بقلم: الاستاذ عبد الهادي العصامي / صاحب مجلة الشعاع
قال الامام السبط (عليه السلام) لم اخرج اشراً، ولا بطراً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، عندما طغى الباطل فغمرت موجته الحق، حتى اصبح الدين كما اعرب عنه قائلاً ((الدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درت معايشتهم، فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون)) فصيروا الغرس الذي غرسه المنقذ الاعظم محمد الخالد (صلى الله عليه) متجرداً للدنيا، واتخذوه بضاعة رابحة تدرّ على المتجر بالربح الوافر، لاخماد لهب شهواتهم، واذا امتحنوا بالبلاء تبين النحاس من الذهب الا بريز، وقليل هم عباده الصالحون.
لقد علا طغيان الظلم والجور، حتى غمر الحق، فلم يعد المستبصر يرى بصيصاً من الواقع، او اشعاعاً من الحق فترى الحدود قد عطلت، واستبدلت الصلاة بعزف الاوتاد والتهجد اناء الليل واطراف النهار بادارة الكؤوس والانتصاف للمظلوم بتحميل الارض العامرة ضريبة الارض الخراب وبعبارة اجلى –ان منقذ الانسانية (صلى الله عليه) اعتبر كلما يخدم الانسانية، ويرفع قيمها الروحية معروفاً فامر به وكلما يضر بالصالح العام، يحط من قيم الانسانية منكراً فنهى عنه، فانعكست الآية واصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً وهذا ما دعا الامام السبط(عليه السلام) لأن يعلن بثورته ضد الظلم لينقذ الحق من طغيان الباطل.
ولن يخضع في مثل هذه الظروف لمشيئه عباد الرذيلة الا من تربى على الخنوع، فاستنام الذل، وخضـع للهوان، وضرع خده صاغراً للاستهانة والحسين بن علي (عليه السلام) قد تعالت نفسه عن كل ذلك لانه تربى بحجر النبوة، ونشأ في احضان الفضيلة من معدن الرسالة، فكيف يعطي المقادة عن يد الى من تربى على الرذيلة ونشأ بين الكأس والطنبور ومغازلة القيان، وتحدى تعاليم القرآن حين غازل امهات اولاد أبيه وخالاته وعماته ؟! .. والامام يرى نفسه هو المسؤول امام ضميره وامام الله تعالى ان غض طرفه فضلاً عن المسالمة لمن دان بالرذيلة، وعبد اهواءه وشهواته فامتشق حسامه في وجه الظلم ولم يعبأ بكثرة جيشه وتظافر عباد الشهوات على طمس معالم الفضيلة.
علا انف الظلم بحسامه الممشوق، وهو يقول ((لا والله ! لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا اقر لكم اقرار العبيد)) وكيف يعطي يده صاغراً ؟!.. وقد ابى الله الا وان يضع تاج العزة على مفرقه حين قال: {العزة لله ولرسوله وللمؤمنين} ومنح ضميره الطاهر الحرية في حدود الفضيلة.
اتخذ يزيد الرجس دين الله دغلاً وعباده خولاً، حينما جلس على اريكه الملك، وانتهى اليه الصولجان وذلك منتهى الاستهتار بحقوق الانسانية، والضعه التي لحقتها بتولي امور المسلمين من قبل شاب تربى تربية جاهلية واشتغل بلهوه ولعبه واوكل الحقوق العامة الى اغرار ادعياء ونحى عنها الصحابة والتابعين فساموا الامة الضيم، وهذا الأود لا يقومه، والظلام لا يبدده الا بحر من الدماء متلاطم.
لما انتهت الخلافة الى الخليفة الثاني، خطب بعد البيعة ((أعينوني على الحق وان رأيتم في ادداً، فقوموني بسيوفكم)) ولعله ان معالم العدل لو لحقت، يرفع لها مناد بغير السيف، فالسيف سيشفي غله الصادي، ويقتلع الظلم والجور من منابته ويدع جمع الباطل حصيداً، والجور هشيماً.
فلاسلام يريد من المسلم ان لا يقر على الضيم، ولا يخضع لمذلة، بل يطلب ان يقوم الخليفة بالسيف ان رأى فيه ادداً، فكيف اذا اراد ان يرجع بالمسلمين الى الجاهلية الاولى، ووزر ذلك في عنق معاوية لما يعرف من ابنه الركون الى ذلك، فان قوله ((لولا هواي في ابني يزيد لاهتديت الى رشدي)) يعرب لنا عما يعرفه عن ابنه من اتباع الهوى، ومن تبع الهوى لا يصلح لان يكون قائد امة، وامام جماعة.
ومن ينقذ المسلمين من هذه الهوة التي انزلهم بها يزيد ولن ينقذوا الا ببحر من الدماء متلاطم الامواج ؟ .. فلم يكن لذلك الا من كمل ايمانه بالله، فرعى الله في خلقه، ومن هو يا ترى !؟ فهل غير الحسين بن علي (عليه السلام) ؟ كلا !!.. فكانت مأساة رددتها الاجيال، وترددها حتى تمحي الانسانية من لوح الوجود، ترددها كأنها ابنت ساعتها، لانها في سبيل الاصلاح، ونشر لواء العدل في ربوع الضاد، بل في بلاد القرآن.
فمأساة الطف - ايها السادة - دروس وعبر درس في التضحية للاصلاح والاباء والشمم والعزة والانفة وعبرة لمن يتقاعد عن اداء الواجب ويرى من نفسه القدرة لان ياخذ بساعد امته الى حيث العزة والحرية والسعادةو يتقاعد خوفاً من القتل ولم يدر ان في القتل حياة ثانية ترددها الاجيال كما رددت ذكرى مصرع السبط (عليه السلام).
يجب ان نضع بين اعيننا كلمة الامام ((مثلي لا يبايع يزيد لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا اقر لكم اقرار العبيد)) فنحطم اغلال الاستعباد ونخلع نير الذل من اعناقنا ونبادر لانقاذ فلسطين من شذاذ الافاق عباد العجل، فانها لا تنقذ الا ببحر من الدماء متلاطم الامواج والا اذا انتصر الباطل على الحق في الارض المقدسة مهد المسيح (عليه السلام) فلن يذكر لمحمد (صلى الله عليه) اسماً.
قال الامام الصادق (عليه السلام) لفضيل: ((يا فضيل اتجتمعون وتتحدثون ؟.. قال: نعم . فقال الامام: يافضيل احيوا امرنا اما والله !.. اني لاحب تلك المجالس)) وما هو أمركم ؟.. اليس نشر الفضيلة واعلاء شأن العدل والحق، ومطاردة الظلم وقد قال الامام علي (عليه السلام) ((انصر اخاك ظالماً او مظلوماً)) فقيل له وكيف ننصره ظالماً ؟ .. قال (عليه السلام) بكفه عن الظلم.
هذا هو امرهم، فهلا نضحي بانفسنا لدفع الظلامة عن الارض المقدسة فنموت كراماً او نعيش سادة.
إرسال تعليق