بقلم: يوسف سلمان كبه
للتاريخ في كربلاء جبين تعلوه غرة ساطعة، هي رمز نهضة الحسين (عليه السلام) وللكفاح سجل في صفحاته شعلة وضاءة هي ذكرى جهاد الحسين (عليه السلام) وللمثل العليا دروس قاسية تستوحي من مصرع الحسين (عليه السلام) وللانسانية الكاملة مبادئ عرفت اصولها بتضحية الحسين (عليه السلام).
هذه السنين تتصرم والاعوام تدور وفيها تتقادم الاحداث حتى تعفو ويخلق الجديد ويبلى وتمحو الاثار وتتلاشى الذكريات. ولكن اثراً واحداً مازال جديداً يفيض بالمعاني الجسام وحادثة مزيدة لا تأتي عليها الدهور والازمان مابرحت حية تختلج بالاسرار وتحفل بالجلائل من الاعمال في تاريخها المجيد، وتتقدم مع السنين نحو السمو والتألق والخلود، وتلك هي حاثة الطف وذكرى ابي الآباء وسيد الشهداء ابي عبد الله الحسين (عليه السلام).
تعاودنا كل عام ذكريات مصرع الامام (عليه السلام) الحسين الشهيد فتجدد في نفوسنا آثار تلك الرسالة الحسينية السامية التي صرخت صرخة الحق في وجه الاستبداد الاثيم والطغيان الغاشم، فكانت صراعاً بين الحق والباطل، ما لبث بعدها الحق ان سما.. وقد زهق الباطل ان الباطل كان زهوقاً..!!؟ فما اجلها من رسالة عرجت بالروح الى اوج الشهامة والعزة والاباء. لقد كانت رسالة الحسين (عليه السلام) جليلة القدر ظاهرة الغرض متسامية الكمال، غايتها توطيد دعائم المثالية المحمدية التي اخذت طريقها الى التدهور والاضمحلال وكادت تعصف بها الاهواء..!! كان ذلك حين تبوأ على عرش الخلافة الاسلامية يزيد بن معاوية، واذا ذكر يزيد في هذه البحث كان المقصود ذلك الشخص المستهتر البغيض، الذي هو والدين على طرفي نقيض… لم يكترث للخلافة ولم يعترف بالرسالة ولا بما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله).
كان يقضي اوقات عمله بمعاقرة الندماء ومقارعة الكؤوس، ويهرع في ساعات فراغه للصيد والمجون. ويفوع في لياليه الى مجالس العهارة حيث التهتك والخلاعة والفجور، فغدت حينذاك التعاليم الاسلامية تتضائل شعلتها الوهاجة رويداً رويداً، واخذت المبادئ المحمدية تخمد فيها تلك الجذوة التي كانت تبعث حرارة الايمان، وسادت المبادئ السافلة وعوامل الرذيلة الطائشة الرعناء، وعم الفساد خلال تلك الفترة، الحالكة من عهد الحكومة الجائرة القاسية، والخارجة على الحدود الاسلامية التي رسمها صاحب الشريعة الاعظم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان الوضع الاسلامي في حال من التضعضع يدعو الى مصلح يقوم اوده ويعيد الى الدين مجده، ويرد الى حضيرة الاسلام ذلك التراث الغالي والنظام الرصين. ومن لهذا الامر غير الحسين …؟؟ وهو ابن حامي الدين وسبط سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) وهو الفرع الناظر لتلك الدوحة الهاشمية الطاهرة لقد رأى من واجبه ان يقوم بذلك الغرض الذي اقتصر عليه باعتباره حامي الشريعة وامام المسلمين، ولكنه علم ان النجاح يقضي بتضحية كبرى، تضحية تصبغ ارض الطف بدمه الزكي فيسطرها التاريخ مأساة محزنة باحرف من نور لتقرأ فيها الاجيال ابلغ الدروس واجل العظات لقد نهض الحسين (عليه السلام) مجاهداً في سبيل الله مستجيباً لاستغاثة الدين الحنيف. نهض بدافع عن الحق الذي ضاع وعن الدين حين وهن فقام ليضع تعاليم الرسول في نصابها والقرآن في مركزه ليبقى المسلمون يعيشون بتعاليم القرآن.
