الجهاد والتضحية والإباء شاركت فيها الرجال والنساء


بقلم: أحمد عارف الزين / صاحب مجلة العرفان -لبنان

بسم الرحمن الرحيم
{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعـداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعـهده من الله فأستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} القرآن الكريم

لا تحـذرن فما  يقيـك حذار  ****    ان كان حتفك ساقه المقدار

وارى الظنين على الحمام بنفسه  ****        لابـد أن يفنى ويبقى العار

فأقذف بنفسك في المهالك انمـا   ****      خـوف المنيـة ذلة وصغار

ما هاشم إن كنت تسأل  هاشم  ****        بعد الحسيـن ولا نزار نزار

منعت طروق الضيم فيها  غلمة  ****        يسري لواء  العز أنى ساروا

سمة العبيد من الخشوع عليهـم   ****       لله ان ضمتهـم الأسحـار

واذا ترجلت الضحى شهدت لهـم ****        بيض القواضـب انهم احرار

تتمخض القرون والسنون بالحادثات الجسام وعلى رأس كل قرن اذا تصفحت التاريخ بإمعان وتدقيق نرى رجلاً أو رجالاً ومرأة أو نساءً ضربوا المثل الأعلى في التضحية وبذل النفس والنفيس في سبيل احقاق الحق وازهاق الباطل ان الباطل كان زهوقا.

ولئن استعرضنا رجال التاريخ وأبطال العالم ونوابغ الأمم لرأينا بأم العين بل بعين الإنصاف ان هذه الأمة العربية الكريمة كانت في الطليعة بين سائر الأمم وفي مقدمتها قريش- فالهاشميون الأباة الذين ضربوا الرقم القياسي في التضحية والثورة على الظالمين.

هذا قبل الإسلام أما بعده فلهم الشطر الأكبر في هذه الخلال الشريفة فمحمد الرسول وعلي الإمام والحسن الإمام وغيرهم من أهل البيت الطاهر الذين سبقوا الأولين والآخرين في جهادهم وتضحيتهم واستماتتهم في سبيل الأمة والنفع العام لكن ما جرى للحسين وأهل بيته وأنصاره من رجال ونساء لم يسبقهم اليه سابق ولم يلحقهم لعمري وعمر الحق لاحق. فئة قليلة لا تبلغ المئة تقدم على قتال ثلاثين ألفاً غير مبالية بالموت بل تأنس بلقاء الله كما يأنس الطفل الرضيع بثدي أمه ولا تبالي وقعت على الموت أم وقع الموت عليها.

فئة قليلة تغامر هذه المغامرة ولا ترضى بمفارقة سيدها الحسين الذي ضحى بنفسه وبماله وبأهل بيته وبخواص اصحابه وهم صفوة المسلمين بذاك العهد الموبوء عهد بني أمية وفاسقهم يزيد اقدم على هذه التضحية النادرة لينقذ دين جده من الفسقة الخونة السفاكين المخربين ولسان حاله ينشد:

إن كان دين محمد لم يستقم  ****         إلاّ بقتلي يا سيوف خذيني

وكان للحسين قبل هذه التضحية التي قال عنها المسيو ماربين الألماني انها فاقت بكثير صلب المسيح ونحى نحو هذا الفيلسوف الألماني فيلسوف فرنسي وهو الدكتور جوزف وكتب عن السياسة الحسينية بتجرد وانصاف مما لا يسع المقام لنقله- تضحية عظيمة جداً دلت على طيب عنصره ولؤم عنصر يزيد وأبيه فقد حدثنا التاريخ عن قصة ارينب بنت اسحق وقد سماها الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه أبو الشهداء - وهو أحسن ما ألف في واقعة كربلا- زينب وخلاصة قصتها:

