بقلم: السيد ياسين الموسوي
وربما يثار سؤال مهم يتعلق بالسبب الذي دعى أنْ تكون ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف متأخرة في حياة أبيه العسكري عليه السلام, فاحتاج إلى تمهيد له فيتقدّم مَنْ يُمَهِّد له, وهما جدّاه الإمام الجواد عليه السلام والإمام الهادي عليه السلام, بينما كان يمكن أنْ يطوّل الله عزَّ وجل عمر الإمام العسكري عليه السلام إلى أنْ يبلغ المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من حيث السن العمر الطبيعي الذي يقوم به عادة الآخرون من الناس بالمهمات القيادية... .
وربما يقال أكثر من ذلك, وهو: أنَّ وصول السيدة نرجس (رضوان الله عليها) إلى بيت الإمامة كان في عهد الإمام الهادي عليه السلام؛ فلو كان المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف قد ولد في حياة جدّه الإمام الهادي عليه السلام لكان له من العمر ما يجعله مستغنياً عن ضرورة قيام الإمامين السابقين (الجواد والهادي عليهما السلام), بالإمامة بصغر السن.. خصوصاً اننا معاشر الشيعة نؤمن أنَّ جميع فواصل حياة الائمة عليهم السلام مرسومة من قبل الله عزَّ وجل قبل أنْ يأتوا إلى هذه الدنيا.. فما هو الدَّاعي لهذا العمر الصغير بالذات؟.
وربما يجاب على هذا السؤال بجوابين:
الجواب الأول: يُعالَج السؤال من وجهة عملية طبيعية بدراسة الظروف التي من المقرر أنْ يولد فيها الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإنَّه وُلِدَ في ظروف الإرهاب, والقمع العباسي، وبالخصوص فإنَّ السلاطين، وأعوانهم كانوا يعلمون بما سمعوه, وتعلّموه من الرِّواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هلاك الظلم والطغيان في الارض سوف يكون على يد الثاني عشر من الائمة عليهم السلاموهو المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وبالطبع فهم مطمئنّون جداً بانَّ دولتهم تشكل جزءاً من حلقات الظلم، بل أبرزها في هذه الأرض، وبالتالي فسوف يقع قضاء سلطانهم وكيانهم على يد هذا الإمام الثاني عشر عليه السلام, ولذلك فقد اشتدّوا بالبحث عنه، لأجل القضاء عليه، وقد عينوا الجواسيس التي كانت تطوف حول بيت الإمام العسكري عليه السلام،وبذلوا الهدايا، والأموال من أجل الوصول اليه..
وقد نقل التاريخ من تلك الاعمال العدوانية شيئاً كثيراً لامجال لنقْلهِ هنا..
ولذلك ولأجل التخلص من المتابعات الأمنية عولجت مشكلة إرهاب الدولة العباسية للشيعة بإخفاء (المنقذ) عن الأنظار من يوم ولادته إلى يوم ظهوره؛ وهذا الأسلوب الإلهي لم يكن بِدْعاً، ولا جديداً في حركة الأنبياء والأوصياء، وإنَّما هو موجود في حياة كثير من الأنبياء والأوصياء، وأبرزه ما ظهر في حياة النبي موسى عليه السلام، وولادة النبي عيسى عليه السلام من غير أب، وهو ما يُرشد إليه المنصوص في ما أخبر النبي والمعصومون عليهم السلام شَبَهَهُ عجل الله تعالى فرجه الشريف بالسابقين من الأنبياء عليهم السلام. وسوف يكون صغر السن مطلوباً, وضرورياً من أجل الحفظ على سلامة المولى (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
والجواب الثاني: إنَّ السرَّ الإلهي في صغر سنِّه عليه السلام باطن سرّ الله (عزَّ وجل) بطول عمره الشريف؛ وإنّ إدراك أسرار الله تعالى خاص بأهل سرِّه وقد خلق الله تعالى الوجود أسراراً في أسرار دون أن يستثني منها شيئاً أو أحداً، ولكنَّه جعل بعضها معلوماً عند بعض خلقه, مجهولاً عند غيرهم، يختص برحمته من يشاء، فالحياة سرٌّ، والوفاة سرٌّ، والروح سرٌّ، والرزق سرٌّ، والسماء سرٌّ، والجنة والنار سرٌّ، وإن أراد أحد أنْ يَعدَّ أسرار الله تعالى فإنَّه سوف يعجز ولا يقدر أنْ يحصيها.
إرسال تعليق