بقلم: عباس جودي
ايها السادة لقد قضي الأمر، ووقعت الواقعة، وانجلت معركة الطف الدائرة بين أنصار الحق والخير والفضيلة، ودعاة السوء والباطل والرذيلة، وبين جنود العدل والنور، وجيوش الظلم والظلام عن مصرع امام الشهداء وفخر الإنسانية في التضحية والشهامة والإباء، أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ومصرع الأنجاد المغاوير من آله وأنصاره، تسفي عليه الريح في العراء، وتبكيهم الملائك في السماء، بل بكتهم السماء بوكفها وإحمرارها، والأرض بآكامها وأحجارها، وحتى الوحوش في آجامها وأوجارها، وعن جزع الفواطم وحيرتهن وذعر الأطفال وعويل اليتامى في ذلك المهمة القفر والموقف الرهيب في البلد النازح الغريب.
وراح الجيش المبتهج بالنصر المزيف والظفر المؤقت يقرع الطبول ويضرب بالصنوج مسرعاً في سيره نحو الشام حيث يعتصم طاغيته الرعديد، وطاغوته الأرعن البليد، يجرجر خلفه السبايا من عقائل هاشم وبنات محمد، ويحمل اليه ذلك النبأ المرعب الأثيم، نبأ اندحار جيوش الحق، وانتحار جنود الفضيلة، وليستنجزه وعوده وأمانيه من غرض زائل وعطايا تافهة لا تلبث أن تذوب وتتلاشى في حمأة الرذيلة والشهوات، الشهوات الدنيئة التي جبلت عليها نفوس ذلك الجيش المجموع من سفلة الأوباش والأذناب، وطبعت عليها نفوس قادته الذين أرخصوا ضمائرهم في سبيل شهواتهم، وباعوا آخرتهم بدنياهم وفضلوا عرض الجاه والسلطان على جوهر الدين والإيمان.
الى هذا الموقف الحاسم – ايها السادة- انتهت معركة الطف منذ ثلاثة عشر قرناً وسبع سنين عدداً، فلمن كان النصر المؤزر بعد ذلك ..؟ ولمن كان المجد والخلود..؟ أللحسين الشهيد، أم ليزيد الظالم العنيد..؟
هنا يقول الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه ( أبي الشهداء) ((وقد بلغ كلاهما من موقفه أقصى طرفيه وابعد غايته، فأنتصر الحسين بأشرف ما في النفس الإنسانية من غيرة على الحق وكراهة للنفاق والمداراة وانتصر يزيد بأرذل ما في النفس الإنسانية من جشع ومراء، وخنوع لصغار المتع والأهواء)).
لقد انتصر يزيد في جولة من جولات الباطل الفاشلة وفلتة من فلتات الزمن الغادرة ولكن ( الحق يعلو ولا يعلى عليه) ولو بعد حين، ( والظلم لا يدوم فإن دام دمر).
اذا شاء القدر العادل مرة أخرى وفي بضع سنين فقط أن يظهر الحق فيدمغ به الباطل وأن ينصر الفضيلة فيقمع بها الرذيلة، وأن يديل الظلم والجور ويزلزل أركانها فيبعث رجلاً من ثقيف هو ( المختار) ابن أبي عبيد يؤازره قوم عرفوا بالتوابين اتخذوا الأخذ بثارات الحسين وآله شعاراً لثورتهم التي قاموا بها ضد البغي والطغيان، فنصرهم الله نصراً عزيزاً، ومكنهم من أولئك المجرمين فمثلوا بهم وجزوهم مثلما فعلوا، وما كان ربك بظلام للعبيد، وكذلك يجزي الظالمين.
