إذا أردت أن تعرف نفسك أمن الصادقين أنت أم الكاذبين فاقرأ هذا المقال

بقلم: السيد عبد الله شبر، تحقيق شعبة التحقيق في قسم الشؤون الفكرية

قال الله تعالى: ((كُونُواْ[1] مَعَ الصّادِقِينَ))[2] وقال تعالى: ((رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ))[3].

وقال الصادق عليه السلام: إن الصادق أول ما يصدقه الله تعالى يعلم أنه صادق، فتصدقه نفسه تعلم أنه صادق[4].

وعنه عليه السلام[5]: إن العبد ليصدق حتى يكتب عند الله من الصادقين، ويكذب حتى يكتب عند الله من الكاذبين، فإذا صدق قال الله تعالى[6] صدق وبرّ، وإذا كذب قال الله تعالى[7] كذب وفجر[8].

وفي رواية أخرى: إن العبد ليصدق حتى يكتبه الله تعالى صدّيقاً[9].

وعنه عليه السلام[10] قال : كونوا دعاة الناس بالخير بغير ألسنتكم[11] ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع. [12]

وقال عليه السلام[13] لبعض أصحابه: أنظر ما بلغ علي عليه السلام عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالزمه، فإن علياً إنما بلغ عند رسول الله ما بلغ بصدق الحديث وأداء الأمانة[14].

وقال عليه السلام[15]: إن الله تعالى[16] لم يبعث نبياً إلا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البر والفاجر[17].

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أداء الأمانة يجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر[18].

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : أدوا الأمانات[19] ولو الى قاتل ولد الأنبياء[20].

وعن الصادق عليه السلام:من ائتمنك بأمانة فأدها إليه،ومن خانك فلا تخنه[21].

واعلم أن الصدق يكون في الأقوال وفي الأعمال وفي الأحوال، وأدنى مراتب الصدق الصدق في القول في كل حال، وكماله بترك المعاريض من غير ضرورة حذراً عن تفهيم الخلاف، وكسب القلب صورة كاذبة.

وينبغي أن يصدق في القول مع الحق ومع الخلق، فمن قال «وجهت وجهي لله»[22] وفي قلبه سواه، أو ((إِيّاكَ نَعْبُدُ))[23] وهو يعبد الدنيا وهواه أو ((إِيّاكَ نَسْتَعِينُ))[24] وهو بغير الله يستعين، فهو كاذب.

كما قال الفريد الوحيد رحمه الله.

إياك من قول به تفند *** فأنت عبد لهواك تعبد
تلهج في «إياك نستعين» *** وأنت غير الله تستعين[25]

ثم الصدق في النية، بأن يخلصها من الشوائب كما تقدم.

ثم في العزم، وهو الجزم القوي على الخير، فإن الإنسان قد يقدم العزم على العمل، فيقول في نفسه «إن رزقني الله مالاً تصدقت بجميعه أو شطره» و«إذا لقيت عدواً في سبيل الله قاتلته ولم أبال وإن قتلت». وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد، وضعف يضاد الصدق في العزيمة.

ثم في الوفاء بالعزم، فالنفس قد تسخو بالعزم في الحال، إذا لا مشقة في الوعد، فإذا حقت الحقائق وحصل التمكن وهاجت الشهوات انحلت العزيمة، وهذا يضاد الصدق فيه، ولذلك قال تعالى: ((رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ))[26].

ثم في الأعمال، بأن يبذل جهده، بحيث لا يكون ظاهره مخالفاً لباطنه لا بأن يترك العمل بالمرة، بل بأن يسخر الباطن الى تصديق الظاهر، وهذا غير ريائي، لأن المرائي هو الذي يقصد ذلك لأجل الخلق، وربّ واقف على هيئة الخشوع في صلاته ليس يقصد به مشاهدة غيره، ولكن قلبه غافل عن الصلاة، فمن نظر إليه رآه قائماً بين يدي الله، وهو بالباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من شهواته. وكذلك قد يمشي على هيئة السكون والوقار، وليس باطنه موصوفاً بذلك، فهذا غير صادق في عمله وإن لم يكن ملتفتاً إلى الخلق ولا مرائياً إياهم، ولا ينجو من هذا إلا باستواء السر والعلانية، بأن يكون باطنه مثل ظاهره أو خيراً من ظاهره، وهذا كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: إني والله ما أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها[27].

