بقلم: الشيخ علي الفتلاوي
العصمة: هي التنزه عن الوقوع في المعصية خطأ ونسياناً ولهواً، وهي أيضا عدم النسيان والخطأ والسهو فيما يخص حجية المعصوم على الخلق.
المعصوم: هو الشخص الذي طهر باطنه وظاهره وقوله وفعله وهو أعم من النبي والإمام.
الإمامة: هي الخلافة الإلهية التي يجعلها الله تعالى لعباده الذين اصطفى.
فالإمامة كما ورد في كثير من الروايات هي نظام الأمة وزمام الدين وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين ونظام المسلمين، فلابد لمن اتصف بها أن يكون مصداقاً لها ولابد أن يتصف بصفات تؤهله أن يكون خليفة الله تعالى في الأرض وحجته على خلقه وإلاّ لساخت الأرض بأهلها ولاضطربت الحياة وفسد الناس واستولى الباطل على الحق وعمت الفوضى وانتشر الضلال وساد الجهل وهلك الحرث والنسل، ولهذا جاءت الأحاديث الشريفة تبين لنا صفات الإمام ومؤهلاته.
1ــ الإمام لابد أن يكون أعلم أهل زمانه ولابد أن يتصف بالصبر كما ورد في الحديث:
قال الإمام علي عليه السلام: «لاَ يَحْمِلُ هذا الأمْرَ إلاّ أهْلُ الصَّبْرِ وَالبَصَرِ والعِلْمِ بِمَواقِعِ الأمْرِ»[1].
2ــ لابد أن يكون حاذقاً في فن إدارة البلاد وسياسة العباد كما جاء ذلك في قول الإمام الرضا عليه السلام في صفة الإمامِ: «مُضْطَلِعٌ بالإمامَةِ، عالِمٌ بِالسِياسَةِ»[2].
3ــ لابد أن يكون ذا بصيرة وذا لسان بليغ وقلب شجاع مقدام وهذا ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «يَحْتاجُ الإمامُ إلى قَلْبٍ عَقُولٍ، ولِسانٍ قَؤولٍ، وَجَنانٍ على إقامَةِ الحَقِّ صَؤولٍ»[3].
4ــ لابد أن يكون منزهاً عن المداهنة والتملق والجشع كما أكد على ذلك الإمام علي عليه السلام بقوله: «لا يُقيمُ أمْرَ اللهِ سُبْحانَهُ إلاّ مَنْ لاَ يُصانِعُ وَلاَ يُضارِعُ وَلاَ يَتَّبِعُ المَطامِعَ»[4].
5ــ لابد أن يكون فوق الشبهات وفوق الاتهامات وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام بقوله: «إنَّ الإمامَ لاَ يَسْتَطيعُ أحَدٌ أنْ يَطْعَنَ عَلَيْهِ في فَمٍ ولاَ بَطْنٍ وَلاَ فَرْجٍ، فَيُقالَ: كَذّابٌ، وَيَأكُلُ أمْوالَ النّاسِ، وما أشْبَهَ هذا»[5].
6ــ لابد أن يكون منحدراً من أصلاب طاهرة وأرحام مطهرة، وأن يتصف بالجد والوقار وهذا ما صرح به الإمام الباقر عليه السلام بقوله في تبيين علامة الإمام: «طَهارَةُ الوِلادَةِ وَحُسْنُ المَنْشأ، وَلاَ يَلْهو، وَلاَ يَلْعَبُ»[6].
7ــ لابد أن يتخذ القرآن دستوراً والعدل سيرة ولا تأخذه في الله لومة لائم وهو ما أرشدنا إليه الإمام الحسين عليه السلام في كتابه إلى أهل الكوفة بقوله: «فَلَعَمْري، ما الإمامُ إلاّ الحاكِمُ بِالكِتابِ، القائِمُ بِالقِسْطِ، الدّائِنُ بِدينِ الحَقِّ، الحابِسُ نَفْسَهُ عَلى ذاتِ اللهِ»[7].
8ــ لابد أن يكون أفضل أهل زمانه في الصفات الكمالية وهو ما صرح به الإمام الرضا عليه السلام بقوله: «لِلْإمامِ عَلاَماتٌ: (أنْ) يَكونَ أعْلَمَ النّاسِ، وأحْكَمَ النّاسِ، وأتْقى النّاسِ، وأحْلَمَ النّاسِ، وأشْجَعَ النّاسِ، وأسْخى النّاسِ، وأعْبَدَ النّاسِ»[8].
9ــ لابد أن يكون معصوماً من الخطأ والسهو والنسيان كما أكد ذلك أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «الإمامُ المُسْتَحِقُّ للإمامَةِ لَهُ عَلاَماتٌ، فَمِنْها: أنْ يُعْلَمَ أنَّهُ مَعْصومٌ مِنَ الذُّنوبِ كُلِّها صَغيرِها وكَبيرِها، لاَ يَزِلُّ في الفُتْيا، ولا يُخْطئُ في الجَوابِ، وَلاَ يَسْهو وَلاَ يَنْسى، وَلاَ يَلْهو بِشَيءٍ مِنْ أمْرِ الدُّنْيا».
