بقلم: الشيخ حسن الشمري
بعد تسلم يزيد بن معاوية زمام الأمور أقدم على خطوة مشينة حيث أرسل إلى والي المدينة ((الوليد بن عتبة)) بأخذ البيعة من الشخصيات، وفي مقدمتهم الإمام الحسين عليه السلام، وعبد الله بن الزبير، وفي رواية عبد الله بن عمر.
وهذه نصّ الرسالة كما يرويها (الطبري): ((أما بعد، فخذ حسيناً، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام))[1].
وهذه الرسالة هي الأشهر والأوفق لأنها تنسجم وعنجهية يزيد واستهتاره، ومن الطبيعي أن تكون الرسالة بهذه اللهجة القاسية، وبهذا الأسلوب الفج لأنّ يزيد لا يفهم لغة الحوار ولا يحمل عقلاً يستوعب آراء المعارضين لأنه كما أسلفت نشأ في بيئة قاحلة من أيّ مفاهيم حضارية فبدأ طريقه السلطوي بالقوة والقساوة، ويعدّ هذا الأسلوب في عرف السياسيين خطأ استراتيجياً، فالحاكم عليه أن يكوّن مناخاً إيجابياً حتى يستطيع من خلاله التحرك ومسك الأمور ثم إيجاد الفرص لتمكين لغة الحوار على أكثر من صعيد بالذات على صعيد جمع الكلمة، ورصّ الصفوف، وتثبيت أسس العدل، ولكن أنّى ليزيد أن يفكّر وعقله مشبع بالقيم الجاهلية؟!.
ومثلما أسلفت فإنّه نشأ في بيئة قاحلة من القيم السامية فنشأ صعلوكاً، وقد أثر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نظر إلى معاوية يتبختر في بردة حبرة، وينظر إلى عطفيه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أيّ يوم لأمتي منك، وأيّ يوم سوء لذريتي منك من جرو يخرج من صلبك، يتّخذ آيات الله هزواً، ويستحل من حرمتي ما حرم الله عز وجل))[2].
فيزيد ((جرو)) كما وصفه سيد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم لأنه نشأ وترعرع بين الكلاب النابحة، وظلّ يزيد جرواً يلهث وراء كلّ عمل حقير، وهذا هو طبع الدنيء.
على كل حال، فإنّ يزيداً طلب من الإمام الحسين عليه السلام البيعة، ولا يحق له ذلك، ونحن نقول:
1 ــ من أين له الحق؟ وقد جاء خلسة وقهراً بحدّ السيف، وأنّى لمعاوية وأصحابه أن يدلوا بدلوهم في أحقية يزيد.
2 ــ أليست بيعة يزيد إكراهاً؟ وأئمة المذاهب الإسلامية تعدّ البيعة عن إكراه لا قيمة لها، ولا تصح، كما هو واضح في فتوى الإمام أبي حنيفة عندما سألوه عن بيعة أبي جعفر المنصور، فقال: لا تصح.
فمن الأولى أن لا تصح بيعة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وهو قد أكره الناس كرهاً لا حدّ له، كما هو واضح في رسالته التي بعثها إلى الوليد بن عتبة.
3 ــ ما الذي صدر من الإمام الحسين عليه السلام حتى يأخذ البيعة من الإمام أخذاً لا رخصة فيها؟.
4 ــ ماذا لو ترك يزيد الإمام الحسين عليه السلام، وبعدها يتم التحكيم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؟ لاسيّما وأنّ الشروط التي اشترطها معاوية مع الإمام الحسن عليه السلام تنصّ على إرجاع الخلافة بعد موته إلى الإمام أبي عبد الله الحسينعليه السلام.
5 ــ وإذا ظنّ يزيد أنّ الإمام عليه السلام يرفض البيعة، فليس من حقّه إجبار الإمامعليه السلام على البيعة، إذا علمنا أنّ الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام هو إمام المسلمين.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا))[3].
وإذا تمعنّا في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة))[4]، وهو من أشهر الأحاديث بعد حديث الثقلين وأثبتها سنداً.
فأيّ مقام بلغه الإمام الحسين عليه السلام في الدنيا حتى صيّره الرسول الأعظم محمدصلى الله عليه وآله وسلم سيد أهل الجنة، لا شكّ أنه بلغ القمة في أعماله وأخلاقه ومناقبه.
على ضوء هذا الحديث الشريف فإنّ المولى أبا عبد الله الحسين عليه السلام يعدّ الشخصية المثالية، وهو الحجة البالغة على كل من عاش في زمانه بما فيهم يزيد وأبو يزيد، وهذا يكفي في رفض البيعة.
