بقلم: الشيخ وسام البلداوي
اتفقت كلمة المؤرخين على أن اسمه هو «شِمْر» وانه كان يكنى بأبي السابغة الضبابي، ولكنهم اختلفوا في اسم أبيه وبقية آبائه، قال ابن سعد في الطبقات وهو يتحدث عن أبيه:
(ذو الجوشن الضبابي قال: قال هشام بن محمد بن السائب الكلبي اسمه شرحبيل بن الأعور بن عمرو بن معاوية وهو الضباب بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وكان شمر يكنى أبا السابغة)[1].
ويقال إن أباه كان صحابيا وهو لعنه الله من التابعين، وبهذا صرح ابن عساكر في تاريخ دمشق حيث قال: (شمر بن ذي الجوشن واسم ذي الجوشن شرحبيل ويقال عثمان بن نوفل ويقال أوس بن الأعور أبو السابغة العامري ثم الضبابي حي من بني كلاب كانت لأبيه صحبة وهو تابعي)[2].
وقال في موضع آخر: (ذو الجوشن الكلابي ثم الضبابي واسمه أوس بن الأعور بن عمرو بن معاوية بن كلاب يعني ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة وولد عمرو بن معاوية يقال لهم الضباب لأن أحد عمرو بن معاوية يقال له ضب فنسبوا إلى ذلك)[3].
وقال أيضا: (قال عبد الله بن المبارك عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق قال ذو الجوشن اسمه شرحبيل وإنما سمي ذو الجوشن من أجل أن صدره كان ناتئا)[4].
ومهما اختلفت الأسماء فان المراد من عبارة الزيارة شخص واحد معروف ومشهور، لعنه الله واخزاه واعد له نار جهنم خالدا فيها أبدا.
المبحث الثالث: شمر بن ذي الجوشن أموي الهوى خارجي الفعل
اقترن اسم الشمر لعنه الله بيوم عاشوراء، حيث يكفي في سماع اسمه المشؤوم، أن يتبادر إلى الذهن ذبحه للإمام السبط الشهيد صلوات الله وسلامه عليه، فكانت أفعاله الدنيئة يوم العاشر من المحرم هي التي شكلت صورته المقززة القبيحة في نفوس الناس، لذلك لم يعرف الكثير من الناس ان لشمر بن ذي الجوشن موبقات سبقت يوم العاشر من المحرم، وان له جذوراً قديمة شاهدة على انحرافه، ودالة على نصبه العداء لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وانه ليس كما يتصور البعض مجهولا ظهر وخرج يوم العاشر من المحرم كما يخرج المارد من قمقمه، وفيما يأتي جملة من أخباره وأفعاله المبينة لحاله وأهدافه وميوله.
الملامح الشخصية لشمر بن ذي الجوشن لعنه الله
مثلما كان يوم عاشوراء يوم ملحمة وصولة للحق على الباطل، كذلك كان هذا اليوم يوم انكشاف الحقائق وسقوط الأقنعة من على وجوه المنافقين والكاذبين والمتسربلين بثوب الإسلام، والشمر بن ذي الجوشن الضبابي كان من أولئك الذين سقط قناع نفاقه وبانت حقيقة أصله ومستواه الفكري والعقائدي الضحل، ومن أمعن النظر في أخبار يوم العاشر من المحرم، ولا سيما الساعات القلائل التي سبقت نشوب الحرب وبدء القتال، وحينما كان الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه يكلمون الناس ويخطبون بالجيش الكافر، رجاء ردعهم واستنقاذ من يمكن استنقاذه منهم، نرى بأن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه قد وصفوا الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله بأوصاف لا تقال إلا للأراذل من الناس، بل قد صُرح في بعض تلك المقولات وصفه بالبهيمة، والملاحظة الجديرة بالاهتمام ان الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله لم يكن ينكر ما يطلق عليه من أوصاف، ولم يتصدّ غيره من أفراد جيشه بالرد والدفاع عنه، مما يعني ان لتلك الأوصاف والأقوال حقيقة وشهرة في ذلك الوقت، لا يمكن دفعها أو الرد عليها، وفيما يأتي جملة من تلك الأوصاف والنعوت التي أطلقها الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه عليه لعنه الله.
1: ابن راعية المعزى
قال الشيخ المفيد في الإرشاد: (وأقبل القوم يجولون حول بيوت الحسين عليه السلام فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان ألقي فيه، فنادى شمر بن ذي الجوشن عليه اللعنة بأعلى صوته: يا حسين أتعجلت النار قبل يوم القيامة؟ فقال الحسين عليه السلام: من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن فقالوا له: نعم، فقال له: يا ابن راعية المعزى، أنت أولى بها صليا)[5].
وقال الطبري: (فحدثني عبد الله بن عاصم قال حدثني الضحاك المشرقي قال لما أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة فلم يكلمنا حتى مر على أبياتنا فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلا حطبا تلتهب النار فيه فرجع راجعا فنادى بأعلى صوته يا حسين استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة فقال الحسين من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن فقالوا نعم أصلحك الله هو هو فقال يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليا)[6].
وسبب تسميته بابن راعية المعزى قد أوضحه الشيخ علي النمازي الشاهرودي بقوله: (وعن كتاب المثالب لهشام بن محمد الكليني: إن امرأة ذي الجوشن خرجت من جبانة السبيع إلى جبانة كندة، فعطشت في طريق ولاقت راعيا يرعى الغنم فطلبت منه الماء فأبى أن يعطيها إلا بالإصابة منها، فمكنته فواقعها الراعي فحملت بشمر. انتهى. قول مولانا الحسين عليه السلام لشمر يوم عاشوراء: يا بن راعية المعزى، أنت أولى بها صليا)[7].