والثّاني: أنْ يَكُونَ أعْلَمَ النّاسِ بِحَلالِ اللهِ وَحَرامِهِ وضُرُوبِ أحْكامِهِ وأمْرِهِ ونَهْيِهِ وَجَميعِ ما يَحْتاجُ إلَيهِ النّاسُ، (فَيَحْتاجُ النّاسُ إلَيْهِ) وَيَسْتَغْني عَنْهُمْ»[9].
وفي قول آخر: «كِبارُ حُدودِ وَلاَيَةِ الإمامِ المَفْروضِ الطّاعَةِ أنْ يُعْلَمَ أنَّهُ مَعْصومٌ مِنَ الخَطأِ والزَّلَلِ والعَمْدِ، ومِنَ الذُّنوبِ كُلِّها صَغيرِها وكَبيرِها، لا يَزِلُّ ولا يُخْطئُ، ولاَ يَلْهو بِشَيءٍ مِنَ الأمورِ المُوبِقَةِ للدِّينِ، ولا بِشَيءٍ مِنَ المَلاهي، وأنَّهُ أعْلَمُ النّاسِ بِحَلالِ اللهِ وَحَرامِهِ، وفَرائِضِهِ وسُنَنِهِ وأحْكامِهِ، مُسْتَغْنٍ عَنْ جَميعِ العالَمِ، وغَيْرُهُ مُحْتاجٌ إلَيْهِ، وأنَّهُ أسْخى النّاسِ وأشْجَعُ النّاسِ»[10].
10ــ أن يعيش الإمام وسط الناس مواسياً لهم، رحيما بهم، قدوة يحتذي به الفقراء وهذا ما ورد في الأحاديث الشريفة عن أمير المؤمنين عليه السلام إذ يقول: «ثَلاَثَةٌ مَنْ كُنَّ فيهِ مِنَ الأئِمَّةِ صَلُحَ أنْ يَكونَ إماماً اضْطَلَعَ بِأمانَتِهِ: إذا عَدَلَ في حُكْمِهِ، وَلَمْ يَحْتَجِبْ دُونَ رَعِيَّتِهِ، وَأقامَ كِتابَ اللهِ تَعالى في القَريبِ، وَالبَعيدِ»[11].
وعن الإمام الباقر عليه السلام: «وحسن الخلافة على من وليَ حتى يكون له كالوالد الرحيم»[12].
وما يؤكد على ضرورة أن يكون للفقراء قدوة قول أمير المؤمنين عليه السلام: « هَجَم َ بِهِمُ العِلْمُ عَلى حَقيقَةِ البَصيرَةِ، وَباشَروا رُوحَ اليَقينِ، واستلانوا ما اسْتوعره المترفون... أولئك خلفاء الله في أرضه»[13].
بعد معرفة هذه الصفات الكمالية للمعصوم صار لابد لنا أن ننظر بعين البصيرة إلى من اتصف بهذه الصفات لنختاره إماماً لنا كي نصل إلى غايتنا وهي النجاة في الدنيا والآخرة، وهذا ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: «إنَّ أئِمَّتَكُمْ وَفْدُكُمْ إلى اللهِ، فانْظُروا مَنْ تُوفِدونُ في دِينِكُمْ وَصَلاتِكُم»[14].
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ أئِمَّتُكُمْ قادَتُكُمْ إلى اللهِ، فانْظُروا بِمَنْ تَقْتَدونَ في دِينِكُمْ وَصَلاتِكُمْ»[15].
ولا شك أن إمام الدين أعم من إمام الصلاة وغيرها، وبخلاف ذلك سننال سخطا من الله تعالى وعذابا أليما فلذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لأُعَذِّبَنَّ كُلَّ رَعِيَّةٍ في الإسْلامِ أطاعَتْ إماماً جائِراً لَيْسَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإنْ كانَتِ الرَّعِيَّةُ في أعْمالِها بَرَّةً تَقِيّةً»[16].
ـــــــــــــــــ
[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج7، ص36. ميزان الحكمة: ج1، ص157، ح846.
[2] الكافي: ج1، ص202، ح1. ميزان الحكمة: ج1، ص157، ح847.
[3] غرر الحكم: 11010. ميزان الحكمة: ج1، ص157، ح848.
[4] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18، ص220. ميزان الحكمة: ج1، ص157، ح851.
[5] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18، ص274. ميزان الحكمة: ج1، ص157، ح852.
[6] الكافي: ج1، ص284، ح3. ميزان الحكمة: ج1، ص157 ــ 158، ح853.
[7] الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص39. ميزان الحكمة: ج1، ص158، ح856.
[8] معاني الأخبار: ص102، ح4. ميزان الحكمة: ج1، ص158، ح857.
[9] بحار الأنوار: ج25، ص164. ميزان الحكمة: ج1، ص158 ــ 159، ح861.
[10] بحار الأنوار: ج68، ص389، ح39. ميزان الحكمة: ج1، ص159، ح862.
[11] كنز العمال: 14315. ميزان الحكمة: ج1، ص158، ح855.
[12] الخصال للشيخ الصدوق: ص116، ح97.
[13] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18، ص347. ميزان الحكمة: ج1، ص158، ح860.
[14] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج11، ص88. ميزان الحكمة: ج1، ص162، ح878.
[15] بحار الأنوار: ج23، ص30، ح46. ميزان الحكمة: ج1، ص162، ح879.
[16] بحار الأنوار: ج25، ص110، ح1. ميزان الحكمة: ج1، ص162، ح882.
إرسال تعليق