مجالس التعزية من اهم اسباب التقدم لدى المسلمين

بقلم: سلمان الصفواني

صاحب جريدة اليقظة

ثلاثة عشر قرناً مرت على ذكرى سيد الشهداء وهي خالدة في الاذهان متجددة مع الزمان، وستبقى هذه الذكرى المجيدة كذلك مخضلة بالدموع، مخضوبة بالدماء. ما بقي على وجه الارض اناس يمجدون الفضيلة ويقدسون الحرية ويكبرون البطولة ويحبون الحق والكمال على انه مهما اوتينا من فصاحة في القول وبلاغة في البيان فلن نستطيع ايفاء هذه الذكرى حقها من الدرس والتمجيد وبعد ماذا اريد ان اقول؟

 يحضرني ايها السادة في هذا المقام مقال كتبه المسستشرق الفرنسي المعروف غوستاف لوبون، قال حضرت احد مجالس التعزية في الهند وكان معي ترجمان، فسمعت الخطيب وهو على المنبر يقول: ايها الناس، ان سيدنا ومولانا ومقتدانا ابا عبد الله الحسين قد ضحى بنفسه وعياله وماله ولم يعط بيده اعطاء الذليل ولم يفر فرار العبيد، وانما آثر المنية على الدنية فعلمت ان الخطيب يلقي على القوم درساً بليغا في الوطنية انه يقول لهم يا أهل الهند اذا اردتم ان تكونوا احراراً في بلادكم وان لا يكون لاجنبي سلطان عليكم فاقتدوا بمثل هذا الرجل العظيم والامام الكريم ثوروا في وجه الظلم كما ثار وضحوا من اجل المبدأ والكرامة كما ضحى ولكن الخطيب والسامعين لم يفهموا هذا المعنى، وكلما قصدوا اليه في مجالس التعزية هو ان يبكوا ويتباكوا ليكن لهم ثواب ذلك في الآخرة. وهم يجهلون ان لكل عمل مادي نتيجة مادية في الحياة مضافاً الى النتائج الاخرى، فاجتماع عدد كبير من الناس في مجلس واحد لغرض واحد عمل مادي يجب ان تكون له نتائج مادية ايضاً. ان مجالس التعزية مؤتمرات فعلية مجانية. مؤتمرات شعبية يحرص الغربيون على امثالها فلا يظفرون بها الا بعد جهد كبير، فهل استطعنا خلال الف وثلاثمائة سنة ان نخرج بهذه المؤتمرات الشعبية العديدة الدائمة –من البكاء والتباكي- الى ما هو اعود على هذه الامة بالنفع هل استطعنا في هذه المؤتمرات ان نفكر في حاضرنا ونعالج مشاكلنا ؟

ايها السادة:


لقد قام الحسين (عليه السلام) بتضحيته الكبرى وليس فيكم من لا يعرف هذه التضحية الفذة في تاريخ الابطال وها انا ذا اقتبس لكم خطاباً من خطبه (عليه السلام) ومنه تعرفون لماذا اقدم –وهو عالم- على تلك التضحية قال ابن قتيبة في كتابه (الامامة والسياسة):

