بقلم: الشيخ وسام برهان البلداوي
أخبرنا أبو القاسم الشحامي أنا أبو بكر البيهقي أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن علي البيهقي صاحب المدرسة بنيسابور أنا أبو حفص عمر بن أحمد بن محمد القرميسيني نا[1] أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي نا محمد بن حميد الرازي نا سلمة بن الفضل نا عمرو بن أبي قيس عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال: (كانت الخثعمية تحت الحسن بن علي فلما أن قتل علي وبويع الحسن بن علي دخل عليها الحسن بن علي فقالت له ليهنئك الخلافة فقال الحسن أظهرت الشماتة بقتل علي أنت طالق ثلاثا فتلفعت في ثوبها وقالت والله ما أردت هذا فمكث حتى انقضت عدتها وتحولت فبعث إليها الحسن بن علي ببقية من صداقها وبمتعة عشرين ألف درهم فلما جاءها الرسول ورأت المال قالت متاع قليل من حبيب مفارق. فأخبر الرسول الحسن بن علي فبكى وقال لولا أني سمعت أبي يحدث عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال من طلق امرأته ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره لراجعتها)[2].
وهذه الرواية ساقطة عن الاعتبار لعدة وجوه منها:
الوجه الأول: سند الرواية ضعيف لا يحتج به
في سند هذه الرواية مجموعة من الضعفاء والمجاهيل اخترنا منهم على سبيل المثال كل من:
1: أبو القاسم الشحامي
قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: (زاهر بن طاهر. أبو القاسم الشحامي. مسند بنيسابور، صحيح السماع، لكنه يخل بالصلاة، فترك الرواية عنه غير واحد من الحفاظ تورعا)[3].
وذكر ابن حجر في لسان الميزان نفس ما ذكره الذهبي وزاد عليه ما يلي: (عن السمعاني انه كان يرحل إلى البلاد يسمع عليه كما يرحل الطالب ليسمع ولما أراد الرحيل إلى أصبهان قال لي أخوه قد كنت أمرته أن لا يخرج إلى أصبهان فإنه يفتضح عنه أهلها بإخلاله بالصلاة فأبى ووقع الأمر كما قال أخوه فشنعوا عليه وترك كثير منهم الرواية عنه إلى أن قال ولعله تاب ورجع عن ذلك في آخر عمره، مات سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة عن بضع وثمانين سنة)[4].
2: أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي
قال عنه البخاري: (محمد بن حميد أبو عبد الله الرازي سمع يعقوب القمي وجريرا، فيه نظر مات سنة ثمان وأربعين ومائتين )[5].
وقال عنه الذهبي: (محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي الرازي المحدث الجوال... ضعفه أبو أحمد الحاكم... وقال الدارقطني: متروك. قلت: عمر إلى سنة ثلاث عشرة ومائة سنة )[6].
وقال ابن حبان: (محمد بن حميد الرازي: كنيته أبو عبد الله. يروى عن ابن المبارك وجرير حدثنا عنه شيوخنا، مات سنة ثمان وأربعين ومائتين، كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات ولا سيما إذا حدث عن شيوخ بلده)[7].
3: سلمة بن الفضل
قال عنه البخاري:(سلمة بن الفضل أبو عبد الله الأبرش الرازي الأنصاري، سمع محمد بن إسحاق، روى عنه عبد الله بن محمد الجعفي، عنده مناكير، يقال مولاهم، مات بعد التسعين، وهنه علي)[8].
وقال البخاري أيضا في كتابه الضعفاء الصغير: (سلمة بن الفضل بن الأبرش قاضي الري سمع محمد بن إسحاق روى عنه عبد الله بن عمر بن أبان ومحمد بن حميد ولكن عنده مناكير وفيه نظر)[9].
وقال ابن حبان: (سلمة بن الفضل الأبرش صاحب ابن إسحاق قال ابن عدي: ضعفه ابن راهويه وقال: في حديثه بعض المناكير)[10].
وقال الذهبي: (وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال أبو زرعة: كان أهل الري لا يرغبون فيه لسوء رأيه وظلم فيه)[11].
وسند فيه كل هؤلاء الضعفاء وأهل المناكير والظلم لا يمكن أن يعتد به ويركن إليه، فالرواية هذه ساقطة عن الحجية لضعف سندها.
الوجه الثاني: هل طلاق الثلاث من السنة أم البدعة؟
اجمع المسلمون على إن طلاق الثلاث لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا في عهد أبي بكر بن أبي قحافة ولا في بداية فترة حكومة عمر بن الخطاب، وإنما استحدث في زمن متأخر من حكومة عمر، وكان ابن عباس يصرح بهذه الحقيقة ويقول كما رواه مسلم في صحيحه وغيره: (كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: أن الناس قد استعجلوا في أمر قد كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم)[12].
وقد طلق بعض الصحابة في زمن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم زوجته ثلاث مرات في مجلس واحد إما نسيانا منه أو تعمدا للخلاف، فتصدى له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحزم وقوة واظهر سخطه وامتعاضه الشديد من هذه البدعة والمخالفة الصريحة للتوجيهات الشرعية التي كانت سارية في المجتمع،فعن النسائي في سننه قال اخبرنا سليمان بن داود ن ابن وهب قال اخبرني مخرمة عن أبيه قال سمعت محمود بن لبيد قال اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا،فقام ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ غضبانا ثم قال أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل وقال يا رسول الله ألا اقتله)[13].
