بقلم: السيد محمد رشيد المرتضى
إن في ثنايا التاريخ العربي
الإسلامي أو بعبارة أشمل التاريخ العالمي ثغرة وثلمة من الزمان خطيرة ليس في وسع
الكتاب البلغاء ان يبلغوا حد خطورتها كما ليس في مقدور الخطباء الفصحاء ان يصفوا
مدى تأثير حادثتها ولكنها في الوقت نفسه حادثة تشع من نوافذها انوار الكمال
الإنساني والخلقي انوار المبادئ السامية والمثل العليا انوار الشمم والأباء
والتضحية العظمى.
تلك هي حادثة يوم عاشوراء التي
استشهد فيها ريحانة رسول الله (عليه السلام) ومن قتل معه من آل وأصحاب وانها لحادثة عظيمة في
معناها وغايتها خليلة فيما خلقت من أجواء تحريرية يجد فيها المتكلمون عزاءهم وسبيل
التعبير عن آرائهم.
لقد اهتز هذا الشهيد اضطراباً
لأنين الشعب المضطهد تحت ارهاق جبابرة ذوي أطماع استبدوا به وأرهقوا ومضوا على
خطتهم في الضغظ عليه وتكميم فاه.
فقام الحسين (عليه السلام) بحملة عنيفة وهب
لثورة عتيدة ثار بعشيرته وصحبه متحملاً كل عبء مرهق هب يقاوم جيوش الطغيان منتصراً
للشعب المهضوم الراسف في القيود ليرد عنه عادية الطغاة المستبدين.
لقد كان قرير العين هادئ البال
وهو يرى نفسه يسام المر حيث يرى صبيته تتلوى من شدة العطش ويرى نساءه يتفجعن بين
يديه ثم يشاهد مصرع فتيانه من آل وأصحاب يتهاوون على وجه الصعيد حتى الرضيع فتارة
يقول (عليه السلام) في طفله:(هون عليَّ ما بك أنه بعين الله) وتارة يقول لشبله (قاتل فاني أرجوا
أنك لا تمسي حتى يسقيك جدك) وتارة يصيح في
بني هاشم:(صبراً يا بني عمومتي صبراً يا آل بيتي فوالله لا رأيتم هواناً بعد هذا
اليوم) وتارة يقول لأصحابه: ( قوموا رحمكم الله الى الموت الذي لابد منه فهذه
السهام رسل القوم اليكم) ولعل هذا الموقف من أروع مواقف بطولته وأقوى مشاهد اقدامه
لأن هذه الفقرة كما قال بعضهم: ((ترسم بكل وضوح نفسية الحسين (عليه السلام) غير هياب ولا وجل
يدعوا اصحابه الى الموت كأنما هو يدعوهم الى مأدبة لذيذة)) ولقد كانت لذيذة عنده
حقاً لأنه وهو ينازل الباطل يرتسم له برهان ربه الذي هو مبدأه ويسمع صوت الله الذي
هو ضميره.
ولذلك كان يرى تلك الفظائع كلها
وهو قرير العين هادئ البال في نشوة من المبادئ الحرة الخالدة التي يدافع عنها
ويتفانا دونها وفي غمرة من المثل العليا التي تشع انوارها الساطعة بين ناظريه لأن
من تسيطر عليه الفكرة السامية وتملك شعوره الأماني العذاب لا يشعر بمريرات العذاب
لا يحس بآلام الحياة وأزمات الأعصاب ولو سجر من حوله الأتون.
وكما قال الأستاذ العلايلي في
الحلقة الثالثة من حياة الحسين عليه السلام) المطبوعة
حديثاً (( إن الحياة الإنسانية الحقيقية هي الفكرة فقط بلا جرم ان نجد المؤمن
بفكرة في الحياة يسعى لنشرها ويكافح من اجلها مهما كلفته لأن فكرته هي تمده
بالحياة أو تجعل لها لوناً يجذبه اليها فإن خرجت الحياة عن قاعدة فكرته التي يؤمن
بها فأما ان يعيش غريباً متألماً وأما أن يخلد مجاهداً.
وكذلك الحسين (عليه السلام) فضل الخلود في
الجهاد على العيش في غربة.
ثم يقول وأما الذي يعيش بدون فكرة
فإنه حيوان ساذج يحيا بالغريزة وحدها وبذلك ينحدر عن مستوى النوع الإنساني.
اذاً فلشهادة الحسين (عليه السلام) عظمتها
البالغة وأهميتها العظمى لأنها تركت تيارات كبيرة في مجر ى التاريخ الإسلامي
العربي وكيفت الوضعية العامة في الشرق الإسلامي بكيفية بقيت طوابعها ملموسة قوية ورائعة
مشعة كما كان ذلك الحدث الخطير مثلاً فذاً خالداً في التضحية والإستماتة في سبيل
المبدأ.
فظل الحسين (عليه السلام) بطلاً انساناً كما ظل
بطلاً دينياً لأنه استشهد في سبيل الدين والأخلاق وضحى من أجل المبادئ والحريات
ولذلك تقيم حادثته العالم وتقعده في كل مكان وزمان من مشارق الأرض الى مغاربها
فيقفون جميعاً واجمين خاشعين اعجاباً وإجلالاً يملأ القلوب واكباراً تفيض به
الأرواح وسيبقى ذلك كذلك على ممر الدهور والأعوام.
أيها الذائد عن شرع الهدى ****
أنت رمـز للمعالي يا حسين
ذكرك السامي سيبقى
خالداً **** أبد الـدهر يهز الـخافقين
إرسال تعليق