة اللاتي جعلهن زوجات الحسن صلوات الله وسلامه عليه والذي صرح بان عددهن قد وصل إلى التسعين زوجة، فهل له وهو الحافظ الذي كان عجبا في معرفة انساب العرب كما وصفه الذهبي أن يخبرنا بأسمائهن ومن أي بيوت كن وما هي أسباب زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه منهن وما أسباب طلاقهن، ولماذا لم يكن للحسن صلوات الله وسلامه عليه سوى ستة عشر ولدا على أعلى التقادير، فليس ذكر تسعين امرأة لو كان لهن وجود بعسير على من كتب وأحصى أسماء من هجاها زوجها، وأسماء من شكت زوجها أو شكاها، وأسماء من تشبه بالرجال من النساء، فهل كان المدائني حافظا في كل تلك الكتب ولكن ما ان وصل الأمر إلى الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه ضاع عنه حفظه وفقد ذاكرته؟ أم ان عدم ذكر الاسم ناتج عن عدم وجود تلكم النسوة؟ وهذا الاحتمال الأخير هو الأقرب بل هو المتعين لكثرة القرائن الدالة عليه.

نعم قد نجد في بعض المصادر ان المدائني قد ذكر أسماء بعض زوجاته صلوات الله وسلامه عليه كما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة حيث قال: (قال أبو الحسن المدائني: وكان الحسن كثير التزوج تزوج خولة بنت منظور بن زبان الفزارية،فولدت له الحسن بن الحسن. وتزوج أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، فولدت له ابنا سماه طلحة، وتزوج أم بشر بنت أبي مسعود الأنصاري فولدت له زيد بن الحسن، وتزوج جعدة بنت الأشعث بن قيس، وهي التي سقته السم، وتزوج هند ابنة [ سهيل بن عمرو، وحفصة ابنة عبد ] الرحمن بن أبي بكر، وتزوج امرأة من كلب، وتزوج امرأة من بنات عمرو بن أهتم المنقري، وامرأة من ثقيف، فولدت له عمرا، وتزوج امرأة من بنات علقمة ابن زرارة، وامرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة، فقيل له: إنها ترى رأي الخوارج، فطلقها، وقال: إني أكره أن أضم إلى نحري جمرة من جمر جهنم. وقال المدائني: وخطب إلى رجل فزوجه...)[19] ومع كل ما بذله المدائني من جهد لذكر وتذكر اكبر عدد ممكن من زوجاته صلوات الله وسلامه عليه يبقى العدد لا يزيد عن اثنتي عشر زوجة فأين بقية التسعين يا ترى، ولو سلمنا جدلا بصحة أسماء كل من ذكرهن المدائني مع التحفظ من قبلنا على أكثرهن فان عددهن يبقى مقبولا وطبيعي بالقياس إلى ذلك الزمن.

السبب الرابع: تناقض أخبار المدائني عن عدد زوجاته


روي عن ابن أبي الحديد المعتزلي عن المدائني قوله: (أحصى زوجات الحسن صلوات الله وسلامه عليه فكن سبعين امرأة)[20]، وهذا العدد يخالف ما جاء في الرواية التي نحن بصدد مناقشتها، ومثل هذا الاختلاف في الرواية إذا كان صادرا عن شخص واحد فهو دليل واضح على كذب الراوي واختلاق الروايتين لدلالة هذا الاختلاف على الاضطراب الدال على قلة ضبط الراوي.

السبب الخامس: هل كان الإمام الحسن يشهد على زواجه وطلاقه؟


ان وجود شاهدين عدلين على اقل التقادير في عقد الزواج أو الطلاق لا خلاف بين المسلمين على أهميته غاية الأمر انهم اختلفوا حول مدى هذه الأهمية فقالت الإمامية باستحباب إعلان عقد الزواج واستحباب الإشهاد عليه، أما في عقد الطلاق فأوجبوا وجود شاهدين عدلين من أهل الإيمان وبفقدهما يبطل إيقاع الطلاق ألبته ولهم في كلا الحكمين ــ سواء ما يتعلق باستحباب الإشهاد على عقد الزواج أو وجوبه عند الطلاق ــ روايات وأدلة صحيحة لا يكون الخوض فيها إلا خروجا عن بحثنا الحالي.

أما بقية المذاهب الإسلامية فقد ذهبت تقريبا إلى عكس ما ذهبت إليه الإمامية، فقالوا بوجوب وجود شاهدين عدلين يحضران صيغة عقد الزواج ويشهدان على رضا الزوجة بالزواج، أما عند الطلاق فلم يشترطوا وجود شاهدين عدلين يحضران ايقاع الطلاق وعليه فلو طلق الرجل زوجته ولم يكن هنالك شاهدان صح طلاقه، ولهم أيضا أدلة دلتهم على هذا الحكم.