ثم تلاحقت الثورات وتعاقبت الدعوات وكلها تتذرع بذريعة واحدة هي (( فاجعة الطف)) وتتخذ شعاراً واحداً هو أسم الشهيد الأعظم، فلم يمض نصف قرن على تلك الفاجعة العظمى والمصيبة الكبرى إلاّ وأنهارت أعظم امبراطورية عربية على وجه الكرة الأرضية، ذلك لأن تلك الفاجعة الأليمة كانت أشبه (بالديناميت) وضع في اساس تلك الدولة التي قامت على الظلم والبغي والغصب فنسف كيانها وهدَّ بنيانها وتركها أثراً بعد عين، ولم يبق لأولئك الذين خيل اليهم أنهم انتصروا على جند الله وسيوف الحق في تلك الملحمة التاريخية الموجعة غير الذكر السيء والأسم المقرون باللعنة والخزي والعار لتسويدهم صفحات التاريخ الإسلامي تلك الجريمة الشنعاء والجريرة النكراء، وما أعقبها من جرائم لا تقل عنها بشاعة وشناعة، كجريمتي هدم الكعبة واستباحة مدينة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
تلك عاقبة الذين ظلموا، وفي ذلك لعبرة لقوم يعتبرون.
هذا ما كان أيها السادة- من نتيجة منتظرة وعاقبة سيئة مقررة لتلك الفئة الباغية والعصابة الطاغية التي حاربت قلبها لأجل بطنها وحاربت ربها لأجل منافعها وشهواتها، وبئس العاقبة وبئست النتيجة.
اما العاقبة التي صار اليها الشهيد الأعظم الحسين بن علي (عليه السلام)، الحسين الذي سخى بنفسه وضحى بأولاده واخوته ورضي بسبي حريمه وأطفاله، وذلك في سبيل اعلاء كلمة الله وشأن الدين ورفع منار الحق وراية الفضيلة، الحسين الذي خط لبني الإنسان طريق التضحية والتفاني في سبيل المبدأ والكرامة والعزة وعلمهم القيام في وجه البغي والعدوان، فقد انتصر انتصاراً أبدياً وبقي أسمه الكريم وسيبقى الى أبد الآباد محاطاً بهالة من التقديس والإجلال والإعجاب من قبل المسلمين وغيرهم، وكذلك شأن الشهداء الذين باعوا أنفسهم رخيصة في سبيل نصرة الحق ومبدأ الحسين.
وليس أدل على انتصار الشهداء في تلك المعركة الخاطفة من اهتمام العالم الإسلامي بتخليد ذكراهم وتمجيد اعمالهم على كرِّ العصور ومر الدهور، وتقديس قبورهم الطاهرة واقامة المباني الفخمة والقباب الرفيعة عليها المآذن السامقة من الذهب الأبريز والحجر النفيس، وزيارتها في كل مناسبة وفي غير مناسبة للتبرك بها والتقرب الى الله تعالى بمن حل فيها، تلك القباب المقدسة الزاهرة التي يقول عنها كاتب العرب وأديب القاهرة ( العقاد) ما نصه (( فما أظلت قبة السماء مكاناً قط هو أشرف من تلك القباب بما حوته من معنى الشهادة وذكرى الشهداء)) ويقول أيضاً (( فهي اليوم مزار يطيف به المسلمون متفقين ومختلفين، ومن حقه أن يطيف به كل انسان لأنه عنوان قائم لاقدس ما يشرف به هذا الحي الآدمي على سائر الأحياء)).
وأخيراً أيها السادة فما هذه المآتم والإحتفالات، وما هذه المجالس والزيارات ، إلاّ مظهراً من مظاهر ذلك الإنتصار الروحي الذي توخاه الحسين الشهيد من وراء استشهاده وتضحيته لأنها خير واسطة لنشر حقائق الدين وتعاليمه وأرشاداته وتهذيب النفوس وصقل العقول بما يجري فيها من مواعظ وحكم وما يروى فيها من سير الأبطال من المسلمين الذين خدموا الدين وذادوا عن حياضه ونشر لوائه في أركان المعمورة ولا يبغون من وراء ذلك إلاّ الأجر والثواب من الله، فهي في الحق مدرسة جامعة للشعوب الإسلامية جمعاء فأجدر بها أن تقوم وتبقى ما دامت الأرض والسماء.