6 ــ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً))[5].
وكما هو ثابت فإنّ هذا الحديث من الأحاديث المتواترة الذي لا يتطرّق إليه أدنى شك، وقد أطبق المسلمون على ذلك، وقد أورده مسلم في (صحيحه)، والكثير من المحدثين[6].
وعلى ضوء هذا الحديث فإنّ الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام يعدّ ميزاناً تقاس على ضوئِه جميع أعمال البشر في زمانه.
وهذا ما يوضح معنى الآية: ((يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا))[7].
كما وأنّ المقارنة بينهم وبين كتاب الله عز وجل يدلّ على طهارتهم وعصمتهم من كل خطأ، هذا هو مذهب العقلاء والحكماء، فإذا كانوا بهذه المنزلة ويا لها من منزلة، فهم المرجع وإليهم يفيء الجميع بدون استثناء.
7 ــ إنّ رسالةً تحتوي التهديد والوعيد تدلّ على أن يزيد لا ينوي خيراً، بل هو يبطن الشر بكل معانيه مما أفصحت عنه الأيام.
8 ــ إنّ السكون المطبق الذي أطل على أهل المدينة يدلل على أن خطب معاوية وأقواله أخذت الكثير من الناس بالذات الذين استظلوا بحكمه الغاشم، وقد عرف معاوية (من أين تؤكل الكتف)، فجاءهـم عن طريق اللحية، والجبة، وخطب الجمعة.
والروايات تقول: ((أنه كان يبكي في الصلاة حتى تخضلّ لحيته، وكان يخطب بخشوع حتى يظنّ السّامع أنه من أولياء الله الصالحين)).
يقول كنفوشيوس: ((إني أكره جعجعة الخطب)).
ويقول: ((قلّما يكون الشخص ذو الخطب المؤثّرة في المظهر رجلاً فاضلاً))[8].
9 ــ ثم كيف يطلب البيعة من الإمام الحسين عليه السلام، وهو لم يؤمن بها وبكل قيمها، فقد تربّع على العرش وهو لا يتقن حرفاً من كتاب الله العزيز، فقد قضى شطراً من عمره بين الكلاب والقرود، والشطر الثاني بين الغانيات، وفي ليال فاحشة، وكان يلهو.
يقول عنه الشيخ عبد الله العلايلي: ((إذا كان يقيناً أو يشبه اليقين أنّ تربيه يزيد لم تكن إسلامية خالصة، أو بعبارة أخرى كانت مسيحية خالصة، فلم يبق ما يستغرب معه أن يكون متجاوزاً مستهتراً مستخفاً لما عليه الجماعة الإسلامية، لا يحسب لتقاليدها واعتقاداتها أيّ حساب، ولا يقيم له وزناً، بل الذي نستغرب أن يكون على غير ذلك))[9].
ويقول عنه الحسن البصري: ((أربع خصال كنّ في معاوية لو لم يكن فيه منهنّ إلا واحدة لكانت موبقة: ابتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزّها أمرها بغير مشورة، وفيهم بقايا الصحابة وذو الفضيلة، واستخلاف ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الولد للفراش، وللعاهر الحجر))[10]، وقتله حجراً وأصحابه، ويل له من حجر وأصحابه))[11].
شبهة ورد
قد يقول قائل: ماذا لو بايع الإمام الحسين عليه السلام يزيد وكفى المؤمنين شرَّ القتال؟.
أقول:
1 ــ لو أنّ الحسين عليه السلام بايع يزيد (والعياذ بالله) لاكتسب الشرعية، وَقَتَلَ المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام بالبيعة نفسها.
وحتى لو اعترض الإمام عليه السلام لاحقاً على تصرفات يزيد، فإنّ اعتراضه لن يلقي الصدى الكافي، بل ينقلب عليه، باعتبار أنّ الإمام عليه السلام هو أول من بايع فكيف يعترض على ((خليفة شرعي))، وليس من حق الإمام ذلك.
2 ــ لو أنّ يزيداً اكتسب الشّرعية من الإمام عليه السلام لأجهز عليه في زمن قياسي، إذ أنّ يزيد كان يبيّت خطة خبيثة لقتل الإمام عليه السلام في كل الأحوال، وأفضل الأحوال عندما يأخذ البيعة من الإمام (صلوات الله عليه).
