بقلم: الشيخ محمد رضا الحساني
قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ((إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنـزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون)).
لا شك وأن يوم الحسين بكربلاء هو من الأيام العظيمة، وموقفه بين جحافل الأعداء هو من أشرف المواقف، وقوله لأصحابه ليلة العاشر من المحرم (أصحابي من أراد منكم النجاة فليسر في جنح الظلام) ثم ردهم عليه أنا لا نفارقك أو نذوق الموت معك أعزاء مكرمين هو من أفضل الأقوال.
وليس من رأي أن يكون يوم الطف يوم بكاء وعويل بل كان يجب أن يجعل يوم هناء وسرور لأنه يوم أعز الله فيه الإسلام وأعلى كلمة الحق ونصر فيه الأيمان فهو كيوم بعث فيه الإسلام.
ولولا هجوم أوغاد بني أمية على حرم الرسول وانتهاكهم لآل بيت المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وسبي بناته وأطفاله وانتزاعهم الحلي والملاحف وحرقهم الخيام ثم قطعهم رؤوس الشهداء بعد التمثيل بها والدوران بالرؤوس والسبايا من بلد إلى بلد وكلها أدلة شاهدة على عظم ذلك اليوم وعظم الحادثة التي وقعت فيه وعظم تلك النفس التي كانت بين جنبي أبي عبد الله الحسين ولكان ذلك اليوم من الأيام الغرر ولا شك أن النفوس العظيمة إنما هي للعظماء والأعمال العظيمة لا يقوم بها إلا العظماء، وبمقدار عظمة الموقف تراق الدماء وتزهق الأرواح ولا بد للحياة الحرة من شهداء، كما ولا بد في بناء كيان الأمم من دماء تراق ما دام هنالك ظلم وجبروت وطغيان.
لقد ظهر الإسلام في بلاد العرب والعرب مغمورون في ظلمات بعضها فوق بعض.
1-ظلمة الجهل.
2-ظلمة الفقر.
3-ظلمة التفرقة.
4-ظلمة عبادة الأوثان.
5-ظلمة الذلة والمسكنة.
يتناصرون ويتقاتلون وينهب بعضهم بعضاً لأسباب تافهة وأمور بسيطة ولم يكن يميز أحدهم بين ما له وما عليه ولا ما بين الحق والواجب ولم يكن لهم من يحرص على مصالحهم فلما ظهر الإسلام وأنار لهم السبيل وسن لهم الأنظمة والقوانين.
أ-فبدد ظلمات الجهل بالعلم والعمل.
ب-وأزال ظلمات الفقر بتشجيع الكسب والتجارة والبيع والشراء.
جـ-ومحي ظلمات التفرقة بتوحيد صفوفهم فالمعبود واحد والقبلة واحدة واللغة واحدة في وطن واحد.
د-نحّى ظلمة عبادة الأوثان لأنها تضر ولا تسمع ولا تسمن ولا تغني من جوع.
هـ-وأباد عنهم ظلمة الذلة والمسكنة بإعلاء كلمة الله وتقديسها فوق كل نفس طاغية، وأكرم الناس أتقاهم في ذات الله وأخلصهم في طاعته.
((ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)).
صبيحة اليوم الثالث من شعبان لثلاث سنوات خلت من الهجرة النبوية ولد (الحسين بن علي) من أبوين عظيمين هما علي وفاطمة وهو ثاني السبطين وسيد شباب أهل الجنة وريحانة المصطفى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فقد غرس أبو السبطين نبتة طابت وطهرت ونمت وأنبتت إنسانية فذة وكانت كشجرة نامية أصلها ثابت وفرعها في السماء في منـزل سما وهيكل قدسي علا فكان ناموساً نامياً على صفحات الأبدية، وساعة ولد الحسين أخذه رسول الله، فأذن في أذنه اليمنى وكبر في أذنه اليسرى وهو نداء الروح للروح.
وتلك سنة الله في العظماء ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
ونشأ الحسين من أب هو علي بن أبي طالب أكثر الناس علماً.
وأشدهم في ذات الله.
وأوفرهم نصيباً في الفتح والانتصارات.
وأصبرهم على مضض الدواهي.
ومن أم وهي سيدة نساء العالمين وأوفرهن علماً وعملاً، وزهادة والأم مدرسة إذا أعددتها وفي حضن رسول الله قد غذي بلبان الإيمان وطفحت عليه شمس الهداية الإسلامية تمارسه الإنسانية وتحيط بسياج من العظمة النادرة المثال وفي بيت هو الهيكل الأقدس عاش الحسين ترعاه عناية الله.
فسلام عليه يوم ولد.
وسلام عليه يوم نشأ.
