بقلم: الدكتور مجيد عبد الحميد ناجي
مولاي أمير المؤمنين:
هذه كلية الفقه في مدينتك - مدينة النجف الأشرف - وأولاءهم اساتذتها، وطلابها، حاملوا مشعل الهداية والنور، السائرون على نهجك المهتدون بهديك. جاؤوك ابا الحسن بقلوب دامية، وعيون باكية. فقد أكلم فؤادك ما حل بشبلك، سبط النبوة، حسين الرسالة، ريحانة المصطفى ولدك الحسين الشهيد في أرض الشهادة، أرض كربلاء، حيث قدم نفسه الزكية الطاهرة والصفوة الطيبة من آله الميامين وصحبه البررة أضاحي من أجل أن تقوم للإسلام دعائم وتخفق للحق رايات.
أجل جاؤوك أبا الحسن ليقولوا لك يا سيدي عظم الله لك الأجر، بمصاب المسلمين بحسين النبوة، وليشهدوا الله على أنفسهم أنهم لا يهتدون إلاّ بهديك ولا ينهجون إلاّ نهجك، وإن الرسالة التي ضحى من أجلها حسين الشهامة ستعيش في قلوبهم وتجري في عروقهم.
سيدي ابا الحسن.
إنه اليوم التاسع من محرم وكأني الآن بحسين البطولة في مخيمه وقد احاط به أهل بيته واصحابه إحاطة النجوم بالقمر وقد وقف فيهم خطيباً قائلاً لهم أنه مقتول في صباح يوم غد لا محالة، فمن أراد منهم النجاة بنفسه فليتخذ الليل جملاً وهو حل من بيعتي، وإذا بهم يجيبونه بصوت ملئه الإيمان والفداء ((إننا لا نخذلك كما خذلت اليهود موسى عليه السلام) حينما قالت له إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، بل نقول لك، قاتل فإنا معك مقاتلون)) ويقولون له (( لو قتلنا وحرقنا وذريت أجسادنا في الهواء ثم بعثنا مرة أخرى يفعل بنا هكذا سبعين مرة ما تركناك كيف وهي قتلة واحدة)). فيدعو الحسين عليه السلام) لهم ويباركهم، ويريهم منازلهم في الجنة مع الأنبياء والصديقين حيث الشرف كل الشرف، والعباس ليث بني نزار يخط الأرض بسيفه، يتطلع الى غده، ليذيق المنافقين حد حسامه، ويجاهد في الله حق جهاده. وما هي إلاّ سويعات حتى يتمخض الليل عن فجر يوم فيه:
عثـر الدهر ويرجو أن يقــالا **** تربـت كفـك من راج محالا
وذلك يا سيدي:
غـداة ابـو السجاد جاء يقودهـا **** اجادل للهيجاء يحملن انـسرا
عليها من الفتيان كـل ابـن نثـرة **** يظن قتير الـدرع وشياً محـبرا
أشم اذا ما افتـض للحـرب عذرة **** تنشق من اعطـافها النقع عنبرا
من الطاعني صدر الكتيبـة في الوغـى **** إذا الصف منها من حديد توقرا
فان يمس مغـبر الجبيـن فطالـما **** ضحى الحرب في وجه الكتيبة غبرا
وإن يقضِ ظمآنـاً تفطـر قلبـه **** فقد راع قلب الموت حتى تفطرا
نعم خرج ابو السجاد ومعه الصفوة من آل بيت النبوة والأبرار من الصحابة والتابعين ليقابلوا جيشاً للشرك والضلال ظن مرسلوه أنهم على محو الإسلام لقادرون وما دروا أن الدماء الزكية الطاهرة التي تشرفت أرض كربلاء بإحتضانها إنما هي أقباس أضاءت معالم الهداية والنور. وخيل اليهم أنهم سيقتلون الحسين عليه السلام) وينتقمون بقتله وسبي عياله من جده وأبيه عن قتلاهم يوم بدر، ولكنهم خسئوا فالاسلام خالد والحسين حي.
لئن أكلت هندية البيض شلوه **** فلـحم كريم القوم طعم المهنـد
وإن لم يشـاهد قتله غير سيفه **** فذاك أخوه الصدق في كل مشهد
كريم به شـم الـدنية آنفـه **** فـأشممه شـوك الوشيج المسدد
وقال قفي يانفس وقفـة وارد **** حياض الـردى لا وقفت المتردد
رأى أن ظهر الذل أخشن مركباً **** من الموت حيث الموت منه بمرصد
فآثر ان يسعى الى جمرة الوغى **** برجـل ولا يعطي المقادة عن يد
مولاي الحسين لله أنت، ما أعظم تضحيتك، وما أكرم نفسك، وما أشد إباءك، وما أصبر قلبك، وما أربط جأشك عز عليك أن ترى الأوغاد على عروش المسلمين يسومونهم سوء الهوان، يعطلون حدود الله ويشيعون الفاحشة، فخرجت اليهم لا أشراً ولا بطراً وإنما أردت الإصلاح في أمة جدك.
أرادوك أن تعطي المقادة عن يد، وتغض الطرف عن باطلهم، ولكنك أبيت إلاّ أن تعيش أبياً أو تموت كريماً وإلاّ أن تزيل من باطلهم دعائمه.
لله أنت ياسيدي: ماذا نقول عنك، انقول عنك انك صاحب الجود والكرم لأنك بذلت الماء للقوم وتعلم أنهم سيمنعونك، أنقول عنك أنك أبو الثوار لأنك القائل لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما، أنقول عنك أنك أبو التضحية والفداء لأنك قدمت نفسك وآلك وأصحابك قرابين على مذابح الشهادة والكرامة. نعم سنقول كل ذلك ونقول أنك الحسين بن علي وكفى بذلك فخراً.
سيدي حسين المرتضى: ما الذي حاربته أمية فيك..! لأنك ريحانة المصطفى وسيد شباب أهل الجنة؟، ألأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فيك (حسين مني وأنا من حسين)؟، ألأنك بن علي الذي لولا سيفه وبضع أسياف معه لما قامت للإسلام دعائم؟.
أجل ياسيدي: إنهم حاربوك ولكنهم يعلمون انك ريحانة المصطفى وقاتلوك ويعلمون أنك على حق وهم على باطل، وجعلوا من جسدك الطاهر جسراً لخيولهم ويعلمون أنك انما أردت اسعادهم وتحريرهم من عبودية انكروها في قرارة نفوسهم وأرتضوها في واقعهم وسلوكهم، احرقوا مخيماتك على من فيها ويعلمون ان من فيها عقائل النبوة، وسلالة الرسالة. نعم انهم قاتلوك ويعلمون انهم انما يقاتلون رسول الله بشخصك فويل لهم لما سولت لهم نفوسهم، ويا ويح قلبي أي نوع من البشر هم، ولكنها شيمة الجبناء والمنافقين في كل زمان ومكان، انهم يخذلون الحق وينصرون الباطل، يناصرون الظالم ما دام قوياً فإن ضعف تفرقوا من حوله وانقلبوا عليه وحاربوه اكثر من اعدائه، وقد تراهم يماشون الحق وذلك ما دام الحق يحقق مصالحهم فان اصطدم بها حاربوه، وقد وصفتهم سيدي، فما أجمل وصفك حينما قلت (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون).
فخلدت يا سيدي وماتوا، وفزت وفشلوا.
فسلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا.
إرسال تعليق