الطلاق قد يكون مكروها وقد يكون محرما وقد يكون واجبا أو مستحبا

بقلم: الشيخ وسام البلداوي

والطلاق كالزواج ربما تغير حكمه بتغير ظرفه وأسبابه، فربما كان في بعض موارده مكروها ولكن ربما يصبح في موارد أخرى مستحبا أو واجبا أو محرما تبعا للمصلحة أو المفسدة المترتبة عليه.

قال عبد الرحمن بن قدامة: (الطلاق على خمسة أضرب؛ واجب: وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفئة وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأيا ذلك.

والثاني مكروه[1]: وهو الطلاق من غير حاجة إليه لأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها فيكون مكروها.

والثالث مباح: وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر منها من غير حصول الغرض بها.

والرابع مندوب إليه: وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها أو يكون له امرأة غير عفيفة.

قال أحمد لا ينبغي له إمساكها وذلك لأن فيه نقصا في دينه ولا يأمن إفسادها فراشه وإلحاقها به ولدا من غيره... ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق وفي الحال التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر.

والخامس: المحظور وهو طلاق الحائض أو في طهر أصابها فيه وقد أجمع العلماء في جميع الأمصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله ورسوله)[2].

وقال البهوتي في كشف القناع: (ويباح الطلاق عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة أو لسوء عشرتها،وكذا يباح للتضرر بها من غير حصول الغرض بها. فيباح له دفع الضرر عن نفسه. ويكره الطلاق من غير حاجة إليه لحديث ابن عمر: أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق. ومنه أي الطلاق محرم كفي الحيض ونحوه كالنفاس وطهر وطئ فيه. ومنه أي الطلاق واجب كطلاق المولى بعد التربص أربعة أشهر من حلفه إذا لم يفئ. ويستحب الطلاق لتفريطها أي الزوجة في حقوق الله الواجبة مثل الصلاة ونحوها، ولا يمكنه إجبارها عليها أي على حقوق الله. ويستحب الطلاق أيضا في الحال التي تحوج المرأة إلى المخالعة من شقاق وغيره، ليزيل الضرر وكونها غير عفيفة.

ويستحب الطلاق أيضا لتضررها ب‍بقاء النكاح لبغضه أو غيره. ويجب الطلاق لتركها عفة ولتفريطها في حقوق الله تعالى. قال الشيخ: إذا كانت تزني لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال بل يفارقها،وإلا كان ديوثا. وورد لعن الديوث، واللعن من علامات الكبيرة على ما يأتي. فلهذا وجب الفراق وحرمت العشرة)[3].

وقال المحقق البحراني: (قد تكاثرت الأخبار وبه صرح جملة من علمائنا الأبرار، بكراهة الطلاق مع التئام الأخلاق. فروى في الكافي عن سعد بن طريف عن أبي جعفر صلوات الله وسلامه عليهما قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل فقال: ما فعلت امرأتك؟ فقال: طلقتها يا رسول الله. قال: من غير سوء؟ قال: من غير سوء.

ثم إن الرجل تزوج فمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: تزوجت؟.

فقال: نعم. ثم مر به فقال له بعد ذلك: ما فعلت امرأتك؟.

قال: طلقتها.قال: من غير سوء؟ قال: من غير سوء.

ثم إن الرجل تزوج فمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: تزوجت؟.

فقال: نعم، ثم قال له بعد ذلك: ما فعلت امرأتك؟.

قال: طلقتها، قال: من غير سوء؟ قال: من غير سوء.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله عز وجل يبغض أو يلعن كل ذواق من الرجال، وكل ذواقة من النساء".

وعن أبي خديجة عن أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه " قال: إن الله عز وجل يحب البيت الذي فيه العرس، وما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من الطلاق".

أقول[4]: وإنما حملنا هذه الأخبار مع إطلاقها على التئام الأخلاق، لورود أخبار أخر في مقابلتها دالة على الأمر بالطلاق مع عدم التئام الأخلاق.

ومنها ما رواه في الكافي عن عثمان بن عيسى عن رجل عن أبي جعفر صلوات الله وسلامه عليه" أنه كانت عنده امرأة تعجبه، وكان لها محبا، فأصبح يوما وقد طلقها، واغتم لذلك، فقال له بعض مواليه: جعلت فداك لم طلقتها؟ فقال: إني ذكرت عليا صلوات الله وسلامه عليه فتنقصته فكرهت أن ألصق جمرة من جمر جهنم بجلدي"...)[5].

 وعليه يصبح ما عرف عن كراهيته أو مبغوضيته غير عام، فربما كان إيقاعه في بعض الحالات واجبا يعاقب الزوج ويؤثم على عدم الامتثال والإسراع بإصداره، وربما كان مستحبا يثاب الزوج ويؤجر من قبل الله تعالى عليه لان هذا هو معنى الاستحباب، وعليه تكون المبغوضية والكراهة لا تشمل كل أفراد الطلاق ومصاديقه، فكثير من موارده ومصاديقه بناءً على ما تقدم تكون مبررة ومشروعة.


ـــــــــــــــــــــــ
[1] ما زال الكلام لعبد الرحمن بن قدامة.
[2] الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامه ج 8 ص 234 ـــ 235.
[3] كشاف القناع للبهوتي ج 5 ص 266 ــ 267.
[4] ما زال الكلام للمحقق البحراني رحمه الله.
[5] الحدائق الناضرة للمحقق البحراني ج 25 ص 145 ـــ 147.

إرسال تعليق