بقلم: الشيخ عبد الغفار الانصاري
تكاد تكون وقعة الطف من اولها الى آخرها فصلاً واحداً من امثلة الوفاء والشهامة والدفاع عن الحق والواجب، والثبات على المبدأ.
ويكاد المشتركون في تمثيل روايتها يتساوون في صدق العقيدة وقوة الأيمان، ومضاء العزيمة ومقارعة الاهوال والذود عن حياض الدين فالكبير والصغير، والحر والعبد، والسيد والمسود، والصحابي والتابعي قد غمرهم شعور واحد، وملكتهم نفسية واحدة وقادهم رأي واحد جعلهم يسيرون الى تحقيق غايتهم ويتجهون الى هدفهم صفاً واحداً دون ان يساورهم شك او قلق في صحة اتجاهم والمضي الى جهادهم بخطوات ثابتة، وعزيمة راسخة وجنان ملؤها القوة. والشجاعة والايمان بعدالة نهضتهم وجهادهم في سبيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وانقاذ البشرية من شرور الباطل وكيد المستبدين.
فكل من يتصفح تاريخ يوم الطف لا يخامره شك ولا ريب بأن الفئة الصالحة التي رافقت الحسين في ثورته من المدينة الى كربلاء واستشهدت دونه كانت خير فئة خرجت تطلب الحق وتنشد الحرية ومن درس تاريخ اولئك الابطال عرفهم انهم كانوا من خيرة الرجال وخيرة الاصحاب قد حكمت المحبة بين قلوبهم اواصر الوفاء والاخاء والولاء فجعلهم يتسابقون الى القتل ويتراكضون الى الموت ويتمنون الشهادة ويحبون لقاء الله حتى لقد كان احدهم يتمنى ان يقتل ويحيى ثم يقتل ثم يحيى وهكذا الف مرة ليدفع الموت عن سيده الحسين كما صرح بذلك مسلم بن عوسجة ساعة جمع الحسين اصحابه وامرهم بالتفرق والتخلي عنه فاجابه مسلم قائلاً: والله لو علمت اني اقتل واحرق ثم احي ثم يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك، وصرح زهير بن القين قائلاً: والله يا ابا عبد الله وددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت ثم نشرت ثم قتلت ويفعل بي ذلك الف مرة وان الله يدفع بذلك عن نفسك وعن نفس هؤلاء الصبيان من اهل بيتك الموت لرضيت.
ومن أسطع البراهين على تساوي اصحاب الحسين في العقيدة قول (جون مولى ابي ذر الغفاري) للحسين (عليه السلام) حين امره بالانصراف فاستعد باكياً وقال ((يا ابن رسول الله أفي الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة اخذلكم ؟ والله يا ابا عبد الله ان ريحي لنتن وان حسبي للئيم وان لوني لاسود فتنفس علي بالجنة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض لوني)) فشكره الحسين (عليه السلام) على مقالته تلك التي تخبرنا على ان عقيدة العبيد من شهداء الطف لم تختلف عن عقيدة الاحرار وان تفانيهم ونضالهم في ذلك اليوم العظيم لم يختلف عن نضال سادتهم وشيوخهم.
ومن اروع ما جاء في تاريخ الوفاء والمثابرة وصحة العقيدة والثبات ان الحسين (عليه السلام) خرج ذات ليلة من لياليه في الطف يدور حول خيام فتيانه واخبئة عياله دون ان يصحب معه احداً وقد ساد الموقف ظلام دامس وهدئت الاصوات فالتفت الحسين (عليه السلام) ورائه فشاهد هلال بن نافع يجري خلفه فناداه فاقترب منه فقال له الحسين (عليه السلام) يا هلال انت في حل من بيعتي اسلك ما بين هذين الجبلين وانجو بنفسك ولا بأس عليك مني فارتعد هلال واضطرب وقال سيدي لا والله لا افعل ذلك انجو بنفسي لا والله حتى اقاتل دونك بهذه العقيدة الصادقة وبذلك الايمان الصحيح وعلى تلك المحجة البيضاء سار اصحاب الحسين وبتلك التضحية الغالية وما بذلوه من الشهامة نالوا هذه الذكرى التي ترددها الاجيال بالفخر والمجد والعظمة.
إرسال تعليق