بقلم: الدكتور عمر فروخ
لـم يعـرف التاريخ مـأساة شغلت الإنسانية كمأسات الحسين بن علي رضي الله عنهما (عليهما السلام). وعهد الإنسانية بالمآسي، إنها نوع من المصائب التي تظهر فجأة، عظيمة فادحة، ثم تتضائل ويخف أثرها، حتى تضمحل وتتلاشى من فكر الإنسانية فتستقر هادئة في كتب التواريخ، تلك هي بلا ريب المآسي الشخصية الفردية ، التي تنوي في أول أمرها الأعلى اشفاق على من نزلت به المصيبة، والأعلى عاطفة عارضة في من اتفق له أن يشهدها.
أما مأساة كربلاء فكانت من نوع آخر: إنها لا تمثل مصيبة فردية شخصية، ولكنها ترمز الى ( الإستشهاد في سبيل مبدأ): مضى الزمن على الأشخاص الذين ساقتهم يد القدر الى حلول هذه المأساة الفاجعة في العرب والإسلام، حقاً أو باطلاً، ولكن فكرة تلك المأساة لم تزل، بل لقد قوي اثرها وأتسع صداها. ذلك لأن العرب والمسلمين قد تعرضوا في عصورهم المتأخرة لأنواع من الغشم والظلم لا تقل في نتائجها عن الظلم الذي نزل يوم كربلاء. وما أبطال العرب ورجالاتهم في اقطارهم المختلفة في عصورهم الحديثة سوى ضحايا تفرقت اشلاؤها في المغرب وطرابلس الغرب وفلسطين وسورية. فإذا كان الإستعمار يقيم في كل بلد من بلاد العرب والمسلمين كربلاء جديدة فإنى للعرب والمسلمين أن ينسوا كربلاء الأولى، وينسوا الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهما السلام)، ذلك الشهيد الذي رفع المثل الأعلى للإستشهاد في سبيل الدفاع عن مبدأ، وكان القدوة الصحيحة لجميع الذين يريدون أن يدافعوا عن مبادئهم من بعده.
ان شجاعة الحسين بن علي(عليه السلام) يجب أن تكون حية في قلوبنا حتى نرهب بها المعتدين ونرد بها الظالمين . إننا لن ننصف الحسين رضي الله عنه مهما عظمت حفلاتنا بذكراه، ومهما تنوعت تلك الحفلات، إذا كنا نحيي ذكراه في كل عام بأفواهنا وجفوننا فقط ثم لا نجعل تلك الذكرى حمية دائمة في قلوبنا وقوة مرهبة في أيدينا. إن أمام العرب كربلاء في المغرب، وكربلاء في فلسطين وكربلاء في أماكن أخرى، فهل يكون من العرب حسين جديد في المغرب، وحسين جديد في فلسطين، وحسين جديد في كل قطر عربي يريده الإستعمار بسوء..؟ يجب أن يستشهد في كل قطر عربي حسين جديد اذا تعرض ذلك القطر لكربلاء جديدة حتى تسلم بلاد العرب ويسلم العرب في بلادهم.
إرسال تعليق