وعن ابن عباس قال: (طلق ركانة بن عبد يزيد اخو بني مطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا قال فسأله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف طلقتها قال طلقتها ثلاثا قال في مجلس واحد قال نعم قال فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت قال فأرجعها)[14]،وقال احمد بن حنبل بعد هذا الحديث مباشرة: (فكان ابن عباس يرى إنما الطلاق عند كل طهر)[15] وهو عجيب منه ألا ينظر بأم عينيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي يرى ذلك وليس ابن عباس، ولكنه يريد أن يدلس على القارئ ويصور له ان حقيقة تغيير عمر بن الخطاب لهذا الحكم لم تكن فيها مواجه لحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومخالفة صريحة لأوامره وإنما كانت مخالفة لرأي ابن عباس، ومخالفة ابن عباس لا ضرر فيها ولا محذور.
وبعد هذه الأحاديث وغيرها لا نجد صعوبة في الحكم على طلاق الثلاثة في مجلس واحد بأنه طلاق بدعة وفقا لأقوال علماء العامة في تعريف طلاق البدعة، فقد عرفه عبد الرحمن بن قدامة بقوله: (الطلاق المحظور وهو طلاق الحائض أو في طهر أصابها فيه وقد أجمع العلماء في جميع الأمصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله ورسوله)[16].
ومن هذا الكلام نفهم ان كل طلاق فيه مخالفة للسنة النبوية فهو طلاق بدعة وكذلك يحكم بالبدعة على كل طلاق فيه ترك لأمر الله ورسوله، وقد اتضح لنا سابقا ان طلاق الثلاث في مجلس واحد في طهر واحد هو مما يغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومما حكم عليه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بأنه لعب بكتاب الله سبحانه وقد يخرج صاحبه عن ساحة الإيمان ويدخله في ساحة الكفر والضلالة وهو ما فهمه ذلك الصحابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يا رسول الله ألا اقتله، فلا ريب حينئذ بشمول طلاق الثلاث بهذا العنوان.
وقد حكم جملة من فقهاء العامة على مثل هذا الطلاق بأنه طلاق بدعة ومعصية قال السمرقندي في تحفة الفقهاء: (وأما طلاق البدعة في العدد: فأن يطلقها ثلاثا، بكلمة واحدة)[17]، ويقول أبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع: (وأما الألفاظ التي يقع بها طلاق البدعة فنحو أن يقول أنت طالق للبدعة أو أنت طالق طلاق البدعة أو طلاق الجور أو طلاق المعصية أو طلاق الشيطان فان نوى ثلاثا فهو ثلاث لان إيقاع الثلاث في طهر واحد لا جماع فيه والواحدة في طهر جامعها فيه بدعة)[18].
ومع ان القوم قد حكموا على هكذا طلاق الثلاث بالبدعة وجعلوه مرادفا لطلاق الشيطان وطلاق الجور وطلاق المعصية إلا أنهم حكموا عليه بالصحة والوقوع والإلزام.
قال أبو بكر الكاشاني: (وأما حكم طلاق البدعة فهو انه واقع عند عامة العلماء وقال بعض الناس انه لا يقع وهو مذهب الشيعة أيضا)[19].
ومثل هكذا طلاق لا يمكن أن يصدر عن الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه لان فيه إغضابا لله سبحانه ولرسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ومخالفة قطعية للقران الكريم.
وهذا ما لم يعهد من الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه تجاه الله سبحانه ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وقرآنه، فلم ينقل لنا التاريخ ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه وخلال سني تواجده مع النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد تصرف تصرفا يغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وكذلك حاله صلوات الله وسلامه عليه بعد وفاة جده صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك لم ينقل لنا التاريخ ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه قد ارتكب مخالفة صريحة للقران الكريم خلال فترة حياته المليئة بالمصاعب والأزمات، وكيف يخالف القران وهو عدله والذي وصفه النبي هو وأهل بيته بأنهم لن يفترقوا عن القرآن حتى يردوا الحوض.
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] هكذا في الاصل وهي اختصار لكلمة حدثنا.
[2] السنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 257 باب المتعة، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج13 ص250، سير أعلام النبلاء للذهبي ج 3 ص 262، ترجمة الإمام الحسن لابن عساكر ص154.
[3] ميزان الاعتدال للذهبي ج 2 ص 64.
[4] لسان الميزان لابن حجر ج 2 ص 470.
[5] التاريخ الكبير للبخاري ج 1 ص 69.
[6] ميزان الاعتدال للذهبي ج 3 ص 448.
[7] كتاب المجروحين لابن حبان ج 2 ص 303.
[8] التاريخ الكبير للبخاري ج 4 ص 84.
[9] الضعفاء الصغير للبخاري ص 57.
[10] كتاب المجروحين لابن حبان ج 1 ص 337.
[11] ميزان الاعتدال للذهبي ج 2 ص 192.
[12] صحيح مسلم ج4 ص183 باب طلاق الثلاثة،وراجع أيضا مسند احمد بن حنبل ج1 ص314 مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه.
[13] سنن النسائي ج6 ص142 الطلاق لغير العدة، وراجع الدر المنثور للسيوطي ج1 ص283 ذكر القول الرابع في تفسير قوله تعالى نساؤكم حرث لكم.
[14] مسند احمد بن حنبل ج2 ص265 مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه.
[15] المصدر السابق.
[16] الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامه ج 8 ص 234 ـــ 235.
[17] تحفة الفقهاء للسمرقندي ج 2 ص 171.
[18] بدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني ج 3 ص 96.
[19] المصدر السابق.
إرسال تعليق