انها كانت من أجمل نساء عصرها وقد تزوجها عبد الله بن سلام وكانت وصفت ليزيد على عهد خلافة أبيه معاوية فهام بها أي هيام وبلغ ذلك معاوية فأستدعى زوجها ابن سلام الى الشام ودس له من قال له: إن معاوية يريد أن يزوجك ابنته وكانت مؤامرة وضيعة بين الأب والبنت إذ طلبت من  ابن سلام أن يطلق امرأته ففعل ولما طلب انجاز الوعد ابت كل الإباء ان الذي طلق امرأته وهي أجمل نساء زمانها لا آمن أن يطلقني فعاد الى الكوفة هائماً على وجهه وكان معاوية وجه ابا الدرداء وأبا هريرة الصحابيان المعروفان ليطلبا أرينباً أو زينباً ليزيد فعرجا على الحسين ولما أخبراه الخبر قال لهما اذكراني عندها ولما خيراها بين الحسين ويزيد قالت اختارا لي الأصلح فقال أحدهما لقد رأيت الرسول يقبل فم الحسين وأي سعادة أعظم من أن تضعي فمك على فم قبله الرسول فأختارت حسيناً وجرى العقد وفي الأثناء وصل عبد الله بن سلام فأستأذن الحسين بأن يدخل على أرينب ويطلب منها ماله المودوع عندها فأذن له وسلمته ماله وهو كثير تاماً غير منقوص ودخل الحسين – حسين المروءة والشرف عليهما- وهما يتشاكيان ويتباكيان فقال لأبن سلام هي طالق فعد لأمرأتك والله أني لم أمسها وما فعلت ما فعلت إلاّ لأحفظها لك من الظالمين المغتصبين وكان ساق لها مهرها فعرضت عليه اعادته فأبى كل الأباء وتركه لها وبلغ ذلك معاوية وأبنه يزيد فقاما وقعدا لهول ما جرى وتأصلت العداوة القديمة التي كانت بين هاشم وأمية وبين محمد وأبي سفيان وبلغت حدها الأقصى بين الحسين ويزيد الى أن ولي الخلافة في غفلة بل جنون من الدهر الخؤون فشفى غيظه ابن آكـلة الأكباد وهاتك حرمة مدينة الرسول وضارب الكعبة المشرفة بالمنجنيق –من الحسين حيث فعل تلك الأفاعيل المنكرة شارباً خمرة النصر متمثلاً بكل وقاحة وقحة بأبيات أبن الزبعري:

ليت أشياخـي ببدر شهـدوا  ****        جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلـوا وأستهـلوا  فرحـاً    ****       ثم قـالوا يا يـزيد لاتشـل

لست من خندف ان  لم انتقم    ****        من بني أحمـد ما كان فعـل

قد قتلنا القوم من  ساداتهـم  ****          وعدلناه  ببـدر فـأعتـدل

ولما رأى الرؤوس والسبايا عدو الله أنشد:

لما بدت تلـك الروؤس وأشرقـت  ****        تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت صح أولا تصح   ****        فلقد قضيـت من النبي  ديوني

ومما يلفت النظر ان هذا النصر المزعوم عاد على يزيد وبني أمية بالخزي والعار وعلى الحسين وأهل البيت بالفخر وجميل الذكر وهذا يزيد يشتم ويلعن والحسين يصلى عليه ويسلم وهذا قبر يزيد المجهول يرجم وقبر الحسين المشيد بالفضة والذهب يزار ليل نهار. ومن عجيب أمر واقعة كربلا ويوم عاشوراء ان المرأة ساهمت فيه أكبر مساهمة وكان لها فيه شأن وأي شأن.

قال الطبري: كانت مارية ابنة منقذ العبدية تتشيع وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدثون فيه وهي بصرية وكان ذلك على أثر اجتماع الشيعة بالبصرة وخروجهم لنصرة الحسين (عليه السلام). وطوعة امرأة كوفية أجارت مسلم بن عقيل وخبأته في غرفة داخل بيتها ولكن ابنها وشى به.

وعنفت دهلم بنت عمر زوجها زهير بن القين لأنه تلكأ قليلاً عن إجابة رسول الحسين قائلة له أيبعث اليك ابن رسول الله ولا تأتيه، وسأل وهب بن حباب الكلبي أمه بعدما بالغ في الجهاد بين الحسين قائلاً لها: أرضيت يا أماه..! فأجابته لن أرضى حتى تقتل بين يدي الحسين..! وأخذت أمرأته عموداً لتقاتل به وكذلك فعلت أم عبد الله بن عمير وأم عمر بنت جنادة التي قتل ولدها فأخذت رأسه وضربت به القاتل فقتلته.

وأما ما فعلته زينب وأم كلثوم من الحزم والتدبير وهما سبايا وما القياه من الخطب البليغة المفجعة على الكوفة وما اجابتا به ابن سعد وابن زياد فهو من اعظم ما فعل وابلغ ما قيل:

ولو كان النساء كمثل هذا  ****  لفضلت النساء على الرجال

وبعد فلو لم نؤمر بالحزن لهذا الحادث الجلل لكنا اتخذنا يوم عاشوراء عيداً كما قال ابن طاووس في اللهوف وكما اتخذ النصارى يوم صلب المسيح عيداً:

ونحن وبنو هاشم كما قال الكميت:

بنو هاشـم رهط النبي فإنني    ****       بهم ولهم أرضى مراراً وأغضب

بسطت لهم مني جناح مودة    ****        له كنـف عطفاه أهل ومرحب

أو كما قال أبو تمام:

لكم ذخركم أن النبي ورهطه ****         وصلبهم ذخري اذا التمس الذخر

جعلت هواي الفاطميين بلغه  ****         الى خالقي ما دمت أو دام لي عمر
{قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى}

إرسال تعليق