بقلم: الشيخ عبد العالي المظفر
حينما تمر علينا ذكرى ولادة الامام الحسين (عليه السلام) لابد وان تطل علينا واقعة استشهاده وحينما يصل اسماعنا نبأ المولود الجديد يحيط بتفكيرنا وقلوبنا ادوار ثورته اللاهبة. فلا نقف لحظات لنهنئ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلياً وفاطمة سلام الله عليهم بهذا المولود المبارك ونرتل مع الوحي الامين {إنا اعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الابتر} فالحسين (عليه السلام) هو الفرع الزاكي لدوحة النبوة، واغصان الرسالة. فلا نبتسم للولادة المباركة حتى تطفوا علينا أنباء الثورة ولهيب الجهاد، وحتى تحيطنا ادوار الشهادة ومراحلها النيرة.
ولعل لهذا الامر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (حسين مني وانا من حسين).
ولذلك فحينما يريد الانسان ليتحدث عن ولادته لابد ان يتحدث عن استشهاده وحينما يريد ان يكتب لمثل هذا اليوم المشرق لابد ان يكتب بقلب المؤمن الذي افزعه مصرع البطل وثبت فؤاده الفتح العظيم على مر الاجيال والعصور.
والانسان حينما يريد التحدث عن المصلح الذي يقدم لامته خدمات جليلة او تضحيات سخية لابد له ان يمزج الخيال بالواقع ليضفي على الواقع مزيداً من الروعة والاكبار وعلى المصلح مزيداً من المعاني الانسانية والمثل العليا ليرتفع بذلك المصلح عن حدود زمانه ومكانه، ويتحدى بها القوى المادية والعددية التي تقف في قبالة اهدافه.
فهذا الانسان المصلح حينما ابتدأ بالسير في طريق هذا المثل الاعلى وتعلق بمعانيه الازلية الخالدة ساغ لنا بهذه العلاقة والصلة أن نسبغ على سيرته طابع الهدف وصبغة المثل الاعلى الرفيع.
ولكن حينما نريد ان نمسك بالقلم فنتحدث عن مصلح الازمان والاجيال الحسين الشهيد (عليه السلام) ونأخذ قبساً من أنوار ثورته المتوهجة لابد أن تنعكس المهمة تماماً. فنجاح الكاتب او المتحدث في هذا الميدان وتوفيقه في هذه المهمة والعافية يتوقف على مدى تمكن خياله وتفكيره ان ينتقل شيئاً من الحقيقة الضخمة والتضحية الخالدة والشهادة في اروع صورة لها على وجه الحياة.
ماذا يبقى للخيال من مجال لان ينطلق، وهل له او للتفكير من قدرة على أن يحلق الى قمة هذا المثل الاعلى في شموخها.
هل للخيال أن يحلق ليرى الحسين (عليه السلام) وقد أخذ بكفه من دم ولده عبد الله الرضيع ليلقي به الى السماء وهو يقول (اللهم لا يكن عليك أهون من ناقة صالح) ثم ليرى الحوراء زينب سلام الله عليها وقد وضعت يدها تحت جسد أخيها الحسين وهي ترفعه عن الأرض قائلة (اللهم تقبل منا هذا القربان) ثم لينقل الخيال والفكر جميع امكانيات وما ملكت طاقاته بين أدوار الثورة ومشاهدها فيرى انصار الحسين سلام الله عليهم وهم يهتفون (لو نقتل سبعين قتلة لفضلنا النهوض معك على القعود عنك) وأنا للخيال أن يرتفع ويحلق وقد جسد الحسين المثل الأعلى حقيقة نابضة تنـزل الى الميدان وتصارع العدو الكافر الغاشم.
وكان لابد للامام (عليه السلام) ان يستعمل هذا السلاح الايماني العظيم في مثل هذه المعركة الرهينة.
فلقد رأى صلوات الله عليه أن (يزيد) اخذ يستعد للقيام بالدور الاخير (للجاهلية الحديثة) التي عهد بها ابوه معاوية اليه ووضع خطوطها وتصميمها. ليقضي على البقية الباقية من اتباع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وحاملي رسالة الاسلام.
وكانت هذه الفلسفة الارتدادية قد امتدت جذورها الخبيثة وعمت بشرورها المجتمع الاسلامي كافة، من قصم لعراه المتلاحمة، وتأليب بعض طوائفه على بعض، وقوم على قوم وطبقية غاشمة تركز القوة المادية والاجتماعية في ايدي افراد دون آخرين، وفي استعباد مرهق من الحاكمين (فجعلوا أموال الله دولاً وعباده خولاً) ومن فسق وفجور ما جن لم تعهد الجاهليةالقديمة بمثله بسبب من الامكانيات التي تهيأت من القوى المادية التي توفرت في المجتمع المسلم والتي أرادها الاسلام سلاحاً لنشر دعوته ووسيلة محكمة لغرس الفضيلة والمثل العليا التي جاء من أجلها. فكان الهدم والانهيار الذي لم يسلم من خطره أي جانب من جوانب المجتمع الاسلامي واي ظاهرة من حياة المسلمين وحيث كانت الدنيا (دنيا المسلمين) في مثل هذا الجو الرهيب (قد تنكرت وادبر معروفها ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل) وكان على (يزيد) لينفذ خطة الجاهلية هذه في أدوارها الاخيرة ان يقضي بقوته الغاشمة على آخر مصدر للنور الاسلامي وان يسفك بسلاحه الغادر آخر عرق ينبض بالاسلام فكان ليلاً مظلماً حقاً وكانت الدنيا مكفهرة من مزمجرة بالباطل.
وابو الشهداء يرى هذه الخطوب الدهماء وهي تنوء بكلكلها على امة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) فكان لابد ان يستعمل السلاح الفتاك الذي لا يقف بوجهه أية قوة مادية مهما كان عددها وجبروتها وعدتها، هذا السلاح الذي وعد الله حامليه ان ينصرهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد، وكان لابد ان يعلن الثورة لتتجمع حوله البقية الباقية من حملة الرسالة والكتاب واركان الاسلام.
وكان عليه ان يذكر الأمة بمسؤوليتها اتجاه الوضع الغاشم الذي فتك بكيانهم ولهى بمقدراتهم جهاراً وعياناً فقال (عليه السلام) (من رأي سلطان جائراً ناكثاً لعهد الله مستحلاً لحرم الله ولم يغير عليه بقول ولا عمل كان حقيق على الله ان يدخله مدخله) وكان عليه ايضاً ان يعلن هدف الشامل لثورته المباركة وان (الاصلاح) في شموله الاسلامي وفي مضمونه الرسالي العظيم (الا واني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر واسير بسيرة جدي وأبي).
وحينما رأى صلوات الله عليه ان هذا سلاحه وهذا هو هدفه اطمئن بالنصر ووثق من الفتح الذي يتجدد كلما مرّ دور وأتى جيل وخيّم ظلام فأعلنه من أول يوم (من لحق بي استشهد ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح).
إرسال تعليق