بقلم: الشيخ وسام البلداوي
قد حاولت أقلام المؤرخين من أهل السنة قديما وحديثا جعل الشمر بن ذي الجوشن الضبابي لعنه الله وغيره من القتلة الذين اشتركوا في الحرب والسلب والنهب في يوم عاشوراء الرهيب، في مصاف الشيعة والموالين لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، وبذلوا في سبيل إثبات ذلك الغالي والنفيس، فحرفت من أجل ذلك النصوص التاريخية، وزورت الأدلة الاثباتية، وتواطأ على الكذب الرواة، وألّفت الكتب وطبعت ووزعت بأعداد خيالية، وفعلت الدول المستفيدة من تثبيت هذه الفرية المستحيل، كل ذلك وغيره جاء ضمن محاولة فاشلة لإقناع الرأي العام بأن الشيعة هم الذين قتلوا أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأن أشياع وأتباع وأولياء المذاهب الأخرى هم بعيدون كل البعد عن المشاركة في حرب الحسين صلوات الله وسلامه عليه وقتله وسبي حريمه، ومواقع النواصب من السلفية اليوم مليئة بالكتب والمقالات المأجورة التي تصور الشيعة بأنهم اناس سفاكون للدماء قتلوا أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قديما وهم الآن يبكون على فعلتهم لا على فقدهم لأئمتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والحق ان الشيعة كانوا ولا يزالون بعيدين كل البعد عن الولوغ والمشاركة في دماء أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وان دماء أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين سفكت بسيوف اتباع الامويين والعباسيين، والذين قد وثّقهم علماء أهل السنة، كعمر بن سعد لعنه الله الذي سبق ذكر توثيقهم إيّاه في الفقرة السابقة من الزيارة.
والشمر بن ذي الجوشن كان احد الذين بذل خصوم الشيعة الغالي والنفيس في سبيل إثبات كونه من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، فتشبثوا بالطحالب، واعتمدوا على المغالطات، فتارة ينسبونه الى التشيع لأنه من أهل الكوفة، لاعتقادهم الفاسد بأن جميع أهل الكوفة كانوا شيعة، وتارة أخرى يستدلون على تشيعه لعنه الله بأنه كان مع الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في حرب صفين، وكل من كان مع أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في جيشه فهو من شيعته، وغير ذلك من السفاسف التي يحسبون أنها أدلة، لكنها إذا ما نوقشت ومحصت كانت ((كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا))[1].
ومسألة كون قتلة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه ومنهم الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله لا يمكن فصل القول بها ما لم نتعرف على الجذور الأصلية لمصطلح الـ(شيعي)، لنرى هل ينطبق هذا الوصف على قتلة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه أو لا ينطبق، وهذا ما سنعرف حقيقته فيما يأتي من الكلام.
قال أبو الحسن الأشعري الذي إليه يرجع أتباع المذاهب السنية الأربعة في عقائدهم: (وإنما قيل لهم الشيعة؛ لأنهم شايعوا علياً رضوان الله عليه ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)[2].
وقال الشهرستاني: (الشيعة هم الذين شايعوا عليا رضي الله عنه على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصية إما جليا وإما خفيا واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم بل هي قضية أصولية وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم الصلاة والسلام إغفاله وإهماله ولا تفويضه إلى العامة ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوبا عن الكبائر والصغائر والقول بالتولي والتبرؤ قولا وفعلا وعقدا إلا في حال التقية)[3].
وقال ابن حزم الظاهري: (ومن وافق الشيعة في أن عليا رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيا)[4].
إذن فأصل إطلاق لفظ الشيعة عند أهل السنة كان على كل من شايع عليا وقدمه على سائر الصحابة، ويعتقدون بلزوم وجود النص على إمامة من يستخلف بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لان الإمامة ليست قضية مصلحية تناط باختيار العامة، ويعتقدون أيضا أن الإمامة لا تخرج عن أولاد أمير المؤمنين علي صلوات الله وسلامه عليه إلا بغصب غاصب، ويعتقدون بعصمة الأنبياء والأئمة من كل ذنب كبيرا كان أو صغيرا، ويتولون أولياء علي والأئمة والأنبياء والرسل الذين هم أولياء الله ويتبرؤون من أعدائهم أعداء الله. وان جميع من يعتقد بهذا الاعتقاد هو شيعي وكل من لا يشاركهم هذا الاعتقاد فهو ليس شيعيا كما سبق من قول ابن حزم الظاهري.
