بقلم: السيد نبيل الحسني
لا شك ان الإنسان حينما يعمي الله بصيرته فكيف للبصر ان يرى أو للعقل ان يذعن أو للقلب ان يوقن، وهذا حال ابن تيمية حينما يرى ببصره كل هذه المواقف والأحاديث التي زخرت بها صحاح ابناء السُنّة والجماعة وهي تنقل هنا صورة وهناك صورة أخرى عن حجم الأذى الذي كان ينزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عائشة كما مرّ بيانه آنفاً وبين خديجة صلوات الله عليها التي كانت وزيرة صدق، وموضع أنس، وخير سند لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد واسته بنفسها ومالها حتى لحقت بربها فسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية.
ونحن في الوقت الذي لا نريد الإسهاب في بيان الأحاديث النبوية الشريفة في بيان فضل خديجة وتفضيلها وسيادتها وخيريتها على نساء الأمة ونساء الجنة أي على جميع نساء الأمم السابقة التي بعثت بها الأنبياء عليهم السلام، إلاّ أننا في الوقت نفسه.
نورد هنا ما وفقنا الله تعالى إليه في بيان المواضع التي فاقت بها خديجة مريم بنت عمران عليها السلام فكانت كالآتي:
ألف: إنّ مريم عليها السلام لما رجعت تحمل وليدها نبي الله عيسى عليه السلام التجأت إليه في دفع الأذى عنها. ولذا: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}[1].
وإن هذه الأزمة قد انتهت بكلام نبي الله عيسى عليه السلام: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[2].
في حين كانت خديجة تدافع عن النبوة بنفسها ومالها، وهذا أفضل.
باء: إنّ مريم عليها السلام كان كلما يمر عليها الوقت كانت تجد الأمن والأمان وهذا يخفف جهد البلاء عليها، في حين كانت خديجة كلما يمر بها الوقت كان يشتد عليها الجهد والابتلاء حتى توفيت خديجة بعد أن أنهكها الجوع والمعاناة في شعب أبي طالب عليه السلام نتيجة للحصار الذي فرضه طواغيت قريش.
ولقد قال تعالى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}[3].
جيم: كانت مريم عليها السلام تلقى من حيث كونها في مقام الوالدية كل بر من نبي الله عيسى عليه السلام.
قال تعالى: {بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}[4].
بمعنى أن المبتلى هنا نبي الله عيسى عليه السلام.
في حين كانت خديجة عليها السلام هي المبتلاة في موقع حسن التبعل وما يفرضه من جهاد، فضلاً عما يفرضه الارتباط بسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم على الزوجة من تكاليف شرعية كما دل قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ...}[5].
وكما هو ثابت في النصوص الأخرى، وهذا أفضل عند الله تعالى.
دال: إن مريم عليها السلام لم يظلمها المسيحيون في حين أن خديجة عليها السلام ظلمها المسلمون الذين قتلوا ابنتها فاطمة عليها السلام وأحفادها الحسن والحسين عليهما السلام وذريتهما وساقوا بنات فاطمة زينب وأم كلثوم وبنات الإمام الحسين سكينة ورقية من كربلاء إلى الشام، وهم يقادون كما تقاد نساء الترك والديلم، وغير ذلك مما فضلت به خديجة ابنة خويلد عليها السلام؛ وما أوتيت ابنتها فاطمة عليها السلام لأعظم.
فكيف تكون عائشة أفضل من خديجة أو أن يتوقف ابن تيمية في أيهما أفضل وخديجة عليها السلام أفضل من مريم عليها السلام كما بينا آنفاً.
ـــــــــــــــــ
[1] سورة مريم، الآية: 29.
[2] سورة مريم، الآية: 30.
[3] سورة النساء، الآية: 95.
[4] سورة مريم، الآية: 32.
[5] سورة الأحزاب، الآية: 32.
إرسال تعليق