3 ــ أنّ يزيد أراد من البيعة مبرراً لقتل كلّ الشخصيات بما فيهم ((عبد الله ابن عمر)) الذي ((نصح)) الإمام من مغبّة الخروج، وفات عبد الله بن عمر أنّ يزيد إنما أراد من البيعة الإجهاز على كلّ الشخصيات في المدينة ومكة والكوفة والبصرة، وكل الأمصار الإسلامية.
وكان ينبغي لعبد الله بن عمر أن يشدّ على يد الإمام عليه السلام ويعاضده في كل مواقفه بما فيها ((رفض البيعة))، ولكنّه ألحّ على الإمام عليه السلام، وفات عبد الله بن عمر أنّ قوة الإمام عليه السلام، وقوة عبد الله بن عمر، وغيره من الشخصيات تكمن في رفض البيعة التي تشكّل أقوى سد أمام يزيد.
4 ــ ويزيد إنما أراد البيعة حتى يمضي قدماً في غيّه واستهتاره ويسحق كل من يعترض عليه.
ونحن نعلم أنه قبل البيعة كان مستهتراً وسادراً في غيّه، فكيف إذا حصل على البيعة، ومن الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي أطبقت الأمة على تبجيله واحترامه.
5 ــ إنّ البيعة من الإمام عليه السلام كانت تشكّل مأزقاً للأمة، فكيف يبايع الإمامعليه السلام ((إنساناً)) عرف باستهزائه للمقدسات، وانتهاكه للحرمات. فلا شكّ أنّ الناس كانت تحمل ((سيئات يزيد)) على الإمام عليه السلام، وهذه هي الطامّة الكبرى.
6 ــ ثم إنّ الذين اعترضوا على الإمام الحسين عليه السلام بعدم البيعة، مثل عبد الله بن عمر، والقاضي ابن العربي في (العواصم من القواصم)، وابن خلدون في (المقدمة)، وأبو حامد الغزالي، وغيرهم، وقالوا: ((إن الحسين قتل بسيف جَدِّهِ))، وفي رأي: بـ((شريعة جدّه)) كما يقول القاضي في (العواصم).
فإذا كان الإمام عليه السلام قد بايع يزيد، ثم عدا على الإمام عليه السلام فقتله، فإنهم يقولون: ((قتل بسيف جده))، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا))[12].
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطى صفة الإمام للإمامين عليهما السلام سواءً قاما أو قعدا، فلِمَ قعد ((الحسين عليه السلام )) وخالف أمر جده رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فإذن النتيجة عند هؤلاء هو أنّ الحسين عليه السلام قتل بشريعة جده صلى الله عليه وآله وسلم بالتأكيد سوف يلقون اللوم على الإمام عليه السلام ما حلّ بالأمة، ويقولون لا ينبغي مثل ((الحسينعليه السلام» أن يجلس ويسلم القيادة إلى يزيد، إذن لا يمكن للإمام أن يتخلص من ((زعيق)) هؤلاء، فهو في كلا الحالتين ((قتل بشريعة جده)).
وهكذا فهم يبررون عمل الظالم مهما كان غاشماً وقاسياً، ويحمّلون المظلوم الذي نهض في سبيل الحق مهما كان مخلصاً وعالياً.
وفي نظري فإنّ هؤلاء يعرفون الظالم حقّ المعرفة.
قال تعالى: ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ))[13].
ويعرفون أنّ يزيد لا يملك أدنى درجات الشرعية، ومع ذلك يأتي هؤلاء ويطبعون حكمه بالشرعية، ثم يضعون له الأساس القانوني كي يبرّروا ما أقدم عليه، مهما كان ظالماً، إننا إزاء واقع مزري للغاية.
ولكن لماذا هذا التبرير والنكوص من هؤلاء؟:
1 ــ بسبب هنات، قال عمر بن سعد رداً على المولى الإمام أبي عبد الله الحسينعليه السلام: ((إنما نقاتلك بغضاً منا لأبيك))[14].
فقد تزاحم البغض والحقد في قلوبهم على أهل البيت عليهم السلام، بالذات على أمير المؤمنين عليه السلام الذي وترهم، وقطع دابرهم، وهدم بنيانهم الذي بنوه ريبة في قلوبهم.
ويمكن أن نقول أنّ ما قام به الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من جهود لإركاس الجاهلين، ونسف مؤامراتهم الدنيئة إزاء الإسلام تظاهي ما قام به رسول الله محمدصلى الله عليه وآله وسلم.