ثم في مقامات الدين، وهو أعلى درجات الصدق وأعزها، كالصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والحب والتوكل وسائر المكارم، فإن هذه الأمور لها مبادئ ينطلق الاسم بظهورها، ثم لها غايات وحقائق، والصادق المحقق من نال حقيقتها، قال الله تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا)) الى قوله: ((أُوْلئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ))[28] وقال عزّوجل: ((وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ))[29] ثم قال: ((وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساء والضَّرّاء))[30] الى قوله: ((أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا))[31].

وسئل أبو ذر[32]رضي الله عنه عن الإيمان فقرأ هذه الآية[33]، فقيل له: سألناك عن الإيمان فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الإيمان فقرأ هذه الآية[34].[35]

وإن أردت أيضاً أن تعرف معنى الصدق في الخوف فاعلم أنه ما من عبد يؤمن بالله إلا وهو خائف خوفاً ينطبق عليه هذا الاسم، ولكنه خوف غير بالغ درجة الصدق والحقيقة، ولذا تراه إذا خاف سلطاناً أو قاطع طريق في سفر كيف يصفر لونه فترتعد فرائصه ويتنغص عليه عيشه ويتعذر عليه أكله ونومه، وينقسم عليه فكره حتى لا ينتفع به أهله وولده، وقد ينزعج عن الوطن فيستبدل بالأنس الوحشة وبالراحة التعب والمشقة والتعرض للأخطار، كل ذلك خوفاً من درك المحظور، فما بال من يدعي الخوف من الله ومن عذابه وعقابه وناره لا يظهر عليه شيء من ذلك عند جريان معصيته عليه، ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لم أر مثل النار نام هاربها، ولم أر مثل الجنة نام طالبها[36]. وهكذا الصدق في الرجاء كما تقدم في محله.

 وقد يكون العبد صادقاً في جميع الأمور، فيسمى صديقاً، وقد يكون في بعض دون بعض فيضاف الى ذلك البعض، بأن يسمى صادق القول أو العمل[37].

وفي مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: إذا أردت أن تعلم أصادق أنت أم كاذب فانظر في قصد معناك وغور[38] دعواك وغيرها بقسطاس[39] من الله عزّوجل كأنك في القيامة، قال الله: ((وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ))[40]، فإذا اعتدل معناك بدعواك ثبت لك الصدق.

وأدنى حد الصدق أن لا يخاف اللسان القلب ولا القلب اللسان. ومثل الصادق الموصوف بما ذكرنا كمثل النازع روحه إن لم ينزع، فماذا يصنع؟![41].