وفي كنف الاصول الدينية وبنظام الحكم العادل الذي تمت به الرسالة ونهجه للمسلمين سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله).. كان مبدؤه ان تعلو راية الاسلام خفاقة كما ارادها الله وان تعلو كلمة الاسلام كما يذكرها الكتاب وان تكون للحكم الاسلامي تلك الصلابة والقوة التي يتطلبها الدين الحنيف، فصمم ان يفنى في سبيل هذا المبدأ ويؤدي ثمن الجهاد وأن كان غالياً..! تلك هي رسالة الحسين (عليه السلام) وذلك هو الغرض الأسمى الذي من اجله ضحى الحسين وناضل في سبيله ودفع بنفسه واهله وصحبه الى الموت تحت ظلال السيوف فاستشهد مجاهداً على تلك الصورة التي مزقت بين الهدى والضلال وباينت بين الكفر والايمان، لقد وضع الحسين (عليه السلام) بجهاده اسس المدرسة الجليلة للمبدأ بصورته الشاملة واقام بصبره وقوة ارادته ودعائمها الكاملة وشيدها برسالته التي جاءت ظاهرة الغرض سامية المعنى فاعطى خير الدروس في التضحية التامة كان لها الاثر الفعال حين تقابل الحق والباطل للنـزال.
قتل الحسين في سبيل المثالية المحمدية وارخص نفسه لصيانة اسس ذلك الكيان الذي بشر به جده وشاد بناءه ابوه، فقاد حركة الجهاد بزعامته التقليدية واحيا بموته دنيا من السعادة ينعم بها المسلمون كاملة على الوجه الصحيح، فلم نر الانسانية في تاريخها حادثة كحادثة الحسين (عليه السلام) كانت التضحية فيها خالصة لوجه الله ولتحقيق الفكرة التي آمن القائم بها. لقد كانت تضحية مروعة لم يشهد تاريخ العالم مثلها في الفجيعة والرزء والجلال …!!
تضحية بالغة حد الاباء والشمم حيث لم تقتصر على قتل الحسين (عليه السلام) وقتل انصاره وبنيه، بل امتدت الى التمثيل بهم والتشفي بحمل رؤوسهم على الأسنة وسبي الاطفال والنساء. تباً لتلك الفئة الطاغية التي عميت بصيرتها فاغفلت دينها وتابعت هواها، كيف استساغت محاصرة الحسين (عليه السلام) ابن بنت الرسول وانزلته صحراء كربلا ليعطي اعطاء الذليل..!! كلا لقد خاب ظنهم وخسئت تلك النفوس الدنيئة فعمدوا الى منعه وحرمان نسائه واطفاله من ماء الفرات في ذلك الحر الهجير ليقضوا ظمئاً وعطشاً..!! ولقد استعذب الحسين تلك التضحية في سبيل مبدئه السامي الذي لولاه كان في هذا الكون من يذكر الشهادة او يدين بالاسلام فظل في ساحة الوغى يحمل من قوة الايمان ومضاء العزيمة ورباطة الجأش ما لا يخطر على بال انسان، وجاهد بقدم ثابتة وايمان راسخ قويم، حيث ايقن ان كل سيف سل في وجهه من سيوف بني امية معولاً يهدم في كيان الامويين وكل جرح في جسمه لغماً ينهار به ذلك الملك الذي قام على الزيغ والظلم والطغيان.
ما اكبر تلك النفس الأبية نفس الحسين (عليه السلام) وما اعجب تلك البطولة الرائعة بطولة الحسين (عليه السلام) يشهد ابناءه واخوته وانصاره يتهاوون صرعى تمزقهم مواضي الاعداء ويسمع صراخ الاطفال وعويل النساء حين برح بهم الظماء ! ويرى نفسه وحيداً فريداً بين جموع الاعداء، فلا يفتر عزمه ولم يضعف له جنان. ذلك خطب –لعمري- لا يقوى عليه صبر، ورزء يعز الاحتمال عليه ولكن ارادة الحسين المصممة التي شاء ان يضحي بنفسه على تلك الصورة المحفوفة بظروف يتعذر على الفرد المخلوق ان يملك فيها الصبر او الهدوء، نعم اراد تلك الشهادة ليكون لها ابلغ الاثر فيما قصد اليه فسجل (عليه السلام) اعظم انتصار للمبدأ في نكران الذات، واعطى اعنف صورة للبطولة متمثلة في انسان، وابان اجلى مظهر لقوة الارادة في ميدان الجهاد.. فكان في صبر الحسين (عليه السلام) ان عرفت الانسانية كيف تسمو بالمبادئ وتتحرر بالفكرة وادركت كيف تخلد الحياة بالموت.