إنّ الكمّ الهائل الذي أودعه الله عز وجل في عقل الإمام، واليقين في قلبه، والصفات السامية في نفسه هي التي جعلته بهذه المنزلة، ويقف بقوة أمام قريش وحلفائها من اليهود. ولا أجافي الحقيقة عندما أقول: إنّ المؤامرات التي تعرّض لها الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعدّ الأولى في حجمها من حيث العدّة والعدد. ولعلّ الحديث النبوي: ((ما أوذي نبيٌّ بمثل ما أوذيتُ))[15]، يشير إلى ما يتعرّض إليه الإسلام.
إنّ سلسلة الإخفاقات التي مني بها الإسلام، وكثرة الاغتيالات التي طالت الشخصيات العظيمة، وفي مقدمتهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام أمير المؤمنين والأئمةعليهم السلام، والصّحابة المخلصين، لهي أوضح دليل على ذلك.
ونقول: لولا قوة الإسلام، وأصالة قيمه لانتهى وعفى عليه الزمن، لأنّ بقاء المبادئ مرهون بوجود القيادات المخلصة.
2 ــ إنّ بعض الشخصيات التي أرادت البيعة من الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام ليزيد بن معاوية، كانت ضعيفة وتعاني الهزال والخور من الداخل، ووسوسة الهزيمة كانت تنخر في داخلهم، فمن الطبيعي أن لا يتحملوا المواقف الشجاعة، أمثال عبد الله بن الحر الجعفي، وعبد الله بن مطيع، وغيرهم الذين لا يطيقون مواقف تتّسم بالصّلابة والشجاعة، ففاقد الشيء لا يعطيه. وكيف تترقب من إنسان يعاني الهزيمة والخور الشجاعة والصلابة، وتريد منه أن يقف شامخاً وسامياً.
3 ــ إنّ البعض يريد أن يغطي على ضعفه وهزيمته، فيأتي ويطلب من الآخرين النكوص والهزيمة والركوع، مبرّراً هزيمته بشتى الصور التي لا واقع لها، وهذا ما حدث في المدينة المنورة إبان رفض أبي عبد الله الحسين عليه السلام البيعة ليزيد بن معاوية، فالبعض ممن قعد به الضعف واستمر واضمحلت عنده القوة الكافية لمجابهة الباطل يتحرى المبررات ويتشبث بها، كي يتحرّر من أيّ مسؤولية تأخذ منه جهداً، ثم يحاول أن يوصم من له القوة والشجاعة بالقصور، وشقّ عصا المسلمين، وما شابه من هذه التهم، ونريد أن نذكّر هؤلاء أن الإنسان إذا جابه الباطل ثم وقف أمامه بكلّ جرأة، فسوف ينبجس في كيانه ينبوع البطولة والشهامة، فهناك علاقة جدلية أو قل علاقة طردية بين ((المواقف الشجاعة وتدفق البطولة))، ومن ثم يزداد علواً وشموخاً حتى في نظر أعدائِه.
فكلما كانت المواقف عالية ظهرت البطولة وعظم الإنسان، وهكذا إلى أن تظهر البطولة بأعلى صورها.
قال تعالى: ((وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ))[16].
والعكس هو الصحيح، فكلما كانت المواقف ضعيفة وهزيلة، فإنّ ((عوامل البطولة)) تأخذ بالانكفاء والانحسار، ثم تنتهي فيصبح الإنسان في أدنى درجات الضعف[17].
4 ــ قد يكون سبب تخاذل هؤلاء وتبريرهم شغفهم بـ((المال والرشوة))، فقد عظمت رشوتهم، وتكاثرت أموالهم.
وكما هو ثابت فإنّ المال الكثير يجفّف منابع القوة المعنوية في الإنسان بالذات المعنوية، لذلك فإنّك لا تجد من أتخم بالمال ينفق.
قال تعالى: ((إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ))[18].
والبعض منهم إذا أنفق (لا يرحم) فهو يتبع إنفاقه بالمنّ والأذى باستثناء القليل، فعليه فالحكام السابقون أمدّوا الناس بالمال، فأضحى الثّراء الفاحش ظاهرة طاغية وسبباً من أسباب النقمة على الحكام، مثل ما حدث بين السيدة عائشة والخليفة عثمان بن عفان، وأما ثالث الأثافي فيكمن في تلكأ الكثير عن مجابهة الباطل، وهذا ما حدث إبان حكم معاوية ويزيد، فقد أدخل المال الكثير الترهّل في نفوس أهل المدينة وغيرها فاجتاح منابع القوة وطمرها بالمرة، الأمر الذي أدّى إلى النكول والتخاذل.
ــــــــــــــــ
[1] تاريخ الطبري: الطبري، ج4/ص250. الكامل في التاريخ: ابن الأثير، ج4/ص14. البداية والنهاية: ابن كثير، ج8/ص157. الإمامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري، تحقيق الشيري، ج1/ص225.