ايها السادة لقد قضي الأمر، ووقعت الواقعة، وانجلت معركة الطف الدائرة بين أنصار الحق والخير والفضيلة، ودعاة السوء والباطل والرذيلة، وبين جنود العدل والنور، وجيوش الظلم والظلام عن مصرع امام الشهداء وفخر الإنسانية في التضحية والشهامة والإباء، أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ومصرع الأنجاد المغاوير من آله وأنصاره، تسفي عليه الريح في العراء، وتبكيهم الملائك في السماء، بل بكتهم السماء بوكفها وإحمرارها، والأرض بآكامها وأحجارها، وحتى الوحوش في آجامها وأوجارها، وعن جزع الفواطم وحيرتهن وذعر الأطفال وعويل اليتامى في ذلك المهمة القفر والموقف الرهيب في البلد النازح الغريب.
وراح الجيش المبتهج بالنصر المزيف والظفر المؤقت يقرع الطبول ويضرب بالصنوج مسرعاً في سيره نحو الشام حيث يعتصم طاغيته الرعديد، وطاغوته الأرعن البليد، يجرجر خلفه السبايا من عقائل هاشم وبنات محمد، ويحمل اليه ذلك النبأ المرعب الأثيم، نبأ اندحار جيوش الحق، وانتحار جنود الفضيلة، وليستنجزه وعوده وأمانيه من غرض زائل وعطايا تافهة لا تلبث أن تذوب وتتلاشى في حمأة الرذيلة والشهوات، الشهوات الدنيئة التي جبلت عليها نفوس ذلك الجيش المجموع من سفلة الأوباش والأذناب، وطبعت عليها نفوس قادته الذين أرخصوا ضمائرهم في سبيل شهواتهم، وباعوا آخرتهم بدنياهم وفضلوا عرض الجاه والسلطان على جوهر الدين والإيمان.
الى هذا الموقف الحاسم – ايها السادة- انتهت معركة الطف منذ ثلاثة عشر قرناً وسبع سنين عدداً، فلمن كان النصر المؤزر بعد ذلك ..؟ ولمن كان المجد والخلود..؟ أللحسين الشهيد، أم ليزيد الظالم العنيد..؟
هنا يقول الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه ( أبي الشهداء) ((وقد بلغ كلاهما من موقفه أقصى طرفيه وابعد غايته، فأنتصر الحسين بأشرف ما في النفس الإنسانية من غيرة على الحق وكراهة للنفاق والمداراة وانتصر يزيد بأرذل ما في النفس الإنسانية من جشع ومراء، وخنوع لصغار المتع والأهواء)).
لقد انتصر يزيد في جولة من جولات الباطل الفاشلة وفلتة من فلتات الزمن الغادرة ولكن ( الحق يعلو ولا يعلى عليه) ولو بعد حين، ( والظلم لا يدوم فإن دام دمر).
اذا شاء القدر العادل مرة أخرى وفي بضع سنين فقط أن يظهر الحق فيدمغ به الباطل وأن ينصر الفضيلة فيقمع بها الرذيلة، وأن يديل الظلم والجور ويزلزل أركانها فيبعث رجلاً من ثقيف هو ( المختار) ابن أبي عبيد يؤازره قوم عرفوا بالتوابين اتخذوا الأخذ بثارات الحسين وآله شعاراً لثورتهم التي قاموا بها ضد البغي والطغيان، فنصرهم الله نصراً عزيزاً، ومكنهم من أولئك المجرمين فمثلوا بهم وجزوهم مثلما فعلوا، وما كان ربك بظلام للعبيد، وكذلك يجزي الظالمين.
