بقلم: السيد ياسين الموسوي
لم يكن نوّاب الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف الخاصّون الأربعة في كفاءاتهم الذاتية كباقي النَّاس، وإنَّما كانوا يتميزون بصفات إعجازية في الوقت الذي كانوا يَظْهَرُون فيه أمام الناس, ومجتمعهم بسلوكهم العادي, وكانوا يمارسون الحياة العادية اليومية, ويعملون بأبسط الأعمال التي لا تثير انتباه أحد.
وقد حفظ لنا التاريخ أنَّ النائب الأول عثمان بن سعيد العَمْرِي كان يمتهن السَّمانة (كان يتّجربالسَّمْن)[1], ولذلك كان يسمى بالسمّان[2], (وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمَّد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو, فيجعله في جراب السمن, وزِقاقه, ويحمله إلى أبي محمَّد عليه السلام تقية, وخوفاً)[3].
وكانت للكرامات التي تظهر على أيدي نوّاب الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف الخاصّين الأثر الكبير في تثبيت حقيقة اتصالهم المباشر بالإمام, لاستحالة أنْ تصدر مثل تلك الكرامات عن غيره، ولإنَّ تلك الكرامات كانت تظهر بالعادة على أيدي آبائه المعصومين عليهم السلم من قبل، اضافة إلى ذلك فإنَّ ظهور تلك الكرامات على أيدي النواب الأربعة عليهم السلم تصدّق مدعاهم للنيابة الخاصَّة عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وقد رأى كبار فقهاء الشيعة في عصر الغيبة الصغرى تلك الكرامات بأمِّ أعينهم, واستيقنوا بها, وعلموا صدورها عن قلب عالم الإمكان عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولهذا السبب قال الشيخ الطوسي في غيبته:
(قال ابو العباس: وأخبرني هبة الله بن محمَّد أبن بنت أُم كلثوم بنت أبي جعفر العَمْري (رضي الله عنه), عن شيوخه, قالوا: لم تزل الشيعة مقيمة على عدالة عثمان بن سعيد, ومحمَّد بن عثمان (رحمهما الله تعالى) إلى أنْ توفي أبو عمرو عثمان بن سعيد (رحمه الله تعالى), وَغَسَّلَهُ ابنه أبو جعفر محمَّد بن عثمان, وتولىَّ القيام به، وجعل الأمر كله مردوداً إليه، والشيعة مجتمعة على عدالته, وثقته, وأمانته لما تقدم له من النَّص عليه بالأمانة, والعدالة, والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه السلام ، وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد؛ لا يختلف في عدالته, ولا يرتاب بأمانته؛ والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمات طول حياته بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان, لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره, ولا يرجع إلى أحد سواه.
وقد نقلت عنه دلائل كثيرة, ومعجزات الإمام ظهرت على يده, وأمُور أخْبَرَهُم بها عنه، زادتهم في هذا الأمر بصيرة.وهي مشهورة عند الشيعة[4].
وقال الشيخ الراوندي (المتوفى سنة 573هـ) في خرائجه:
(وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد إلى الأبواب [النواب خ.ل] المنصوبين بها, وتخرج من عندهم التوقيعات, أولُّهم [وكيل أبي محمَّد عليه السلام ] الشيخ عثمان بن سعيد العَمْري، ثُمَّ ابنه أبو جعفر محمَّد بن عثمان، ثُمَّ أبو القاسم الحسين بن روح, ثُمَّ الشيخ أبو الحسن علي بن محمَّد السمري، ثُمَّ كانت الغيبة الطولى.
وكان كل واحد منهم يعرف كمية المال جملة, وتفصيلا, ويسمون أربابها بإعلامهم ذلك من القائم عليه السلام .
والخبر الذي ذكرناه آنفا يدل على أنَّ خلفاء بني العباس خلفاً عن سلف منذ عهد الصادق إلى ذلك الوقت كانوا يعرفون هذا الأمر, ويطَّلعون على أحوال الأئمة, فقد كانوا يرون معجزاتهم على ما تقَّدم كثير منها, [فلهذا كفَّ الخليفة جعفر عن القوم, وعمَّا معهم, وعمَّا يصل إليهم من الأموال, ودفع جعفر الكذاب عن مطالبتهم] ولم يأمرهم بتسليمها اليه وانه كان يحب ان يخفى هذا الامر ولايشتهر لئلا يهتدي الناس إليهم.
وقد كان جعفر حمل عشرين الف دينار إلى الخليفة لما توفي الحسن العسكري عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبةَ اخي ومنزلته؟
فقال الخليفة: إنَّ منزلة أخيك ليست منَّا إنَّما كانت من الله, ونحن كنّا نجتهد في حط منزلته, والوضع منه, وكان الله يأبى إلا أنْ يزيده كل يوم بما كان معه من الصيانة، وحسن السمت، والعلم وكثرة العبادة.
وإنْ كنت عند شيعة أخيك بمنزلته, فلاحاجة بك الينا, وإنْ لم تكن عندهم بمنزلته, ولم يكن فيك ما في أخيك لم نُغنِ عنك في ذلك شيئاً)[5].
ـــــــــــــــ
[1] الغيبة/ الطوسي/ ص354.
[2] الغيبة / الطوسي/ ص354.
[3] الغيبة / الطوسي/ ص354
[4] الغيبة / الطوسي / ص362، ح327.
[5] الخرائج والجرائح / الراوندي / ج3، ص1108 ــ 1109.
إرسال تعليق