بقلم: السيد عبد الله شبر، تحقيق شعبة التحقيق في قسم الشؤون الفكرية
إعلم أنه قد ورد من الشرع مدح المال وذمه، وقد تقدم من الأخبار ما يدل على مدحه، وجميع ما دل على الحث على الحج والزكاة والخمس والتصدق والهبة والعطية والإحسان والإنعام والإطعام مما لا يتم إلا بالمال فهو مدح له، وقد سماه الله تعالى خيراً في مواضع، فقال تعالى:((إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ))[1][2]. وقال صلى الله عليه وآله وسلم:نعم المال الصالح للرجل الصالح[3].
وورد ذمه أيضاً فقال تعالى:((إِنَّمٰا أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ))[4] وقال تعالى:((لا تُلْهِكُمْ أَمْوٰالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُوْلئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ))[5]. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: حب المال والشرف ينبتان النفاق كما ينبت الماء البقل[6]. ونحوه كثير[7].
والسر في ذلك أن المال ذو وجهتين: نافعة، ومضرة، ومثاله مثال الحية فيها سم وترياق[8]، ففوائدها ترياقها وغوائلها[9] سمومها. والمال إن صرف في طاعة الله ومرضاته كان من الآخرة، وإلا كان من الدنيا.
والمال فيه فوائد وغوائل، من عرفها وأخذ الفوائد واجتنب عن الغوائل نجا.
وفوائد المال الدنيوية معلومة ولهذا تهالك أهل الدنيا عليها، وأما الدينية فهي ثلاثة أنواع:
الأول: ما ينفقه على نفسه في عبادة أو الاستعانة عليها.
والثاني: ما يصرفه إلى الناس، وهو أربعة أقسام: الصدقة، والمروة، ووقاية العرض، وأجرة الاستخدام:
أما الصدقة فقد حث الشارع عليها ورغب فيها بالثواب وقال إنها تطفئ غضب الرب[10].
وأما المروة وهي صرف المال إلى الأغنياء والأشراف في ضيافة وهدية وإعانة وإطعام الطعام، وهذا أيضاً مما رغب الشارع فيه ووعد عليه الثواب.
وأما وقاية العرض وهو بذل المال لدفع هجو[11] الشعراء وثلب[12] السفهاء ودفع شر الأشرار، فمع تنجز فائدته في الدنيا حث الشارع عليه أيضاً، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما وقى المرء به[13] عرضه فهو له صدقة[14].
وأما الاستخدام في الأعمال التي اضطر إليها الإنسان من المأكول والمشروب والملبس ونحوها فهو ضروري لولاه لتعذر عليه سبيل الآخرة، ولو تولاها بنفسه لضاعت أوقاته وتعذر عليه الفكر والذكر.
النوع الثالث: ما لا يصرفه الإنسان إلى إنسان معين ولكن يحصل به خير عام، كبناء المساجد والقناطر والرباطات ودار المرضى ونصب الحباب في الطرق وغير ذلك. هذا كله مضافاً إلى ما يتعلق بالحظوظ العاجلة من الخلاص من ذل السؤال وحقارة الفقر، ولكثرة الإخوان والأعوان والأصدقاء.
وأما الآفات فدينية ودنيوية، أما الدينية فثلاثة أنواع:
الأول: إنه يجر إلى المعاصي، فإن الشهوات متقاضية[15] والعجز يحول بين المرء والمعصية، ومن العصمة أن لا تقدر.
الثاني: أن يجر إلى التنعم في المباحات، وربما لا يقدر على التوصل إليه بالكسب الحلال فيقتحم الشبهات ويخوض في المراء والمداهنة والكذب والنفاق وسائر الأخلاق المردية لتحصيل مطلوبه ليتيسر له التنعم.
الثالث: وهو الذي لا ينفك عنه أحد، وهو أنه يلهيه إصلاح ماله عن ذكر الله تعالى، وكل ما يشغل العبد عن الله فهو خسران، ولذلك قال عيسى عليه السلام: في المال ثلاث آفات إن[16] يأخذه من غير حله. فقيل: إن أخذه من حله؟ قال: يضعه في غير حقه. فقيل له[17]: إن وضعه في حقه؟ فقال: يشغله إصلاحه عن الله[18].
ومن أراد أن ينجو من غائلة المال فعليه بأمور:
الأول: أن يعرف المقصود من المال، وأنه لماذا خلق، وأنه لِمَ يحتاج إليه حتى لا يكتسب ولا يحفظ إلا قدر حاجته.
الثاني: أن يراعي جهة دخل المال، فيجتنب الحرام المحض وما الغالب عليه الحرام، ويجتنب الجهات المكروهة القادحة في المروة.
الثالث: أن يراعي جهة الخرج ويقتصد في الإنفاق غير مبذر ولا مقتر، قال تعالى:((وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً))[19].
الرابع: أن يضع ما اكتسبه من حله وحقه ولا يضعه في غير حقه، فإن الإثم في الأخذ من غير حقه والوضع في غير حقه سواء.
والخامس: أن يصلح نيته في الأخذ والترك والإنفاق والإمساك فيأخذ ما يأخذ ليستعين به على العبادات والطاعات، ويترك ما يترك زهداً فيه واستحقاراً له، وإذا فعل ذلك لم يضره وجود المال[20].
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لو أن رجلاً أخذ جميع ما في الأرض وأراد به وجه الله فهو زاهد، ولو أنه ترك الجميع ولم يرد وجه الله فليس بزاهد[21].
وقال عليه السلام[22]: الزهد كله بين كلمتين من القرآن[23]:((لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مٰا فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمٰا آتاكُمْ))[24] ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه[25].
ــــــــــــــــــ
إرسال تعليق