[2] حياة الإمام الحسين عليه السلام: الشيخ باقر شريف القرشي، ج2/ص180. نقلاً عن المناقب والمثالب: القاضي نعمان المصري، ص71.
[3] علل الشرائع: الشيخ الصدوق، ج1/ص211. روضة الواعظين: الفتال النيسابوري، ص156. الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ابن الصباغ، ج2/ص717.
[4] مسند زيد بن علي: زيد بن علي، ص461. الأحكام: الإمام يحيى بن الحسين، ج1/ص40. سبل السلام: محمد بن إسماعيل الكحلاني، ج4/ص125. فقه السنة: الشيخ سيد سابق، ج3/ص417. نضد القواعد الفقهية: المقداد السيوري، ص98.
[5] نيل الأوطار: الشوكاني، ج2/ص329. ذخائر العقبى: أحمد بن عبد الله الطبري، ص16. مسند أحمد: الإمام أحمد بن حنبل، ج3/ص14. المستدرك: الحاكم النيسابوري، ج3/ص148. مجمع الزوائد الهيثمي، ج9/ص163. المصنف: ابن أبي شيبة الكوفي، ج7/ص176. كتاب السنة: عمرو بن أبي عاصم، ص629. مسند أبي يعلى: أبو يعلى الموصلي، ج2/ص303. المعجم الأوسط: الطبراني، ج3/ص374، وج4/ص33. المعجم الصغير: الطبراني، ج1/ص131، وج1/ص135. المعجم الكبير: الطبراني، ج5/ ص154، وج5/ص166، وج5/ص170. دستور معالم الحكم: ابن سلامة، ص146. كنز العمال: المتقي الهندي، ج1/ص187. تفسير الثعلبي: الثعلبي، ج9/ص186. شواهد التنزيل: الحاكم الحسكاني، ج2/ ص41. تفسير البغوي: البغوي، ج4/ص125، وج4/ص271. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ابن عطية الأندلسي، ج1/ص36. تفسير الرازي: الرازي، ج8/ص137. تفسير البحر المحيط: لأبي حيان الأندلسي، ج1/ص117. تفسير ابن كثير: ابن كثير، ج4/ص122. تفسير الآلوسي: الآلوسي، ج22/ص195. الأحكام: الآمدي، ج1/ص246. الكامل: عبد الله بن عدي، ج6/ص67. تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، ج54/ص92. سير أعلام النبلاء: الذهبي، ج9/ص365. معجم المطبوعات العربية: أريسان سركيس، ج2/ص1840. سبل الهدى والرشاد: الصالحي الشامي، ج11/ص6. السيرة الحلبية: الحلبي، ج3/ص336. ينابيع المودى لذوي القربى: القندوزي، ج1/ص103. النهاية في غريب الحديث: ابن الأثير، ج1/ص217. لسان العرب: ابن منظور، ج4/ص538. القاموس المحيط: الفيروز آبادي، ج3/ص342. تاج العروس: الزبيدي، ج14/ص85.
[6] قبس من نور الإمام الجواد عليه السلام: للمؤلف.
[7] الإسراء: ٧١.
[8] عالم الأديان: فوزي محمد حميد، ص236.
[9] سمو المعنى في سمو الذات: الدكتور الشيخ عبد الله العلايلي، ص59.
[10] المبسوط: الشيخ الطوسي، ج5/ص210. السرائر: ابن إدريس الحلي، ج2/ص659. كتاب الأم: الإمام الشافعي، ج6/ص273. مختصر المزني: المزني، ص114. المجموع: محيي الدين النووي، ج15/ ص310. مغني المحتاج: محمد بن أحمد الشربيني، ج2/ص261.
[11] ينابيع المودى لذوي القربى: القندوزي، ج2/ص27. تاريخ الطبري: ج6/ص257.
[12] علل الشرائع: الشيخ الصدوق، ج1/ص211. روضة الواعظين: الفتال النيسابوري، ص156. الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ابن الصباغ، ج2/ص717.
[13] النمل: ١٤.
[14] مواقف الشيعة: الأحمدي الميانجي، ص126.
[15] تدوين القرآن: الشيخ علي الكوراني العاملي، ص422. موسوعة المصطفى والعترة عليهم السلام: الحاج حسين الشاكري، ج13/ص9.
[16] محمد: ١٧.
[17] قبس من نور الإسلام: للمؤلف، فصل الشجاعة والاستقامة.
[18] المعارج: ١٩ ــ ٢٣.
إرسال تعليق