ــــــــــــــــ
[1] في النص القرآني: "وكونوا".
[2] سورة التوبة/ 119.
[3] سورة الأحزاب/ 23.
[4] أنظر: ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق: 178، ثواب الأعمال، ثواب الصدق.
[5] أي: "الإمام الصادق عليه السلام".
[6] في الكافي: "عز  وجل" بدل "تعالى".
[7] في الكافي: "عز و جل" بدل "تعالى".
[8] الكافي، الكليني: 2/ 105، كتاب الإيمان والكفر، باب الصدق وأداء الأمانة/ ح9.
[9] أنظر: المعجم الأوسط، الطبراني : 8/ 32.
[10] أي: "الإمام الصادق عليه السلام".
[11] في مجموعة ورام: «كونوا دعاة للناس إلى الخير بغير ألسنتكم».
[12] مجموعة ورام، ورام بن أبي فراس: 1/ 12.
[13] أي: "الإمام الصادق عليه السلام".
[14] أنظر: مشكاة الأنوار، الطبرسي: 46، الباب الأول في الإيمان والإسلام وما يتعلق بهما/ الفصل الثاني عشر في التقوى والورع.
[15] أي: «الإمام الصادق عليه السلام».
[16] في الكافي: "عز و جل" بدل "تعالى".
[17] الكافي، الكليني: 2/ 104، كتاب الإيمان والكفر، باب الصدق وأداء الأمانة/ ح1.
[18] تحف العقول، الحراني: 45، ماروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طوال هذه المعاني, وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في قصار هذه المعاني. وفيه النص: «الأمانة تجلب الرزق والخيانة تجلب الفقر».
[19] في الكافي: "الأمانة" بدل "الأمانات".
[20] الكافي، الكليني: 5/ 133، كتاب المعيشة، باب أداء الأمانة/ ح3.
[21] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: 3/ 186، باب الدين والقرض/ ح20.
[22] الكافي،الكليني:3/310،كتاب الصلاة،باب افتتاح الصلاة والحد في التكبير/ح7.
[23] سورة الفاتحة / 5.
[24] سورى الفاتحة/ 5.
[25] يقول النمازي في مستدرك سفينة البحار قبل ذكر الأبيات، يناسب في هذا المقام نقل هذه الأشعار من الدرة. وقد أوضحنا سابقا أن الدرة للسيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي (قدس سره). مستدرك سفينة البحار، النمازي: 7/ 65.
[26] سورة الأحزاب/ 23.
[27] نهج البلاغة، الشريف الرضي: 1/ 250، خطب أمير المؤمنين عليه السلام، الخطبة 175 له عليه السلام في الموعظة وبيان قرباه من رسول الله.
[28] سورة الحجرات/ 15.
[29] سورة البقرة/ 177.
[30] سورة البقرة/ 177.
[31] سورة البقرة/ 177.
[32] جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد، من بني غفار، من كنانة بن خزيمة، أبو ذر: صحابي، من كبارهم. يقال أسلم بعد أربعة وكان خامسا. يضرب به المثل في الصدق. هاجر بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بادية الشام. فأقام إلى أن توفي أبو بكر وعمر وولي عثمان، فسكن دمشق وجعل ديدنه تحريض الفقراء على مشاركة الأغنياء في أموالهم. فشكاه معاوية إلى عثمان فاستقدمه عثمان إلى المدينة، فقدمها و استأنف نشر رأيه في تقبيح منع الأغنياء أموالهم عن الفقراء، فعلت الشكوى منه فأمره عثمان بالرحلة إلى الربذة فسكنها إلى أن مات (سنة 32 هـ). وكان كريما لا يخزن من المال قليلا ولا كثيرا.
الأعلام، الزركلي: 2/140، أبو ذر الغفاري.
[33] سورة الحجرات/ 15.
[34] سورة الحجرات/ 15.
[35]إحياء علوم الدين، الغزالي: 4/ 340، كتاب النية والإخلاص والصدق، الباب الثالث في الصدق وفضيلته  وحقيقته، بيان حقيقة الصدق ومعناه ومراتبه.
[36] أنظر: أعلام الدين، الديلمي: 190، باب وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر.
[37] أنظر: الحقايق في محاسن الأخلاق، الفيض الكاشاني: 201 ــ 203، الباب السادس في الصدق والأمانة. المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 8/ 140 ــ 147، كتاب النية والصدق والإخلاص، الباب الثالث. جامع السعادات، النراقي: 2/ 335 ــ 339، تكميل أقسام الصدق. إحياء علوم الدين، الغزالي: 4/ 336 ــ 341، كتاب النية والإخلاص والصدق، الباب الثالث في الصدق وفضيلته وحقيقته.
[38] الغور: القعر من كل شيء، والدخول في الشيء.
القاموس المحيط، الفيروز آبادي: 2/ 105، مادة "الغور".
[39] القسطاس: أعدل الموازين وأقومها، وقيل: هو شاهين. والقسطاس: هو ميزان العدل، أي: ميزان كان من موازين الدراهم وغيرها.
لسان العرب، ابن منظور: 6/ 176، مادة "قسطس".
[40] سورة الأعراف/ 8.
[41] أنظر: مصباح الشريعة، الإمام الصادق عليه السلام: 34 ــ 35، الباب الخامس عشر في الصدق.

إرسال تعليق