بقلم: د. علي حسين يوسف
تحتل الخاتمة في الشعر الذي تشرَّف برثاء الإمام الحسين (عليه السلام) أهميَّة كبيرة، لأنها أكثر أجزاء المرثيَّة تعبيراً عن فلسفة الشاعر ورؤيته الذاتيَّة، الكاشفة عن علاقته بأهل البيت، والحسين خاصَّة[1]، ويبدو ذلك واضحاً في مراثي الإمام الحسين (عليه السلام) في النصف الأول من القرن العشرين، فلطالما كانت تلك الخواتيم تعبر عن مطلب ما، كطلب الشفاعة[2]، أو التوسل[3]، أو الشكوى[4]، أو استنهاض الإمام المهدي[5] (عليه السلام)، الأمر الذي يسمح بالقول: إنَّ الخاتمة في المرثيَّة الحسينيَّة تعبر بامتياز عن صوت الشاعر[6]، فضلاً عن كونها تحمل أبعاداً عقائديَّة تتمثَّل في إيمان الشعراء بمنزلة الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، ووجاهتهم عند الله بوصفهم وسائل ناجعة للشفاعة، والخلاص الدنيوي والأخروي، وهو الهدف الذي طالما ترجمه الشعراء في الخاتمة، يقول السيد مهدي الطالقاني مستنهضاً الإمام المهدي في خاتمة إحدى مراثيه الحسينيَّة[7]: (من الكامل)
قمْ جرد السيف اليمان وصلْ به *** فالسيف يخشى وقعُه إن جُرِّدا
يرضيك يا مولى البريَّة انَّنا *** نقضي أسىً ولَهاً ليومك رصَّدا
فاعطف بطلعتك التي نطفي بها *** غلل الصدى غوثاً فقد طال المدى
صلى الإله على رفيع مقامكم *** ما ناح في الأيك الحمام وغرّدا
فقد جمع الشاعر بين استنهاض الإمام المهدي، والصلاة على أهل البيت في إشارة إلى تلازم هذين المطلبين، بوصفهما يؤديان إلى نتيجة واحدة تتمثَّل في إحقاق الحق، وإفشاء السلام في ظل دولة المهدي (عليه السلام).
ومما يجب الالتفات إليه – فضلاً عمّا تقدَّم – ظاهرة التفجع[8]، التي طالما كانت موضوعاً لخواتيم المراثي في هذه الحقبة، وقد أخذت أكثر من اتجاه، أكثرها حضوراً التفجع على نساء الحسين (عليه السلام)، ولاسيما السيدة زينب[9]، ويمكن تفسير ذلك بأنه محاكاة لطبيعة الأحداث التي جرت في كربلاء، وانتهت بسوق نساء الحسين (عليه السلام) سبايا في مشهد مؤثر، كان بمنزلة المنبع الثر لصور الشعراء في خواتيم مراثيهم، ونهاية خيط الحزن الواصل بين أجزاء المرثيَّة، يقول علي البازي[10]: (من البسيط)
والفاطميات فرَّت من مخيمها *** لما أصات ابن سعد أحرقوا الخيما
فأبصرت جسمه فوق الثرى قطعاً *** ورأسه فوق رأس السمهري سما
..............
نادته بنت علي يا ابن فاطمةٍ *** يا ليت عيني أصيبت قبل ذا بعمى
ولا أراك على الرمضاء منعفراً *** ومنك صدر الهدى بالخيل قد هشما
وليت عينيك ترنو حال نسوتكم *** لما على خدرها جيش العدى هجما
وسيَّروها على الأقتاب حاسرة *** بين العدى وأبوها حيدر شتما
ولم تجد كافلاً غير العليل لها *** بعد الحماة ولا ملجأ ومعتصما
وقد أفرد عدد من الشعراء خواتيم مراثيهم للسلام على أهل البيت (عليهم السلام) والحسين خاصة في إشارة إلى رغبتهم بأن يحل السلم والأمان بين الناس لكي تتحقق العدالة الإلهيَّة، فضلاً عن انَّ هؤلاء الشعراء قد تأدبوا بآداب القرآن والسنَّة التي تضع للسلام قيمة جوهريَّة في تحقيق شرائع الله، يقول السيد جواد الهندي في خاتمة إحدى مراثيه[11]: (من الطويل)
آبائي الأشراف هاكم قصيدةً *** جواديَّة أبياتها درر غرُّ
............
وإني لأرجو أن تكونوا ذخيرتي *** وملجئي إن قام القيامة والحشرُ
عليكم سلام الله ما دامت السما *** وما أشرقت شمس وما طلع البدرُ
ومما هو قريب من هذا المعنى، قول عباس أبي الطوس[12]: (من الخفيف)
فعلى قبرك المَشيد سلامٌ *** وسلامٌ عليك يا ابن الأسودِ
ـــــــــــــــــ
[1] ينظر: مراثي الإمام الحسين في العصر الأموي (رسالة ماجستير): 32.
[2] ينظر: منتقى الدرر في النبي وآله الغرر: 1 / 17، 20، وديوان الحاج يعقوب الحاج جعفر الحلي: 34، 38، 41، 75، 77، 101، 144، 145، وديوان الشيخ هادي الكربلائي: 40، وديوان الربيعي: 1 / 131، 144، وديوان الشيخ كاظم آل نوح: 2 / 379، وديوان أبي الحب: 120.
[3] ينظر: ديوان الحاج يعقوب الحاج جعفر الحلي: 59، وديوان الناصري: 2 / 144، وديوان الياسري: 18، وديوان الشيخ عبد الغني الحر: 107.
[4] ينظر: خير الزاد ليوم المعاد: 14، 26.
[5] ينظر: القصائد البهيَّة في النصائح المهدوية (مخطوط): 5، والذخائر: 36.
[6] ينظر: شعر رثاء الإمام الحسين في العراق (رسالة ماجستير): 30.
[7] ديوان السيد مهدي الطالقاني: 81.
[8] ينظر: ديوان الحويزي: 2 / 95، 97، 100، 103، 107، ومنتقى الدرر في النبي وآله الغرر: 2 / 61، والديوان: 2 / 163، وديوان يعقوب الحاج جعفر الحلي: 67، ومن وحي الزمن: 194، وأزهار الريف: 56، والأنواء: 171، 173، والقصائد البهية في النصائح المهدوية (مخطوط): 8.
[9] ينظر: ديوان الربيعي: 1 / 114، 116، وديوان الشيخ كاظم آل نوح: 1 / 174، 2 / 282، 453، 3 / 591، 681، وديوان السيد رضا الموسوي الهندي: 41، وديوان أبي المحاسن الكربلائي: 18، 47.
[10] يوم الحسين: 80 – 81.
[11] ديوان السيد جواد الهندي (مخطوط): 6.
[12] المجموعة الشعرية الكاملة (مخطوط): 318.
إرسال تعليق