وسلام عليه يوم تمثلت فيه الإنسانية الكاملة، ونحسب أنه جرم صغير ولكنه العالم الأكبر ويوم مات عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك فيه إنسانية كاملة رفيعة على الشكل الذي وضع الله تصحيحه في القرآن وذلك مما نطق به صاحب الرسالة الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول (حسين مني وأنا من حسين).
ورزّي الحسين بوفاة أمه فاطمة وهي صدمة شديدة قلما يتحملها فتى قد تربى تربيته عز وكمال، وكانت أمه فاطمة (قد أتمت في نفسه فكرة الخير والحب المطلق والواجب ومددت في جوانحه وخوالجه أفكار الفضائل العليا بأن وجهت المبادئ الأدبية في طبيعية الوليدة من أن تكون هي نقطة دائرتها إلى الله الذي هو فكرة يشترك فيها الجميع) فكان عزيز عليه مفارقتها مهما كان له من أخوان وأخوات يحيطونه بالرعاية والدراية.
صباح يوم الخميس ثاني شهر محرم الحرام لإحدى وستين سنة مضت من الهجرة النبوية نزل الحسين بن علي عليه السلام) أرض كربلاء فلما وصلها قال:
(ما اسم هذه الأرض)؟
فقيل كربلاء!
فقال:
(اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء) ثم أقبل على أصحابه فقال متمثلاً قول أبيه (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحيطونه ما دارت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون).
ثم قال (أهذه كربلاء)؟
قالوا نعم يا بن رسول الله.
قال: (هذا موضع كرب وبلاء انزلوا ها هنا مناخ ركابنا، ومحط رحالنا ومقتل رجالنا، ومسفك دمائنا) فنـزلوا فيها جميعاً.
(وازن الحسين، بين الرغبة والبقاء وبين الواجب فرأى طريق الواجب أفسح الطريقين وأرضاهما عند الله والناس).
وفي العاشر من محرم عند الظهيرة قضى أبو عبد الله في حومة الجهاد يحمل راية النبي ويرتدي درع النبي ويلبس عمامة النبي ويجاهد بسيف النبي في ظهيرة يوم عاشوراء المحرم قتل أبو عبد الله هو وأصحابه وأهل بيته وأولاده ولم يثنِ عزمه قلة العدد وعدم المدد عن المضي إلى الموت قدماً ففاز بالشهادة وباء أعداؤه بالخزي والشنار إلى يوم الدين وبذلك سجل الحسين الإباء والشمم والإقدام والتضحية والدين فمضى مثلاً صالحاً ومضى أعداؤه بأقبح وأحط الأمثال وأقام هو للدين منابراً وللشرف عماداً وللإباء تمثالاً، للتضحية علماً وللجلد والصبر جبلاً وللدين نبراساً وللتمسك بالحق عنواناً، ((أطل من عليا مكة التي رمز السماء في الأرض وينبوع المثل في الإسلام إلى الحياة الجديدة التي تجيش في الشهوات وفي زوبعة يدور رحاها داعية في الجانب الآخر لا تطلع فيه الشمس فرأى اكفهراراً ورأى تجهماً استفزاه)).
((مشى إلى الفوز أو إلى الموت والموت نصر سلبي في الجهاد، فمن جاهد ومات فقد طرح أهاب الأرض ليلبس حلة السماء حلة الخلود الضافية)).
سار بقلته المؤمنة، وثبت في معركة الحق والباطل وجعل بين ناظريه برهان وبه سقط الإمام صريعاً بعد كفاح رهيب وبعد أن أرسل كلمة الحق في العراق.
هذه الكلمة التي طوفت بالهياكل وعادت بنشيد الشهداء (دم جرى في التراب لينبت أشواكاً في أعين الظلم والظالمين).
ولما عرضت عليه البيعة بذلة أو الموت والقتال على ما هو عليه من الأهل والعيال والأطفال، قال:
((هيهات منا الذلة يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية ألا ترون أن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه فلا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما)).
فسلام عليك أبا عبد الله يوم ولدت.
وسلام عليك يوم قتلت.
وسلام عليك يوم تبعث حيا.
لقد علمتنا كيف نعتنق المبادئ وكيف نحرسها.
وعلمتنا كيف نقدس العقيدة وكيف ندافع عنها.
وعلمتنا كيف تموت كما علمتنا كيف نحيى كراماً بها.
رسمت لنا طريق الخلود الأبدي من طريقها.
فسلام عليك يوم ولدت.
وسلام عليك يوم نشأت.
وسلام عليك يوم قتلت. وسلام عليك يوم تبعث حيا.
ورحمة الله وبركاته.
إرسال تعليق