لقد تخرج من مدرسة الحسين (عليه السلام) نفر هم الصفوة من اهل الارض في ذلك الحين سمت انفسهم الى الافق الذي حلق فيه سيد الشهداء قائدهم فآمنوا بمبادئه وشغفوا بدعوته وتعشقوا الغاية التي انشدها، فخطبوا تلك المثل العليا وكان مهرها الموت فدفعوا بارواحهم للقائه باسمين واسرعوا اليه يتزعمون بنشيد الابدية والخلود… نفوس ابيه اشرق في جنباتها سنى الشهادة ولاح في افاقها نور الايمان، فالفت التفاني في سبيل مبدأ الحسين (عليه السلام) والموت في الدفاع عن مثالية الحسين (عليه السلام) زيناً لنفوسهم الكبيرة، والشهادة في انقاذ الفضيلة التي يدعو لها الحسين (عليه السلام) تخليصاً لها من الادواء المبوبوءه بها تلك الحياة، فاقدموا على الموت ولم يثنهم هول المصير، وكم حاول الحسين ان يصرفهم عنه ليلقى مصرعه وحده وهو اروع مصرع خطته يد القدر على جبين. ولكن نفوسهم الطاهرة ابت ورات في ذلك اشنع ضروب الذل والاستكانة في الحياة.
لقد عافوا الحياة الدنيا لما فيها من اوضار وادران، فاستاثروا بمصرعهم النبيل، واقدموا مع الحسين يحمل كل منهم اكبر نفس للجهاد واوسع قلب للقاء الحمام، تتمثل في شخصياتهم اسمى روح تعالت عن مادية الجسد وازدانت بالايثار والغيرة تغلغلت العقيدة السامية في انطباعاتهم واشرب في قلوبهم حب الايمان فاستبشروه بالآخرة واستشعروا بالخلود وحاربوا ائمة الكفر بتلك الروح المستبسلة ودافعوا عن ريحانة الرسول بتلك الفكرة الواضحة، فكانوا يزدادون مضاءً واندفاعاً وتعلو وجوههم ابتسامات الفوز والنجاح كلما امعن الاعداء في الهجوم واشتدت وطأة القتال … فسجل ذلك العدد القليل من الرجال انصع صفحات التاريخ في واقعة الطفوف. وكانت جولتهم تلك الجولة الخالدة والدور الذي مثله على مسرح كربلا اولئك الانصار الموقنون بقدسية الايمان رائعة من روائع سير الابطال المخلدين فلم تزل حادثة الطفوف يوم العاشر من المحرم من الحوادث الحية تخلق الوعي في الحياة الانسانية كل عام. وتضفي عليها من معاني الكمال كلما امتد بها امد الاجيال ذلك لانها واقعة من الوقائع الفذة التي برهنت بمغزاها اللانهائي، واقامت الحجة القاطعة بفصولها المتتابعة، وظهرت الحقيقة بمأساتها الكبرى فاثبتت ان المثالية التي جاءت بها المدنية الاسلامية لم يعتورها الوهن ولن تموت، وانها ممكنة التطبيق في كل العصور وعلى كر الدهور من اجل ذلك مازالت ذكرى ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) تمجيداً لدين الاسلام وتأييداً للمثالية المحمدية وتخليداً للكرامة الاسلامية والشهامة والاباء فما اجل العظات بمصاب الحسين (عليه السلام) وما احرانا ان نقتبس فيضاً من تلك الدروس البليغة لشحذ الهمم وما اكبرنا ان تكون لنا في الحسين الشهيد اسوة حسنة والله حسبنا ونعم الوكيل.