وهو نفس ما عليه الشيعة الإمامية، فقد قال الشيخ المفيد في باب الفرق بين الإمامية وغيرهم من الشيعة وسائر أصحاب المقالات ما يأتي: (فأما السمة للمذهب بالإمامة ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو عَلَمٌ على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام، ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي)[5].
ونحن نتحدى من يأتينا بدليل يدل على أن الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله كان ممن يقدم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه على سائر الصحابة، ويعتقد بضرورة وجود نص على إمامته، وانه كان يعتقد بوجوب أن لا تخرج عن أولاده صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومنهم الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وانه كان يعتقد بأن الإمام معصوم من كل صغيرة وكبيرة، وانه كان يتبرأ من أعدائهم ويوالي أولياءهم، فإذا ما جاؤونا بمثل هذا الدليل ــ ولن يستطيعوا ذلك ــ آمنا حينئذ بأن الشمر لعنه الله كان شيعيا، أما لو لم يأتونا بمثل هذا الدليل فسيثبت حينئذ العكس، وسيكون معلوما عند الجميع إن الشمر ان لم يكن شيعيا فسيكون حينئذ سنيا، وسيثبت عكس ما أراده أعداء الشيعة، وسيصبح لأهل السنة دور هام في قتل الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وأحداث عاشوراء الأليمة، فننصح المسلمين من باقي المذاهب الأخرى لا سيما السلفية منهم بعدم إثارة هذه المواضيع على شبكات الانترنت أو في الكتب والمقالات لأنها ستضرهم أكثر مما تنفعهم.
والطبري يعترف بأن الشمر بن ذي الجوشن كان معروفا عند معاوية بن أبي سفيان بالصدق والاستقامة، وكان من ضمن من شهد على حجر بن عدي 5 صاحب أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، وقد روى الطبري خبر شهادته لعنه الله بأمر من زياد بن أبيه بقوله: (هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة ولعن الخليفة ودعا إلى الحرب والفتنة وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء فقال زياد على مثل هذه الشهادة فاشهدوا أما والله لأجهدن على قطع خيط عنق الخائن الأحمق فشهد رؤوس الأرباع على مثل شهادته وكانوا أربعة ثم إن زيادا دعا الناس فقال اشهدوا على مثل شهادة رؤوس الأرباع...فقال زياد ابدأوا بأسامي قريش ثم اكتبوا اسم عناق في الشهود ومن نعرفه ويعرفه أمير المؤمنين بالنصيحة والاستقامة فشهد إسحاق بن طلحة بن عبيد الله وموسى بن طلحة... وشمر بن ذي الجوشن العامري وشداد ومروان)[6].
وسيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه يناديهم يوم عاشوراء والشمر من ضمنهم بقوله: (يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم...)[7]وهو صريح في كون الشمر وجميع من حضر جيش الكفر والإلحاد كانوا شيعة لآل أمية، وعدم اعتراضهم على هذا الوصف دليل قبولهم وإقرارهم به.
ــــــــــــــــــ
[1] سورة النور الآية رقم 39.
[2] مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري ج1 باب مقالات التشيع ص2.
[3] الملل والنحل للشهرستاني ج1 الفصل السادس الشيعة ص145.
[4] الفصل في الملل والأهواء والنحل لعلي بن احمد بن حزم الظاهري ج2 ص90.
[5] أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 38 باب الفرق بين الإمامية وغيرهم من الشيعة وسائر أصحاب المقالات.
[6] تاريخ الطبري ج 4 ص 200 ــ 201.
[7] بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج45 ص51 في أن الحسين عليه السلام تقدم إلى القتال.
إرسال تعليق