وعلى كلا التقديرين يعد وجود الشاهدين على الأقل  أمرا ضروريا للغاية، سواء في عقد الزواج أو الطلاق، نظراً لما لهما من أهمية في الحياة الاجتماعية، ولما يترتب عليهما من أثار كإنفاق الزوج على زوجته، وثبوت نسب الولد لأبويه، ولما للشهادة من فوائد في إثبات هذين الأمرين ــ الزواج والطلاق ــ إذا جحده أحد الطرفين ــ الزوج أو الزوجة ــ ولكي ينتفي الريب والشك والشبهة ولئلا يلتبس الأمر بين الزواج الشرعي والصلة غير المشروعة بين الرجل والمرأة، فلهذه الفوائد وغيرها شرعت الشهادة.

فينبغي والحال هذه ان يكون هنالك ما لا يقل عن مئة وثمانين شاهدا قد شهدوا على زواج الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه من هذه النسوة اللاتي زعم المدائني بان عددهن قد وصل إلى التسعين زوجة،وعليه إذا كان هنالك مثل هذا العدد الكبير من الشهود فلماذا لم ينقل لنا التاريخ روايات يتناسب عددهن وهذا الكم الكبير من الشهود يذكر فيها أسماء تلكم الزوجات وقبائلهن وسني زواجهن وغير ذلك من الأخبار التي تنتقل عادة من قبل الشهود في مثل هذه المواضيع.

ولماذا بقي الأمر مجرد دعوى من قبل بعض الرواة والمؤرخين الذين يكتفون عادة بقولهم كان الحسن بن علي صلوات الله وسلامه عليه كثير الزواج والطلاق أو كان صلوات الله وسلامه عليه مزواجا مطلاقا، وحينما تسألهم عن الدليل يسردون عليك روايات ضعيفة متضاربة ومبهمة وأكثر عدد يستطيعون ذكره لهؤلاء النسوة اثنا عشر زوجة أو مطلقة ثم يلجمون عن الاستمرار في العد ويصيبهم الإعياء والتعب،والسبب كما كررناه مرارا يعود بالتأكيد إلى عدم واقعية ما يدعونه، ولو كان لهذا العدد حقيقة واقعية في الخارج لبذل الأمويون والعباسيون وأمثالهم من النواصب كل غال ونفيس في سبيل إظهاره وإعلان تفاصيله، وكفى بهذا دليلا على تكذيب كل الروايات السابقة واللاحقة والتي نحن بصدد ردها فتنبه.

ـــــــــــــــــ
[1] تهذيب الكمال للمزي ج6 ص237، ترجمة الإمام الحسن لابن عساكر ص152.
[2] الكامل لعبد الله بن عدي ج 5 ص 213.
[3] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 12 ص 54.
[4] تصحيح أبي عاصم النبيل لكل ما يرويه المدائني لمجرد كونه ثقة يجب التغاضي عن إسناده غير صحيح ألبته وتبريره بان المدائني بنفسه إسناد غير مقبول قطعا.
إذ لو صحت هذه النظرية لصح ما لا حصر له من الروايات المرسلة كمراسيل ابن عمر وابن عباس وغيرهم من الذين اجمع علماء العامة على كونهم أفضل من المدائني واجل قدرا، ولا يوجد قائل بهذا من أهل العلم وأرباب الجرح والتعديل فيكون كلامه حينئذ مخالفا لما اجمع عليه المسلمون.
[5] فالمدائني روى عددا كبيرا من كتب الإمام أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان وجواب معاوية لعنه الله إلى الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وكذلك نقل لنا جملة من أحداث واقعة كربلاء ومقتل الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وجملة كبيرة من واقعة السقيفة وغصب حقوق أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وجملة من أخبار حرب صفين والجمل والنهروان،وجرائم الحجاج الثقفي واعتداءات بني أمية الملعونين قاطبة.
[6] كالرواية التي نحن بصدد نقاشها والتي فيها إساءة لمنزلة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه وخدمة لأعدائه من العباسيين والأمويين.
[7] سيرة الأئمة الاثني عشر ج1 ص554 زوجات الحسن.
[8] سيرة الأئمة الاثني عشر ج1 ص554 زوجات الحسن.
[9] سير أعلام النبلاء للذهبي ج 10 ص 400 ــ 401.
[10] صاحب كتاب صحيح البخاري.
[11] ميزان الاعتدال للذهبي ج 3 ص 138 ــ 140.
[12] مبادئ الوصول للعلامة الحلي ص 206 ــ 207.
[13] الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج 1 ص 26.
[14] تمام المنة لمحمد ناصر الألباني ص 271.
[15] المحصول للرازي ج 4 ص 402.
[16] المصدر السابق ص 405.
[17] سير أعلام النبلاء للذهبي ج 10 ص 400 ــ 402.
[18] ذكر كتبه هذه مفصلة ابن النديم في الفهرست ص 116.
[19] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 16 ص 21.
[20] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص22 ترجمة الحسن بن علي وذكر بعض أخباره.

إرسال تعليق