للتاريخ في كربلاء جبين تعلوه غرة ساطعة، هي رمز نهضة الحسين (عليه السلام) وللكفاح سجل في صفحاته شعلة وضاءة هي ذكرى جهاد الحسين (عليه السلام) وللمثل العليا دروس قاسية تستوحي من مصرع الحسين (عليه السلام) وللانسانية الكاملة مبادئ عرفت اصولها بتضحية الحسين (عليه السلام).
هذه السنين تتصرم والاعوام تدور وفيها تتقادم الاحداث حتى تعفو ويخلق الجديد ويبلى وتمحو الاثار وتتلاشى الذكريات. ولكن اثراً واحداً مازال جديداً يفيض بالمعاني الجسام وحادثة مزيدة لا تأتي عليها الدهور والازمان مابرحت حية تختلج بالاسرار وتحفل بالجلائل من الاعمال في تاريخها المجيد، وتتقدم مع السنين نحو السمو والتألق والخلود، وتلك هي حاثة الطف وذكرى ابي الآباء وسيد الشهداء ابي عبد الله الحسين (عليه السلام).
تعاودنا كل عام ذكريات مصرع الامام (عليه السلام) الحسين الشهيد فتجدد في نفوسنا آثار تلك الرسالة الحسينية السامية التي صرخت صرخة الحق في وجه الاستبداد الاثيم والطغيان الغاشم، فكانت صراعاً بين الحق والباطل، ما لبث بعدها الحق ان سما.. وقد زهق الباطل ان الباطل كان زهوقاً..!!؟ فما اجلها من رسالة عرجت بالروح الى اوج الشهامة والعزة والاباء. لقد كانت رسالة الحسين (عليه السلام) جليلة القدر ظاهرة الغرض متسامية الكمال، غايتها توطيد دعائم المثالية المحمدية التي اخذت طريقها الى التدهور والاضمحلال وكادت تعصف بها الاهواء..!! كان ذلك حين تبوأ على عرش الخلافة الاسلامية يزيد بن معاوية، واذا ذكر يزيد في هذه البحث كان المقصود ذلك الشخص المستهتر البغيض، الذي هو والدين على طرفي نقيض… لم يكترث للخلافة ولم يعترف بالرسالة ولا بما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله).
كان يقضي اوقات عمله بمعاقرة الندماء ومقارعة الكؤوس، ويهرع في ساعات فراغه للصيد والمجون. ويفوع في لياليه الى مجالس العهارة حيث التهتك والخلاعة والفجور، فغدت حينذاك التعاليم الاسلامية تتضائل شعلتها الوهاجة رويداً رويداً، واخذت المبادئ المحمدية تخمد فيها تلك الجذوة التي كانت تبعث حرارة الايمان، وسادت المبادئ السافلة وعوامل الرذيلة الطائشة الرعناء، وعم الفساد خلال تلك الفترة، الحالكة من عهد الحكومة الجائرة القاسية، والخارجة على الحدود الاسلامية التي رسمها صاحب الشريعة الاعظم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان الوضع الاسلامي في حال من التضعضع يدعو الى مصلح يقوم اوده ويعيد الى الدين مجده، ويرد الى حضيرة الاسلام ذلك التراث الغالي والنظام الرصين. ومن لهذا الامر غير الحسين …؟؟ وهو ابن حامي الدين وسبط سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) وهو الفرع الناظر لتلك الدوحة الهاشمية الطاهرة لقد رأى من واجبه ان يقوم بذلك الغرض الذي اقتصر عليه باعتباره حامي الشريعة وامام المسلمين، ولكنه علم ان النجاح يقضي بتضحية كبرى، تضحية تصبغ ارض الطف بدمه الزكي فيسطرها التاريخ مأساة محزنة باحرف من نور لتقرأ فيها الاجيال ابلغ الدروس واجل العظات لقد نهض الحسين (عليه السلام) مجاهداً في سبيل الله مستجيباً لاستغاثة الدين الحنيف. نهض بدافع عن الحق الذي ضاع وعن الدين حين وهن فقام ليضع تعاليم الرسول في نصابها والقرآن في مركزه ليبقى المسلمون يعيشون بتعاليم القرآن.