2: هو ابن البوال على عقبيه، الجلف الجافي، والبهيمة، الذي لا يحكم من كتاب الله آيتين
قال الطبري وابن كثير وابن الأثير مع اختلاف بسيط في بعض عباراتهم: (وخرج من أصحاب الحسين زهير بن القين على فرس له شاك في السلاح، فقال: يا أهل الكوفة، نذار لكم من عذاب الله نذار، إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن أخوة، وعلى دين واحد، وملة واحدة، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا أمة وأنتم أمة، إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنا ندعوكم إلى نصره وخذلان الطاغية ابن الطاغية، عبيد الله بن زياد...قال ــ الراوي ــ: فسبوه وأثنوا على ابن زياد ودعوا له، وقالوا: لا ننزع حتى نقتل صاحبك ومن معه. فقال لهم: إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية، فإن أنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم... قال ــ الراوي ــ: فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال له: اسكت أسكت الله نامتك، أبرمتنا بكثرة كلامك، فقال له زهير: يا بن البوال على عقبيه، ما إياك أخاطب؟ إنما أنت بهيمة، والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال له شمر: إن الله قاتلك وصاحبك بعد ساعة، فقال له زهير: أبالموت تخوفني؟ فوالله للموت معه أحب إلي من الخلد معكم. ثم إن زهيرا أقبل على الناس رافعا صوته يقول: عباد الله لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه، فوالله لا ينال شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم قوم أهرقوا دماء ذريته، وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم)[8].
3: انه الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين
قال الشيخ الطوسي قدس الله روحه: (ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين من ذلك، فقال له: دعني حتى أرميه فإن الفاسق من عظماء الجبارين، وقد أمكن الله منه. فقال له الحسين عليه السلام: لا ترمه، فإني أكره أن أبدأهم)[9].
وقال الطبري: (فقال له مسلم بن عوسجة يا ابن رسول الله جعلت فداك ألا أرميه بسهم فإنه قد أمكنني وليس يسقط سهم فالفاسق من أعظم الجبارين فقال له الحسين لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم)[10].
4: انه كلب أبقع يلغ في دم الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وأهل بيته
قال ابن نما الحلي قدس الله روحه: (ثم جاء آخر فقال أين الحسين فقال ها انا ذا قال أبشر بالنار قال ابشر برب رحيم وشفيع مطاع من أنت قال أنا شمر بن ذي الجوشن قال الحسين ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ: الله أكبر قال رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت كأنّ كلبا أبقع يلغ دماء أهل بيتي وقال الحسين ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ: رأيت كأنّ كلابا تنهشني وكأنّ فيها كلبا أبقع كان أشدهم عليّ وهو أنت وكان أبرص)[11].
وقال الصفدي: (وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في نومه كأن كلبا أبقع ولغ في دمه فلما قتل الحسين وكان شمر بن ذي الجوشن به وضح تفسرت رؤياه)[12].
وقال ابن خلكان: (قيل لجعفر بن محمد يعني الصادق كم تتأخر الرؤيا قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم كأن كلبا أبقع يلغ في دمه فكان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين بن علي رضي الله عنه وكان أبرص فكان تأخير الرؤيا بعد خمسين سنة)[13].
5: انه مطبوع على قلبه، لم يكن يفهم شيئا مما يقوله الإمام صلوات الله وسلامه عليه
قال ابن نما الحلي قدس الله روحه: (ومد عمر بن سعد بالعساكر حتى تكملت العدة لست خلون من المحرم عشرين ألفا وضيق على الحسين وأصحابه قام ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ فاتكا على سيفه ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد أيها الناس انسبوني وانظروا من انا ثم ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها هل يحل لكم سفك دمي وانتهاك حرمتي الست ابن بنت نبيكم وابن ابن عمه وابن أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم... هل تطالبوني بقتيل قتلته أو بمال استهلكته أو بقصاص من جراحة فسكتوا فقال شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف إن كان يعرف شيئا مما يقول فقال حبيب بن مظاهر: إني أراك تعبد الله على ألف حرف وإنّي أشهد انك لا تعرف شيئا مما يقول إن الله قد طبع على قلبك)[14].
وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه: (فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول فقال له حبيب بن مظاهر: والله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا، وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك)[15].
وقال ابن كثير: (فقال عند ذلك شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف: إن كنت أدري ما يقول؟ فقال له حبيب بن مظاهر: والله يا شمر إنك لتعبد الله على سبعين حرفا، وأما نحن فوالله إنا لندري ما يقول: وإنه قد طبع على قلبك)[16].
ــــــــــــــــ
[1] الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج 6 ص 46.
[2] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 23 ص186.
[3] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج23 ص189.
[4] المصدر السابق.
[5] الارشاد للشيخ المفيد ج2 ص96 صباح عاشوراء والتعبئة للحرب.
[6] تاريخ الطبري ج 4 ص 321 ــ 322.
[7] مستدركات علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي الشاهرودي ج 4 ص 220، مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي الشاهرودي ج6 ص44 أحوال الشمر بن ذي الجوشن لعنة الله عليه.
[8] تاريخ الطبري ج 4 ص 323 ــ 324، البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 194 ــ 195، والكامل في التاريخ لابن الأثير ج 4 ص63 ــ 64.
[9] الإرشاد للشيخ المفيد ج2 ص96.
[10] تاريخ الطبري ج 4 ص 322.
[11] مثير الأحزان لابن نما الحلي ص 48.
[12] الوافي بالوفيات للصفدي ج 12 ص 266.
[13] وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان ج 7 ص 68، وقريب منه ما في السيرة الحلبية ج1 ص380.
[14] مثير الأحزان لابن نما الحلي ص36 ــ 37.
[15] الإرشاد للشيخ المفيد ج2 ص97 ــ 98.
[16] البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص194.
إرسال تعليق