بقلم: الشيخ علي الفتلاوي
العزّة: هي القوة والغلبة والحمية، عزّ فلان: قويَ وبرئ من الذل، وأعزّه: قواه وأحبه وأكرمه وجعله عزيزا[1].
فالعزّة: هي الارتفاع بالنفس تعظيما عن مواضع الهوان والإهانة والدنو دون الاستعلاء أو الخيلاء.
هذه الصفة الرائعة هي صفة الحق جل وعلا فبها تسمّى بالعزيز، بل هي من الصفات التي تقتضيها الذات المقدسة، ولأهميتها وضرورتها وهبها الله تعالى لأنبيائه وعباده الصالحين فقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[2].
بل إن الله تعالى أدب أنبياءه وأولياءه وعباده الصالحين بالعزّة وألزمهم بالتحلي بها ولم يرخّص لهم ترك هذه الصفة النبيلة وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام: «إنَّ اللهَ فَوَّضَ إلَى المُؤْمِنِ أُمورَهُ كُلَّها، وَلَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ أنْ يَكونَ ذَليلاً، أمَا تَسْمَعُ اللهَ تَعالى يَقولُ: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ؟! فَالمُؤْمِنُ يَكونُ عَزيزاً وَلاَ يَكونُ ذَليلاً، إنَّ المُؤْمِنَ أعَزُّ مِنَ الجَبَلِ؛ لأَنَّ الجَبَلَ يُسْتَقَلُّ مِنْهُ بِالمَعاوِلِ، وَالمُؤْمِنُ لاَ يُسْتَقَلُّ مِنْ دينِهِ بِشَيءٍ»[3].
ولذا نجد لسان الآيات الكريمة ومضامين الأحاديث الشريفة تؤكد أن العزّة صفة إلهية يجب التخلق بها كما في قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ)[4].
بل لا يحق للمؤمن أن يتصف بغيرها كما بيّنه الحديث السابق؛ لما لهذه الصفة من دور في حفظ حالة الإيمان في قلب المؤمن ولما لها من دور في سمو المؤمن ورفعته.
نصائح لمن أراد العز
ورد في لسان الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ما يرشد إلى الطرق التي توصل المرء إلى العزّ والرفعة وهي كما يلي:
1ــ أن يؤمن بالله تعالى ويتمسك بحبله ويسلّم له كما في قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ)[5].
وقوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[6].
2ــ أن تهجر جميع العوامل التي تؤدي إلى عزّتك من دون الله تعالى؛ لما لها من مردود خطير وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «مَنِ اعْتَزَّ بِغَيْرِ اللهِ أهْلَكَهُ العِزُّ»[7].
وعنه عليه السلام قال: «العَزيزُ بِغَيْرِ اللهِ ذَليلٌ»[8].
3ــ تشير الأحاديث الشريفة إلى أن عزّ الدنيا واهن فانٍفإن لا قيمة له كما في قول الإمام علي عليه السلام: «أُوصيكُمْ بِالرَّفْضِ لِهذِهِ الدُّنْيا التّارِكَةِ لَكُمْ وَإنْ لَمْ تُحِبّوا تَرْكَها... فَلاَ تَنافَسوا في عِزِّ الدُّنْيا وَفَخْرِها... فَإنَّ عِزَّها وَفَخْرَها إلى انْقِطاعٍ»[9].
4ــ عليك الالتزام بالحق والانتصار له والاذعان به حتى لو دعا ذلك إلى ذلٍّ ظاهر وهذا ما أكده الإمام الصادق عليه السلام بقوله: «العزُّ أنْ تَذِلَّ لِلحَقِ إذا لَزِمَكَ»[10].
5ــ اتخاذ الصدق صفة ثابتة في قولك وفعلك، وأن تحرص على التزود بالعلم؛ لما ورد عن إمامنا الصادق عليه السلام إذ يقول: «الصّدق عِزٌّ، وَالجَهْلُ ذُلٌّ»[11].
6ــ التحلي باحترام الخلق وعدم العدوان عليهم كما جاء في حديث الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام حيث يقول: «شَرَفُ المُؤْمِنِ صَلاَتُهُ بِاللّيلِ، وَعِزُّهُ كَفُّ الأذى عَنِ النّاسِ»[12].
7ــ التحلي بالأخلاق الحميدة والترفع عن الثرثرة والخوض في الباطل والتنزه عن اللغو يوجب العز كما ورد ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «حُسْنُ خُلْقِ المُؤْمِنِ مِنَ التَّواضُعِ...، وَعِزُّهُ تَرْكُ القالِ وَالقيلِ»[13].
8 ــ ضبط النفس وتجرع الغيظ يؤدي إلى العز كما أكد ذلك الإمام علي عليه السلام بقوله: «لاَ عِزَّ أرْفَعُ مِنَ الحِلْمِ»[14].