وفي كنف الاصول الدينية وبنظام الحكم العادل الذي تمت به الرسالة ونهجه للمسلمين سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله).. كان مبدؤه ان تعلو راية الاسلام خفاقة كما ارادها الله وان تعلو كلمة الاسلام كما يذكرها الكتاب وان تكون للحكم الاسلامي تلك الصلابة والقوة التي يتطلبها الدين الحنيف، فصمم ان يفنى في سبيل هذا المبدأ ويؤدي ثمن الجهاد وأن كان غالياً..! تلك هي رسالة الحسين (عليه السلام) وذلك هو الغرض الأسمى الذي من اجله ضحى الحسين وناضل في سبيله ودفع بنفسه واهله وصحبه الى الموت تحت ظلال السيوف فاستشهد مجاهداً على تلك الصورة التي مزقت بين الهدى والضلال وباينت بين الكفر والايمان، لقد وضع الحسين (عليه السلام) بجهاده اسس المدرسة الجليلة للمبدأ بصورته الشاملة واقام بصبره وقوة ارادته ودعائمها الكاملة وشيدها برسالته التي جاءت ظاهرة الغرض سامية المعنى فاعطى خير الدروس في التضحية التامة كان لها الاثر الفعال حين تقابل الحق والباطل للنـزال.
قتل الحسين في سبيل المثالية المحمدية وارخص نفسه لصيانة اسس ذلك الكيان الذي بشر به جده وشاد بناءه ابوه، فقاد حركة الجهاد بزعامته التقليدية واحيا بموته دنيا من السعادة ينعم بها المسلمون كاملة على الوجه الصحيح، فلم نر الانسانية في تاريخها حادثة كحادثة الحسين (عليه السلام) كانت التضحية فيها خالصة لوجه الله ولتحقيق الفكرة التي آمن القائم بها. لقد كانت تضحية مروعة لم يشهد تاريخ العالم مثلها في الفجيعة والرزء والجلال …!!
تضحية بالغة حد الاباء والشمم حيث لم تقتصر على قتل الحسين (عليه السلام) وقتل انصاره وبنيه، بل امتدت الى التمثيل بهم والتشفي بحمل رؤوسهم على الأسنة وسبي الاطفال والنساء. تباً لتلك الفئة الطاغية التي عميت بصيرتها فاغفلت دينها وتابعت هواها، كيف استساغت محاصرة الحسين (عليه السلام) ابن بنت الرسول وانزلته صحراء كربلا ليعطي اعطاء الذليل..!! كلا لقد خاب ظنهم وخسئت تلك النفوس الدنيئة فعمدوا الى منعه وحرمان نسائه واطفاله من ماء الفرات في ذلك الحر الهجير ليقضوا ظمئاً وعطشاً..!! ولقد استعذب الحسين تلك التضحية في سبيل مبدئه السامي الذي لولاه كان في هذا الكون من يذكر الشهادة او يدين بالاسلام فظل في ساحة الوغى يحمل من قوة الايمان ومضاء العزيمة ورباطة الجأش ما لا يخطر على بال انسان، وجاهد بقدم ثابتة وايمان راسخ قويم، حيث ايقن ان كل سيف سل في وجهه من سيوف بني امية معولاً يهدم في كيان الامويين وكل جرح في جسمه لغماً ينهار به ذلك الملك الذي قام على الزيغ والظلم والطغيان.
ما اكبر تلك النفس الأبية نفس الحسين (عليه السلام) وما اعجب تلك البطولة الرائعة بطولة الحسين (عليه السلام) يشهد ابناءه واخوته وانصاره يتهاوون صرعى تمزقهم مواضي الاعداء ويسمع صراخ الاطفال وعويل النساء حين برح بهم الظماء ! ويرى نفسه وحيداً فريداً بين جموع الاعداء، فلا يفتر عزمه ولم يضعف له جنان. ذلك خطب –لعمري- لا يقوى عليه صبر، ورزء يعز الاحتمال عليه ولكن ارادة الحسين المصممة التي شاء ان يضحي بنفسه على تلك الصورة المحفوفة بظروف يتعذر على الفرد المخلوق ان يملك فيها الصبر او الهدوء، نعم اراد تلك الشهادة ليكون لها ابلغ الاثر فيما قصد اليه فسجل (عليه السلام) اعظم انتصار للمبدأ في نكران الذات، واعطى اعنف صورة للبطولة متمثلة في انسان، وابان اجلى مظهر لقوة الارادة في ميدان الجهاد.. فكان في صبر الحسين (عليه السلام) ان عرفت الانسانية كيف تسمو بالمبادئ وتتحرر بالفكرة وادركت كيف تخلد الحياة بالموت.