ثم تلاحقت الثورات وتعاقبت الدعوات وكلها تتذرع بذريعة واحدة هي (( فاجعة الطف)) وتتخذ شعاراً واحداً هو أسم الشهيد الأعظم، فلم يمض نصف قرن على تلك الفاجعة العظمى والمصيبة الكبرى إلاّ وأنهارت أعظم امبراطورية عربية على وجه الكرة الأرضية، ذلك لأن تلك الفاجعة الأليمة كانت أشبه (بالديناميت) وضع في اساس تلك الدولة التي قامت على الظلم والبغي والغصب فنسف كيانها وهدَّ بنيانها وتركها أثراً بعد عين، ولم يبق لأولئك الذين خيل اليهم أنهم انتصروا على جند الله وسيوف الحق في تلك الملحمة التاريخية الموجعة غير الذكر السيء والأسم المقرون باللعنة والخزي والعار لتسويدهم صفحات التاريخ الإسلامي تلك الجريمة الشنعاء والجريرة النكراء، وما أعقبها من جرائم لا تقل عنها بشاعة وشناعة، كجريمتي هدم الكعبة واستباحة مدينة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
تلك عاقبة الذين ظلموا، وفي ذلك لعبرة لقوم يعتبرون.
هذا ما كان أيها السادة- من نتيجة منتظرة وعاقبة سيئة مقررة لتلك الفئة الباغية والعصابة الطاغية التي حاربت قلبها لأجل بطنها وحاربت ربها لأجل منافعها وشهواتها، وبئس العاقبة وبئست النتيجة.
اما العاقبة التي صار اليها الشهيد الأعظم الحسين بن علي (عليه السلام)، الحسين الذي سخى بنفسه وضحى بأولاده واخوته ورضي بسبي حريمه وأطفاله، وذلك في سبيل اعلاء كلمة الله وشأن الدين ورفع منار الحق وراية الفضيلة، الحسين الذي خط لبني الإنسان طريق التضحية والتفاني في سبيل المبدأ والكرامة والعزة وعلمهم القيام في وجه البغي والعدوان، فقد انتصر انتصاراً أبدياً وبقي أسمه الكريم وسيبقى الى أبد الآباد محاطاً بهالة من التقديس والإجلال والإعجاب من قبل المسلمين وغيرهم، وكذلك شأن الشهداء الذين باعوا أنفسهم رخيصة في سبيل نصرة الحق ومبدأ الحسين.
وليس أدل على انتصار الشهداء في تلك المعركة الخاطفة من اهتمام العالم الإسلامي بتخليد ذكراهم وتمجيد اعمالهم على كرِّ العصور ومر الدهور، وتقديس قبورهم الطاهرة واقامة المباني الفخمة والقباب الرفيعة عليها المآذن السامقة من الذهب الأبريز والحجر النفيس، وزيارتها في كل مناسبة وفي غير مناسبة للتبرك بها والتقرب الى الله تعالى بمن حل فيها، تلك القباب المقدسة الزاهرة التي يقول عنها كاتب العرب وأديب القاهرة ( العقاد) ما نصه (( فما أظلت قبة السماء مكاناً قط هو أشرف من تلك القباب بما حوته من معنى الشهادة وذكرى الشهداء)) ويقول أيضاً (( فهي اليوم مزار يطيف به المسلمون متفقين ومختلفين، ومن حقه أن يطيف به كل انسان لأنه عنوان قائم لاقدس ما يشرف به هذا الحي الآدمي على سائر الأحياء)).
وأخيراً أيها السادة فما هذه المآتم والإحتفالات، وما هذه المجالس والزيارات ، إلاّ مظهراً من مظاهر ذلك الإنتصار الروحي الذي توخاه الحسين الشهيد من وراء استشهاده وتضحيته لأنها خير واسطة لنشر حقائق الدين وتعاليمه وأرشاداته وتهذيب النفوس وصقل العقول بما يجري فيها من مواعظ وحكم وما يروى فيها من سير الأبطال من المسلمين الذين خدموا الدين وذادوا عن حياضه ونشر لوائه في أركان المعمورة ولا يبغون من وراء ذلك إلاّ الأجر والثواب من الله، فهي في الحق مدرسة جامعة للشعوب الإسلامية جمعاء فأجدر بها أن تقوم وتبقى ما دامت الأرض والسماء.
إرسال تعليق