بقلم: عبد الامير شمس الدين
تضحية انسان بنفسه وآله وصحبه، من اجل عقيدة ومبدأ ودين واقدامه على جلائل الامور، في سبيل اشعاع حق، انارة لشعب وشعوب، وايقاظاً لامة وامم، وهداية لاجيال ….، ميزتان من ميزات جبابرة الارادة، ونوابغ العالم وعباقرة القادة.
خاض الامام الحسين (عليه السلام) معركة الكفاح الاسلامي فكان المثل الاعلى للبطولة والفداء، والقدوة العظمى في التضحية وانكار الذات، من اجل الابقاء على رسالة هي خلاصة رسالات السماء، بعدما اصطدمت بها عواصف الاهواء والغايات، وكادت ان تقضي على مثلها العليا، ومبادئها الانسانية السامية التي انتزعت الاغلال السابقة عن كل انسان في كل مكان.
فكان كفاحه امتداد لكفاح جده وابيه، اللذين اعملا معمولهما الاقدس في بناية العبوديات الراسخة. التي شهدت من نوع تلك العواصف الشيء الكثير.
ولقد عبر عن ذلك (عليه السلام) بهذه الكلمات الخالدات ((اني لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً. وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق)).
من ذلك يتضح لنا ان ثورته (عليه السلام) لم تكن على يزيد فحسب بل كان الهدف منها تقويض حكم يزيد، لان حكمه امتداد لحكم امية، واستمرار حكم على الاسلام بالزوال وفي زوال الاسلام، عودة لظلمات الجاهلية العمياء.
هدم الرجعية اذن ! الهدف من ثورة الحسين(عليه السلام)، وما الرجعية الا كل ماهو مخالف لعدالة الاسلام وشريعته الحقة، والرجعية بكل ما تنطوي عليه من مبادئ هدامة، منحصرة في بني امية. فقضاء الحسين (عليه السلام) على حكم امية لاشك انه قضاء على الرجعية بكل معانيها.
ولابرام هذا الحكم عليهم لابد لنا من شواهد واسانيد مما حفلت به صفحات التاريخ، فاذا ما أتينا على ذكر بني امية، بعد الاسلام اول ما تطالعنا شخصية ابي سفيان، ذلك الرجل الذي لقى الاسلام منه والمسلمون الآمرين قبل الهجرة وبعدها.
ما اسلم الا بعد ان خاف على نفسه من غلبة الاسلام، فهو اسلام الشفة واللسان لا ايمان القلب والعقل، لقد ظل يتمنى هزيمة المسلمين، ويستبشر لها في يوم حنين، وفي قتال المسلميـن والروم فيما بعد، وحينما تخطت الخلافة علياً لأبي بكر. استعرت في قرارة نفسه نار الفتنة. فخف يصرخ (يا بني هاشم وعبد مناف، ارضيتم ان يترأس عليكم ابو فضيل اما والله لو شئتم لأملأنها عليه خيلاً ورجلاً) فاسكته الامام علي (عليه السلام) بعد ان تبين قصده بقوله (انك والله ما اردت بهذا الا الفتنة، وانك والله طالما بغيت للاسلام شراً).
ولقد كان يحلم بملك وراثي في بني امية، حيث انبرى يقول: لما تولى عثمان الخلافة (يا بني امية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به ابو سفيان، مازلت ارجوها لكم ولتصيرن الى صبيانكم وراثة).
ما كان ابو سفيان ليؤمن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) او يعتقد يوماً انه نبي. وما كان يتصور حكم المسلمين الا ملكاً. وقف ينظر الى جيوشهم يوم فتح مكة، ويقول للعباس بن عبد المطلب: (والله يا ابا الفضل لقد اصبح ملك ابن اخيك اليوم عظيماً). اجابه العباس (انها النبوة) قال (نعم اذن).
نعم اذن ! ان النبوة لكلمة يسمعها باذنه فلا يفقهها قلبه، فما كان مثل هذا القلب ليفقه الا معنى الملك والسلطان.
