بقلم: الشيخ راضي آل ياسين
اللهم اشهد باننا نبرأ اليك من الشريعة التي قتل بسيفها الحسين (عليه السلام) ، انها النعرة التي عرفناها منذ اكثر من الف عام ولكأن العصبية الذميمة ميراث من مواريث الامجاد الغالية التي يجب ان يحتفظ بها الخلف عن السلف وان تخضع لنواميسها لقرون بعد القرون.
والواقع ان فقد المقاييس لدى زمرة من هؤلاء الناس وضعف التفهم للاسس التي قام عليها السلام منذ اراد الله الاسلام على معناه الصحيح، هو مبعث كل هذا التبلبل الفج وهذه النعرات الهوجاء التي لا تصغي الى دليل ولا تعتمد على منطق ولا تمت بصلة الى دين او يقين.
وليت هذا الجاهل المأفون الذي يتشدق بهذه الاكذوبة غير متحرج ولا متأثم دلنا على هذه المادة التي يستند اليها في ارسال هذه النسبة الى الشريعة ((وهي منه براء))، ولعله سوف لا يجد له دليلاً ولا شبه دليل فيما بين يدي هذه الشريعة من مصادر التشريع وادلة الحكم الاشبه واحدة تحتضنها الذهنية الموروثة من هذه العصبيات الوقحة فتخلف منها هيكلاً هداماً فضيعاً، وهي ((ان قاتل الحسين خليفة شرعي والمقتول بسيف الخليفة الشرعي مقتول بسيف الشريعة)).
قد تكون هذه شبهة، وقد لا تكون الا شبيهة لها في الصيغة دون الحقيقة، وعلى كل فانها لا تفتأ ان تتحطم عند النظرة الخاطفة في تمييز من هو الخليفة الشرعي من هذين المتحاربين، ولنرجع اولاً الى استعراض الحوادث بنحو من الاستعراض الذهني يوم اراد معاوية بن ابي سفيان فرض ولده أو ((ربيبه)) يزيد ولياً لعهده، وكيف استقصت عليه هذه المشكلة وأباها عليه حتى زياد بن ابيه ((دعي معاوية وواليه على البصرة يومذاك)) منكراً على يزيد دعارته واستهتاره المانعين له من تسنم منصب رفيع، كالخلافة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم لنستذكر كيف حضر معاوية المدينة يومئذ وكيف امتنع قادة المسلمين واهل الحل والعقد فيها عن تنفيذ شهوته في ابنه يزيد وكيف تقول عليهم أخيراً تحت تأثير السيف فأعلن عنهم البيعة بأفظع اساليب الارهاب.
ويزيد من الناس في زمانه وعرف التاريخ الى زماننا هذا، رجل النرد والخمرة والطنبور، وحليف اللهو والفسق والفجور والشباب الخليع المستهتر بكل نواميس الشرف والدين، وهادم الكعبة أخيراً ومستبيح مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وليس في قواميس الاسلام ما يستسيغ للمركز الاعلى رجلاً مثل يزيد المصاب في دينه وفي نسبه وخلقه [ولا شك ان معاوية كان يعرف نفسه من ابنه وربيب حضنه ويعلم ان الدين والصالح العام لا يرضيان مثل هذه البيعة، ويعلم انها اذا وقعت فسوف تكلف الدين والمصلحة العامة ثمناً غالياً] ولكنه مع ذلك حاول جاداً ان يفرضها على المسلمين فرضاً، وان يتوسل اليها بهذه المناورات والمداولات المفضوحة المتركزة على الشهوة بالملك والمجلوة بكل وسائل الباطل المكشوف، لا اقل ولا اكثر واذا معاوية اراد ذلك استأثاراً بالملك لأهل بيته، فان ارادته لا تغير الواقع عن واقعه، ولا تجعل ما يكون كائناً، ولا تصوغ من خلاف الدين ديناً.
ويزيد بن معاوية في نظر الدين والشريعة بعد لايزال رعية في الرعاع، وهذه المهمة التي يسميها معاوية بيعة كأن لم تكن، وعرش الخلافة لايزال شاغراً من الخليفة الحق، اما البطل الذي تملل في عاصمة الرسالة أحياء السنة واماتة البدعة، وبايعه المسلمون في اثنى عشر الف كتاب وهو بعد لم يخرج من صومعته في مهابط الوحي ومنازل النبوة، فهو سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي وبن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهم ولديه من كرائم القيم، وفضائل الخلق الملائكي، والعلم النبوي والعبادة والزهادة والشجاعة والكرم والتضحية في الحق والاباء عن الضيم والخشونة في ذات الله تعالى مالا يلحقه فيه لاحق ولا يفوقه فائق –ذلك مالا يشك فيه مسلم او راوية او مؤرخ على طول التاريخ.
وكان بمؤهلاته الشخصية ديناً ونسباً وخلقاً، رجل الساعة المنتظر لانقاذ العرش الاسلامي من يد مغتصبين، وهو أحق الناس يومئذ بالخلافة عن أبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان الى جنب هذه القابليات الممتازة، الامام المفروض الامامة على المسلمين بنصوص لاتقبل الجدل وأدلة كثر لا تحصيها هذه العجالة ولا ننس قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما تواتر فيه وفي أخيه ((هذان امامان قاما أو قعدا)) زد على ذلك ان الكتاب طهره من الدنس والرجس تطهيراً ولوح بذلك الى عصمته من الذنوب كلها، كما انه فرض مودته على المسلمين عامة الى غير ذلك.
ولعل هذه المحاكمة التاريخية العابرة كفتنا مؤونة الحكم في تعيين الخليفة بحق من هذين المتحاربين وفي معرفة الباغي منهما على صاحبه، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون،والعاقبة للمتقين.
كما عرفتنا الحوادث الزمنية بعد مصرع الامام الحسين بن علي (عليه السلام) ان حبائل الكيد التي مدها يزيد بن معاوية الاموي لقتل حركة الانقاذ الحسينية هي نفسها كانت حبل المشنقة التي صعد اليها يزيد وآل يزيد، مرغمين في ظرف احدى وسبعين سنة تنفيذاً لحكم الاعدام الذي اصدره مصرع الحسين في كربلاء على هذه الشجرة الملعونة في القرآن، ومن ذلك تم نجاح الحركة وتنفس الناس الصعداء.
فالقاتل في واقعة كربلاء بنظر الحقيقة هو المقتول ابدياً، والمقتول فيها هو الفاتح المنتصر على مدى التاريخ، ومن هنا تأويل قول الحسين (عليه السلام) وهو يودع اهله وذريته في مكة متجهاً الى مصرعه في الطف ((من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح)).
إرسال تعليق