9ــ هجر المعاصي والتلبس بالطاعات يوجب عزاً ليس كمثله عز كما أكد ذلك الأئمة الأطهار عليهم السلام في أقوالهم: «مَنْ أرادَ عِزّاً بِلا عَشيرَةٍ، وغِنًى بِلا مالٍ، وهَيْبَةً بِلا سُلطانٍ، فَلْيُنْقَلْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اللهِ إلى عِزِّ طاعَتِهِ»[15].
وقال الإمام علي عليه السلام: «مَنْ أرادَ الغِنى بِلا مالٍ، والعِزَّ بِلا عَشيرَةٍ، وَالطّاعَةَ بِلا سُلْطانٍ، فَلْيَخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اللهِ إلى عِزِّ طاعَتِهِ؛ فَإنَّهُ واجِدٌ ذلِكَ كُلَّهُ»[16].
10ــ الشعور بالمملوكية الحقة لله تعالى، والاعتقاد بأنه تعالى هو من يدير أمورك ويدبر شؤونك ويعطيك عزاً وفخراً، وهذا ما صرح به أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «إلهي كَفى بي عِزّاً أنْ أكونَ لَكَ عَبْداً، وَكَفى بي فَخْراً أنْ تَكونُ لي رَبّاً»[17].
11ــ إلزام النفس وتأديبها على الاستغناء عما في أيدي الناس يحقق العزّ الحقيقي، وهذا ما نلمسه في قول إمامنا الصادق عليه السلام إذ يقول: «لاَ يَزالُ العِزُّ قَلِقاً حتّى يَأتِيَ داراً قَدِ اسْتَشْعَرَ أهْلُها اليَأسَ مِمّا في أيْدي النّاسِ فَيوطِنَها»[18].
12ــ عندما تكون طرفا في جدال أو نزاع أو غير ذلك لا تكابر ولا تأخذك العزة بالإثم بل عليك قبول الحق وإنصاف الناس من نفسك فإن ذلك يلبسك عزاً لا مثيل له وهذا ما نصحنا به أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «ألا إنَّهُ مَنْ يُنْصِفُ النّاسَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إلاّ عِزّاً»[19].
13ــ التسامح والعفو يحتاج إلى نفس مملوءة بالإيمان تحرص على النجاة في الآخرة، فلذا من طلب النجاة من ذل الدنيا والآخرة فليعفُ، وهذا أرشدنا إليه سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «مَنْ عَفا مِنْ مَظْلَمَةٍ أبْدَلَهُ اللهُ بِها عِزّاً في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ»[20].
14ــ إذا كنت ترى الاستعلاء سمواً والاعتداد بالنفس مع الله تعالى علواً، وتحصيل الحرام مكسبا فإنك مخطئ مخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: «ثَلاثَةُ لاَ يَزيدُ اللهُ بِهِنَّ إلاّ خَيْراً: التَّواضُعُ لاَ يَزيدُ اللهُ بِهِ إلاّ ارتِفاعاً، وذِلُّ النَّفْسِ لاَ يَزيدُ اللهُ بِهِ إلاّ عِزّاً، والتَّعَفُّفُ لاَ يَزيدُ اللهُ بِهِ إلاّ غِنًى»[21].
15ــ اللسان يطيح بصاحبها ويورده الهلكة وتلبسه الذلة إلا إذا صانه من الزلل والخنا والفحش والبذاءة ومن كل قول سيئ وهذا ما أوصى به الإمام الكاظم عليه السلام رجلاً طلب منه الوصية في دينه فقال: «إِحْفَظْ لِسانَكَ تَعِزَّ، ولاَتُمَكِّنِ النّاسَ مِنْ قِيادِكَ فَتَذِلَّ رَقَبَتُكَ»[22].
16ــ إذا عصفت بك البلايا وأصابتك المصائب فتحلى بالصبر فإن فيه عزاً يدخلك الجنة، وهو ما أمر به الإمام الباقر عليه السلام إذ يقول: «مَنْ صَبَرَ عَلى مُصيبَةٍ زادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِزّاً عَلى عِزِّهِ، وأدْخَلَهُ جَنَّتَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَأهْلِ بَيْتِهِ»[23].
17ــ ورد في الحديث أن القناعة كنز لا يفنى؛ لما فيها من رفض لعبودية الشهوات ورفض لذل الطمع والجشع، فلذا جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: «مَنْ قَنَعَتْ نَفْسُهُ عَزَّ مُعْسِراً، مَنْ شَرِهَتْ نَفْسُهُ ذَلَّ موسِراً»[24].
18ــ التفرقة والتشتت علامة الفشل وذهاب الريح، والألفة والتوحد علامة النجاح وقوة المجموعة، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «والعَرَبُ اليَوْمَ وَإنْ كانوا قَليلاً، فَهُمْ كَثيرونَ بِالإسْلامِ، عَزيزونَ بِالاجتِماعِ»[25].