لقد تخرج من مدرسة الحسين (عليه السلام) نفر هم الصفوة من اهل الارض في ذلك الحين سمت انفسهم الى الافق الذي حلق فيه سيد الشهداء قائدهم فآمنوا بمبادئه وشغفوا بدعوته وتعشقوا الغاية التي انشدها، فخطبوا تلك المثل العليا وكان مهرها الموت فدفعوا بارواحهم للقائه باسمين واسرعوا اليه يتزعمون بنشيد الابدية والخلود… نفوس ابيه اشرق في جنباتها سنى الشهادة ولاح في افاقها نور الايمان، فالفت التفاني في سبيل مبدأ الحسين (عليه السلام) والموت في الدفاع عن مثالية الحسين (عليه السلام) زيناً لنفوسهم الكبيرة، والشهادة في انقاذ الفضيلة التي يدعو لها الحسين (عليه السلام) تخليصاً لها من الادواء المبوبوءه بها تلك الحياة، فاقدموا على الموت ولم يثنهم هول المصير، وكم حاول الحسين ان يصرفهم عنه ليلقى مصرعه وحده وهو اروع مصرع خطته يد القدر على جبين. ولكن نفوسهم الطاهرة ابت ورات في ذلك اشنع ضروب الذل والاستكانة في الحياة.
لقد عافوا الحياة الدنيا لما فيها من اوضار وادران، فاستاثروا بمصرعهم النبيل، واقدموا مع الحسين يحمل كل منهم اكبر نفس للجهاد واوسع قلب للقاء الحمام، تتمثل في شخصياتهم اسمى روح تعالت عن مادية الجسد وازدانت بالايثار والغيرة تغلغلت العقيدة السامية في انطباعاتهم واشرب في قلوبهم حب الايمان فاستبشروه بالآخرة واستشعروا بالخلود وحاربوا ائمة الكفر بتلك الروح المستبسلة ودافعوا عن ريحانة الرسول بتلك الفكرة الواضحة، فكانوا يزدادون مضاءً واندفاعاً وتعلو وجوههم ابتسامات الفوز والنجاح كلما امعن الاعداء في الهجوم واشتدت وطأة القتال … فسجل ذلك العدد القليل من الرجال انصع صفحات التاريخ في واقعة الطفوف. وكانت جولتهم تلك الجولة الخالدة والدور الذي مثله على مسرح كربلا اولئك الانصار الموقنون بقدسية الايمان رائعة من روائع سير الابطال المخلدين فلم تزل حادثة الطفوف يوم العاشر من المحرم من الحوادث الحية تخلق الوعي في الحياة الانسانية كل عام. وتضفي عليها من معاني الكمال كلما امتد بها امد الاجيال ذلك لانها واقعة من الوقائع الفذة التي برهنت بمغزاها اللانهائي، واقامت الحجة القاطعة بفصولها المتتابعة، وظهرت الحقيقة بمأساتها الكبرى فاثبتت ان المثالية التي جاءت بها المدنية الاسلامية لم يعتورها الوهن ولن تموت، وانها ممكنة التطبيق في كل العصور وعلى كر الدهور من اجل ذلك مازالت ذكرى ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) تمجيداً لدين الاسلام وتأييداً للمثالية المحمدية وتخليداً للكرامة الاسلامية والشهامة والاباء فما اجل العظات بمصاب الحسين (عليه السلام) وما احرانا ان نقتبس فيضاً من تلك الدروس البليغة لشحذ الهمم وما اكبرنا ان تكون لنا في الحسين الشهيد اسوة حسنة والله حسبنا ونعم الوكيل.
إرسال تعليق