ذلك القليل عن ابي سفيان… اما زوجته هند ام معاوية، هي تلك التي استعملت شتى وسائل الايذاء للرسول الكريم. وهي تلك التي وقفت يوم (احد) تلغ في الدم، اذ تنهش كبد حمزة بن عبد المطلب حققت في هذه الفعلة الشنيعة حقد الثار على حمزة عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنقل هذه النفسية الخبيثة بالوراثة، الى باكورة انتاجهما معاوية، الذي اطلق لأمية العنان: بعد استشهاد الامام علي وولده الحسن (عليه السلام) فلقد انهى الحاجز القوي الصلب الذي كان يحد من مطامعه واهوائه.
وهوى العملاق الجبار الذي كان يهابه ويخشاه. وبموتهما حلت الكارثة التي قصمت ظهر الاسلام.. فأمية ارتدت الى اعمال ورثتها من الجاهلية، وانحاز اليها المنتفعون الذين اعتادوا على التفضيل في العطاء، ومردوا على الاستئثار.
انحاز جميعهم الى معسكر معاوية، حيث يجدون فيه غاية لأطماعهم وتوطئوا على عناصر الحق والعدل والضمير في السيرة وفي الحكم سواء.
ولن اتعرض لذكر ماحفل به التاريخ الاسلامي، من اعمال مخزية مؤسفة قام بها معاوية واعوانه ضد الاسلام واهله ..، بل اكتفي بذكر صورة بسيطة من عشرات الصور المخزية التي استعملها معاوية.
سار معاوية الى مكة، مصطحباً معه الجند والمال، فجمع ساداتها، وقد ضاق ذرعاً بمحاربتهم له وكشفهم لعوراته، قال يتوعدهم (اعذر من انذر، انـي كنت اخطب فيكم فيقوم الى القائم فيكم، فيكذبني على رؤوس الناس فاهمل ذلك واصفح، واني قائم بمقاله فاقسم بالله: لئن رد علي احدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع اليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف الى رأسه، فلا يبقين رجل الا على نفسه).
وما كان من بعدئذ، حتى اقام على رأس كل من هؤلاء رجلين من جنده اذا قام احدهم يرد عليه بكلمة يضربانه بسيفهما .. ثم رقى المنبر وقال (هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم لا يبرم امر دونهم، ولا يقضى الا بمشورتهم، انهم رضوا وبايعوا يزيد فبايعوا على اسم الله) فبايع الناس يزيد.
فمن هو يزيد هذا ؟ الذي استعمل ابوه معاوية شتى صنوف الخداع والتضليل والاكراه، كي يوليه الملك بعده، ويجعله قيماً على شريعة الاسلام.
انه لا يكلفنا بذل الجهد للبحث عن اخباره، فاشعاره التي نطق بها في مناسبات عدة صورة صادقة عن نفسيته الخبيثة، ودليل قاطع على خروجه عن الاسلام فنظرة يزيد للنبوة ما كانت لتختلف عن نظرة جده ابي سفيان، فهو ينكر على رسول الاسلام نبوته، وينكر نزول الوحي عليه.
ان النبوة في نظر يزيد لا تعدوا ان تكون وسيلة ابدعها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) للفوز بالملك والسلطان، هاكم قوله:
لعبت هاشم بالملك فلا **** خبر جاء ولا وحي نزل
ما كان يزيد ليهتم بما يصيب الامة الاسلامية من نكسات وما يحمل بالمسلمين من ويلات، بل كان همه اشباع غرائزه الحيوانية الجامحة والنوم على الاسرة المنمقة والأسماط الثمينة.
جاء يوماً خبر فتك الجوع والمرض بالجيوش الاسلامية الزاحفة لغزو القسطنطينية، فأنشأ يقول:
ما ان ابالي بما لاقت جموعهم **** بالفرقدنه من حمى ومن حوم
اذا اتكأت على الانماط مرتفعاً **** بدير مروان عندي ام كلثوم
إرسال تعليق