19ــ ثبت في محله أن غير المعصومين عليهم السلام ليس بمعصوم عن الخطأ وعن السهو والنسيان، وهذا يعني أن كثيراً من الناس قد يقع منه الخطأ في تخطيطه أو تفكيره أو قوله أو فعله مما يدعو إلى ضرورة اللجوء إلى الدعاء للتسديد والنجاح، فمثلا هناك من يفكر ويضع الخطط الكثيرة لينال السلطة أو الجاه أو العظمة أو المال إلاّ أنه يفشل فشلاً ذريعاً بسبب خطئه في تخطيطه أو تفكيره فيبقى حائراً ماذا يصنع، وهناك من يرى أن الأسباب الظاهرية هي التي تكسبه العزة والعظمة لكنه لا يصل إلى مبتغاه لسلوكه الأسباب الواهية، فإذن لابد من اللجوء والاستعانة بالله تعالى الذي هو بكل شيء محيط وعلى كل شيء قدير؛ ليسددنا ويرفعنا وهذا ما أشارت إليه الأدعية الشريفة كما في إقبال الأعمال ــ في الدّعاء يوم العشرين من شهر رمضان المبارك ــ: «اللّهُمَّ وفي صُدورِ الكافِرينَ فَعَظِّمْني، وَفي أعْيُنِ المُؤْمِنينَ فَجَلِّلْني، وَفي نَفْسي وأهْلِ بَيْتي فَذَلِّلْني»[26].
وجاء في إقبال الأعمال أيضا: «وفي نَفْسي فَذَلِّلْني وَفي أعْيُنِ النّاسِ فَعَظِّمْني»[27].
20ــ لكي نحافظ على العزة التي وهبها الله تعالى لنا لابد من التحلي بالتواضع والتذلل الباطني لله تعالى والشعور بالفقر والحاجة الدائمة للغني المطلق جل وعلا وهذا ما ورد في أدعية أهل البيت عليهم السلام: «وَذَلِّلْني بَيْنَ يَدَيْكَ، وأعْزَّني عِنْدَ خَلْقِكَ، وَضَعْني إذا خَلَوْتُ بِكَ، وَارْفَعْني بَيْنَ عِبادِكَ، وأغْنِني عَمَّنْ هوَ غَنيّ عَني، وَزِدْني إلَيْكَ فاقَةً وَفَقْراً»[28].
ــــــــــــــــ
[1] المعجم الوسيط: ص598.
[2] سورة المنافقون، الآية: 8.
[3] التهذيب: ج6، ص179، ح367. ميزان الحكمة: ج6، ص2596، ح12823.
[4] سورة فاطر، الآية: 10.
[5] سورة فاطر، الآية: 10.
[6] سورة آل عمران، الآية: 26.
[7] غرر الحكم: 8217. ميزان الحكمة: ج6، ص2598، ح12825.
[8] بحار الأنوار: ج78، ص10، ح67. ميزان الحكمة: ج6، ص2598، ح12826.
[9] نهج البلاغة: الخطبة 99. ميزان الحكمة: ج6، ص2598، ح12829.
[10] بحار الأنوار: ج78، ص228، ح105. ميزان الحكمة: ج6، ص2598، ح12831.
[11] تحف العقول: ص356. ميزان الحكمة: ج6، ص2598، ح12833.
[12] الخصال: ص6، ص18. ميزان الحكمة: ج6، ص2598، ح12834.
[13] بحار الأنوار: ج77، ص268، ح1. ميزان الحكمة: ج6، ص2599، ح12835.
[14] بحار الأنوار: ج71، ص414، ح32. ميزان الحكمة: ج6، ص2599، ح12836.
[15] الخصال: ص169، ح222. ميزان الحكمة: ج6، ص2599، ح12840.
[16] تنبيه الخواطر: ج1، ص51. ميزان الحكمة: ج6، ص2599، ح12841.
[17] الخصال: ص420، ح14. ميزان الحكمة: ج6، ص2600، ح12852.
[18] كشف الغمّة: ج2، ص417. ميزان الحكمة: ج6، ص2600 ــ 2601، ح12854.
[19] الكافي: ج2، ص144، ح4. ميزان الحكمة: ج6، ص2601، ح12858.
[20] بحار الأنوار: ج77، ص121، ح20. ميزان الحكمة: ج6، ص2601، ح12860.
[21] بحار الأنوار: ج75، ص123، ح22. ميزان الحكمة: ج6، ص2601، ح12861.
[22] الكافي: ج2، ص113، ح4. ميزان الحكمة: ج6، ص2602، ح12863.
[23] بحار الأنوار: ج82، ص128، ح3. ميزان الحكمة: ج6، ص2602، ح12867.
[24] غرر الحكم: 8439، 8440. ميزان الحكمة: ج6، ص2602، ح12872.
[25] نهج البلاغة: الخطبة: 146. ميزان الحكمة: ج6، ص2603، ح12876.
[26] إقبال الأعمال: ج1، ص355. بحار الأنوار: ج98، ص51. ميزان الحكمة: ج6، ص2603، ح12877.
[27] إقبال الأعمال: ج1، ص306. بحار الأنوار: ج98، ص47. ميزان الحكمة: ج6، ص2603، ح12878.
[28] الصحيفة السجادية: ص198، الدعاء 47. ميزان الحكمة: ج6، ص2603 ــ 2604، ح12880.
إرسال تعليق