الحُسَيــن (عليه السلام) مدرسة

بقلم: الاستاذ محمد عبد الحسين

ما اروع هذه الذكرى ! وما اعظمها معنى ومغزى وذكرى احياها السلف الصالح منذ القدم، وسيظل يحييها الخلف ما شاء الله ان تبقى حية فالحسين مدرسة شعت انوارها فاضاءت الاجيال وشاعت تعاليمها فاخذبها المسلمون، وتواصى بها المسلمون.
وقف الحسين في كربلاء فوقف معه الايمان كله، في وجه طغمة من البشر، يحدوها الشرك كله ويقودها شعور بالحزازات القبلية، ظلت تتآكل في نفوس آل امية منذ غزوة احد وفتح مكة وقد رمى الحسين سهماً اصاب موضع مقتل حتى لم يمض قرن كامل الا وتداعت اركان تلك الدولة، وتهاوت على رؤوس ابناءها.
فالحسين مدرسة. من تعاليمها. ان الضعف لا يعيق المظلوم من مقاومة الظالمين، مهما بلغوا من عدة وعدد، فان الله قد تكفل علو الحق وسقوط الباطل. وان الثورة الدموية سبيل يؤدي الى الله مادام هذا السبيل مضاء بنور الحق معبداً بالايمان.

وان قيمة الانسانية في الحياة، تساوي ما يرخصه ويبذله في سبيل الله من نفس ونفيس وان الانسانية، لا تسعد دون ان تتحلى بالفضائل والمكارم. وان من افضل الفضائل واسماها ان يبذل الانسان ماله وولده واهله ثم يضحي بنفسه والجود بالنفس اقصى غاية الجود.
هذه التعاليم التي لم تكتب بمداد اسود، ولم تخط فوق قرطاس، هذه التعاليم التي لم تلق من فوق المنابر، ولم توضع في قوالب من الكلم الجذاب، هذه التعاليم التي كتبت بالدماء الزكية، وبالدموع النقية وبالنفوس الطاهرة البريئة، أتت أُكلها، واخرجت ثمرتها بعد ردح من الزمن ليس بالطويل هذه التعاليم هي التي عصفت في وجه الدولتين الاموية والعباسية وبعثت سلسلة من الثورات اخذت بعضها باعقاب بعض، وارتفعت الويتها الحمراء في كل قطر وفي كل مكان واقضت مضاجع الخلفاء والامراء، وحرمتهم لذة الكرى.

الوية حمراء رفعها سادة من احفاد علي والحسين، من زيد بن علي ويحيى ابنه، وعبد الله بن الحسن المثنى، وابراهيم احمر العينين واسماعيل ومحمد وعلي احفاد الحسن المثنى وغيرهم من المغاوير، من اولئك الذين خاضوا المعارك بعد المعارك وشهدوا من الشدائد ما يشيب المفارق، وهم لم يسكبوا دمعاً لقتيل، ولم ينظموا القصيدة في رثاء شهيد، بل كان قائلهم اذا راد الرثاء يقول:

 سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا
فان بها مايدرك الطالـب الوترا
ولست كمن يبكي اخاه بعبرة
يعصرها من ماء مقلته عصـرا
فانا اناس لا تفيض دموعنـا
على هالك منا وان قصم الظهرا

هؤلاء السادة النجب من احفاد علي والحسين، تسابقوا الى ساحات الشرف والفخار وكان شعارهم ( حي على خير العمل ) فبذلوا مهجهم، واسالوا دمائهم، وقدموا ارواحهم قرباناً لوجه الله في سبيل مرضاته، وكانوا كالعواصف في وجه اولئك الظلمة العتاة، ولم يرهبهم الوعيد، ولم يكسر عزائمهم الموت الزوام، فذهبوا شهداء بعضهم في اثر بعض.
هذه السلسلة العلوية من الشهداء كانت مفزعاً للمظلومين وملجأ للخائفين. وكانت اعلامهم تخفق فوق اولئك الذي نذروا انفسهم لله، واعتقوها من الدنيا، وحرروها من الشهوات، وانطلقوا ينشدون الحرية بلغ ثمنها ما بلغ فكانت الشهادة ثمنها المحتوم.

ولقد كانت هذه الثورات عاملاً من الضغط على السلطات الحاكمة، لتعود الى حكم الله وتتنكب سبيل الظلم والتعسف. وامسى احفاد علي والحسين حراساً لدين الله قواماً عليه. واصبح المسلمون يلجؤون اليهم في الشدائد، ويفزعون عند المصائب.
تلك هي ايها السادة اثر المدرسة الحسينية، التي انشأها ابو عبد الله في العاشر من المحرم والتي اقامها فوق الاشلاء والجماجم. تلك هي ايها الناس اثر تعاليم الحسين التي خطها بدمائه الطاهرة، ورواها بدموع اهل بيته الابرار.
تلك هي المدرسة التي ظلت انوارها طيلة ثلاثة عشر قرناً من الزمن، تنشر تعاليمها في البلاد القصية، وتدخل في كل بيت وكل كوخ. بل هي شعلة الحق التي شاء الله ان تظل متقدة، تبعث النور والنار، للاجيال ما تعاقبت العصور وكرت الدهور.

2 التعليقات

سماهر الكاتب

السلام عليكم وبارك الله فيكم ووفقكم لما فيه الخير والصلاح نص ممتاز

تعليق
sabah2 الكاتب

والله لو لم يكن ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية " (بحار الأنوار329:44،أعيان الشيعة 588:1).
جاء هذه في رده على أخيه محمد بن الحنفية.

تعليق

إرسال تعليق