قدم معاوية ليأخذ البيعة من اهلها ليزيد وقد ارسل الى الحسين وابن عباس فاجلس الاول على يمينه والثاني على يساره ثم سأل معاوية الحسين عن حال بني اخيه الحسن (عليه السلام) ثم بدأ بالكلام عن ترشيحه يزيد للخلافة في خطاب طويل ستعرفون فحواه من جواب الحسين له، قال ابن قتيبة فتبسم ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة، فاشار اليه الحسين وقال: على رسلك فانا المراد ونصيبي في التهمة اوفر، فامسك ابن عباس فقام الحسين (عليه السلام) فحمد الله وصلى على الرسول. ثم قال اما بعد يا معاوية فلن يؤدي القائل وان اطنب في صفة الرسول من جميع جزأ، وقد فهمت ما البست به الخلف بعد رسول الله من ايجاد الصفة والتنكب عن استبلاغ البيعة. وهيهات هيهات يا معاوية فضح الصبح فحمه الدجى، وبهرت الشمس انوار السرج ولقد فضلت حتى افرطت، واستأثرت حتى اجحفت ومنعت حتى بخلت وجرت فجاوزت ما بذلت لذي حق من اسم حقه من نصيب حتى اخذ الشيطان حظه الافر ونصيبه الاكمل وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامة محمد تريد ان توهم الناس في يزيد كانك تصف محجوباً، او تنعت غائباً او تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص وقد دل يزيد من نفسه على موقع رايه فخذ ليزيد فيما اخذ به من استقرائه الكلاب المهارشه عند التحارش والحمام السبق لاترابهن والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي –تجده ناصراً ودع عنك ما تحاول فما اغناك ان تلقى الله بوزر هذا الخلق باكثر مما انت لاقيه من الله مابرحت تقدح باطلاً في جور وحنقاً في ظلم حتى ملأت الاسقية وما بينك وبين الموت الا غمضة، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ولات حين مناص. ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الامر. ومنعتنا عن آبائنا تراثاً، ولقد لعمر الله اورثنا الرسول ولادة. وجئت لنا بما حججتم به القاء عند موت الرسول فاذعن للحجة بذلك وردة الايمان الى النصف فركبتم الاعاليل وفعلتم الافاعيل وقلتم كان ويكون حتى اتاك الامر يا معاوية عن طريق كان قصدها لغيرك فهناك فاعتبروا يا أولي الابصار. وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله وتأميره له. وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضله بصحبة الرسول وبيعته له. وما صار لعمرو بن العاص يومئذ حتى انف القوم إمرته وكرهوا تقديمه وعدوا عليه افعاله. فقال لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في اوكد الاحوال واولاها بالمجتمع عليه من الصواب ؟ ام كيف ضاهيت بصاحب تابعاً وحولك من يؤمن في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته وتتخطاهم الى مسرف مفتون تريد ان تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه وتشقى بها آخرتك ان هذا لهوا الخسران المبين، واستغفر الله لي ولكم.

ايها السادة:


هو ذا نص خطاب الامام (عليه السلام) -كما رواه ابن قتيبة- وواضح منه رفض بكل اباء ان يتولى امر الامة من ليس اهلاً للولاية كيزيد، يستبيح حرماتها ويسلط اسرارها على اخيارها ويحكم بالجور فيها، وقد تتابعت الاحداث بعد ذلك وهلك معاوية، وتولى يزيد الامر، رغم انف الامة على نحو ما يجري الان في الشعوب المستضعفة والاقطار المغلوبة على امرها ولكن هل استسلم الامام (عليه السلام) لسياسة الامر الواقع ؟ وهل رضـي لنفسـه بالعافيـة والسلامة على حساب الامة ؟ كلا ، ولم يكتف بقوله: ان مثلي لا يبايع يزيد شارب الخمور وراكب الفجور، بل دعا الامة بذلك الى ان تثب معه في وجه الظلم. فتثأر لكرامتها المهانة بولاية يزيد فنفر معه من نفر وفر عنه من فر. ثم حدثت المأساة التاريخية التي اطاحت بالدولة الاموية فيما بعد مما هو معروف.

ايها السادة:


اسمحوا لي ان اعود ثانية الى ذكر ((مجالس التعزية)) هذه المؤتمرات الشعبية العظيمة وقد ذكرها مستشرق اخر هو الكاتب الالماني ((مارتن)) فوصفها بانها من اهم اسباب التقدم لدى المسلمين ان هم احسنوا تنظيمها والاستفادة منها. اننا في عصر لا يختلف كثيراً عن العصر الذي تولى فيه يزيد امر الدولة الا من ناحية واحدة، هي ان الله قيض للمسلمين اماماً كالحسين يضحي بنفسه فداء لدينه وامته، اما في عصرنا هذا فليس بيننا –ونحن نبكي الحسين ونحي ذكراها- من يقتدي به في سيرته- وكان علينا ان نتخذ من هذه ((المؤتمرات الشعبية الدائمة)) خير حافز لتوحيد الكلمة وشحذ الهمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لنقف فيها للظالمين بالمرصاد وللحاكمين المستبدين بالحساب، وبهذا فقط نكون قد احيينا ذكرى سيد الشهداء واحسنا الاقتداء. فهذا والسلام عليكم.

إرسال تعليق